المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



السيد علي أبو النصر  
  
2390   03:12 مساءً   التاريخ: 21-9-2019
المؤلف : عمر الدسوقي
الكتاب أو المصدر : في الأدب الحديث
الجزء والصفحة : ص:124-127ج1
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


مصريٌّ شريف النسب من منفلوط، لا نعرف على التحقيق متى ولد، وأغلب الظن أنه كان رجلًا ناضجًا في عصر محمد علي؛ حيث أرسله في مهمةٍ إلى الأستانة, في خلافة السلطان عبد المجيد، ومبعوث محمد علي إلى "الحضرة الخليفية" لن يكون حدثًا غرًّا, أو شابًّا غير مجرب، بل رجلًا مكتمل العقل والشهرة، ولذلك نرجح أن ولد في أوائل القرن التاسع عشر, وجاء إلى مصر من منفوط وهو صغير السن، ثم دخل الأزهر وتلقى به العلوم العربية والشرعية، إلّا أنه لم يسر في مرحلة التعليم هذه حتى غايتها، بل ترك العلم واشتغل بالأدب، وقد ظهر ميله إليه منذ الصغر, وكان عصر شبابه مقفرًا من الأدباء اللامعين، وكان صفوت الساعاتي في شغلٍ بمدح أمراء الحجاز -كما سيأتي، فنال أبو النصر شهرةً، واتصل بالأسرة الحاكمة، وبعثه محمد علي -كما ذكرنا- إلى الآستانة، وصحب إسماعيل من بعده، وكان له نديمًا وجليسًا، وقد سافر إلى الآستانة معه مرةً ثانيةً.

(1/124)

ولم يكن أبو النصر شاعرًا فحسب، ولكنه كان نديمًا أكثر منه شاعرًا، وللمنادمة صفات كثيرة، وهي صنعة شاقة، أما هذه الصفات فمنها: الإحاطة بالأدب القديم, ورواية شعره ونثره ونوادره وأمثاله، ثم الذكاء الحاد, وسرعة البديهة، ومعرفة دخائل النفوس، ودراسة أحوالها المتباينة، وأهم من هذا طبيعة مرحة، قادرة على استلال سخائم النفوس، وبعث الضحك مع الاحتفاظ بالوقار والمنزلة, حتى لا يمتهن النديم ويهان, وليس الضحاك أمرًا هينًا, ولا سيما في مجلس أميرٍ عظيمٍ تشغله أعباء الحكم، وتَحِزُّ به أزمات نفسية كثيرة، والنفس الإنسانية يعتروها الحزن والسرور, والانقباض والانشراح، والغضب والرضا، والمفروض في النديم أن يستطيع بعث الضحك في كل حالة، ولا سيما في حالات الانقباض والحزن، وأن يذهب بمرحه وأدبه ضُرَّ القلوب، وتجهم الوجوه، مع أنه إنسانٌ كسائر الناس, له نفس تحزن وتنقبض، وعقل يفتر ويخبو، وقريحة تخمد وتتبلد أحيانًا.
ولهذا كانت مهمة النديم شاقة، وعليه أن يخلق الجو المناسب لنكاته، وأن يروض الناس على الضحك حين يطلق النكتة, ولو لم تكن مستساغة، وهذا فن يتقنه الموهوبون من الندماء.
ثم إن النديم صدًى للحوادث التي تحدث في مجلس الأمير أو العظيم، يسجلها في أدبه, فيقول الشعر في كل المناسبات الممكنة, حين يرحل الأمير، وحين يعود، وحين يرتقي أحد أفراد الحاشية, أو ينعم عليه بلقبٍ، وحين يولد مولود جديد، وفي الأعياد والأفراح والمآتم، بل في غير ذلك من المناسبات المفاجئة والعارضة.
وإذا تصفحنا ديوان أبي النصر لم نجده شيئًا غير هذا، وقلَّمَا يلتفت النديم لنفسه, فيظهر لواعج حبها، أو اهتزاز مشاعرها وعواطفها، أو يلتفت إلى غير الأمير وحاشيته.

(1/125)

وشعر أبي النصر يمثِّلُ كذلك هذه المدرسة التي أثقل أدبها بأوضار القديم وآفاته، فهو مولع بالمحسنات البديعية، وبالتأريخ الشعري، وبالألغاز، وبالتشطير, والتلاعب بالألفاظ، والشعر في هذه المدرسة -كما ذكرنا- صناعة تظهر البراعة والقدرة على صياغةٍ معينةٍ تحقق غرضًا من هذه الأغراض, وليس ترجمانًا عن همسات القلوب، وأشجان النفوس وأحاديثها، ومطية للخيال يحلق في سماواته الواسعة، أو مفصحًا عن فكرة اختمرت في عقل الشاعر وأبت إلّا أن تظهر جليةً واضحةً, كما يجب أن يكون الشعر.
ولم يكن مع هذا شعر السيد علي أبي النصر متين النسج، قويّ العبارة, بل هو وسط بين القوة والضعف، وبذلك يكون خير مثال للنظامين أو العروضيين, ومن شعره وقد أهدي إليه قدح:
أهدى الحبيب لمن أحب ... قدحًا تحلى بالذهب
لو أفرغت فيه الطلا ... لأطل ينظره الحبب
قد راق منظر حسنه ... ودعا له داعي الطرب
لا نظرت لشكله ... في رسم تيجان العرب
قلبته وقبلته ... ووعدته بنت العنب
ولأجله لولا التقى ... لخلعت أثواب الأدب
وملأته راحًا بها ... ينفي عن الصب الوصب
لكنني أودعته ... بخزنة تحوي الأدب
ومدحت من أهداه لي ... ومنحته شكرًا وجب
وجعلته بشرى المنى ... والدهر يأتي بالعجب
وقال ملغزًا:
ما اسم الحبيب أفيدوا أيها الأدبا ... فإن بقراط عنه ساء منقلبا؟
فقال لي بعضهم: حرف أضيف له ... حرفان دلَّا على شيءٍ حوى ذنبا
فقلت: هذا جواب رائق فعلى ... مثلي لمثلك شكر الفضل قد وجبا

(1/126)

ومن قوله يتغزل:
نور زاهي الروض أم نور الصباح ... وابتسام الثغر أم زهر الأقاح
ونجوم تزدهي في أفقها ... بوميض البرق أم كاسات راح
ولا، ولا، بدر تمَّ ينجلي ... للندامى في اغتباق واصطباح
بمحايا يزدري شمس الضحى ... في معاني حسنه تعيا الفصاح
وقال مهنئًا مصطفى نعماني برتبة الباشوية, مؤرخًا في كل شطرٍ من أبيات القصيدة بتاريخ هذه الرتبة, وهو سنة 1295.
بشير الهنا لاحت بيمن قدومه ... بدور بها نور البشائر قد صفا
وبدر التهاني فاق بالأنس نوره ... فأهدى لنا أسنى السرور وأتحفا
وهكذا حتى أتم خمسة عشر بيتًا, كل شطر منه يؤرخ سنة 1295 مظهرًا بذلك مهارته وقدرته على الصياغة والنظم.
ومن أحسن ما قاله من الشعر هذه القطعة التي يتأسف فيها لفراق أحبابه:
لقد ذهب النوى بجميل صبري ... وأودع في حشاشتي الولوعا
وألبسني الأسى خلع التمني ... وألزمني التذلل والخضوعا
ونار الشوق أغراها غرامي ... على كبدي فقومت الضلوعا
ولي قلب تقلبه شجوني ... وتمنعه السكنية والهجوعا
يبيت مع الأحبة حيث كانوا ... ويصبح راجيًا منهم رجوعا
يرى أضغاث أحلام الأماني ... حقائق لا يزال بها ولوعا
تطوف به الحوادث وهو لاهٍ ... كأن الوهم ألبسه دروعا
وقائلة: إلام تحن شوقًا ... إلى حيٍّ أحلَّ بك الهلوعا
فقلت لها: وقيت اليأس إني ... أود بحبهم أدعى هلوعا

(1/127)

أبعد فراقهم ترتاح روحي ... وترجو ساعةً أن لا تلوعا(1)
فهم روحي وريحاني رواحي ... فكيف أرى إلى السلوى نزوعا(2)
وفي هذه النماذج التي سقناها من شعره يتبين مدى ما ذكرناه عن أدباء هذه المدرسة وتقليدهم, وعدم ظهور شخصيتهم، مع افتتانهم بالبديع والجري وراءه، وضعف أسلوبهم، وقد مات سنة 1880، وله ديوان مطبوع.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تلوع: تجزع.
(2) الراح: الخمر، والنزوع، الميل.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.