جــــواري وقهرمانات أبو العباس المأمون (198-218هـ/813-833م) (1).

هو الخليفة السابع من قائمة السيوطي في خلفاء بني العباس .اتصفت مدة حكم المأمون بالترف والبذخ ودامت خلافته مدة طويلة (2)،وقد قلنا ان أمه ام ولد يقال لها مراجل : وهي باذغيسية الأصل (3)، وينحدر المأمون عن المنصور في حزمه ، ومن أعماله غزا في سنة 215هـ/831م وما يليها الى الروم فاتحاً حصن قرة عنوة وحصن ماجدة ثم سار الى دمشق ومنها الى مصر ودخلها سنة 216هـ/832م ، وهو اول من دخلها من الخلفاء العباسيين (4)،ثم عاد الى دمشق في 217 هـ/833م، وازدادت واردات الدولة كثيراً بسبب ما غنمه من الغنائم في هذه الحروب (5)،ومن الطبيعي أدى هذا الى ظهور الكثير من الجواري وانضمام أعداد منهن الى البلاط العباسي ، منهن الأتي :

1-الجارية عريب :

انتقلت بعـد مقتل الخليـفة الأمين الــى اخيه المأمون (6) ، واسمت نفسها لعـريب المأمـونية ،وهــي إحــدى الحظايا ، اشتهرت بجمالها وأدبها وديوان خاص بها (7).ويذكر ان عريب كانت توقع ،فضلا عن صنعتها كمغنية وشاعرة على رقاع مكاتبات منثورة ومنظومة (8) ، مثل رقعتها الى المأمون عندما خرج من بلدة فم الصلح(9) ، وكانت تتوسط لدى المأمون في الأمور المهمة ، مثلاً ان إبراهيم بن المدبر (10) لما سجن التجأ لعريب لتسعى له عند المأمون في إخراجه ، فوعدها الخليفة بما تحب ثم أطلقه (11).

 ويذكر ان المأمون كان يحب المجالس التي توجد فيها عريب لأنها في رأيه مجالس انس ومرح (12) وتزوجت من احد جلساء المأمون وهو محمد بن حامد ومهرها عنه أربعمائة درهم (13) ويذكر بان الجارية عريب كانت قد اجتمعت بعلية بنت المهدي وجالستها (14) وكانتا متنافستين في الفن ولا تسمع لإحداهن شهادة على الأخرى(15) واجتمعت بإبراهيم بن المهدي كذلك حتى ان عريباً امتدحت اليوم الذي التقت به عليه وإبراهيم بأنه احسن يوم مر به في الدنيا واطيبه (16) وماتت الجارية والشاعرة والمغنية عريب سنة 277 هـ / 890 م خلال حكم الموفق ودفنت بالتربة في الرصافة (17).

وكانت عريب تنتقل لدى أولاد الخلفاء ، فضلاً عن الخلفاء العباسيين وكانت تنتقل من خليفة الى اخر مثلاً من الأمين الى المأمون ومن المعتصم الى الواثق وبعده المتوكل ، ولكن ظل اسمها عريب المأمونية (18).

2-الجارية تزيف :

هي من مولدات البصرة (19) وصلت الى المأمون من أحد تجار الرقيق في البصرة مقابل مبلغ قدره عشرون الف درهم (20) يذكر بأنها كانت بارعة الحسن والجمال وبديعة الظرف موصوفة بالكمال (21) ويقال بان الخليفة المأمون قدمها على سائر حظاياه (22) ويذكر لما مات المأمون قصرت نفسها على البكاء عليه واشتد حزنها وأقبلت ترثيه وتنوح عليه وتبكيه (23) حتى ماتت سنة 219هـ/ 814م ودفنت في سر من راى (24).

3-الجارية بدعة :

هي فارسية الأصل (25) أهداها المأمون الى الجارية عريب لخدماتها الخاصة وقيل بأنها الأخرى كانت شاعرة ومغنية (26) اعتق عربيا وتوفيت سنة 302هـ/ 914م في عهد المقتدر (27).

4-الجارية مؤنسة :

هي رومية الأصل (28) لا تذكر المصادر كيفية وصولها الى قصر المأمون مع انه يمكن ان تكون قد وصلت إليه عن طريق غزواته الناجمة في بلاد الروم ويذكر بأنها أصبحت محظية لدى المأمون وسميت بمـؤنسة المأمونية (29) وكانت تعتني بوزير المأمون احمد بن يوسف وهو بالمقابل كان يقوم بتسهيل خدماتها وتلبية حوائجها ثـم انتقلت مـع المأمون عندما أصبح في الشماسية (30) وكانت مؤنسة انيسة المأمون في المجالس، الا أننا لا نعرف كيف انتهت سيرتها.

اما الزوجة الرسمية للمأمون هي بوران بنت الحسن بن سهل (31) وذكر اكثر المؤرخين ان ليلة زفافها كانت من الليالي التي أنفقت فيها ملايين الدراهم ولا يعرف ان للمأمون منها ولد (32) .

هذه هي صورة لحياة بعض الشهيرات من الجواري والقهرمانات في العصر العباسي الأول، وهي صورة تبرز الرخاء والترف وتدل على ما ساد ذلك العصر من حضارة وثراء واستقرار. ولكن المأمون لم يترك وريثاً له للخلافة من بعده.

______________

(1) المأمون :هو عبد الله بن هارون الرشيد ،ولد سنة 170هـ في ليلة توفي فيها عمه الهادي وولي أبوه هارون الخلافة ،وكان افضل رجال بني العباس حزماً وعزماً وحلماً وهيبة وشجاعة ،ولم يلٍ الخلافة اعلم منه وتادب على يد الكسائي واليزيدي ،وكانت وفاته بطوس في مكان يدعى بدنرون سنة 218هـ :ينظر :السيوطي تاريخ الخلفاء ،ص306-307.

(2) ابن كثير :البداية والنهاية ،ج10،ص74؛ابن العماد : شذرات الذهب ،ج2،ص139؛ مصطفى جواد ،سيدات البلاط العباسي  ، ص32.

(3) ابن خلكان :وفيات الأعيان ،ج5،ص161؛ السيوطي :تاريخ الخلفاء ،ص310.

(4) الطبري ،تاريخ الرسل والملوك ،ج4،ص215؛ ابن الأثير :الكامل في التاريخ ،ج6،ص170.

(5) التنوخي :الفرج بعد الشدة ،ص171؛الثعالبي :لطائف المعارف ،ص138؛ السيوطي المستظرف ،ص24.

(6) الصولي :امالي ،ح2،ص145؛ لسترانج :بغداد في عهد الخلافة العباسية ،ص238.

(7) الابشيهي :المستطرف ،ص191؛ ابن الساعي :مشاهير النساء ،ص148.

(8) الطبري :تاريخ الرسل والملوك ،ج4 ،ص151؛ابن كثير :البداية والنهاية ،ج10،ص75.

(9) فم الصلح : بلدة تقع على فوهة نهر الصلح المتخلج من نهر دجلة فوق واسط من الجانب الشرقي  بينهما وبين جبل عليه قرى عدة ، ينظر : ياقوت الحموي : معجم البلدان ،ج6، ص130.

(10) ابراهيم بن المدبر ( ت: 280 هـ/ 893م ) :  ولي البصرة ، كان من كتاب المترسلين أخباره كثيرة مع عريب ، ينظر : لويس معلوف : المنجد ، معجم الأعلام ، ص14.

(11) ابن كثير : البداية والنهاية ، ج10، ص76؛ ابن العماد :شذرات الذهب ،ج2، ص41.

(12) ابي بكر محمد بن يحيى الصولي : أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم من كتاب الأوراق       ( القاهرة : مط الهادي ، 1936) ، ص81.

(13) الشابشتي : الديارات ، ص64؛ الوشاء : الموشي ،ص27؛ النويري : نهاية الأرب ،ج6 ص237.

(14) الجاحظ : رسائل الجاحظ ، باب رسائل القيان ، ص81؛ ابن الأثير : الكامل في التاريخ  ج6، ص171.

(15) الأصفهاني : الأغاني، ( طبعة دمشق ) ، ج15، ص212 ؛ المنجد : بين الخلفاء والحلعاء  ص35.

(16) الوشاء : الموشي ، ص28؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص22.

(17) ابن خلكان : وفيات الأعيان ، ج6،ـ ص168؛ ابن شاكر الكتبي : فوات الوفيات ، ج3، ص185.

(18) الابشيهي : المستطرف ، ص172؛ الوشاء : الموشي ،ص26؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء   ص40.

(19) ابن كثير : البداية والنهاية ، ج9، ص265؛ السيوطي : المستظرف من أخبار الجواري  ص32.

(20) ابن عبد ربه : العقد الفريد ،ج6، ص118؛ عمر كحالة : اعلام النساء ،ج1، ص172.

(21) الابشيهي : المستطرف ، ص176؛ الوشاء : الموشي ، ص34، السيوطي : المستظرف  33.

(22) ابن عبد ربه : العقد الفريد ، ج6، ص118؛ الأصفهاني : الأغاني، ج16، ص125.

(23) من شعارها :     ياملكــا لست بناسيه            نعي لان العيش ناعيه

                        والله ماكنت ارى انني             اقوم في الباكين ابكيه

    ينظر : السيوطي : المستظرف ، ص33.

(24) ابن عبد ربه : العقد الفريد ،ج6، ص118؛ ابن شاكر الكتبي : فوات الوفيات ،ج2 ص139.

(25) ابن كثير : البداية والنهاية ،ج10،ص77؛ ابن العماد :شذرات الذهب ،ج2، ص41؛ احمد شلبي : في قصور الخلفاء ،ص51.

(26) ابن الجوزي : أخبار الظرفاء والمتماجنين ،ص65؛ ابن الأثير : الكامل في التاريخ ،ج6 ص172.

(27) ابن طيغور : بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ، ص148؛ الخضري : تاريخ الأمم الإسلامية ، ،ص245.

(28) ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ،ص56؛ ابن العبري :تاريخ مختصر الأول ، ص273.

(29) ابن الكارزوني :مختصر التاريخ ، ص144؛ ابن الساعي : نساء الخلفاء ، ص28؛ حسن إبراهيم : تاريخ الإسلام ،ج2، ص434.

(30) الابشيهي : المستطرف ، ص76؛ أبو الفداء : المختصر من أخبار البشر ،م2، ص184.

(31) البيروني : الآثار الباقية ، ص81؛ البيهقي : المحاسن والمساوئ ، ص161؛ مصطفى جواد :سيدات البلاط العباسي ،ص51.

(32) التوحيدي: الامتاع والمؤانسة ،ج2، ص171؛ الخضري : تاريخ الأمم الإسلامية   ص245.