أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
1293
التاريخ: 27-03-2015
5375
التاريخ: 12-08-2015
1502
التاريخ: 1-03-2015
6626
|
هو محمد بن المستنير(1)، بصري المولد والمربى، وقد أقبل مبكرا على دراسة اللغة والنحو، ولزم سيبويه، ويقال: إنه هو الذي سماه قطربا, إذ كان يبكر للأخذ عنه، حتى كان سيبويه كلما خرج من داره سحرا رآه ببابه فقال له يوما مداعبا: "ما أنت إلا قطرب ليل" فثبتت الكلمة عليه ولصقت به، والقطرب: دويبة تدب ولا تفتر. وليس بين أيدينا ما يدل دلالة قاطعة على أنه تتلمذ للأخفش، غير ما يروى من أنه أخذ عن جماعة من العلماء البصريين، ونظن ظنا أنه أخذ عن الأخفش؛ لأنه كما قدمنا كان الطريق إلى كتاب سيبويه بعده، وعنه حمله العلماء، وطبيعي أن يحمله عنه قطرب فيمن حملوه، ما دام قد عني بالنحو والتقدم فيه، بل لقد اتخذه حرفة وأداة لتكسبه في تعليم أبناء الطبقة الممتازة ببغداد. وذاعت شهرته في ذلك فاتخذه الرشيد مؤدبا لابنه الأمين، وقربه منه أبو دلف العجلي أحد قواد الرشيد والمأمون النابهين واتخذه مؤدبا لأولاده، وظل يعنى بتأديبهم إلى وفاته سنة 206 للهجرة. وله في النحو والصرف كتب مختلفة، منها: كتاب العلل في النحو وكتاب الاشتقاق في
ص108
التصريف، وصنَّف بجانب ذلك كتبا متعددة في اللغة مثل: كتاب الأضداد وكتاب خَلْق الفرس وكتاب خلق الإنسان وكتاب المثلث وهو مطبوع، وكتاب ما خالف فيه الإنسان البهيمة. وكانت له عناية بالذكر الحكيم والحديث النبوي، فألف كتابا في إعراب القرآن، وكتابا في غريب الحديث. وكتابه "الرد على الملحدين في تشابه القرآن" يدل على صلته بالمعتزلة, والمباحث الكلامية.
ولم يصلنا كتاب قطرب في العلل النحوية، غير أن الكتب المتأخرة احتفظت ببعض آرائه فيه، من ذلك تعليله لدخول الإعراب في الكلام، وقد مضى يعارض فيه ما ارتآه سيبويه وغيره من النحاة من أنه دخل الكلام في العربية لبيان الفارق بين المعاني التي يريدها المتكلمون للكلمات, إذ تكون فاعلة ومفعولة ومضافة أو مضافا إليها، يقول (2)
"ولم يعرب الكلام للدلالة على المعاني والفرق بين بعضها وبعض؛ لأنا نجد في كلامهم أسماء متفقة في الإعراب مختلفة المعاني, وأسماء مختلفة في الإعراب متفقة المعاني، فمما اتفق إعرابه واختلف معناه قولك: إن زيدا أخوك، ولعل زيدا أخوك، وكأن زيدا أخوك، اتفق إعرابه واختلف معناه. ومما اختلف إعرابه واتفق معناه قولك: ما زيد قائما "أي: في لغة الحجازيين", وما زيد قائم "أي: في لغة بني تميم" اختلف إعرابه واتفق معناه. ومثله: ما رأيته منذ يومين ومنذ يومان, ولا مالَ عندك ولا مالٌ عندك، وما في الدار أحد إلا زيد وما في الدار أحد إلا زيدا. ومثله: إن القوم كلَّهم ذاهبون وإن القوم كلُّهم ذاهبون، ومثله: {إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} و"إن الأمر كلُّه لله" قرئ بالوجهين جميعا، ومثله: ليس زيد بجبان ولا بخيل، وليس زيد بجبان ولا بخيلا. ومثل هذا كثير جدا مما اتفق إعرابه واختلف معناه، ومما اختلف إعرابه واتفق معناه. فلو كان الإعراب إنما دخل الكلام للفرق بين المعاني لوجب أن يكون لكل معنى إعراب يدل عليه لا يزول إلا بزواله. وإنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم في حال الوقف يلزمه السكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسكون
ص109
أيضا لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل وكانوا يبطئون عند الإدراج، فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام، ألا تراهم بنوا كلامهم على متحرك وساكن ومتحركين وساكن، ولم يجمعوا بين ساكنين في حشو الكلمة ولا في حشو بيت ولا بين أربعة أحرف متحركة؛ لأنهم في اجتماع الساكنين يبطئون وفي كثرة الحروف المتحركة يستعجلون وتذهب المهلة في كلامهم، فجعلوا الحركة عقب الإسكان. وقيل له: فهلا لزموا حركة واحدة؟ فقال: لو فعلوا ذلك لضيقوا على أنفسهم، فأرادوا الاتساع في الحركات وأن لا يحظروا على المتكلم الكلام إلا بحركة واحدة".
وعلى نحو ما علَّل لاختلاف حركات الإعراب بالاتساع في الكلام, علَّل لظاهرة الترادف في اللغة بنفس العلة، إذ يقول: "إنما أوقعت العرب اللفظتين على المعنى الواحد؛ ليدلوا على اتساعهم في كلامهم، كما زاحفوا في أجزاء الشعر ليدلوا على أن الكلام واسع عندهم, وأن مذاهبه لا تضيق عليهم عند الخطاب والإطالة والإطناب". (3)
ولم يكن يعنى بالخلاف على سيبويه والخليل في آرائهما النحوية والصرفية عناية الأخفش، ومع ذلك نجد له طائفة من الآراء خالفهما فيها معا, أو خالف أستاذه سيبويه وحده، أو خالف الأخفش. ومن هذه الآراء ما كان يذهب إليه من أن حركات الإعراب المسماة بالرفع والنصب والجر والجزم هي نفسها حركات البناء المسماة بالضم والفتح والكسر والوقف أو السكون، ولا بأس من إطلاق كل منها على مقابلها في الحالتين، فيقال للرفع في الكلمات المعربة الضم، ويقال للضم في الكلمات المبنية الرفع، وهلم جرا(4) ومر بنا أن الخليل وسيبويه كانا يريان أن إعراب المثنى والجمع المذكر إنما هو بحركات مقدرة في الألف والواو والياء، وأن الأخفش كان يرى أن إعرابهما بحركات مقدرة فيما قبل الألف والواو والياء, أي: على الدال في مثل الزيدان والزيدين والزيدون والزيدين، وذهب قطرب إلى أن إعرابهما بنفس هذه الحروف، إذ مثلها مثل حركات
ص110
الإعراب في مفردها تتغير بتغير مواقع الكلمات وعواملها في العبارات(5) . ومر بنا أيضا أن سيبويه كان يرى أن الأسماء الخمسة: أباك وأخواتها, معربة بحركات مقدرة في حروف الواو والألف والياء, رفعا ونصبا وجرا. وكان الأخفش يرى أنها معربة بحركات مقدرة على ما قبل الواو والألف والياء أسوة برأيه في المثنى والجمع، وذهب قطرب كما ذهب في الجمع والمثنى، إلى أن هذه الأحرف نفسها هي الإعراب، وكأنها نابت فيها عن الحركات(6)
ولقطرب وراء ذلك آراء فرعية، تتداولها كتب النحاة، منها أن واو العطف تفيد الترتيب؛ لأن الترتيب في اللفظ، إذا قلت مثلا: جاء زيد وعمرو، يستدعي سببا، وهو الترتيب في المجيء(7) وكان يذهب إلى أنه قد تأتي إن بمعنى قد, مستدلا بقوله تعالى: {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}(8). وذهب في إعراب لا جرم في قوله جل وعز: {لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} إلى أن لا رد لما قبلها، أي: ليس الأمر كما وصفوا, ثم ابتدئ ما بعده، وجرم فعل لا اسم، ومعناه وجب، وما بعده فاعل(9).
ص111
________________________
(1) انظر في ترجمة قطرب: أبا الطيب اللغوي ص67, والسيرافي ص49, والزبيدي ص106, والفهرست ص84, ونزهة الألباء ص91, ومعجم الأدباء 19/ 52, وابن خلكان في محمد, وتهذيب اللغة للأزهري 1/ 14, وتاريخ بغداد 3/ 298, وإنباه الرواة 3/ 219, وشذرات الذهب 2/ 15, ومرآة الجنان 2/ 300 , ولسان الميزان لابن حجر 5/ 378, وبغية الوعاة ص104.
(2) الزجاجي ص70 .
(3) المزهر 1/ 400 .
(4) الهمع 1/ 20 .
(5) الإنصاف ص13, وأسرار العربية ص51, والهمع 1/ 47.
(6) الهمع 1/ 38.
(7) المغني ص392, والهمع 2/ 129.
(8) المغني ص22.
(9) المغني ص263.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|