أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2017
10300
التاريخ: 2023-07-13
1083
التاريخ: 31-5-2022
1806
التاريخ: 28-12-2021
2249
|
يمكن تحديد العلاقة بين المنظمات الدولية المالية والدول العربية خاصة من خلال تبيان ما أفرزته هذه العلاقة في المجال الاقتصادي اعتبارا لطبيعة هذه المنظمات، ومدى تأثر المنظومة القانونية بهذه العلاقة بدءا بالنصوص الدستورية، لأن هذه المنظمات تفرض شروطا على الدول المدينة لها، تتنافى والنظام القانوني القائم في هذه الدول، مما يستوجب على هذه الأخيرة مراجعة قوانينها، حتى تصبح اكتر اتفاقا مع توجهات المنظمات المالية الدولية، وتسهيل عملية الإصلاح المنشود من هذه المنظمات. وتجدر الإشارة أن الولايات المتحدة الامريكية استفادت من الإنتاج الحربي وتسخيره في خدمة الإنتاج المدني، ولعلاج هذا الموقف الخطير، سعت الدول إلى إنشاء مؤسسات مالية دولية، وخرج التفكير فيها حيز الوجود قبل انتهاء الحرب، وكان يهدف إلى تحقيق المزيد من الحرية في التجارة الدولية (1)، ومن بين أهم هذه المؤسسات المالية، صندوق النقد الدولي إلى جانب البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، إذ تعتبر هذه المؤسسات المالية الدولية، الركائز الأساسية للثالوث المؤطر للاقتصاد العالمي (2) . أدى التطور الاقتصادي نحو الطابع العالمي إلى نشوء هياكل ومؤسسات دولية، هدفها ترسيخ النموذج الراسمالي الغربي في شقه الاقتصادي والسياسي، بما يحتويه من أفكار اقتصادية متطورة وكذلك بما يحتويه من دمقرطة الحياة السياسية. وهذا يعني أن المنظمات الاقتصادية الدولية تنتمي إلى مدرسة فكرية واحدة (الليبرالية الراسمالية)، أي أنها تترجم مفهوما ايديولوجيا واحدا، سوءا على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، لذلك كان لهذه المنظمات دور رئيسي في التحكم في اقتصاديات الدول النامية، وذلك بفرض شروط معينة تتضمن سياسة هذه المؤسسات الدولية، والتي يعد الصندوق الدولي من أهمها (3). ومن بين أهم هذه الشروط المفروضة، هو توفير مناخ أحسن للاستثمارات الأجنبية، إلغاء الرقابة على الصرف والاستيراد، تطبيق برامج محلية مضادة للتضخم، بما في ذلك مراقبة عجز الدولة والتخفيض من النفقات العمومية، والزيادة من الضغط الضريبي وارتفاع أسعار الشركات العامة، والغاء دعم الاستهلاك (4) . والتساؤل الذي يطرح نفسه بناء على هذه الشروط، هو كيفية استجابة الدول المدينة لها، والخطوات القانونية التي يجب عليها اتباعها لتجسيد هذه الإملاءات؟، وعادة ما تكون استجابة هذه الدول للشروط المذكورة أعلاه، متعارضة مع المنظومة القانونية بصفة عامة، وعليه يفرض عليها إعادة النظر في النصوص القانونية المنظمة للمجال الاقتصادي، ونظرا لأهمية هذا الأخير، فإن أي تغييرات عليه فإن انعكاساتها ستطال ميادين عدة، بدء بتغيير أعلى وثيقة في الدولة وهي الدستور، باعتباره يحتوي على الأسس الاقتصادية التي تقوم عليها الدولة، كما يؤثر التغيير الاقتصادي على بعض الموضوعات الدستورية الأخرى، كوظيفة الدولة والحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد.
وعليه فإن تأثيرات شروط صندوق النقد الدولي تكون غير مباشرة على التعديلات الدستورية، باعتبار أن أهداف هذه المؤسسة المالية الدولية، هو المنظومة الاقتصادية، إلا أنتغيير هذه الأخيرة يتطلب البدء بتغيير النصوص الدستورية، "حتى لا نكون أمام منظومة اقتصادية قانونية غير دستوريه"(5) . وقد انضمت الجزائر بدورها إلى صندوق النقد الدولي سنة 1963 ، نتيجة تفاقم الديون الخارجية خضعت الجزائر لشروط الصندوق (6)، وبناء عليه أبرمت الجزائر عدة اتفاقيات مع هذه المؤسسة النقدية، من أجل الاستقرار الاقتصادي، وفي المقابل شهدت بعض التغييرات على المستوى التشريعي، وذلك بإجراء بعض الاصلاحات التي تتطلب إصدار منظومة قانونية تخص كل مجال على حدى (7) .. إلا أن هذه الترسانة القانونية كان من الصعب اصدارها لولا صدور دستور 1989 ، الذي كان بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية وخارجية جديدة وملحة، جعلت هذا الدستور يؤسس لنظام ليبرالي جديد يقوم على مبدأ اقتصاد السوق (8)، وعليه فالأحكام الواردة في دستور 1989 تتماشى وشروط الإصلاح الذي يفرضه صندوق النقد الدولي، وهذا عكس دستور 9183 الذي كان يحمل توجها اقتصاديا اشتراكيا، يتنافى مع استراتيجية صندوق النقد الدولي (9) . وعليه فإن المؤسسات النقدية الدولية، تمارس ضغوطا على الدول التي تلجا إليها قصد الاقتراض منها لمواجهة الصعوبات التي يعاني منها ميزان مدفوعاتها، "لكنها تتلقى هذه القروض مصحوبة بوصفة اصلاحية بها شروط اقتصادية بالدرجة الاولى، لكن آثارها وانعكاساتها تمس كل المجالات، على اعتبار أن الاقتصاد هو العصب الذي تقوم عليه الدولة" (10) . فهذه المؤسسات النقدية تضغط على الدول، قصد انتهاج اصلاحات دستوريه تصب في فحواها على احترام حقوق الإنسان وغيرها، بحيث تجد نفسها مجبرة على تكييف منظومتها القانونية مع التعديلات الهيكلية التي تمليها هذه المؤسسات الدولية، لكنها تصطدم في المقابل بعدم مواكبة دساتيرها للإستراتيجية العامة لهذه المؤسسات، "وحتى لا تقع في اشكالية عدم دستورية القوانين يتعين عليها تعديل بعض الأحكام الدستورية، وجعلها أكثر تماشيا مع الخيارات التي أقرها صندوق النقد الدولي، مقابل الاستفادة من القروض" (11)، ومن بين ميادين هذه التعديلات الدستورية، تبنى سياسة اقتصاد السوق وتحرير التجارة الخارجية...الخ.
_________________
1- يعتبر صندوق النقد الدولي من أهم المؤسسات المالية الدولية إلى جانب البنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة، فقد أنشأت الدول الكبرى بمقتضى اتفاقية "بروتون وودز" صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، كآليتين أساسين يرتكز عليهما الاقتصاد العالمي، لما بعد الحرب العالمية الثانية، وتجدر الإشارة إلى أن العلاقة بينهما قوية، لأن العضوية في الصندوق شرط مسبق للعضوية في البنك، كما أن نشاطات المنظمتين مكملتان لبعضهما البعض، من خلال التعاون الثنائي في معالجة المسائل المشتركة بينهما.
- راجع في هذا الاطار، قادري عبد العزيز، صندوق النقد الدولي ( الآليات والسياسات)، دار الهومة، الجزائر، 2003 إسماعيل هاشم، نقود وبنوك، مؤسسة جواد للطباعة والنشر، بيروت، 2005 فريد بن عبيد، مساهمة صندوق النقد الدولي في إدارة أزمة المديونية الخارجية في الدول العربية، دار الوفاء، 2016 .
2 - الهادي خالدي، المرآة الكاشف لصندوق النقد الدولي، دار هومة، الجزائر، 1996 ، ص 46
3- صندوق النقد الدولي هو مؤسسة نقدية دولية متخصصة، تعمل على تقديم المساعدة في حل المشاكل المالية للدول الأعضاء المشتركة فيه، وهو وكالة من وكالات منظومة الأمم المتحدة، انشأتها للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، مقره في واشنطن، تأسس عام 1944 ، لمزيد من المعلومات حول هيكله التنظيمي وبنيه وأهدافه، راجع، الموقع الالكتروني التالي:
www.fmi.org/ consulté le : 12-3-2014.
4- قادري عبد العزيز، صندوق النقد الدولي ( الآليات والسياسات)، دار الهومة، الجزائر، 2003 ، ص 39
5- بوحديد فارس، تأثير المنظمات المالية الدولية على التعديلات الدستورية في الدول العربية، مداخلة ألقيت في الملتقى السابق ذكره، جامعة الأغواط.
6- حيث أقرت الجزائر بنوعين من الاصلاحات، الأولى هي سياسة التثبيت الاقتصادي، تكون قصيرة الآجال، والثانية . سياسة التصليح الهيكلي تكون طويلة الآجال، راجع، قادري عبد العزيز، المرجع السابق، ص 63
7- فقد شهدت الجزائر بعض التغييرات على المستوى التشريعي، مثل التجارة الخارجية والداخلية، حركة رؤوس الاموال، تنظيم الجمارك، تشجيع الاستثمار الأجنبي، فتح المنافسة الاجنبية في مجال قطاع المحروقات الخ... ، مولود ديدان، مباحث في القانون الدستوري والنظم السياسية، دار النجاح للكتاب، الطبعة الأولى، 2005 ، ص 91
8- رسالة مجلس الامة، مبادرة تعديل الدستور، "دواعي مؤسساتية وأبعاد استيراتيجية"، مجلة الفكر البرلماني، العدد 13جوان 2006 ، ص 14
9- المادة 10 من الدستور 1976
10- راجع، سيد عبد المولى، مواجهة الجرائم الإقتصادية في الدول العربية، دار الحامد، 2014 ، ص 173 ؛ سليم الحصن، المشاريع الدولية لمكافحة الفساد والدعوة للإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي، دار دروب، 2016
11- الهادي خالدي، المرجع السابق، ص 179.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|