مواصفات الشيعة على لسان إمامهم أمير المؤمنين عليه السلام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص87-89
2025-11-30
28
جاء في كتاب «صفات الشيعة» للشيخ الصّدوق بإسناده عن أبي العبّاس الدينوريّ، عن محمّد بن الحنفيّة أنَّه قال: «لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السلام البصرة بعد قتال أهل الجمل، دعاه الأحنف بن قيس واتّخذ له طعاماً فبعث إليه صلوات الله عليه وإلى أصحابه، فأقبل ثمّ قال: يا أحنف، ادعُ لي أصحابي. فدخل عليه قوم متخشّعون كأنَّهم شنان بوالي. فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي نزل بهم؟ أ من قلّة الطعام؟ أو من هول الحرب؟ فقال صلوات الله عليه: لا يا أحنف، إنَّ الله سبحانه أحبّ أقواماً تنسّكوا له في دار الدنيا تنسّك من هجم على ما علم من قربهم من يوم القيامة من قبل أن يشاهدوها. فحملوا أنفسهم على مجهودها، وكانوا إذا ذكروا صباح يوم العرض على الله سبحانه توهّموا خروج عنق يخرج من النار يحشر الخلائق إلى ربّهم تبارك وتعالى وكتاب يبدو فيه على رؤوس الأشهاد فضايح ذنوبهم، فكادت أنفسهم تسيل سيلاناً أو تطير قلوبهم بأجنحة الخوف طيراناً، وتفارقهم عقولهم إذا غلت بهم مراجل المِجرد إلى الله سبحانه غلياناً. فكانوا يحنّون حنين الواله في دجى الظلم، وكانوا يفجعون من خوف ما أوقفوا عليه أنفسهم.
فمضوا ذُبل الأجسام، حزينة قلوبهم، كالحة وجوههم، ذابلة شفاههم، خامصة بطونهم. تراهم سكارى سُمّار وحشة الليل متخشّعون كأنَّهم شنان بوالى. قد أخلصوا لله أعمالًا سرّاً وعلانيّةً، فلم تأمن من فزعه قلوبهم، بل كانوا كمن حرسوا قباب خراجهم. فلو رأيتهم في ليلتهم وقد نامت العيون، وهدأت الأصوات، وسكنت الحركات، من الطير في الوكور، وقد نهنههم هول يوم القيامة بالوعيد عن الرقاد كما قال سبحانه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وهُمْ نائِمُونَ}[1].
فاستيقظوا لها فزعين، وقاموا إلى صلواتهم معولين، باكين تارةً واخرى مسبّحين، يبكون في محاريبهم، ويرنّون، يصطفّون ليلة مظلمة بهماء يبكون. فلو رأيتهم يا أحنف؛ في ليلتهم قياماً على أطرافهم منحنية ظهورهم يتلون أجزاء القرآن لصلواتهم. قد اشتدّت إعوالهم ونحيبهم وزفيرهم. إذا زفروا خِلْتَ النارَ قد أخذت منهم إلى حلاقيمهم. وإذا أعولوا حسبتَ السلاسل قد صفّدت في أعناقهم. فلو رأيتهم في نهارهم إذاً لرأيت قوماً يمشون على الأرض هوناً، ويقولون للناس حسناً، «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً... وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً». قد قيّدوا أقدامهم من التهمات، وأبكموا ألسنتهم أن يتكلّموا في أعراض الناس، وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض، وكحّلوا أبصارهم بغضّ البصر عن المعاصي، وانتحوا دار السلام التي من دخلها كان آمناً من الريب والأحزان.
بعد ذلك تحدّث الإمام عن مكان هؤلاء في الجنّة، وذكر شيئاً من أوصاف الجنّة، ثمّ قال: فإن فاتك يا أحنف، ما ذكرت لك في صدر كلامي، لتتركنّ في سرابيل القطران ولتطوفنّ بينها وبين حميم آن ولتسقينّ شراباً حارّ الغَلَيان في أنضاجه، فكم يومئذٍ في النار من صلب محطوم، ووجه مهشوم، ومشوّه مضروب على الخرطوم، قد أكلت الجامعة كفّه، والتحم الطوق بعنقه. فلو رأيتهم يا أحنف، ينحدرون في أوديتها، ويصعدون جبالها، وقد البسوا المقطّعات من القطران، واقرنوا مع فجّارها وشياطينها، فإذا استغاثوا بأسوء أخذ من حريق شدّت عليهم عقاربها وحيّاتها. ولو رأيت منادياً ينادي وهو يقول: يا أهل الجنّة ونعيمها، ويا أهل حليها وحللها، خلّدوا فلا موت، فعندها ينقطع رجاؤهم، وتنغلق الأبواب، وتنقطع بهم الأسباب. فكم يومئذٍ من شيخ ينادي: وا شَيْبَتَاهُ؟ وكم من شابّ ينادي: وا شَبابَاه! وكم من امرأةٍ تنادي: وا فَضِيحَتَاه!
هتكت عنهم الستور، فكم يومئذٍ من مغموسٍ، بين أطباقها محبوس. يا لك غمسة ألبستك بعد لباس الكتّان، والماء المبرّد على الجدران، وأكل الطعام ألواناً بعد ألوان. لباساً لم يدع لك شعراً ناعماً كنت مطعمه إلّا بيّضه، ولا عيناً كنت تبصر بها إلى حبيب إلّا فقأها. هذا ما أعدّ الله للمجرمين، وذلك ما أعدّ الله للمتّقين[2].
فالشيعة يشعّ النور في قلوبهم بسبب الإخلاص في العبادة، فيدركون الحقائق التي لا يتيسّر إدراكها للآخرين من سائر الن
[1] الآية 97، من السورة 7: الأعراف.
[2] «بحار الأنوار» ج 15، كتاب الإيمان، ص 148. باب صفات الشيعة، والمصدر نفسه ج 3، كتاب المعاد، ص 254.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة