المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

Structural isomerism: ionization isomers
27-2-2017
تقنيات الهجوم المحتملة على خدمات ومعلومات الحكومة الألكترونية
16-8-2022
طرق اجراء العدوى الصناعية بالفيروس
22-12-2015
بعض احوال عبد الملك بن مروان
17-11-2016
الإلكترونات
2023-03-22
[2+2]-Cycloaddition
2-9-2018


الأخفش الأوسط  
  
5448   05:43 مساءاً   التاريخ: 27-03-2015
المؤلف : د. محمد المختار ولد اباه
الكتاب أو المصدر : تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب
الجزء والصفحة : ص115- 123
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / المدرسة البصرية / أهم نحاة المدرسة البصرية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015 1356
التاريخ: 27-02-2015 2808
التاريخ: 27-02-2015 7534
التاريخ: 12-08-2015 1552

إن من اتبع مراحل عهود التدوين الأولى من تاريخ النحو لا يصطدم بعقبات كثيرة، لأن أمامه ثلاثة معالم تنير له الطريق، سيمرّ أولا بعيسى بن عمر ليسمع عن جامعه و إكماله، ثم يمثل بين عينيه علم الخليل، إلى أن يصل إلى شاطئ البحر الذي تجمعت فيه روافد هذا العلم، ألا و هو كتاب سيبويه. و بعد استجلاء ظاهرة الكتاب، و استكمال عملية التدوين، تستوقف الباحث عقبة مفاجئة ليس من السهل اجتيازها، هذه العقبة يضعها أمامنا عالم معاصر لسيبويه، شاركه في السماع من شيوخه، و تدارس معه الكتاب الذي

ص115

 لم يعرف إلا عن طريقه. هذا العالم هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة البلخي المجاشعي بالولاء، و المشهور بالأخفش الأوسط.

و ليس من المبالغة أن نقول إنه ما من أحد تردد اسمه في مصادر النحو مثل ما تردد اسم أبي الحسن الأخفش. و لا غرابة في هذا إذا استذكرنا أنه استوعب علم سيبويه لما قرأ عليه الكتاب و في ذلك يقول (كان آنذاك أعلم مني، و أنا اليوم أعلم منه(1) ثم إنه قبل دراسته تربى في بيئة عربية خالصة، و سمع من فصحاء بادية البصرة، و أفاد الكثير من علمائها، ثم انتقل إلى بغداد، و توطدت العلاقة بينه و بين أستاذ الكوفة الكسائي الذي سمع منه كتاب سيبويه، و تأثر كل منهما بالآخر؛ ثم تتلمذ له علمان من أجل أعلام المدرسة البصرية، و هما أبو عمرو الجرمي، و أبو عثمان المازني، فصار نحو الأخفش بمثابة المجمع الذي انصبت فيه موارد مختلفة و انطلقت منه مصادر متشعبة، حملت بعض المؤرخين المعاصرين على القول بأنه أول من فتح الخلاف على سيبويه. كان ذلك رأي الأستاذ شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية، بيد أن البحث المستفيض الذي خصص له في هذا الكتاب لا يكشف كل ما  يحيط بشخصية الأخفش من ضباب (2) ذاك أن الدكتور شوقي ضيف استنتج من صلاته بالكسائي، و تأثيره على الفراء و اعتماده مجموعة من الآراء خالف فيها أئمة البصريين، أنه أستاذ المدرسة الكوفية. و المسائل التي تأسس عليها هذا الحكم استخلصت من ثنايا ما روي عن ابن هشام في المغني، و السيوطي في الهمع، لكن لما نشر له كتاب معاني القرآن بتحقيق د. عبد الأمير الورد، و بعد الدراسة الشاملة التي خصص له هذا المحقق في كتاب «منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية» صار في الإمكان إجراء مقارنة بين ما نسب إلى الأخفش في كتب المتأخرين و ما هو مثبت في كتاب معاني القرآن. و الذي يتضح من هذه المقارنة أن أكثر القضايا التي تناولها في كتاب معاني القرآن، تابع في أكثرها رأي البصريين خلافا لما ذكر عنه، إذ من المحتمل أن تكون آراؤه قد تعددت في القضية الواحدة.

و ضياع أصول أكثر مؤلفاته و بالخصوص كتاب المسائل الكبرى يؤيد هذا الاحتمال.

فهل للأخفش مذهبان: قديم و جديد؟ إن انتقاله من الوسط البصري الذي استكمل فيه ثقافته الأصلية و اتصاله بعلماء الكوفة و علاقته التي توطدت مع الكسائي و أتباعه، قد يؤدي إلى القول بأن له مذهبين، أحدهما بصري متأصل و الثاني ذو نزعة كوفية متفتحة.

ص116

آراؤه في مذهبيه القديم و الجديد

و لقد أوضح مؤلف كتاب منهج الأخفش القضايا الخلافية التي تابع فيها الأخفش رأي الخليل و سيبويه، و المسائل التي خالفهم فيها. و المسائل التي خالف فيها الأخفش رأي سيبويه ليست كلها من اجتهاداته فقد تابع عيسى بن عمر في جواز فصل المضاف و المضاف إليه بأجنبي، و ذكر أنه سمع منه قول الشاعر:

فزججتها بمزجّة                         زجّ القلوص أبي مزاده (3)
و عزا إلى حمزة بن حبيب الزيات ( وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ اَلَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحٰامَ ) (النساء -الآية 1) منصوبة أي «و اتقوا الأرحام» و قال بعضهم و «الأرحام» جرا و الأول أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور، و أنشد سيبويه:
فاليوم قرّبت تهجونا و تشتمنا            فاذهب فما بك و الأيّام من عجب 
و الذي يتضح أن رأيه الخاص يختلف عما روي عن يونس إذ صرح في معاني القرآن بأن النصب أحسن (لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور)(4).

و من مسائل الخلاف بين سيبويه و الأخفش إعراب ضمير النصب المتصل ب‍ (عسى) إذ يرى سيبويه أنها في هذه الحالة حرف مثل «لعل» أما الأخفش فيزعم

أن ضمير النصب هنا عاقب ضمير الرفع، مثل ما هو الحال في «لولاك» حيث جاء الكاف بدلا من ضمير الرفع. إذ الحق أن يقال (لو لا أنت) (5).

و قد يكون من مذهبه القديم الذي بقي مستمسكا به بعض القضايا التقديرية التي لا أثر لها في الإعراب، و التي خالف فيها الخليل و سيبويه، مثل قوله بأن حروف اللين في الجمع و التثنية دلائل إعراب و ليست حروف إعراب، و الإعراب فيها يأتي بحركات مقدرات على الحرف الذي قبلها(6). كما يقدر حركات إعراب قبل حروف اللين في الأسماء الخمسة و قبل الضمائر في الأفعال الخمسة (7). و منها أن العامل في النعت ليس العامل في المنعوت و إنما هو المنعوت نفسه، إذ يعرب بإعرابه(8)، و أن الرفع أصل في المبتدأ و الفاعل معا (9).

ص117

و منها كذلك منعه إيلاء «كان و أخواتها» معمول خبرها، و لو كان مجرورا.

و لنذكر هنا قول ابن مالك:

و لا يلي العامل معمول الخبر                     إلاّ إذا ظرفا أتى أو حرف جرّ 
فعند الأخفش لا يقاس على قول الشاعر:
فلا تلحني فيها فإن بحبّها                        أخاك مصاب القلب جمّ بلابله(10) 
و على قول الشاعر:

و لو لا بنوها حولها لخبطتها                      كخبطة عصفور و لم أتلعثم (11)

أما في مذهبه الجديد فقد ساير فيه الاتجاه الكوفي دون أن ينسلخ من بصريته الأصلية، و مع ذلك فقد وسّع أفق القياس. فنراه يجيز أفعل التفضيل في الألوان قياسا على قول الراجز:
    جارية في درعها الفضفاض                      أبيض من أخت بني أباض (12)
و قال بجواز العطف بالمرفوع على اسم «إن» استدلالا بقوله تعالى: (إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَلَّذِينَ هٰادُوا وَ اَلصّٰابِئُونَ وَ اَلنَّصٰارىٰ)(المائدة-الآية 69) .

و يقول البرجمي:

فمن يك أمسى في المدينة رحله                   فإنّي و قيّار بها لغريب 
و قبل عود الضمير على متأخر لفظا و رتبة مثل ما هو في قول الشاعر (13):
جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم           جزاء الكلاب العاويات و قد فعل(14) 
كما أباح زيادة الفاء في الخبر مطلقا قياسا على قول الشاعر:
و قائلة خولان فانكح فتاتهم              و أكرومة الحيّين خلو كما هيا (15)
و لعل من مذهبه الجديد التوسع في القول بالزيادة، و بالحذف و التقدير لإثبات اطراد القاعدة النحوية.

ص118

فبعد ما يضع النحوي قاعدة استقراها من استعمال شائع، و صاغها في شكل قاعدة عامة قد يواجهه استعمال يعتبره بعضهم استعمالا شاذا و استثنائيا لكن بعض النحاة يلجأ إلى تأويلات للدفاع عن اطراد القاعدة و من وسائل هذا النوع من الدفاع التقدير، و الحذف أو الزيادة، فمثلا لما تقرر أن الحال يجب أن يكون نكرة، و وجدنا العرب استعملت «مررت بهم الجمّاء الغفير» قال النحوي (و هو هنا الخليل) ، إن «أل» في الجماء ليست للتعريف، و إنما تلفّظ بها مع نية (الطرح) أي تقدير الحذف. و لقد أكثر الأخفش في تقدير الحذف و الزيادة، و لقي في نظرية الزيادة التخلص من كل أجزاء الكلم التي لا تنسجم مع نسق الجملة المطرد، فيرى الأخفش أن الزائد قد يأتي للتوكيد، أو قد يكون أصلا أيضا. و حينئذ يكون الزائد هو ما يمكن حذفه دون أن يتأثر معنى الكلام بإلقائه.

و لم يخص الزيادة بالحروف فقد يكون عنده الاسم زائدا مثل ما ورد في قول الشاعر:

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما                و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر 
فكلمة «اسم» هنا زائدة لأنه لا إضافة بين الاسمين إذا اتحد معناهما.

و يرى نوعا من القياس في زيادة الأفعال الناسخة، فبما أن «كان» قد تزاد في حشو الكلام فإنه ألحق بها بعض أخواتها، فكان يجيز «ما أصبح أبردها» و (ما أمسى أدفأها) .

أما الحروف فقد يرى أنها تزاد في حالات كثيرة جدا من أمثال هذه الزيادة «أن» في قوله تعالى: فَلَمّٰا أَنْ جٰاءَ اَلْبَشِيرُ) (يوسف-الآية 96)(16) و «إن» بعد «ما» كثيرا، و الباء في مواضع متعددة، كقوله جل و علا تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ((المؤمنون-الآية 20) (وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ )(الحج-الآية 25) ، ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ ) (الحديد-الآية 13) ( جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهٰا ) (يونس-الآية 27) ، و تزاد «من» في مثل قوله تعالى: (يُخْرِجْ لَنٰا مِمّٰا تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهٰا وَ قِثّٰائِهٰا ) (البقرة-الآية 61) و تأتي الفاء زائدة في نحووَ إِذٰا جٰاءَكَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِنٰا فَقُلْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ ) (الأنعام-الآية 54) و اللام في مثل قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا) (آل عمران-الآية 15) ، و في القول هنا بزيادة اللام في «للذين» تكلف لا داعي إليه، و يقول بزيادة «لا» في مثل وَ لاٰ تَسْتَوِي اَلْحَسَنَةُ وَ لاَ اَلسَّيِّئَةُ ((فصّلت-الآية 34) ) ، (لاٰ أُقْسِمُ بِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ ) (القيامة الاية 1) ، و الكاف في قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ ) (البقرة-الآية 259) . و في قول الشاعر:

و لعبت طير بهم أبابيل                   فصيروا مثل كعصف مأكول 

ص119

و تأول الأخفش زيادة الواو و «ثم» إذا ما كانت بين الشرط و جوابه مثل حَتّٰى إِذٰا جٰاؤُهٰا وَ فُتِحَتْ أَبْوٰابُهٰا وَ قٰالَ لَهُمْ خَزَنَتُهٰا( (الزمر-الآية 73) . و من قول الشاعر:
حتى إذا قملت بطونكم                  و رأيتم أبناءكم شبوا 
و قلبتم ظهر المجن لنا                  إن اللئيم العاجز الخبّ 
و نحو (حَتّٰى إِذٰا ضٰاقَتْ عَلَيْهِمُ اَلْأَرْضُ بِمٰا رَحُبَتْ وَ ضٰاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لاٰ مَلْجَأَ مِنَ اَللّٰهِ إِلاّٰ إِلَيْهِ ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ) (التوبة-الآية 119).

و من أشهر القضايا التي انفرد بقولها مسألة العطف على معمولي عاملين، و قد أوردها الأعلم الشنتمري في كتاب النكت على كتاب سيبويه، فيقول عنها الأعلم: «اعلم أن سيبويه لا يجيز ليس زيد بقائم، و لا قاعد عمرو، و يجيز و لا قاعد أبوه، لأنه لا يرى العطف على عاملين. و معنى ذلك أنك إذا قلت ليس زيد بقاعد فزيد مرتفع بليس. و قاعد مجرور بالباء و ليس و الباء عاملان فإذا قلت و لا قائم عمرو فقد عطفت قائما على قاعد و عطفت عمرا على اسم ليس. فقد عطفت على شيئين مختلفين) .

(و مثل ذلك الفساد قام زيد في الدار و القصر عمرو. و الذي أبطل العطف على عاملين أن حرف العطف يقوم مقام العامل و يغني عن إعادته. فلما كان حرف العطف كالعامل، و العامل لا يعمل رفعا و جرا لم يجز أن يعطف بحرف واحد على عاملين. فإن أعدت أحد العاملين مع حرف العطف جاز. لأن العطف حينئذ على عامل واحد).

(و قد أجاز الأخفش و غيره العطف على عاملين و احتج بقوله تعالى) : إِنَّ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ لَآيٰاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ مٰا يَبُثُّ مِنْ دٰابَّةٍ آيٰاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (الجاثية – الآية 2،3) و لا حجة للأخفش في هذا لأن أحد العاملين و هو في قد أعيد مع حرف العطف) .

(و احتج أيضا بقول اللّه عز و جل:  (لَعَلىٰ هُدىً أَوْ فِي ضَلاٰلٍ مُبِين) (سبأ – الآية 24) فعطف على خبر إن و على اللام. و هذا لا حجة فيه لأن قوله (أو في ضلال مبين «ليس فيه معمولان فيكون عطفا على إن و اللام في قوله لعلى هدى. غير عامله فاحتجاجه بهذا بعيد) .

(و قال المبرد غلط أبو الحسن. و لا يكون عطف على عاملين إلا في قراءة من قرأ: وَ اِخْتِلاٰفِ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ [الجاثية-الآية 5]ثم قرأ: وَ تَصْرِيفِ اَلرِّيٰاحِ آيٰاتٌ ) (الجاثية- الآية 5) (17).

ص120

اضطراب آرائه، و الآراء فيه

هذا و إن ثنائية مذهب الأخفش و تعدد آرائه في المسألة الواحدة، جعلت بعض العلماء يشكك في أمانته العلمية، و دقة أحكامه، و منهم من اتهمه بتعمد صعوبة المسائل للتكسب مثل ما يعزى إلى الأصمعي (الحيوان 1 /91) ، كما أن أبا حاتم السجستاني يقول: «كان الأخفش قد أخذ كتاب أبي عبيدة في القرآن فأسقط منه شيئا و أبدل منه شيئا. قال أبو حاتم فقلت له أي شيء هذا الذي تصنع؟ من أعرف بالغريب أنت أو أبو عبيدة؟ فقال أبو عبيدة، فقلت هذا الذي تصنع ليس بشيء، فقال: الكتاب لمن أصلحه و ليس لمن أفسده، فقال أبو حاتم فلم يلتفت إلى كتابه، و صار مطروحا (18).

و يروى أن تلميذيه أبا عمرو الجرمي و أبا عثمان المازني، تنبها على أن الأخفش هو المصدر الوحيد لكتاب سيبويه فخافا أن ينفرد بعمله، و أن يعزوه إلى نفسه، فعملا له أجرا على أن يقرئهما إياه حتى لا يضيع. و يشكك عبد الأمير محمد أمين الورد في صحة هذه الروايات. و يتهم أبا حاتم السجستاني بالتحامل على الأخفش (19).

غير أن الدراسة التي قام بها الدكتور عبد الأمير، أثبتت كثيرا من الاضطراب في كتاب معاني القرآن، شملت بعض الأحيان تحريف الآيات القرآنية و الشواهد الشعرية، و من أمثلة ذلك خلط بين الآيات، و نتج عنه زيادة كلمات أو حذفها، مثل ما وقع في الآية الثانية عشرة من سورة الأنعام، حيث ورد: كتب ربكم على نفسه الرحمة ليجمعنكم. فزاد لفظ ربكم لأن الآية التبست عنده بالآية الرابعة و الخمسين من نفس السورة. و هي (وَ إِذٰا جٰاءَكَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِنٰا فَقُلْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) (الأنعام- الآية 54). و وقع له و هم في قوله تعالى: (فَأَوْفُوا اَلْكَيْلَ وَ اَلْمِيزٰانَ بالقسط) و أضاف إليها لفظ «القسط» و هو ليس منها ثم قال: بِكُلِّ صِرٰاطٍ تُوعِدُونَ و هو يعني الآيتين الخامسة و الثمانين، و السادسة و الثمانين من سورة الأعراف و كلمة «القسط» ليست فيها و إنما وردت في الآية 152 من الأنعام، و 85 من سورة هود(20).

كليات الأخفش

و مع ما يحكى عن اضطراب آرائه، أو تعددها فإن له منهجا متميزا، أفرد له الدكتور عبد الأمير محمد أمين الورد بابا تحت عنوان أصول العربية و قواعدها، و تمنى أن يطلق عليها كلّيّات الأخفش، و سرد له في هذا الباب نحوا من مائة مسألة جمع فيها

ص121

الأقوال التي انفرد بأكثرها. منها الرفع على الابتداء. و كون «لات» لا تكون إلا مع الحين و أن اللام تأتي دائما مع «إن» المخففة من «إن» للفرق بينها و بين التي بمعنى «ما» دون أن تأتي «لا» من «أن» لتكون عوضا من ذهاب الثقيلة، و أن الألف و اللام تعاقبان التنوين.

و ذكر أن الإخوة، و هي جمع تطلق على الاثنين، و أنه يحسن تذكير الفعل، إذا فصل مع الفاعل المؤنث، مثل قوله تعالى:  (وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ ((البقرة- الآية 48) و أن الدعاء كله نصب، و أن «لو لا» بمعنى «هلاّ» في قوله جل و علا: (لَوْ لاٰ أَخَّرْتَنِي إِلىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ اَلصّٰالِحِينَ) (المنافقون- الآية 10) و «أكن» عطف على موضع «فأصدق» لأن جواب الاستفهام إذا لم يكن فيه جزم. و قال له: «إذا وقع الاستفهام على المجازاة بطل وقوعه على الجواب» ، و من قوله تعالى: أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ (آل عمران-الآية 144) و لم يقل «أأنقلبتم» . و قال كل شيء في القرآن من قوله حقا، إنما هو أحق ذلك حقا، و كذلك قصد اللّه، و صنع اللّه، و رحمة اللّه. و كل ما كان بدلا من اللفظ بالفعل فهو نصب بذلك الفعل.

و كل شيء بعد القول فهو حكاية. و إذا استأنفت شيئا ليس من أول الكلام في لغة الحجاز فإنه نصب. و كل جمع ليس بينه و بين واحده إلا الهاء نحو البنّ و الشعير هو في لغتهم مؤنث، و كل ما كان من نحو البقر ليس بين الجماعة و الواحدة فيه إلا الهاء فمن العرب من يذكر و منهم من يؤنث، و كل اسم على فعلة إذا جمع حركت تاليه بالضم نحو خطوات، و كل ألف كانت في أول فعل أو مصدر و كان يفعل من ذلك ياؤه مفتوحة فتلك ألف وصل.

بعد هذا العرض عن هذا النحوي الكبير، لم ينته الكلام عنه، فإنه بالإمكان القول بأن الأخفش مثل مرحلة الوصل و الفصل بين مدرستي البصرة و الكوفة.

لقد استمسك بأصول البصريين في السماع، و اعتمد القراءات، إذا طابقت رسم المصحف، و وافقت إحدى لغات العرب؛ و نقل سماع العرب عن فصحاء العرب، دون أن يعترض عليهم؛ و تابع البصريين في عهده الأول في حدود القياس و ضوابطه، فمنع القياس المخالف للسماع، و القياس على سماع غير مطرد. و في عهده الأخير روي عنه جواز القياس على أي سماع. و مما ظل متشبثا به نظريته في العوامل؛ إذ يقر إعمالها، سواء أكانت لفظية أم معنوية ظاهرة أم مضمرة، مقدمة أم مؤخرة؛ و قد لا يمنع زيادة العامل من إعماله، و لا يؤثر فصله عن معموله؛ و قد يأتي مركبا و لا يعطل ذلك عمله، غير أن رأيه في قوة العامل، لم يصاحبها التركيز على العلل فهو يصف الظاهرة اللغوية دون المبالغة في التعليل. و إنما يطلق حقائقها إطلاقا لا إسراف فيه و لا تكلف (21).

ص122

و إذا كان الأخفش محل نقاش و جدل في آرائه و مذاهبه، فإن النحويين مع ذلك مجمعون على سعة علمه و ذكائه. فكان الكسائي يقول فيه إنه لم يكن في القوم (يعني البصريين) ، أعلم منه، و أنه نبههم على عوار الكتاب و تركهم (22).

و يقول الفراء أنه سيد أهل اللغة، و أهل العربية. و حينما علم بعزمه على الخروج إلى الري قال: (لئن كان خرج فقد خرج معه النحو كله و العلم بأصوله و فروعه) (23).

ص123

______________________

(1) أبو الطيب اللغوي: مراتب النحويين، ص 112.

(2) المدارس النحوية ص 96.

(3) عبد الأمير محمد أمين الورد: منهج الأخفش الأوسط ص 36 نقلا عن شرح الأبيات المشكلة الإعراب للفارقي.

(4) الأخفش: معاني القرآن، ج 1 ص 430.

(5) مغني اللبيب، ص 203.

(6) شوقي ضيف: المدارس النحوية نقلا عن همع الهوامع، ج 1 ص 51.

(7) المصدر نفسه نقلا عن همع الهوامع 1/ 39

(8) المصدر نفسه نقلا عن أسرار العربية، ص 66.

(9) همع الهوامع،1/ 93.

(10) همع الهوامع،  1 /135.

(11) المغني،2 /431.

(12) ابن يعيش: شرح المفصل، ج 7 ص 144.

(13) ابن يعيش، ج 8 ص 69.

(14) الأشموني، ج 2 ص 59.

(15) ابن يعيش: شرح المفصل 1 /199 -المغني 219.

(16) عبد الأمير الورد: منهج الأخفش الأوسط، ص 225-248.

(17) الأعلم: النكت، ص 202.

(18) الزبيدي: طبقات النحويين، ص 74.

(19) الورد: منهج الأخفش الأوسط، ص 172.

(20) الورد: مقدمة معاني القرآن، ص 60.

(21) الورد: منهج الأخفش،334-364.

(22) أبو الطيب اللغوي: مراتب النحويين، ص 112.

(23) الإنباه،2 /39.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.