التراث التفسيري للإمام محمد الباقر ( عليه السّلام )
المؤلف:
المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر:
أعلام الهداية
الجزء والصفحة:
ج 7، ص214-218
20/11/2022
2986
لا ريب في أن القرآن الكريم هو أول مصادر التشريع الاسلامي وأهم مصادر الثقافة الإسلامية التي تعطي للأمة الإسلامية وللرسالة الإلهية هويّتها الخاصة وتسير بالأمة إلى حيث الكمال الانساني المنشود .
وقد اعتنى الإمام الباقر ( عليه السّلام ) كسائر الأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتفسيرا وصيانة له عن أيدي العابثين وانتحال المبطلين ، فكانت محاضراته التفسيرية للقرآن الكريم تشكّل حقلا خصبا لنشاطه المعرفي وجهاده العلمي وهو يرسم للأمة المسلمة معالم هويتها الخاصة . ومن هنا خصص الإمام ( عليه السّلام ) للتفسير وقتا من أوقاته وتناول فيه جميع شؤونه . وقد أخذ عنه علماء التفسير - على اختلاف آرائهم وميولهم - الشيء الكثير[1] فكان من ألمع المفسّرين للقرآن الكريم في دنيا الإسلام .
وقد نهج الإمام الباقر ( عليه السّلام ) في تفسير القرآن الكريم منهجا علميّا خاصا متّسقا مع أهداف الرسالة وأصولها ونعى على أهل الرأي والاستحسان وأهل التأويل والظنون ، فكان مما اعترض به على قتادة أن قال له :
بلغني أنك تفسّر القرآن ! .
فقال له : نعم .
فأنكر عليه الإمام ( عليه السّلام ) قائلا : « يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، يا قتادة ويحك إنما يعرف القرآن من خوطب به »[2].
وقد قصر الإمام أبو جعفر ( عليه السّلام ) معرفة الكتاب العزيز على أهل البيت ( عليهم السّلام ) فهم الذين يعرفون المحكم من المتشابه ، والناسخ من المنسوخ وليس عند غيرهم هذا العلم ، فقد ورد عنهم ( عليهم السّلام ) « انه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل ينصرف إلى وجوه »[3].
أما الأخذ بظواهر الكتاب فلا يعد من التفسير بالرأي المنهيّ عنه .
وألّف الإمام الباقر ( عليه السّلام ) كتابا في تفسير القرآن الكريم نص عليه محمد بن إسحاق النديم في « الفهرست » عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم حيث قال : « كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية » . وقال السيد حسن الصدر : وقد رواه عنه أيام استقامته جماعة من ثقات الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي ، وقد أخرجه علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره من طريق أبي بصير[4].
نماذج من تفسيره :
فسّر الإمام الباقر ( عليه السّلام ) الهداية في قوله تعالى : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى[5] « 2 » بالولاية لأئمة أهل البيت حين قال : فو اللّه لو أن رجلا عبد اللّه عمره ما بين الركن والمقام ، ولم يجيء بولايتنا إلّا أكبه اللّه في النار على وجهه »[6].
2 - وعن قوله تعالى : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ[7].
قال ( عليه السّلام ) : إن اللّه أوحى إلى نبيّه أن يستخلف عليا فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره اللّه بأدائه[8].
3 - وفي قوله تعالى : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها[9] « 6 » قال ( عليه السّلام ) : تنزّل الملائكة والكتبة إلى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون في السنة من أمور ما يصيب العباد ، والأمر عنده موقوف له فيه على المشيئة ، فيقدم ما يشاء ، ويؤخر ما يشاء ، ويثبت ، وعنده أم الكتاب »[10].
4 - وفي قوله تعالى : فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ[11] ، قال الإمام أبو جعفر ( عليه السّلام ) : « إنّها نزلت في قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره »[12].
5 - وفي قوله تعالى : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[13]. روى محمد ابن مسلم قال : قلت : للإمام أبي جعفر إن من عندنا يزعمون أن المعنيين بالآية هم اليهود والنصارى . قال : إذا يدعونكم إلى دينهم ! ثم أشار ( عليه السّلام ) إلى صدره فقال : نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون[14].
6 - في قوله تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ[15] روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر ( عليه السّلام ) أنّه قال : لما نزلت هذه الآية قال المسلمون : يا رسول اللّه ألست إمام الناس كلهم أجمعين ؟ فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : أنا رسول اللّه إلى الناس أجمعين ، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم ، فمن والاهم واتّبعهم ، وصدقهم فهو مني ومعي ، وسيلقاني ، ألا ومن ظلمهم وكذّبهم فليس مني ، ولا معي ، وأنا منه بريء »[16].
7 - وسئل الإمام أبو جعفر عن قوله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ[17] فقال ( عليه السّلام ) : السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف للإمام ، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام[18].
8 - وعن المتوسّمين في قوله تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ[19] ، قال ( عليه السّلام ) : قال أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) : كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) المتوسم ، وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون »[20].
9 - وفي قوله تعالى : وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً[21] قال ( عليه السّلام ) : « يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) والأوصياء من ولده ، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماءا غدقا يعني أشربنا قلوبهم الإيمان ، والطريقة : هي الإيمان بولاية علي والأوصياء »[22].
10 - وفي ما يرتبط بقوله تعالى : قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ[23] ، سأل بريد بن معاوية الإمام أبا جعفر ( عليه السّلام ) عن المعنيين بقوله تعالى : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ؟ فقال ( عليه السّلام ) : « إيّانا عنى ، وعليّ أوّلنا ، وأفضلنا وخيرنا بعد النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) »[24].
[1] حياة الإمام محمد الباقر ، باقر شريف القرشي : 1 / 174 .
[2] البيان في تفسير القرآن : 267 .
[4] تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : 327 ، الفهرست للشيخ الطوسي : 98 ، وحقق هذا التفسير المحامي السيد شاكر الغرباوي إلّا انه لم يقدمه للنشر .
[6] مجمع البيان : 7 / 23 طبع بيروت .
[8] مجمع البيان : 4 / 223 .
[10] دعائم الإسلام : 1 / 334 .
[11] الشعراء ( 26 ) : 94 .
[12] أصول الكافي : 1 / 47 .
[13] الأنبياء ( 21 ) : 7 .
[14] أصول الكافي : 1 / 211 .
[15] الاسراء ( 17 ) : 71 .
[16] أصول الكافي : 1 / 215 .
[18] أصول الكافي : 1 / 214 .
[19] سورة الحجر ( 15 ) : 75 .
[20] أصول الكافي : 1 / 219 .
[22] أصول الكافي : 1 / 220 .
[24] أصول الكافي : 1 / 229 مجمع البيان : 6 / 301 روى عن أبي جعفر أنها نزلت في آل البيت ( عليهم السّلام ) .
الاكثر قراءة في التراث الباقريّ الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة