أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-09-2015
1679
التاريخ: 22-03-2015
1475
التاريخ: 23-03-2015
2724
التاريخ: 4-12-2019
3930
|
رحلة الظعائن:
للرحلة بواعث ودواع اجتماعية، وبيئية، واقتصادية، فيظعن من جرائها قوم، ويقيم آخرون، فتنشر الفرقة ظلالها على أديم الأرض، فتدمى القلوب، وتفيض ألماً وحسرة لفراق الأحبة.
وتتخذ مشاهد التحمل والارتحال صوراً شتى، تعكس الجوانب النفسية والعاطفية، فضلاً عن الجانب الفني، فيصورها لنا الشعراء مشاهد حية نسمعها من نبضات قلوبهم، ونحسها من خلال فيض أشواقهم الدافقة، وهم يتحدثون عن الحمول الظاعنات، والهوادج الراحلات، والحبيبات اللواتي يَمَّمن شَطْرَ ديار نائية، وقد خلّفن قلوباً أمست نهباً للهواجس والحرمان، متشوقةً للملتقى، وقد أرمضتها شمس الصحراء، وهن في حدوجهن، يختلسن النظرات إلى الأحبة من فتحات الهوادج.
ويقف الشاعر ذاهلاً، يملأ خافقه بلوعة الفراق، متتبعاً ركب الحبيبة التي تنكبت لحبه، وصرمت حبل الوصل بينهما، فتقطع الود، عندها تنفلت الانفعالات بفرحها وحزنها لتصوير الحالة بما يستدعيه الموقف، وما يستدره من براعته الفنية وقدرته الشعرية على التخيل، والتأمل، وكد الذهن حسب الموقف استقراراً، أو اضطراباً.
وقد آثرنا تناول الظعائن بعد لوحات الافتتاح لكثرتا وتنوعها، وعدم تناولها ضمن لوحات الافتتاح لقلتها وصورها المحدودة التي لا تخرج عن التساؤل في أغلبها(1).
وقد اتجه الظعن عبر مشاهد التحمل والارتحال إلى خطوط عامة لإبراز الصورة السمعية حيث تمثلت إبتداءً بالتساؤل التقليدي، والحوار البسيط، لإخبارنا بأمر الرحيل، ومن ثم الإيذان به، وإن غلبت الصورة البصرية عليها، حيث تطالعنا نماذج كثيرة لهذا النمط، ولم يسلم منها حتى شعراء المرحلة الثانية من العصر الجاهلي من أمثال زهير بن أبي سلمى الذي وقع في شراك التقليد الفني.
وقد تعددت صيغ الاستفهام، منها ما وجه إلى شخص معين(2)، ومنها ما توجه لاثنين(3)، في حين يستمر بعض الشعراء بتساؤلاتهم دون توجيهها لشخص معين(4).
على أن الصورة السمعية قد تنحسر في بعض النماذج، لكنها سرعان ما تعود منتشرة بصيغ مختلفة منها: حداة الظعائن، وقد أشار الشعراء إليهم إشارات عبارة، بالرغم من الأهمية التي يتمتعون بها في مثل تلك المواقف، لِما لهم من إلمام بظروف الرحلة، ومعرفة بأسرار القلوب الوامقات ومواجعها، حيث يسوقون الركب إلى الفراق.
وكان بإمكان الشعراء الإفادة من دور الحادي وتوظيفه في إبراز ملامح فنية جديدة تمثلها صور سمعية من زوايا إبداعية متباينة، بيد أنهم آثروا الاكتفاء بالإشارة إليه لعلة قد خفيت في نفوسهم، أو بسبب عدم إثارة اللوعة الكامنة في أعماقهم وحرقة الفراق الحادة التي يمثلها الحادي حين ينطلق مؤذنا بالرحيل، وهو ناعم البال، صافي الذهن، خالي الوساد، وقد أشار عبيد بن الأبرص إلى تلك الحالة عند حاديين(5)، وتتعدد الإشارات إلى الحادي عند الشعراء(6) بحيث لا يكاد المتلقي يحس به، ولكنه يشكل مع مفردات أخر صورة سمعية بسيطة.
وإذا ما تتبعنا حركة الحمول وهي في صورتها السمعية الإيحائية فإننا نجد حركتها وهي تسير في الصحراء كحركة السفينة التي تشق عباب البحر، فالحركة والفعل والصوت الخفيف تشكل صورة مع تصوير وقع ذلك في الأداء الشعري، قال بشر بن أبي خازم:
فكأنَ ظُعْنَهُمُ غَداةَ تحمّلوا ... سُفُنٌ تَكَفّأُ في خليجٍ مُغْرَبِ(7)
لا بدّ للرحيل مِنْ صوت لِما يتطلبه من استعداد وشدّ الأمتعة فضلاً عن الجلبة قبل الرحيل وبعده، فتتمايل الطعون كما تتمايل السفن في الخليج الممتلئ ماءً، وإن انتشار بعض الأحرف ساعد على إيجاد تجانس نغمي مثل الفاء في (فكأن، تكفأ، سفن) والنون في (كأن، ظُعْنَهُمُ، سُفُن) والعين والغين في (ظعنهم-غداة، مُغْرَب).
ومن هنا نجد الصورة السمعية من خلال استحضار الحركة والفعل للإيحاء بالصوت، ومن ثم وقع ذلك في الأداء الشعري:
وقال عبيد بن الأبرص:
كعومِ سفينٍ في غوارب لُجَّةٍ
تُكَفِّئِّهُا في وَسْطِ دجلةَ ريحُ(8)
خلايا سفين بالنواصِفِ منْ دَدِ ... وقال طرفة بن العبد:
كأنَ حدوجَ المالكيةِ غُدوةً
يَجورُ بها الملاّحُ طوراً ويهتدي ... عدوليةٌ أو منْ سفين بنِ يامنٍ
كما قَسَمَ التُربَ المفائلُ باليَدِ(9) ... يشقُ حبابَ الماءِ حيزومُها بها
شبه الشاعر الحدوج مع الإبل بالسفن العظام، تشير في مواضع تتسع بين الأودية كالرحاب، أو مجاري الماء إلى الأودية، مستخدماً الأفعال والحركة التي لا بد أنْ تحدث أصواتاً مثل: يجور، يهتدي، يشق، قسَمَ، فضلاً عن انتشار الأحرف المختلفة لتقوية النغم منها: النون في (كأن، سفين، النواصف، بن يامن، والتنوين، والفاء في (النواصف، المفائل)، والقاف في (يشق وقَسم).
ويتعدى الأمر إلى الخيام المحمولة حتى لكأننا نسمع صريرها:
شاقتك ظُعْنُ الحي حين تَحمّلوا ... فتكنسوا قُطْناً تَصِرُّ خِيامُها(10)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بشر بن أبي خازم: ق 11/ 49، ق 15/ 61، عبيد بن الأبرص: ق 31/ 79، 49/ 49/ 127، المرقش الأكبر: ق 4/ 878، سلامة بن جندل: ق 4/ 188، زهير بن أبي سلمى: ق 5/ 78، الطفيل الغنوي: ق7/ 72، ق 31/ 107.
(2) بشر بن أبي خازم: ق 40/ 4/ 193، أمرؤ القيس: ق 3/ 9/ 543، عبيد بن الأبرص: ق 10/ 4/ 30، المرقش الأصغر: ق 2/ 7/ 535، المثقب العبدي: ق ب / 4/ 16، عدي بن زيد: ق 8/9/ 60، زهير بن أبي سلمى: ق 1/ 7/ 11، الطفيل الغنوي: ق 8/ 7/ 82.
(3) عبيد بن الأبرص: ق 42/ 8-9/ 113، ق 43/ 1/ 115، زهير بن أبي سلمى: ق 50/ 5/ 279.
(4) عبيد بن الأبرص: ق 49/ 1/ 127، وينظر المرقش الأكبر: ق 4/ 1/ 878، المثقب العبدي: ق هـ/ 5/ 29.
(5) عبيد بن الأبرص: ق 42/ 10/ 113.
(6) بشر بن أبي خازم: ق 15/ 3/ 62، عمرو بن قميئة: ق 11/ 5/ 55، عبيد بن الأبرص: ق 16/ 3/ 47، عمرو بن كلثوم: المعلقة، جمهرة أشعار العرب: ب 25/ 342، بشر بن عمرو بن مرشد، المفضلية: 7/ ب 4، قيس بن الحدادية: ق 9/ 13/ 211، المتلمس الضبعي: ق 8/ 2/ 165، زهير بن أبي سلمى: ق 4/ 13/ 68، ق 5/ 6/ 80، عمرو بن شأس: ق 9/ 14/ 75، لبيد: ق 35/ 39/ 242.
(7) بشر بن أبي خازم: ق 7/ 35.
(8) ديوانه: ق 10/ 31.
(9) ديوانه: ق 1/ 6-7. دَد: اسم موضع، عدوليّة: قرية بالبحرين، ابن يامن: مَلاّح. يجورُيِها. يعدل بها مرّة ويميلُ ومرّة يهتدي ويمضي للقَصْد. الحيزوم: الصدر، المفائل: الذي يلعب لعبة الصبيان العرب.
(10) لبيد: ق 48/ 300.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|