المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18000 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن  
  
5635   01:01 صباحاً   التاريخ: 7-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج5 ، ص217-232
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /

 مما لا نرتاب فيه أن الحياة الإنسانية حياة فكرية لا تتم له إلا بالإدراك الذي نسميه فكرا، و كان من لوازم ابتناء الحياة على الفكر أن الفكر كلما كان أصح و أتم كانت الحياة أقوم، فالحياة القيمة - بأية سنة من السنن أخذ الإنسان، و في أي طريق من الطرق المسلوكة و غير المسلوكة سلك الإنسان - ترتبط بالفكر القيم و تبتني عليه، و بقدر حظها منه يكون حظها من الاستقامة.

و قد ذكر الله سبحانه في كتابه العزيز بطرق مختلفة و أساليب متنوعة كقوله {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] ، و قوله {هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون} [الزمر: 9] ، و قوله { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة : 11] و قوله: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17، 18] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي لا تحتاج إلى الإيراد.

فأمر القرآن في الدعوة إلى الفكر الصحيح و ترويج طريق العلم مما لا ريب فيه.

و القرآن الكريم مع ذلك يذكر أن ما يهدي إليه طريق من الطرق الفكرية، قال تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء : 9] أي الملة أو السنة أو الطريقة التي هي أقوم، و على أي حال هي صراط حيوي كونه أقوم يتوقف على كون طريق الفكر فيه أقوم، و قال تعالى : {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16] و الصراط المستقيم هو الطريق البين الذي لا اختلاف فيه و لا تخلف أي لا يناقض الحق المطلوب، و لا يناقض بعض أجزائه بعضا.

و لم يعين في الكتاب العزيز هذا الفكر الصحيح القيم الذي يندب إليه إلا أنه أحال فيه إلى ما يعرفه الناس بحسب عقولهم الفطرية، و إدراكهم المركوز في نفوسهم، و أنك لو تتبعت الكتاب الإلهي ثم تدبرت في آياته وجدت ما لعله يزيد على ثلاثمائة آية تتضمن دعوة الناس إلى التفكر أو التذكر أو التعقل، أو تلقن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة لإثبات حق أو لإبطال باطل كقوله : {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ} [المائدة: 17] الآية أو تحكي الحجة عن أنبيائه و أوليائه كنوح و إبراهيم و موسى و سائر الأنبياء العظام، و لقمان و مؤمن آل فرعون و غيرهما كقوله : {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم : 10] ، و قوله : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان : 13] ، و قوله : {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } [غافر: 28] ، و قوله حكاية عن سحرة فرعون {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } [طه : 72] إلى آخر ما احتجوا به .

و لم يأمر الله تعالى عباده في كتابه و لا في آية واحدة أن يؤمنوا به أو بشيء مما هو من عنده أو يسلكوا سبيلا على العمياء و هم لا يشعرون، حتى أنه علل الشرائع و الأحكام التي جعلها لهم مما لا سبيل للعقل إلا تفاصيل ملاكاته بأمور تجري مجرى الاحتجاجات كقوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و لذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] و قوله : {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 138]، و قوله في آية الوضوء {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج و لكن يريد ليطهركم و ليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} [المائدة : 6] إلى غير ذلك من الآيات.

و هذا الإدراك العقلي أعني طريق الفكر الصحيح الذي يحيل إليه القرآن الكريم و يبني على تصديقه ما يدعو إليه من حق أو خير أو نفع، و يزجر عنه من باطل أو شر أو ضر أنما هو الذي نعرفه بالخلقة و الفطرة مما يتغير و لا يتبدل و لا يتنازع فيه إنسان و إنسان، و لا يختلف فيه اثنان، و إن فرض فيه اختلاف أو تنازع فإنما هو من قبيل المشاجرة في البديهيات ينتهي إلى عدم تصور أحد المتشاجرين أو كليهما حق المعنى المتشاجر فيه لعدم التفاهم الصحيح.

و أما أن هذا الطريق الذي نعرفه بحسب فطرتنا الإنسانية ما هو؟ فلئن شككنا في شيء لسنا نشك أن هناك حقائق خارجية واقعية مستقلة منفكة عن أعمالنا كمسائل المبدأ و المعاد، و مسائل أخرى رياضية أو طبيعية و نحو ما إذا أردنا أن نحصل عليها حصولا يقينيا استرحنا في ذلك إلى قضايا أولية بديهة غير قابلة للشك، و أخرى تلزمها لزوما كذلك، و نرتبها ترتيبا فكريا خاصا نستنتج منها ما نطلبه كقولنا :


كل : أ = ب ، و كل ب = ج ، ف أ =ج

وكقولنا : لو كان ا = ب ، ف ج = د.

ولو كان ج = د ف هـ = ز.

ينتج , لو كان ا = ب، ف هـ = ز

وكقولنا : إن كان ا = ب ، ف ج = د .

و لو كان ج = د ف هـ = ز .

لكن ا ليس ب، ينتج : هـ ليس ز.

وهذه الأشكال التي ذكرناها و المواد الأولية التي أشرنا إليها أمور بديهية يمتنع أن يرتاب فيها إنسان ذو فطرة سليمة إلا عن آفة عقلية أو لاختلاط في الفهم مقتض لعدم تعقل هذه الأمور الضرورية بأخذ مفهوم تصوري أو تصديقي آخر مكان التصور أو التصديق البديهي، كما هو الغالب فيمن يتشكك في البديهيات.

و نحن إذا راجعنا التشكيكات و الشبه التي أوردت على هذا الطريق المنطقي المذكور وجدنا أنهم يعتمدون في استنتاج دعاويهم و مقاصدهم على مثل القوانين المدونة في المنطق الراجعة إلى الهيئة و المادة بحيث لو حللنا كلامهم إلى المقدمات الابتدائية المأخوذة فيه عاد إلى مواد و هيئات منطقية، و لو غيرنا بعض تلك المقدمات أو الهيئات إلى ما يهتف المنطق بعدم إنتاجها عاد الكلام غير منتج، و رأيتهم لا يرضون بذلك، و هذا بعينه أوضح شاهد على أن هؤلاء معترفون بحسب فطرتهم الإنسانية بصحة هذه الأصول المنطقية مسلمون لها مستعملون إياها، جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم.

1 - كقول بعض المتكلمين : " لو كان المنطق طريقا موصلا لم يقع الاختلاف بين أهل المنطق لكنا نجدهم مختلفين في آرائهم " فقد استعمل القياس الاستثنائي من حيث لا يشعر، و قد غفل هذا القائل عن أن معنى كون المنطق آلة الاعتصام أن استعماله كما هو حقه يعصم الإنسان من الخطأ، و أما أن كل مستعمل له فإنما يستعمله صحيحا فلا يدعيه أحد، و هذا كما أن السيف آلة القطع لكن لا يقطع إلا عن استعمال صحيح.

2 - و قول بعضهم : " إن هذه القوانين دونت ثم كملت تدريجا فكيف يبتنى عليها ثبوت الحقائق الواقعية ؟ و كيف يمكن إصابة الواقع لمن لم يعرفها أو لم يتسعملها ؟ و هذا كسابقه قياس استثنائي و من أردء المغالطة.

و قد غلط القائل في معنى التدوين، فإن معناه الكشف التفصيلي عن قواعد معلومة للإنسان بالفطرة إجمالا لا إن معنى التدوين هو الإيجاد.

3 - و قول بعضهم : " إن هذه الأصول إنما روجت بين الناس لسد باب أهل البيت أو لصرف الناس عن اتباع الكتاب و السنة فيجب على المسلمين اجتنابها " و هذا كلام منحل إلى أقيسة اقترانية و استثنائية.

و لم يتفطن المستدل به أن تسوية طريق لغرض فاسد أو سلوكه لغاية غير محمودة لا ينافي استقامته في نفسه كالسيف يقتل به المظلوم، و كالدين يستعمل لغير مرضاة الله سبحانه.
4 - و قول بعضهم : " إن السلوك العقلي ربما انتهى بسالكه إلى ما يخالف صريح الكتاب و السنة كما نرى من آراء كثير من المتفلسفين " و هذا قياس اقتراني مؤلف غولط فيه من جهة أن هذا المنهي ليس هو شكل القياس و لا مادة بديهية بل مادة فاسدة غريبة داخلت المواد الصحيحة.

5 - و قول بعضهم : " المنطق إنما يتكفل تمييز الشكل المنتج من الشكل الفاسد و أما المواد فليس فيها قانون يعصم الإنسان من الخطأ فيها و لا يؤمن الوقوع في الخطأ لو راجعنا غير أهل العصمة، فالمتعين هو الرجوع إليهم " و فيه مغالطة من جهة أنه سيق لبيان حجية أخبار الآحاد أو مجموع الآحاد و الظواهر الظنية من الكتاب، و من المعلوم أن الاعتصام بعصمة أهل العصمة (عليهم السلام) إنما يحصل فيما أيقنا من كلامهم بصدوره و المراد منه معا يقينا صادقا، و أنى يحصل ذلك في أخبار الآحاد التي هي ظنية صدورا و دلالة ؟ و كذا في كل ما دلالته ظنية، و إذا كان المناط في الاعتصام هو المادة اليقينية فما الفرق بين المادة اليقينية المأخوذة من كلامهم و المادة اليقينية المأخوذة من المقدمات العقلية؟ و اعتبار الهيئة مع ذلك على حاله.

و قولهم : " لا يحصل لنا اليقين بالمواد العقلية بعد هذه الاشتباهات كلها" فيه : أولا أنه مكابرة.

وثانياً : أن هذا الكلام بعينه مقدمة عقلية يراد استعمالها يقينية، و الكلام مشتمل على الهيئة.

6 - و قول بعضهم : " إن جميع ما يحتاج إليه النفوس الإنسانية مخزونة في الكتاب العزيز، مودعة في أخبار أهل العصمة (عليهم السلام) فما الحاجة إلى أسآر الكفار و الملاحدة؟ ".

و الجواب عنه أن الحاجة إليها عين الحاجة التي تشاهد في هذا الكلام بعينه، فقد ألف تأليفا اقترانيا منطقيا، و استعملت فيه المواد اليقينية لكن غولط فيه أولا بأن تلك الأصول المنطقية بعض ما هو مخزون مودع في الكتاب و السنة، و لا طريق إليها إلا البحث المستقل.

و ثانيا : أن عدم حاجة الكتاب و السنة و استغناءهما عن ضميمة تنضم إليهما غير عدم حاجة المتمسك بهما و المتعاطي لهما، و فيه المغالطة، و ما مثل هؤلاء إلا كمثل الطبيب الباحث عن بدن الإنسان لو ادعى الاستغناء عن تعلم العلوم الطبيعية و الاجتماعية و الأدبية، لأن الجميع متعلق بالإنسان.

أو كمثل الإنسان الجاهل إذا استنكف عن تعلم العلوم معتذرا أن جميع العلوم مودعة في الفطرة الإنسانية.

و ثالثا : أن الكتاب و السنة هما الداعيان إلى التوسع في استعمال الطرق العقلية الصحيحة و ليست إلا المقدمات البديهية أو المتكئة على البديهية قال تعالى: "فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب": الزمر: 18 إلى غير ذلك من الآيات و الأخبار الكثيرة، نعم الكتاب و السنة ينهيان عن اتباع ما يخالفهما مخالفة صريحة قطعية لأن الكتاب و السنة القطعية من مصاديق ما دل صريح العقل على كونهما من الحق و الصدق، و من المحال أن يبرهن العقل ثانيا على بطلان ما برهن على حقيته أولا، و الحاجة إلى تمييز المقدمات العقلية الحقة من الباطلة ثم التعلق بالمقدمات الحقة كالحاجة إلى تمييز الآيات و الأخبار المحكمة من المتشابهة ثم التعلق بالمحكمة منهما، و كالحاجة إلى تمييز الأخبار الصادرة حقا من الأخبار الموضوعة و المدسوسة و هي أخبار جمة.

و رابعا : أن الحق حق أينما كان و كيفما أصيب و عن أي محل أخذ، و لا يؤثر فيه إيمان حامله و كفره، و لا تقواه و فسقه، و الإعراض عن الحق بغضا لحامله ليس إلا تعلقا بعصبية الجاهلية التي ذمها الله سبحانه و ذم أهلها في كتابه العزيز و بلسان رسله (عليهم السلام).

7 - و قول بعضهم : "إن طريق الاحتياط في الدين المندوب إليه في الكتاب و السنة الاقتصار على ظواهر الكتاب و السنة و الاجتناب عن تعاطي الأصول المنطقية و العقلية فإن فيه التعرض للهلاك الدائم و الشقوة التي لا سعادة بعدها أبدا".

و فيه أن هذا البيان بعينه قد تعوطي فيه الأصول المنطقية و العقلية فإنه مشتمل على قياس استثنائي أخذ فيه مقدمات عقلية متبينة عند العقل و لو لم يكن كتاب و لا سنة.
على أن البيان إنما يتم فيمن لا يفي استعداده بفهم الأمور الدقيقة العقلية و أما المستعد الذي يطيق ذلك فلا دليل من كتاب و لا سنة و لا عقل على حرمانه من نيل حقائق المعارف التي لا كرامة للإنسان و لا شرافة إلا بها، و قد دل على ذلك الكتاب و السنة و العقل جميعا.

8 - و قول بعضهم - فيما ذكره -: "إن طريق السلف الصالح كان مباينا لطريق الفلسفة و العرفان و كانوا يستغنون بالكتاب و السنة عن استعمال الأصول المنطقية و العقلية كالفلاسفة، و عن استعمال طرق الرياضة كالعرفاء.

ثم لما نقلت فلسفة يونان في عصر الخلفاء إلى العربية رام المتكلمون من المسلمين و قد كانوا من تبعة القرآن إلى تطبيق المطالب الفلسفية على المعارف القرآنية فتفرقوا بذلك إلى فرقتي الأشاعرة و المعتزلة، ثم نبغ آخرون في زمان الخلفاء تسموا بالصوفية و العرفاء كانوا يدعون كشف الأسرار و العلم بحقائق القرآن و كانوا يزعمون أنهم في غنى عن الرجوع إلى أهل العصمة و الطهارة، و بذلك امتازت الفقهاء و الشيعة - و هم المتمسكون بذيلهم (عليهم السلام) - عنهم، و لم يزل الأمر على ذلك إلى ما يقرب من أواسط القرن الثالث عشر من الهجرة قبل مائة سنة تقريبا و عند ذلك أخذ هؤلاء يعني الفلاسفة و العرفاء في التدليس و التلبيس و تأويل مقاصد القرآن و الحديث إلى ما يوافق المطالب الفلسفية و العرفانية حتى اشتبه الأمر على الأكثرين.

و استنتج من ذلك أن هذه الأصول مخالفة للطريقة الحقة التي يهدي إليها الكتاب و السنة.

ثم أورد بعض الإشكالات على المنطق - مما أوردناه - كوجود الاختلاف بين المنطقيين أنفسهم، و وقوع الخطأ مع استعماله، و عدم وجود البديهيات و اليقينيات بمقدار كاف في المسائل الحقيقية، ثم ذكر مسائل كثيرة من الفلسفة و عدها جميعا مناقضة لصريح ما يستفاد من الكتاب و السنة.

هذا محصل كلامه و قد لخصناه تلخيصا.

و ليت شعري أي جهة من الجهات الموضوعة في هذا الكلام على كثرتها تقبل الإصلاح و الترميم فقد استظهر الداء على الدواء.

أما ما ذكره من تاريخ المتكلمين و انحرافهم عن الأئمة (عليهم السلام) و قصدهم إلى تطبيق الفلسفة على القرآن و انقسامهم بذلك إلى فرقتي الأشاعرة و المعتزلة و ظهور الصوفية و زعمهم أنهم و متبعيهم في غنى عن الكتاب و السنة و بقاء الأمر على هذا الحال و ظهور الفلسفة العرفانية في القرن الثالث عشر كل ذلك مما يدفعه التاريخ القطعي، و سيجيء إشارة إلى ذلك كله إجمالا.

على أن فيه خطأ فاحشا بين الكلام و الفلسفة فإن الفلسفة تبحث بحثا حقيقيا و يبرهن على مسائل مسلمة بمقدمات يقينية و الكلام يبحث بحثا أعم من الحقيقي و الاعتباري، و يستدل على مسائل موضوعة مسلمة بمقدمات هي أعم من اليقينية و المسلمة، فبين الفنين أبعد مما بين السماء و الأرض، فكيف يتصور أن يروم أهل الكلام في كلامهم تطبيق الفلسفة على القرآن؟ على أن المتكلمين لم يزالوا منذ أول ناجم نجم منهم إلى يومنا هذا في شقاق مع الفلاسفة و العرفاء، و الموجود من كتبهم و رسائلهم و المنقول من المشاجرات الواقعة بينهم أبلغ شاهد يشهد بذلك.

و لعل هذا الإسناد مأخوذ من كلام بعض المستشرقين القائل بأن نقل الفلسفة إلى الإسلام هو الذي أوجد علم الكلام بين المسلمين.

هذا، و قد جهل هذا القائل معنى الكلام و الفلسفة و غرض الفنين و العلل الموجبة لظهور التكلم و رمي من غير مرمى.

و أعجب من ذلك كله أنه ذكر بعد ذلك: الفرق بين الكلام و الفلسفة بأن البحث الكلامي يروم إثبات مسائل المبدأ و المعاد مع مراعاة جانب الدين و البحث الفلسفي يروم ذلك من غير أن يعتني بأمر الدين ثم جعل ذلك دليلا على كون السلوك من طريق الأصول المنطقية و العقلية سلوكا مباينا لسلوك الدين مناقضا للطريق المشروع فيه هذا.

فزاد في الفساد، فكل ذي خبرة يعلم أن كل من ذكر هذا الفرق بين الفنين أراد أن يشير إلى أن القياسات المأخوذة في الأبحاث الكلامية جدلية مركبة من مقدمات مسلمة: المشهورات و المسلمات لكون الاستدلال بها على مسائل مسلمة، و ما أخذ في الأبحاث الفلسفية منها قياسات برهانية يراد بها إثبات ما هو الحق لا إثبات ما سلم ثبوتها تسليما، و هذا غير أن يقال.

إن أحد الطريقين طريق الكلام طريق الدين و الآخر طريق مباين لطريق الدين لا يعتنى به و إن كان حقا.

و أما ما ذكره من الإشكال على المنطق و الفلسفة و العرفان فما اعترض به على المنطق قد تقدم الكلام فيه، و أما ما ذكره في موضوع الفلسفة و العرفان فإن كان ما ذكره على ما ذكره و فهم منه ثم ناقض ما هو صريح الدين الحق فلا ريب لمرتاب في أنه باطل و من هفوات الباحثين في الفلسفة أو السالكين مسلك العرفان و أغلاطهم، لكن الشأن في أن هفوات أهل فن و سقطاتهم و انحرافهم لا تحمل على عاتق الفن، و إنما يحمل على قصور الباحثين في بحثهم.

و كان عليه أن يتأمل الاختلافات الناشئة بين المتكلمين: أشعريهم و معتزليهم و إماميهم فقد اقتسمت هذه الاختلافات الكلمة الواحدة الإسلامية فجعلتها بادئ بدء ثلاثة و سبعين فرقة ثم فرقت كل فرقة إلى فرق، و لعل فروع كل أصل لا ينقص عددا من أصولها.

فليت شعري هل أوجد الاختلافات شيء غير سلوك طريق الدين؟ و هل يسع لباحث أن يستدل بذلك على بطلان الدين و فساد طريقه؟ أو يأتي هاهنا بعذر لا يجري هناك أو يرمي أولئك برذيلة معنوية لا توجد عينها أو مثلها في هؤلاء؟! و نظير فن الكلام في ذلك الفقه الإسلامي و انشعاب الشعب و الطوائف فيه ثم الاختلافات الناشئة بين كل طائفة أنفسهم، و كذلك سائر العلوم و الصناعات على كثرتها و اختلافها.

و أما ما استنتج من جميع كلامه من بطلان جميع الطرق المعمولة و تعين طريق الكتاب و السنة و هو مسلك الدين فلا يسعه إلا أن يرى طريق التذكر و هو الذي نسب إلى أفلاطون اليوناني و هو أن الإنسان لو تجرد عن الهوسات النفسانية و تحلى بحلية التقوى و الفضائل الروحية ثم رجع إلى نفسه في أمر بان له الحق فيه.

هذا هو الذي ذكروه، و قد اختاره بعض القدماء من يونان و غيرهم و جمع من المسلمين و طائفة من فلاسفة الغرب غير أن كلا من القائلين به قرره بوجه آخر: فمنهم من قرره على أن العلوم الإنسانية فطرية بمعنى أنها حاصلة له، موجودة معه بالفعل في أول وجوده، فلا جرم يرجع معنى حدوث كل علم له جديد إلى حصول التذكر.

و منهم من قرره على أن الرجوع إلى النفس بالانصراف عن الشواغل المادية يوجب انكشاف الحقائق لا بمعنى كون العلوم عند الإنسان بالفعل بل هي له بالقوة و إنما الفعلية في باطن النفس الإنسانية المفصولة عن الإنسان عند الغفلة الموصولة به عند التذكر، و هذا ما يقول به العرفاء و أهل الإشراق و أترابهم من سائر الملل و النحل.

و منهم من قرره على نحو ما قرره العرفاء غير أنه اشتراط في ذلك التقوى و اتباع الشرع علما و عملا كعدة من المسلمين ممن عاصرناهم و غيرهم زعما منهم أن اشتراط اتباع الشرع يفرق ما بينهم و بين العرفاء و المتصوفة، و قد خفي عليهم أن العرفاء سبقوهم في هذا الاشتراط كما يشهد به كتبهم المعتبرة الموجودة، فالقول عين ما قال به المتصوفة، و إنما الفرق بين الفريقين في كيفية الاتباع و تشخيص معنى التبعية، و هؤلاء يعتبرون في التبعية مرحلة الجمود على الظواهر محضا، فطريقهم طريق مولد من تناكح طريقي المتصوفة و الأخبارية إلى غير ذلك من التقريرات.

و القول بالتذكر إن لم يرد به إبطال الرجوع إلى الأصول المنطقية و العقلية لا يخلو من وجه صحة في الجملة فإن الإنسان حينما يوجد بهويته يوجد شاعرا بذاته و قوى ذاته و بعلله، عالما بها علما حضوريا، و معه من القوى ما يبدل علمه الحضوري إلى علم حصولي.

و لا توجد قوة هي مبدأ الفعل إلا و هي تفعل فعلها فللإنسان في أول وجوده شيء من العلوم و إن كانت متأخرة عنه بحسب الطبع لكنه معه بالزمان.

هذا ، وأيضا حصول بعض العلوم للإنسان إذا انصرف عن التعلقات المادية بعض الانصراف لا يسع لأحد إنكاره.

و إن أريد بالقول بالتذكر إبطال أثر الرجوع إلى الأصول المنطقية و العقلية بمعنى أن ترتيب المقدمات البديهية المتناسبة يوجب خروج الإنسان من القوة إلى الفعل بالنسبة إلى العلم بما يعد نتيجة لها، أو بمعنى أن التذكر بمعنى الرجوع إلى النفس بالتخلية يغني الإنسان عن ترتيب المقدمات العلمية لتحصيل النتائج فهو من أسخف القول الذي لا يرجع إلى محصل.
أما القول بالتذكر بمعنى إبطاله الرجوع إلى الأصول المنطقية و العقلية فيبطله أولا : أن البحث العميق في العلوم و المعارف الإنسانية يعطي أن علومه التصديقية تتوقف على علومه التصورية و العلوم التصورية تنحصر في العلوم الحسية أو المنتزع منها بنحو من الأنحاء و قد دل القياس و التجربة على أن فاقد حس من الحواس فاقد لجميع العلوم المنتهية إلى ذلك الحس، تصورية كانت أو تصديقية، نظرية كانت أو بديهية، و لو كانت العلوم موجودة للهوية الإنسانية بالفعل لم يؤثر الفقد المفروض في ذلك، و القول بأن العمى و الصمم و نحوهما مانعة عن التذكر رجوع عن أصل القول و هو أن التذكر بمعنى الرجوع إلى النفس بالانصراف عن التعلقات المادية مفيد لذكر المطلوب بارتفاع الغفلة.

و ثانيا : أن التذكر أنما يوفق له بعض أفراد هذا النوع، و عامة الأفراد يستعملون في مقاصدهم الحيوية سنة التأليف و الاستنتاج و يستنتجون من ذلك الألوف بعد الألوف من النتائج المستقيمة، و على ذلك يجري الحال في جميع العلوم و الصناعات، و إنكار شيء من ذلك مكابرة، و حمل ذلك على الاتفاق مجازفة فالأخذ بهذه السنة أمر فطري للإنسان لا محيد عنه، و من المحال أن يجهز نوع من الأنواع بجهاز فطري تكويني ثم يخبط في عمله و لا ينجح في مسعاه.

و ثالثا : أن جميع ما ينال هؤلاء بما يسمونه تذكرا يعود بالتحليل إلى مقدمات مترتبة ترتيبا منطقيا بحيث يختل أمر النتيجة فيها باختلال شيء من الأصول المقررة في هيئتها و مادتها، فهم يستعملون الأصول المنطقية من حيث لا يحسون به، و الاتفاق و الصحابة الدائمان لا محصل لهما، و عليهم أن يأتوا بصورة علمية تذكرية صحيحة لا تجري فيها أصول المنطق.

و أما القول بالتذكر بمعنى إغنائه عن الرجوع إلى الأصول المنطقية - و يرجع محصله إلى أن هناك طريقين : طريق المنطق و طريق التذكر باتباع الشرع مثلا، و الطريقان سواء في الإصابة أو إن طريق التذكر أفضل و أولى لإصابته دائما لموافقته قول المعصوم بخلاف طريق المنطق و العقل - ففيه خطر الوقوع في الغلط دائما أو غالبا.

و كيف كان يرد عليه الإشكال الثاني الوارد على ما تقدمه فإن الإحاطة بجميع مقاصد الكتاب و السنة و رموزها و أسرارها على سعة نطاقها العجيبة غير متأت إلا للآحاد من الناس المتوغلين في التدبر في المعارف الدينية على ما فيها من الارتباط العجيب، و التداخل البالغ بين أصولها و فروعها و ما يتعلق منها بالاعتقاد و ما يتعلق منها بالأعمال الفردية و الاجتماعية، و من المحال أن يكلف الإنسان تكوينا بالتجهيز التكويني بما وراء طاقته و استطاعته أو يكلف بذلك تشريعا فليس على الناس إلا أن يعقلوا مقاصد الدين بما هو الطريق المألوف عندهم في شئون حياتهم الفردية و الاجتماعية، و هو ترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات، و المعلوم من الشرع بعض أفراد المعلومات لقيام البرهان على صدقه.

و من العجيب أن بعض القائلين بالتذكر جعل هذا بعينه وجها للتذكر على المنطق فذكر أن العلم بالحقائق الواقعية إن صح حصوله باستعمال المنطق و الفلسفة - و لن يصح - فإنما يتأتى ذلك لمثل أرسطو و ابن سينا من أوحديي الفلسفة، و ليس يتأتى لعامة الناس فكيف يمكن أن يأمر الشارع باستعمال المنطق و الأصول الفلسفية طريقا إلى نيل الواقعيات؟ و لم يتفطن أن الإشكال بعينه مقلوب عليه فإن أجاب بأن استعمال التذكر ميسور لكل أحد على حسب اتباعه أجيب بأن استعمال المنطق قليلا أو كثيرا ميسور لكل أحد على حسب استعداده لنيل الحقائق و لا يجب لكل أحد أن ينال الغاية، و يركب ما فوق الطاقة.

و يرد عليه ثانيا : الإشكال الثالث السابق فإن هؤلاء يستعملون طريق المنطق في جميع المقاصد التي يبدونها باسم التذكر كما تقدم حتى في البيان الذي أوردوه لإبطال طريق المنطق و تحقيق طريق التذكر و كفى به فسادا.

و يرد عليه ثالثا : أن الوقوع في الخطأ واقع بل غالب في طريق التذكر الذي ذكروه فإن التذكر كما زعموه هو الطريق الذي كان يسلكه السلف الصالح دون طريق المنطق، و قد نقل الاختلاف و الخطأ فيما بينهم بما ليس باليسير كعدة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن اتفق المسلمون على علمه و اتباعه الكتاب و السنة، أو اتفق الجمهور على فقهه و عدالته، و كعدة من أصحاب الأئمة على هذه النعوت كأبي حمزة و زرارة و أبان و أبي خالد و الهشامين و مؤمن الطاق و الصفوانين و غيرهم، فالاختلافات الأساسية بينهم مشهورة معروفة و من البين أن المختلفين لا ينال الحق إلا أحدهما، و كذلك الفقهاء و المحدثون من القدماء كالكليني و الصدوق و شيخ الطائفة و المفيد و المرتضى و غيرهم رضوان الله عليهم، فما هو مزية التذكر على التفكر المنطقي؟ فكان من الواجب حينئذ التماس مميز آخر غير التذكر يميز بين الحق و الباطل، و ليس إلا التفكر المنطقي فهو المرجع و الموئل.

و يرد عليه رابعا : أن محصل الاستدلال أن الإنسان إذا تمسك بذيل أهل العصمة و الطهارة لم يقع في خطأ، و لازمه ما تقدم أن الرأي المأخوذ من المعصوم فيما سمعه منه سمعا يقينيا و علم بمراده علما يقينيا لا يقع فيه خطأ، و هذا مما لا كلام فيه لأحد.

و في الحقيقة المسموع من المعصوم أو المأخوذ منه مادة ليس هو عين التذكر و لا الفكر المنطقي ثم يعقبه هو أن: هذا ما يراه المعصوم، و كل ما يراه حق فهذا حق و هذا برهان قطعي النتيجة، و أما غير هذه الصورة من مؤديات أخبار الآحاد أو ما يماثلها مما لا يفيد إلا الظن فإن ذلك لا يفيد شيئا و لا يوجد دليل على حجية الآحاد في غير الأحكام إلا مع موافقة الكتاب و لا الظن يحصل على شيء مع فرض العلم على خلافه من دليل علمي.

9 - و قول بعضهم : " إن الله سبحانه خاطبنا في كلامه بما نألفه من الكلام الدائر بيننا، و النظم و التأليف الذي يعرفه أهل اللسان، و ظاهر البيانات المشتملة على الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و القصص و الحكمة و الموعظة و الجدال بالتي هي أحسن، و هذه أمور لا حاجة في فهمها و تعقلها إلى تعلم المنطق و الفلسفة و سائر ما هو تراث الكفار و المشركين و سبيل الظالمين، و قد نهانا عن ولايتهم و الركون إليهم و اتخاذ دئوبهم و اتباع سبلهم، فليس على من يؤمن بالله و رسوله إلا أن يأخذ بظواهر البيانات الدينية، و يقف على ما يتلقاه الفهم العادي من تلك الظواهر من غير أن يأولها أو يتعداها إلى غيرها" و هذا ما يراه الحشوية و المشبهة و عدة من أصحاب الحديث.

و هو فاسد أما من حيث الهيئة فقد استعمل فيه الأصول المنطقية و قد أريد بذلك المنع عن استعمالها بعينها، و لم يقل القائل بأن القرآن يهدي إلى استعمال أصول المنطق: أنه يجب على كل مسلم أن يتعلم المنطق، لكن نفس الاستعمال مما لا محيص عنه، فما مثل هؤلاء في قولهم هذا إلا مثل من يقول: إن القرآن إنما يريد أن يهدينا إلى مقاصد الدين فلا حاجة لنا إلى تعلم اللسان الذي هو تراث أهل الجاهلية، فكما أنه لا وقع لهذا الكلام بعد كون اللسان طريقا يحتاج إليه الإنسان في مرحلة التخاطب بحسب الطبع و قد استعمله الله سبحانه في كتابه و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنته كذلك لا معنى لما اعترض به على المنطق بعد كونه طريقا معنويا يحتاج إليه الإنسان في مرحلة التعقل بحسب الطبع و قد استعمله الله سبحانه في كتابه و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنته.

و أما بحسب المادة فقد أخذت فيه مواد عقلية، غير أنه غولط فيه من حيث التسوية بين المعنى الظاهر من الكلام و المصاديق التي تنطبق عليها المعاني و المفاهيم، فالذي على المسلم المؤمن بكتاب الله أن يفهمه من مثل العلم و القدرة و الحياة و السمع و البصر و الكلام و المشيئة و الإرادة مثلا أن يفهم معاني تقابل الجهل و العجز و الممات و الصمم و العمى و نحوها، و أما أن يثبت لله سبحانه علما كعلمنا و قدرة كقدرتنا و حياة كحياتنا و سمعا و بصرا و كلاما و مشيئة و إرادة كذلك فليس له ذلك لا كتابا و لا سنة و لا عقلا، و قد تقدم شطر من الكلام المتعلق بهذا الباب في بحث المحكم و المتشابه في الجزء الثالث من الكتاب.
10 - و قول بعضهم : " إن الدليل على حجية المقدمات التي قامت عليها الحجج العقلية ليس إلا المقدمة العقلية القائلة بوجوب اتباع الحكم العقلي، و بعبارة أخرى لا حجة على حكم العقل إلا نفس العقل و هذا دور مصرح فلا محيص في المسائل الخلافية عن الرجوع إلى قول المعصوم من نبي أو إمام من غير تقليد ".

هذا، و هو أسخف تشكيك أورد في هذا الباب و إنما أريد به تشييد بنيان فأنتج هدمه، فإن القائل أبطل به حكم العقل بالدور المصرح على زعمه ثم لما عاد إلى حكم الشرع لزمه إما أن يستدل عليه بحكم العقل و هو الدور، أو بحكم الشرع و هو الدور فلم يزل حائرا يدور بين دورين.

إلا أن يرجع إلى التقليد و هو حيرة ثانية.

وقد اشتبه عليه الأمر في تحصيل معنى وجوب متابعة حكم العقل" فإن أريد بوجوب متابعة حكم العقل ما يقابل الحظر و الإباحة و يستتبع مخالفته ذما أو عقابا نظير وجوب متابعة الناصح المشفق، و وجوب العدل في الحكم و نحو ذلك فهو حكم العقل العملي و لا كلام لنا فيه، و إن أريد بوجوب المتابعة أن الإنسان مضطر على تصديق النتيجة إذا استدل عليه بمقدمات علمية و شكل صحيح علمي مع التصور التام لأطراف القضايا فهذا أمر يشاهده الإنسان بالوجدان، و لا معنى عندئذ لأن يسأل العقل عن الحجة، لحجية حجته لبداهة حجيته.

و هذا نظير سائر البديهيات، فإن الحجة على كل بديهي إنما هي نفسه، و معناه أنه مستغن عن الحجة.

11 - و قول بعضهم : " إن غاية ما يرومه المنطق هو الحصول على الماهيات الثابتة للأشياء، و الحصول على النتائج بالمقدمات الكلية الدائمة الثابتة، و قد ثبت بالأبحاث العلمية اليوم أن لا كلي و لا دائم و لا ثابت في خارج و لا ذهن و إنما هي الأشياء تجري تحت قانون التحول العام من غير أن يثبت شيء بعينه على حال ثابتة أو دائمة أو كلية ".

و هذا فاسد من جهة أنه استعمل فيه الأصول المنطقية هيئة و مادة كما هو ظاهر لمن تأمل فيه.

على أن المعترض يريد بهذا الاعتراض بعينه أن يستنتج أن المنطق القديم غير صحيح البتة، و هي نتيجة كلية دائمة ثابتة مشتملة على مفاهيم ثابتة، و إلا لم يفده شيئا فالاعتراض يبطل نفسه.

و لعلنا خرجنا عما هو شريطة هذا الكتاب من إيثار الاختصار مهما أمكن فلنرجع إلى ما كنا فيه أولا : القرآن الكريم يهدي العقول إلى استعمال ما فطرت على استعماله و سلوك ما تألفه و تعرفه بحسب طبعها و هو ترتيب المعلومات لاستنتاج المجهولات، و الذي فطرت العقول عليه هو أن تستعمل مقدمات حقيقية يقينية لاستنتاج المعلومات التصديقية الواقعية و هو البرهان، و أن تستعمل فيما له تعلق بالعمل من سعادة و شقاوة و خير و شر و نفع و ضرر و ما ينبغي أن يختار و يؤثر و ما لا ينبغي، و هي الأمور الاعتبارية، المقدمات المشهورة أو المسلمة، و هو الجدل، و أن تستعمل في موارد الخير و الشر المظنونين مقدمات ظنية لإنتاج الإرشاد و الهداية إلى خير مظنون، أو الردع عن شر مظنون، و هي العظة قال تعالى : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125] و الظاهر أن المراد بالحكمة هو البرهان كما ترشد إلى ذلك مقابلته الموعظة الحسنة و الجدال.

فإن قلت : طريق التفكر المنطقي مما يقوى عليه الكافر و المؤمن، و يتأتى من الفاسق و المتقي، فما معنى نفيه تعالى العلم المرضي و التذكر الصحيح عن غير أهل التقوى و الاتباع كما في قوله تعالى : {وما يتذكر إلا من ينيب} [غافر: 13]، و قوله : {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى } [النجم : 29، 30] و الروايات الناطقة بأن العلم النافع لا ينال إلا بالعمل الصالح كثيرة مستفيضة .
قلت : اعتبار الكتاب و السنة التقوى في جانب العلم مما لا ريب فيه، غير أن ذلك ليس لجعل التقوى أو التقوى الذي معه التذكر طريقا مستقلا لنيل الحقائق وراء الطريق الفكري الفطري الذي يتعاطاه الإنسان تعاطيا لا مخلص له منه، إذ لو كان الأمر على ذلك لغت جميع الاحتجاجات الواردة في الكتاب على الكفار و المشركين و أهل الفسق و الفجور ممن لا يتبع الحق، و لا يدري ما هو التقوى و التذكر فإنهم لا سبيل لهم على هذا الفرض إلى إدراك المطلوب و حالهم هذا الحال، و مع فرض تبدل الحال يلغو الاحتجاج معهم، و نظيرها ما ورد في السنة من الاحتجاج مع شتى الفرق و الطوائف الضالة.

بل اعتبار التقوى لرد النفس الإنسانية المدركة إلى استقامتها الفطرية، توضيح ذلك: أن الإنسان بحسب جسميته مؤلف من قوى متضادة بهيمية و سبعية محتدها البدن العنصري، و كل واحدة منها تعمل عملها الشعوري الخاص بها من غير أن ترتبط بغيرها من القوى ارتباطا تراعي به حالها في عملها إلا بنحو الممانعة و المضادة فشهوة الغذاء تبعث الإنسان إلى الأكل و الشرب من غير أن يحد بحد أو يقدر بقدر من ناحية هذه القوة إلا أن يمتنع منهما المعدة مثلا لأنها لا تسع إلا مقدارا محدودا، أو يمتنع الفك مثلا لتعب و كلال يصيب عضلته من المضغ إذا أكثر من الأكل و أمثال ذلك، فهذه أمور نشاهدها من أنفسنا دائما.

وإذا كان كذلك كان تمايل الإنسان إلى قوة من القوى، و استرساله في طاعة أوامرها، و الانبعاث إلى ما تبعث إليه يوجب طغيان القوة المطاعة، و اضطهاد القوة المضادة لها اضطهادا ربما بلغ بها إلى حد البطلان أو كاد يبلغ، فالاسترسال في شهوة الطعام أو شهوة النكاح يصرف الإنسان عن جميع مهمات الحياة من كسب و عشرة و تنظيم أمر منزل و تربية أولاد و سائر الواجبات الفردية و الاجتماعية التي يجب القيام بها، ونظيره الاسترسال في طاعة سائر القوى الشهوية و القوى الغضبية ، وهذا أيضا مما لا نزال نشاهدها من أنفسنا و من غيرنا خلال أيام الحياة.

وفي هذا الإفراط و التفريط هلاك الإنسانية فإن الإنسان هو النفس المسخرة لهذه القوى المختلفة، و لا شأن له إلا سوق المجموع من القوى بأعمالها في طريق سعادته في الحياة الدنيا و الآخرة، و ليست إلا حياة علمية كمالية، فلا محيص له عن أن يعطي كلا من القوى من حظها ما لا تزاحم به القوى الأخرى و لا تبطل من رأس.

فالإنسان لا يتم له معنى الإنسانية إلا إذا عدل قواه المختلفة تعديلا يورد كلا منها وسط الطريق المشروع لها، و ملكة الاعتدال في كل واحدة من القوى هي التي نسميها بخلقها الفاضل كالحكمة و الشجاعة و العفة وغيرها ، و يجمع الجميع العدالة .

ولا ريب أن الإنسان إنما يحصل على هذه الأفكار الموجودة عنده و يتوسع في معارفه و علومه الإنسانية باقتراح هذه القوى الشعورية أعمالها و مقتضياتها، بمعنى أن الإنسان في أول كينونته صفر الكف من هذه العلوم و المعارف الوسيعة حتى تشعر قواه الداخلة بحوائجها ، و تقترح عليه ما تشتهيها و تطلبها، و هذه الشعورات الابتدائية هي مبادئ علوم الإنسان ثم لا يزال الإنسان يعمم و يخصص و يركب و يفصل حتى يتم له أمر الأفكار الإنسانية.

ومن هنا يحدس اللبيب أن توغل الإنسان في طاعة قوة من قواه المتضادة و إسرافه في إجابة ما تقترح عليه يوجب انحرافه في أفكاره و معارفه بتحكيم جميع ما تصدقه هذه القوة على ما يعطيه غيرها من التصديقات و الأفكار، و غفلته عما يقتضيه غيرها.

والتجربة تصدق ذلك فإن هذا الانحراف هو الذي نشاهده في الأفراد المسرفين المترفين من حلفاء الشهوة، و في البغاة الطغاة الظلمة المفسدين أمر الحياة في المجتمع الإنساني فإن هؤلاء الخائضين في لجج الشهوات، العاكفين على لذائذ الشرب و السماع و الوصال لا يكادون يستطيعون التفكر في واجبات الإنسانية، و مهام الأمور التي يتنافس فيها أبطال الرجال و قد تسربت روح الشهوة في قعودهم و قيامهم و اجتماعهم و افتراقهم و غير ذلك و كذلك الطغاة المستكبرون أقسياء القلوب لا يتأتى لهم أن يتصوروا رأفة و شفقة و رحمة و خضوعا و تذللا حتى فيما يجب فيه ذلك، و حياتهم تمثل حالهم الخبيث الذي هم عليه في جميع مظاهرها من تكلم و سكوت و نظر و غض و إقبال و إدبار، فهؤلاء جميعا سالكوا طريق الخطأ في علومهم، كل طائفة منهم مكبة على ما تناله من العلوم و الأفكار المحرفة المنحرفة المتعلقة بما عنده، غافلون عما وراءه و فيما وراءه، العلوم النافعة و المعارف الحقة الإنسانية فالمعارف الحقة و العلوم النافعة لا تتم للإنسان إلا إذا صلحت أخلاقه و تمت له الفضائل الإنسانية القيمة و هو التقوى.

فقد تحصل أن الأعمال الصالحة هي التي تحفظ الأخلاق الحسنة، و الأخلاق الحسنة هي التي تحفظ المعارف الحقة و العلوم النافعة و الأفكار الصحيحة، و لا خير في علم لا عمل معه.

وهذا البحث و إن سقناه سوقا علميا أخلاقيا لمسيس الحاجة إلى التوضيح إلا أنه هو الذي جمعه الله تعالى في كلمة حيث قال : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } [لقمان : 19] فإنه كناية عن أخذ وسط الاعتدال في مسير الحياة، و قال : {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفال : 29] و قال : {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } [البقرة : 197] أي لأنكم أولوا الألباب تحتاجون في عمل لبكم إلى التقوى و الله أعلم ، و قال تعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [الشمس: 7 - 10] و قال : {و اتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران : 103].

و من طريق آخر: قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم: 59، 60] فذكر أن اتباع الشهوات يسوق إلى الغي، و قال تعالى : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 146] فذكر أن أسراء القوى الغضبية ممنوعون من اتباع الحق مسوقون إلى سبيل الغي ، ثم ذكر أن ذلك بسبب غفلتهم عن الحق، و قال تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179] فذكر أن هؤلاء الغافلين إنما هم غافلون عن حقائق المعارف التي للإنسان، فقلوبهم و أعينهم و آذانهم بمعزل عن نيل ما يناله الإنسان، السعيد في إنسانيته، و إنما ينالون بها ما تناله الأنعام أو ما هو أضل من الأنعام و هي الأفكار التي إنما تصوبها و تميل إليها و تألف بها البهائم السائمة و السباع الضارية.

فظهر من جميع ما تقدم أن القرآن الكريم إنما اشترط التقوى في التفكر و التذكر و التعقل، و قارن العلم بالعمل للحصول على استقامة الفكر و إصابة العلم و خلوصه من شوائب الأوهام الحيوانية و الإلقاءات الشيطانية.

نعم هاهنا حقيقة قرآنية لا مجال لإنكارها، و هو أن دخول الإنسان في حظيرة الولاية الإلهية، و تقربه إلى ساحة القدس و الكبرياء يفتح له بابا إلى ملكوت السماوات و الأرض يشاهد منه ما خفي على غيره من آيات الله الكبرى، و أنوار جبروته التي لا تطفأ، قال الصادق (عليه السلام) : لو لا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لرأوا ملكوت السماوات و الأرض، و فيما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لو لا تكثير في كلامكم و تمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى و لسمعتم ما أسمع، و قد قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69] و يدل على ذلك ظاهر قوله تعالى : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] حيث فرع اليقين على العبادة، و قال تعالى : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام : 75] فربط وصف الإيقان بمشاهدة الملكوت، و قال تعالى: { كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } [التكاثر: 5 - 7] و قال تعالى : { إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 18 - 21] و ليطلب البحث المستوفى في هذا المعنى مما سيجيء من الكلام في قوله تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } [المائدة : 55] و في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة: 105].

و لا ينافي ثبوت هذه الحقيقة ما قدمناه أن القرآن الكريم يؤيد طريق التفكر الفطري الذي فطر عليه الإنسان و بني عليه بنية الحياة الإنسانية، فإن هذا طريق غير فكري، و موهبة إلهية يختص بها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .