التوحيد
المؤلف:
باقر شريف القرشي
المصدر:
حياة الإمام الباقر(عليه السلام)
الجزء والصفحة:
ج1،ص190-191.
18-8-2016
3713
بحث الامام أبو جعفر في كثير من محاضراته المسائل الكلامية وسئل عن أعقد المسائل وادقها في بحوث هذا العلم فأجاب عنها ومن الجدير بالذكر أن عصر الامام كان من اشد العصور الاسلامية حساسية فقد امتد فيه الفتح الاسلامي الى اغلب مناطق العالم وشعوب الارض فأثار ذلك موجة من الحقد في نفوس المعادين للإسلام من الشعوب المغلوبة على امرها ومن غيرها فقاموا بحملة دعائية ضد العقيدة الاسلامية فاذاعوا الشكوك والاوهام بين ابناء المسلمين وقد شجعت الحكومات الأموية الافكار المعادية للإسلام فلم يؤثر عن أي أحد من ملوك بين أمية انه قاومها او تصدى لايقافها وعدم نشرها بين المسلمين ولم يكن هناك أحد قد انبرى الى انقاذ المسلمين في ذلك العصر سوى الامام أبي جعفر (عليه السلام) فقد تصدى الى تزييفها والرد عليها ببالغ الحجة والبرهان ... .
تناول الامام ابو جعفر (عليه السلام) أهم مسائل التوحيد فكشف الغطاء عنها وفند ما أثير حولها من أوهام وشكوك وكان من بين ما عرض له عجز العقول عن ادراك حقيقة الله .
الشيء الذي لا جدال فيه ان الانسان بجميع ما يملك من طاقات فكرية فانه عاجز عن معرفة حقيقة الله لأن العقول في جميع تصوراتها محدودة يقول الشافعي : ان للعقل حدا ينتهي إليه كما ان للبصر حدا ينتهي إليه .
ان جميع الاشياء التي يتوصل إليها حس الانسان لا بد ان توجد في مكان ويجري عليها الزمان ولا يستطيع العقل ان يتخيل موجودات لا مكان لها أو اشياء لا يجري عليها الزمان وذات الله تعالى يعجز العقل أن يدرك واقعها لأنه لا يجري عليها الزمان ولا المكان فانه تعالى هو الذي خلقهما وبالاضافة الى ذلك فان في السكون أمورا كثيرة قد عجز العقل عن الاحاطة بكنهها والتي منها الحقيقة الغيبية فان العقل لم يهتد الى معرفتها.
ان ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب على مدى ما تحمل من سعة الخيال فضلا عن ادراكها بالعين الباصرة فان كلا منهما محدود بحسب الزمان والمكان وقد أدلى بذلك الامام أبو جعفر (عليه السلام) حيث سئل عن قوله تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]فقال (عليه السلام) : أوهام القلوب ادق من ابصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف ابصار العيون؟ ..
ان البصر ينقلب خاسئا وهو حسير في تصوره لذات الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة يقول ابن أبي الحديد :
فيك يا اعجوبة الكون غدا الفكر عليلا
كلما أقدم فكري فيك شبرا فرّ ميلا
أنت حيرت ذوي اللب وبلبلت العقولا
إنه ليس هناك شيء ابعد من ادراك ذات الله تعالى فانها تمتنع على العقول وتعجز من ان تلم بأي جانب من جوانبها وقد سأل عبد الرحمن ابن أبي النجران الامام أبا جعفر عن الله تعالى فقال : إني اتوهم شيئا فقال (عليه السلام) له : نعم غير معقول ولا محدود فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ولا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور إنما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود .
الاكثر قراءة في التراث الباقريّ الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة