انتفاء المعارضة للقران الكريم
المؤلف:
الشيخ ابي علي الفضل بن الحسن الطبرسي
المصدر:
إعلام الورى بأعلام الهدى
الجزء والصفحة:
ج1, ص70-73.
10-12-2014
4023
أمّا الذي يدلّ على انتفاء المعارضة منهم فهو أنّه لو وقعت المعارضة لوجب ظهورها ونقلها، فإذا لم تنقل وجب القطع على انتفائها، وإنّما قلنا ذلك لاَنّ جميع ما يقتضي نقل القرآن من قوّة الدواعي وشدّة الحاجة وقرب العهد ثابتٌ في المعارضة، بل المعارضة تزيد عليه، لأنها كانت تكون الحجّة والقرآن شبهة، ونقل الحجّة أولى من نقل الشبهة، وكيف لا تنقل المعارضة لو كانت وقد نقلوا كلام مسيلمة مع ركاكته وبعده عن الشبهة.
فإنّ ادّعي ان المانع من النقل هو الخوف من أهل الاِسلام وقد بلغوا من الكثرة إلى حدّ يخاف من مثلهم!!.
فجوابه: أنّ الخوف لا يقتضي انقطاع النقل على كلّ وجه، وإنّما يمنع من التظاهر به ألا ترى أنّ فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) قد نقلت ولم ينقطع النقل بها مع الخوف الشديد من بني اُميّة والرهبة من التظاهر بها، وكان يجب أن ينقل ذلك أعداء الاِسلام أو يكون نقلاً مكتوماً فيما بينهم.
وأيضاً فإنّ الكثرة في الاِسلام كانت بعد الهجرة، فكان يجب نقل المعارضة قبل ذلك في مدّة مقامه بمكّة، وإذا نقلت وانتشرت لم تكن قوّة الاِسلام موجبة بعد ذلك لخفائها إلاّ أن يدعى أنّ المعارضة لم تقع في تلك المدّة وإنّما وقعت بعد الهجرة ، وفي ذلك كفاية في إعجاز القرآن وثبوت خرق العادة به على أنّ الاِسلام وإن قوي حينئذٍ بالمدينة، فقد كانت لأهل الكفر ممالك كثيرة وبلاد واسعة، ومملكة الفرس كانت ثابتة لم يزل، وممالك الروم وغيرها من البلاد إلى هذه الغاية عريضة، فكان يجب ظهور المعارضة في هذه البلاد وأمّا الذي يدّل على أنّ انتفاء المعارضة كان للتعذّر إنّا قد علمنا أنّ كلّ فعل يرتفع من فاعله مع توفّر دواعيه إليه وقوّة بواعثه عليه فإنّه يدلّ على تعذّره، فإذا ثبت ذلك وعلمنا أنّ العرب تُحدّوا بالقرآن ولم يعارضوه مع شدّة حاجتهم إلى المعارضة وقوّة دواعيهم، علمنا أنّها متعذّرة عليهم، فإذا انضاف إلى ذلك أنّهم قد تكلّفوا الاُمور الشاقّة من الحرب وغيره ممّا لو بلغوا غاية مرادهم فيه لم يكن لهم بذلك حجّة، اتّضح الاَمر في أنّهم قد تعذّرت المعارضة عليهم، هذا وقد دعاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المعارضة وهم ذوو الأنفة والحميّة، وطالبهم بالرجوع عن دياناتهم، والنزول عن رئاستهم، والبراءة من آبائهم وأسلافهم وأبنائهم، ومجاهدة من خالف دينه وإن كان من أنسابهم وأقربائهم، وعلموا أنّ بالمعارضة يزول ذلك كلّه ويبطل، فأيّ داع أقوى من هذا؟ وكيف لا يكونون مدعوّين إليها وقد تحمّلوا ضروباً من الكلف والمشاقّ كالمحاربة وبذل الاَموال ونظم الهجاء، مع أنّ كلّ ذلك لا يغني، فلو تيسّرت لهم المعارضة لبادروا إليها، إذ كانت أسهل ممّا تكلّفوه وتحمّلوه وأحسم للمادّة من كلّ ما فعلوه. وأمّا الذي يدلّ على أنّ تعذّر المعارضة كان على وجه الاِعجاز هو أنّ ما يمكن أن يدّعى في ذلك أن يقال أنّه (عليه السلام) كان أفصحهم فتأتّى له ما لم يتأت لهم، أو يقال: إنّه تعمّل زماناً لم يكن طويلاً فلم يتمكّنوا مع قصر الزمان من معارضته، فإذا بطل هذان الوجهان لم يبق إلا أنّ هذا التعذّر غير معهود، فهو خارق للعادة والذي يدلّ على فساد الوجه الاَول: أنّ المطلوب في المعارضة ما يقارب الفصاحة، والاَفصح يقاربه في كلامه وفصاحته من هو دون طبقته، فإذا لم يماثلوه ولم يقاربوه فقد انتقضت العادة، وأيضاً فإنّ الاَفصح إنّما تمتنع مساواته ومجاراته في جميع كلامه أو أكثره وليس تمتنع مجاراته ومساواته في البعض منه على من هو دون طبقته، بهذا جرت العادة، ولهذا فقد ساوت الطبقة المتأخّرة من الشعراء الطبقة المتقدمة منهم في البيت والاَبيات، وربما زادوا عليهم في القليل، وإذ اكان التحدّي وقع بصورة قصيرة من عرض القرآن فكونه أفصح لا يمنع من مساواته في هذا القدر اليسير، وأيضاً فليس يظهر من كلامه (عليه السلام) فصارحه تزيد على فصاحة غيره من القوم، ولو كان أفصحهم وكان القرآن من كلامه لظهرت المزيّة في كلامه على كلّ كلام في الفصاحة كما ظهرت مزيّة القرآن وأمّا الذي يدلّ على فساد الوجه الثاني ـ وهو إنّه تعمّل زماناً طويلاً: فهو أنّه كان ينبغي أن يعمّلوا مثله فيعارضوه به مع امتداد الزّمان، فإذا ثبت أنّ التعذّر خارق للعادة فلابدّ من أحد أمرين: إمّا أن يكون القرآن نفسه خرق العادة بفصاحته فلذلك لم يعارضوه ، وإمّا أن يكون الله تعالى صرفهم عن معارضته ولولا الصرف لعارضوه ، وأيّ الاَمرين كان ثبتت معه صحّة النبوّة، لاَنّ الله تعالى لا يصدق كاذباً، ولا يخرق العادة لمبطل.
الاكثر قراءة في معجزاته
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة