إجراءات التحقيق البرلماني في الدستور العراقي لسنة 2005
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 121-125
2025-12-14
31
جاء دستور جمهورية العراق لسنة 2005 خاليا من أي نص يمنح مجلس النواب الحق في اجراء التحقيق البرلماني ، الا ان النظام الداخلي للمجلس لسنة 2007 قد افرد لهذا الموضوع المادة (32) منه وكذلك المواد (82-86) منه . فالتحقيق البرلماني يعتبر وسيلة من وسائل الرقابة التي يملكها مجلس النواب تجاه الحكومة ولو لم يرد نص دستوري بذلك ، وذلك وفقا لرأي الكثير من فقهاء القانون الدستوري لأن هذا الحق من الحقوق الطبيعية للمجالس النيابية(1). وإن كان النص عليه بشكل صريح في الدستور شأنه في ذلك شأن بقية الوسائل الرقابة أفضل وأكثر دفعا للشكوك التي قد تثيرها الحكومة في مدى قدرة البرلمان في تشكيل اللجان التحقيقية ، أو دفعها بعدم دستورية مواد النظام الداخلي التي تنص على التحقيق لان ورد فيها فقط النص على هذا الحق دون الدستور . ويؤاخذ على مواد هذا النظام بأن تنظيمها لأحكام التحقيق قد جاء بشكل مبتسر وغير دقيق ، هذا ويخضع التحقيق البرلماني في العراق لمجموعة من الاجراءات والتي تتمثل بما يأتي :-
أولا :- الشروط المطلوبة في طلب التحقيق البرلماني :- يشترط في الطلب المقدم من قبل اعضاء المجلس لأجراء التحقيق نوعين من الشروط . وهذه الشروط لم ينص على اغلبها النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007، ولكن اكد على تبنيها فقهاء القانون الدستوري ، وهي تتمثل بالاتي :-
1- الشروط الموضوعية : وتتمثل بما يأتي :-
أ- يجب إن يكون طلب التحقيق مما يدخل في نطاق اختصاص مجلس النواب الرقابي :- إن من أهم شروط الطلب المقدم لأجراء التحقيق البرلماني ، إن يكون متعلقا بشأن من الشؤون التي تدخل في اختصاص مجلس النواب الرقابي ، فهناك بعض الموضوعات لا يمكن إن تكون موضوعاً لأي تحقيق برلماني ومن بين تلك الموضوعات أعمال السلطة القضائية واختصاصاتها فهي تخرج عن نطاق أعمال الرقابة البرلمانية بما فيها التحقيق ، أعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات واحتراما لاستقلال السلطة القضائية(2). وكذلك الامور التي تدخل ضمن اختصاصات السلطة التنفيذية استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات ، ومن التطبيقات على ذلك اللجنة التي شكلها مجلس النواب للتحقيق في واقع الاتصالات في العراق(3). والتي اصدر بناء على توصياتها قرارا يقضي بإلزام شركات الهاتف النقال في العراق (زين واسيا سيل وكورك تيليكوم) بدفع المبالغ المترتبة بذمتها خلال (30) يوما من تاريخ صدور هذا القرار ، وتكليف ديوان الرقابة المالية بتدقيقها ، فضلا عن الغاء قرار مجلس الوزراء المرقم (388) لسنة 2009 المتضمن تقسيط تلك المبالغ(4).
ب- يجب إن لا ينطوي طلب التحقيق على موضوع مخالف لأحكام الدستور أو فيه مخالفة لمصلحة الدولة العليا(5). وإن لا يتضمن مساسا بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية ، وهذا ما اكد عليه قرار المحكمة الاتحادية العليا المذكور آنفا .
ج- ويتوجب أخيرا إن لا يكون موضوع التحقيق قد اجري بشأنه تحقيق سابق :- من الشروط الموضوعية الاخرى عدم جواز تقديم طلب لتشكيل لجان تحقيقية للتحقيق بشأن مواضيع سبق للمجلس إن حقق فيها ، لان ذلك يؤدي إلى أهدار وقته وأشغاله عن أداء وظائفه الاخرى ، الا اذا كانت هناك أسباب تستوجب ذلك كظهور وقائع وأدلة جديدة لم تلاحظها اللجنة السابقة أو لم تكن موجودة وقت أجراء التحقيق السابق مما يستوجب أجراء تحقيق جديد بشأنها ، ورغم أهمية هذا الشرط الا إن النظام الداخلي لمجلس النواب – كما هو الحال المشرع الدستوري الكويتي - لم ينص على هذا الشرط ، ولكنه أيضا من الشروط المستقر على الأخذ بها بموجب التقاليد البرلمانية (6).
2- الشروط الشكلية : وتتمثل تلك الشروط بما يأتي :-
أ- يجب إن يكون اقتراح التحقيق مكتوبا ومقدما من العدد المسموح به إلى رئيس المجلس :- وهذا الشرط مستفاد من المادة (83) من النظام الداخلي التي تنص على إن " يتم تشكيل اللجان المؤقتة ولجان التحقيق بموافقة أغلبية عدد الحاضرين في المجلس بناء على اقتراح من هيئة الرئاسة أو من خمسين عضوا من الاعضاء " . ويلاحظ على هذا النص انه لم يبين فيما اذا كان هذا الاقتراح يقدم بشكل شفوي أو تحريري ، وإن كان بشكل تحريري أفضل لسهولة أثباته وضمان جديته . وهو مما أكدت عليه الممارسة العملية حيث إن رئيس المجلس لا يستلم أي طلب للتحقيق ما لم يكن مكتوبا وموقعا من مقدميه ومرفقا معه الأوراق والوثائق المؤيدة(7). كما انه ساوى ما بين هيئة الرئاسة – رئيس المجلس ونائبيه – وبين خمسين عضوا من اعضاء المجلس في اقتراح التحقيق في موضوع معين . (ومن وجهة نظر الباحث) يلاحظ بأن العدد المطلوب لأثارة التحقيق البرلماني هو عدد كبير وكان الأفضل إن يتم تقليصه الى عدد اقل كأن يكون خمسة وعشرون عضوا .
ب- ضرورة موافقة أغلبية عدد النواب الحاضرين في المجلس على الاقتراح المقدم لإجراء التحقيق البرلماني :- وهذا الشرط أيضا مستفاد من المادة (83) من النظام الداخلي لمجلس النواب .
ثانيا- قبول الطلب وتبليغه إلى الشخص الموجه اليه :- فاذا توافرت في الطلب المقدم الشروط المذكورة آنفا ، فيقوم رئيس المجلس بتبليغه إلى الشخص الموجه اليه سواء كان رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص حسب الأحوال ، ولم يحدد النظام الداخلي موعد مناقشة الطلب ولم يجيز لرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص إن يطلب تأجيل تلك المناقشة إلى موعد معين ، و(من وجهة نظر الباحث) كان الأجدر أيراد نص في هذا النظام بأن يدرج الطلب في جدول أعمال الجلسة التالية لتاريخ تقديمه ويجيز تأجيل المناقشة لموعد لا يزيد عن أسبوعين لإتاحة الفرصة لرئيس مجلس الوزراء أو الوزير المختص لإعداد أجابته عن الموضوع محل التحقيق أو التأكد من صحة الادعاءات الواردة بطلب التحقيق . وأما اذا لم تتوافر في الطلب الشروط المذكورة آنفا فيجوز للمجلس رفضه واستبعاده. ويتولى التحقيق أما لجنة من اللجان المجلس المتخصصة (8). أو من قبل لجنة مشكلة من اعضاء تلك اللجان(9). أو تمارسه لجنة مؤقتة تشكل لهذا الغرض خصيصا (10). ويلاحظ بأن هذا النظام لم ينص صراحة على الأسباب التي تؤدي الى سقوط طلب التحقيق ، و(من وجهة نظر الباحث) كان الأفضل النص عليها بشكل صريح تجنبا للتأويلات كما هو الحال في النظام الدستوري الكويتي ، بحيث إن الطلب يسقط وفقا لأحدى الحالات الاتية :-
أ- أذا انتهت عضوية مقدمي الطلب لأي سبب من الأسباب أو تغيبوا عن الحضور في الجلسة المحددة لمناقشته أو تنازلوا عنه ، بشرط إن يتبنى الطلب عدد مماثل من الاعضاء .
ب- اذا انتهت الدورة الانتخابية لمجلس النواب ، إما انتهاء السنة التشريعية أو الفصل التشريعي ، فلا يجوز إن يؤدي إلى سقوط الطلب المقدم خلالهما .
ج- اذا تخلى من وجه اليه الطلب عن منصبه .
ثالثا :- صلاحيات اللجنة التحقيقية :- قرر النظام الداخلي لمجلس النواب للجان التحقيقية التي يشكلها صلاحيات كي تستطيع أداء مهمتها على اكمل وجه . وهذا ما نصت عليه المادة (84) منه بقولها " تتمتع لجنة التحقيق بصلاحيات تقصي الحقائق فيما هو معروض عليها من قضايا ، ويحق للجنة دعوة أي شخص لسماع أقواله وفقا للطرق الاصولية ، ولها حق الاطلاع على كل ما له علاقة بالقضية المعروضة عليها ... ، ولها الاستعانة بالخبراء ويتم تحديد اجورهم بالاتفاق مع هيئة الرئاسة " ، ومن بين تلك الصلاحيات مايلي :-
1- صلاحيات اللجنة التحقيقية على الوثائق والمستندات :- حيث يكون للجنة التحقيقية البرلمانية التي يشكلها مجلس النواب صلاحية طلب أي أوراق من الحكومة أو أحدى الوزارات واتخاذ الإجراءات اللازمة ، وهذا ما أشارت اليه المادة المذكورة آنفا ، وكذلك المادة (32/ثانيا) من النظام الداخلي بقولها " ... طلب المعلومات والوثائق من اية جهة رسمية بشأن أي موضوع يتعلق بالمصلحة العامة أو حقوق المواطنين ... " .
2- صلاحيات اللجنة التحقيقية على الأشخاص :- يكون للجنة التحقيقية البرلمانية التي يشكلها المجلس أيضا صلاحية استدعاء الشهود للإدلاء بما لديهم من بيانات أو معلومات حول موضوع التحقيق ، ويكون الاستدعاء بكتاب من المجلس بناء على طلب اللجنة يوجه لمكتب وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ، وهذا ما أشارت اليه المادة المذكورة آنفا ، وكذلك المادة (32/ثالثا) من النظام الداخلي بقولها " ... طلب حضور أي شخص امامه للأدلاء بشهادة أو توضيح موقف أو بيان معلومات بشأن أي موضوع ... " . ولكن هذا النظام لم ينص على الجزاء المترتب على تخلف الشهود عن الحضور امام اللجنة بعد تبليغهم أو حضروا ولكنهم امتنعوا عن الاجابة أو شهدوا بغير حق. (ومن وجهة نظر الباحث) هناك ضرورة لايراد نص في النظام الداخلي يمنح اللجنة الحق بأن تطلب من المجلس مخاطبة مجلس القضاء الاعلى لرفع الدعوى العامة عليهم استنادا لقانوني العقوبات واصول المحاكمات الجزائية .
3- الصلاحيات الأخرى للجنة التحقيقية :- يجوز للجنة إن تندب من أعضائها لجنة فرعية أو أكثر لأجراء التحقيقات التي تراها ، واجراء زيارات الى الوزرات ودوائر الدولة(11). ولها أيضا حق الاستعانة بالخبراء ويتم تحديد اجورهم بالاتفاق مع هيئة رئاسة المجلس . ويحدد رئيس اللجنة موعد انعقاد جلساتها ، كما يقرر ترتيب أولوية سماع الشهود ، وتحديد صفاتهم ودعوتهم لأداء الشهادة وتحليفهم اليمين أو مؤاخذتهم عن الامتناع عن الحضور أو عن شهادات الزور ، وتدون اللجنة اعمالها وكل ما دار فيها من نقاش في محضر رسمي يوقع من قبل كل من رئيس اللجنة ونائبه ومقررها وأعضائها ، وتؤخذ الآراء بأغلبية الاعضاء ، واذا تساوت الأصوات يرجح الرأي الذي صوت معه الرئيس ، وأخيرا للجنة الحق في اقالة رئيسها أو نائبه أو مقررها عند ثبوت عدم كفاءتهم أو عجزهم(12).
___________
1- د. محمد قدري حسن ، رئيس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة (دراسة مقارنة) ، دار الــفكر العربي ، القاهرة ، 1987 ، ص 363 . وكذلك د. ماجد راغب الحلو ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2000 ، ص 765.
2- وهذا ما نصت المادة (84) من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007 بقولها " ... للجنة حق الاطلاع على كل ما له علاقة بالقضية المعروضة عليها من دون المساس بالقضايا المعروضة على القضاء... ".
3- ينظر محاضر الجلسات رقم (17و 18) المؤرخة في 9 و10/8/2011، ينظر الموقع الالكتروني لمجلس النواب .
4- مما حدا بشركة (كورك تيليكوم) للطعن بقرار المجلس أمام المحكمة الاتحادية العليا على اساس أن رقابة مجلس النواب على السلطة التنفيذية لا تتعدى الصلاحيات المحددة في المادة (61) من الدستور. وبما أن قرار المجلس المطعون فيه قد الغى قرارا صادرا عن مجلس الوزراء ، مما يجعل مجلس النواب قد اصطنع لنفسه اختصاصا رقابيا بالغاء قرارات السلطة التنفيذية مخالفا بذلك احكام المواد (61/سابعا) و(47) من الدستور التي قررت مبدأ الفصل بين السلطات بتعديه على اختصاص كل من السلطة القضائية لان الغاء تلك القرارات يدخل في اختصاصها وحدها . وكذلك التعدي على اختصاص السلطة التنفيذية لان اصدار القرار الملغي مما يدخل في اختصاصها استنادا للمادة (80) من الدستور ونتيجة للأسباب المذكورة آنفا فقد قررت المحكمة الاتحادية الغاء القرار الصادر عن مجلس النواب . ينظر قرار المحكمة المرقم (57/اتحادية/2011) المؤرخ في 18/10/2011 ، أحكام وقرارات المحكمة الاتحادية العليا لعام 2011 ، مصدر سابق ، ص 42 وما بعدها.
5- ينظر البندان (ثانيا وثالثا) من المادة (32) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2007.
6- د. محمد باهي أبو يونس ، الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، 2012 ، ص 119.
7- تغريد عبد القادر علي ، التحقيق البرلماني (دراسة عن التحقيق البرلماني في مجلس النواب العراقي) ، مجلة الحقوق ، كلية القانون ، الجامعة المستنصرية ، المجلد (4)، السنة (6) ، العدد (19) ، 2012 ، ص 235.
8- كالتحقيق الذي قامت به لجنة الامن والدفاع النيابية للتحقيق في الحادث الارهابي الذي استهدف بناية مجلس النواب ، ينظر محضر الجلسة رقم(26) المؤرخة في 30/11/2011 ، ينظر الموقع الالكتروني لمجلس النواب العراقي: http://www.parliament.iq
9- مثل لجنة التحقيق البرلمانية المشكلة من اعضاء لجان (النفط والغاز والقانونية والنزاهة) للتحقيق في عمليات تهريب النفط الخام في العراق ، ينظر محضر الجلسة رقم (26) المؤرخة في 18/6/2008 ، انجازات مجلس النواب العراقي لعام 2008 ، إصدارات مجلس النواب ، الدائرة الإعلامية ، بغداد ، 2010 ، ص 24.
10- كلجنة التحقيق البرلمانية المشكلة من قبل مجلس النواب للتحقيق في حادثة الاعتداء على مدرب نادي كربلاء الرياضي (محمد عباس) ، ينظر محضر الجلسة رقم (19) المؤرخة في 9/9/2013 ، الموقع الالكتروني لمجلس النواب العراقي ، المصدر السابق .
11- ينظر البند (خامسا) من المادة (32) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2007.
12- ينظر المادة (86) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2007.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة