أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
25619
التاريخ: 27-02-2015
4766
التاريخ: 27-02-2015
9993
التاريخ: 27-02-2015
1623
|
كان عقل الخليل عقلا فذا ، كلما مس شيئاً نظمه واستنبط قوانينه ودقائقه ، وقد سلط هذا العقل على قوانين العربية في النحو والتصريف . فإذا هو يكتشفها اكتشافاً دقيقاً ، وحقاً لم يترك فيها كتاباً جامعاً ، إنما ترك ، إن
ص33
صح ما ذكره المترجمون له ، كتابات فرعية كرسالة له في معنى الحروف وثانية في جملة آلات الإعراب ، وثالثة في العوامل ويظن القفطي أنها منتحلة عليه ، ورابعة لعلها من عمل غيره إذ كان لم يترك في النحو والتصريف كتاباً كبيراً مأثوراً يضم فروعهما وشعبهما الكثيرة فإن تلميذه سيبويه سجل في كتابه كثيراً من بحوثه النحوية والصرفية ، حتى كأنه كان موكلا بأن لا يترك له رأيا مهما يتصل بقواعد العلمين ومسائلهما إلا دونه حتى قال القدماء إن كتابه من تصنيفه وتصنيف استاذه الخليل وعبروا عن ذلك عبارات مختلفة من مثل قول ثعلب : " الأصول والمسائل في الكتاب للخليل " ويقول أبو الطيب اللغوي : " عقد سيبويه كتابه بلفظه ولفظ الخليل" ويقول سيبويه : سألته أو قال من غير أن يذكر قائله فهو الخليل " . وكل من يقرأ الكتاب يحس في وضوح بما قاله ثعلب من أن الاصول وأمهات المسائل النحوية والصرفية من عمل الخليل ، وكأنه بالقياس الى سيبويه كان الكنز الذي لا ينفذ .
وحقاً سبقت الخليل في النحو والتصريف خطوات مهمة ، وخاصة ابن أبي اسحق وعيسى بن عمر ، ولكن من الحق أيضاً أنه هو الذي رفع قواعدهما وأركانهما وشاد صرحهما وبناءهما الضخم ، بما رسم من مصطلحاتهما وضبط من قواعدهما ، وبما شعب من فروعهما ، يهتدى في ذلك ببصيرته النافذة التي أتاحت له وضع علم العروض وضعاً تاماً بحيث لم تستطع الأجيال التالية أن تضيف الى صنيعه شيئاً . وبالمثل تناول علمي النحو والتصريف ساذجين من أسلافه ، وما زال بهما حتى استويا في صورتهما التي ثبتت على الزمن ، ونستطيع أن نقول في إجمال إن جمهوراً ما يصوره سيبويه في كتابه من أصول النحو والتصريف وقواعدهما إنما هو من صنيع أستاذه . ولا ينكر أحد ما لسيبويه من إكمال في العلمين وتتميم ، ولكن المهم أن واضع تخطيطهما وراسم لوحتيهما إنما هو الخليل ، يتضح ذلك في محاوراته التي لا تكاد تنتهي مع تلميذه والتي تدور فيها مصطلحات النحو والصرف وأبوابهما ، من مثل المبتدأ والخبر وكان وإن وأخواتهما والأفعال اللازمة والمتعدية الى مفعول به واحد أو مفعولين أو مفاعيل ، والفاعل
ص34
والمفاعيل على اختلاف صورها والحال والتمييز والتوابع والنداء والندبة والاستغاثة والترخيم والممنوع من الصرف ، وتصريف الأفعال والمقصور والممدود والمهموز والمضمرات والمذكر والمؤنث والمعرب والمبني . وهو الذي سمى علامات الإعراب في الأسماء باسم الرفع والنصب والخفض وسمى حركات المبنيات باسم الضم والفتح والكسر أما سكونها فسماه الوقف ، وسمى الكسرة غير المنونة في مثل مررت بعبد الله باسم الجر ، كما سمى السكون الذي يقع في أواخر الأفعال المضارعة والمجزومة باسم الجزم(1) ، وكان يرى أن الألف والياء والواو في التثنية وجمع المذكر السالم هي نفس حروف الإعراب(2) ، كما كان يرى أن أسماء الأفعال مبنية ولا محل لها من الإعراب ، مثلها في ذلك مثل ضمير الفصل(3) .
وأدته بحوثه الواسعة في بنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة الى أن يقسم الكلمات الى مجردة ومزيدة ، ملاحظا أن المجردة لا تزيد على خمسة ولا تقل عن ثلاثة(4) . ووضع للابنية المجردة والمزيدة الميزان الصرفي المشهور ، وهو شديد الصلة بميزان تفاعيله في العروض مما يؤكد أنه هو واضعه ، وقد اتخذ فيه من تفعيلة الصيغة الثلاثية المجردة أصلا هو " فعل " وأضاف إليها لاماً في وزن الرباعي المجرد مثل جعفر فوزنه فعلل ولامين في وزن الخماسي المجرد مثل سفرجل فوزنه فعلل ، اما الكلمات المزيدة فلاحظ أن حروف الزيادة فيها عشرة ، وتجمعها حروف كلمة " سألتمونيها " وقد رأى أن تنطق في الميزان بلفظها ، ليمتاز الأصلي من المزيد ، فمثلا أكرم وزنها أفعل وتفضل وزنها تفعل وافتطف وزنها افتعل وانكسر وزنها انفعل واستغفر وزنها استفعل ، ومثلا إكرام وزنها إفعال واقتطاف وزنها افتعال وانكسار وزنها انفعال واستغفار وزنها استفعال ومصباح وزنها مفعال . وإليه يرجع الفضل في وضع قوانين الإعلال والقلب . ويكفي أن نذكر لذلك ثلاثة أمثلة ، أما أولها فصيغة اسم المفعول من الفعل الأجوف مثل مقول ومبيع فقد كان يرى
ص35
أن واو مفعول الزائدة هي المحذوفة من الصيغتين لأن أولى بالإعلال من الأصلي ، وبذلك يكون وزن الكلمتين عنده " مَفْعُل " و " مَفْعِل " بينما يذهب بعض النحاة الذين خلفوه الى أن عين صيغة اسم المفعول هي المحذوفة ، وأن وزنهما لذلك " مفول "(5) . والمثال الثاني صيغة اسم الفاعل من الفعل الأجوف المهموز مثل جاء من جاء ، وكان يرى أنه حدث في الصيغة قلب ، إذ قدمت ياء لفظة جائي على الهمزة ، وذلك أن اسم الفاعل من الفعل الأجوف الثلاثي تقلب عينه همزة مثل سائل ، فلو لم تقدم الياء لأدى ذلك الى انقلابها همزة وان تجتمع همزتان في كلمة واحدة وهو شيء تكرهه العرب في لغتها ، ومن أجل ذلك قدر حدوث قلب في الصيغة ، فأصبحت : " جايئ " جائي ، واعدها ذلك لأن تعل إعلال كلمة قاضٍ ، فأصبحت " جاء " ودعم رأيه في هذا الإعلال والقلب بقياس كلمة جاءٍ على كلمة شاكٍ في قول طريف بن تميم العنبري :
فتعرفني أنني انا ذاكم شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
فإنه قدم الكاف على الهمزة في الصيغة الأصلية لكلمة " شاك " إذ أصلها " شائك " فأصبحت " شاكئ " ثم أعلها فأصبحت " شاكٍ " ووزنها إذن " فالع " لا فاعل(6) . اما المثال الثالث فكلمة " أشياء " فإنها جاءت عن العرب ممنوعة من الصرف مع أنها جمع شيء ، وصيغة جمعها وهي أفعال لا تمنع من الصرف ، ومن اجل ذلك ذهب الخليل الى أنه حدث فيها قلب ، وأنها ليست على وزن أفعال ، كما يتبادر ، فقد جمعت " شيئاء " على وزن فعلاء الممنوع من الصرف مثل خضراء بعلة ألف التأنيث الممدودة ، والكلمة إذن اسم جمع لا جمع ، وحدث فيها قلب مكاني إذ قدمت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة على فائها ، وبذلك أصبح وزنها "لفعاء " لا فعلاء وظلت ممنوعة من الصرف . واستدل الخليل على رأيه بأن الكلمة تُجمع على " أشاوى " كما
ص36
تجمع صحراء على صحارى ، وأصلها عند " أشايا " فأبدلت الياء واوا (7) .
وعلى هذا النحو من التحليل للقلب والإعلال في هذه الأمثلة كان الخليل يحلل تحليلا واسعاً عبارات اللغة ، كما كان يحلل أدواتها وصيغتها اللفظية تحليلاً جعله يلتفت فيها الى النحت وأن من الممكن ان تكون الكلمة استخلصت من كلمتين ، من ذلك اسم الفعل " هلم " فإنه ذهب الى انه مركب من " ها " للتنبيه وفعل " لُم " أي لُمَّ بنا ، ثم كثر استعمال الصيغة فحذفت الألف من " ها " تخفيفاً لأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها في حكم الساكنة ، وكأنها حذفت لالتقاء الساكنين فصارت "هلم"(8) ومن ذلك تحليله للفظة "مهما" الشرطية فقد كان يرى ان أصلها " ما " ثم دخلت عليها " ما " التي تدخل على أخواتها الشرطيات مثل أينما ، واستقبح التكرار في " ماما" فأبدلت الألف الأولى هاء لأنها من مخرجها ، وحسن اللفظ بها (9) . ومن ذلك " لن " الناصبة للمضارع ، على نحو حذفها في مثل : " خذ وكل ومر وسل " ثم حذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها ، أو بعبارة اخرى حذفت لالتقاء الساكنين(10) ، ومن ذلك تحليله لكلمة " ليس " فأصلها عنده : لا أيس ، فطرحت الهمزة وألصقت اللام بالياء (11) ومن ذلك كلمة إذن فأصلها عنده إذ أن (12) .
وكان يمتاز بحس لغوي دقيق جعله يفقه أسرار العربية ودقائقها في العبارات والألفاظ فقها لعل أحداً من معاصريه لم يبلغه ، ويتوقف سيبويه مرار لينقل عنه مثل " إن هذه العبارة أو هذه الظاهرة تكرهها العرب " أو إن " هذه الصيغة جيدة في لسانهم ، أو إنهم يميلون الى هذا الأداء رغبة في التخفيف " . ومن أروع الجوانب التي يتضح فيها ذوقه اللغوي المرهف أحاديثه الكثيرة التي نقلها عنه سيبويه في الإدغام والإعلال ومواضع قلب الواو ياء والياء واواً . ومما يصور مدى حسه اللغوي الحاد ملاحظته حكاية العرب لصوت الجند بقولهم : " صر " وحكايتهم لصوت
ص37
البازي بقولهم : " صرصر " فقد قال إنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا صر بينما توهمو في صوت البازي تقطيعاً ، فقالوا " صرصر" (13) . وسنرى فما يلي أمثلة كثيرة تصور . حسه اللغوي المصفى وملكاته العقلية التي لا يكاد يفوتها شيء .
ص38
___________________
(1) مفاتيح العلوم للخوارزمي (طبعة القاهرة 1930 ) ص 30 وانظر شرح ابن يعيش على المفصل للزمخشري (طبع القاهرة) 1 /72 .
(2) الإيضاح في علل النحو للزجاجي (طبعة القاهرة) ص 130 ، 141 والإنصاف لابن الأبناري ص 13 وكتابه أسرار العربية (طبع دمشق) ص 51 .
(3) المعنى لابن هشام (طبعة دار الفكر بدمشق) ص 550 .
(4) الجزء المطبوع من كتاب العين ص 3 .
(5) الخصائص 2 /66 والمصنف شرح تصريف المازني لابن جني (طبعة مطبعة مصطفى الحلبي) 1 /287 والأشياء والنظائر لسيوطي (طبعة حيدر آباد ) 1 /40 .
(6) المصنف 2/52 وانظر الكتاب 2 /129 ، 378 .
(7) الكتاب 2/379 والمنصف 2 /94 .
(8) الخصائص 3 /35 .
(9) الكتاب 1 /433 .
(10) الكتاب 1 /407 والخصائص 3 /151 .
(11) انظر مادة ليس في لسان العرب .
(12) همع الهوامع السيوطي (طبعة الخانجي) 2 /6 .
(13) الخصائص 2 /152 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|