تجـب النفقـة بأحد أسباب أربعة: الزوجيّة، والقـرابة، والملـك، والاضطرار .
1- الزوجيّة : مسألة 413: تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب إطاعته عليها، فلا نفقة للزوجة المتمتّع بها إلّا مع الشرط، كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيلٍ تقدّم في المسألة (351)، وقد تقدّم أيضاً بيان ما يتحقّق به النشوز وإنّ سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها فإذا تابت وعادت إلى الطاعة رجع الاستحقاق.
مسألة 414: لا فرق في وجوب الإنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابيّة، وأمّا المرتدّة فلا نفقة لها فإن تابت قبل مضيّ العدّة استحقّت النفقة وإلّا بانت من زوجها كما تقدّم.
مسألة 415: تثبت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف إلّا مع وجود قرينة على الإسقاط ولو كانت هي التعارف الخارجيّ، ولا تثبت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها، وكذا الزوجة البالغة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها، ولو كانت الزوجة مراهقة وكان الزوج مراهقاً أو بالغاً أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة بالغة استحقّت الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها في ما يسعه من الاستمتاع منها.
مسألة 416: لا تسقط نفقة الزوجة بعدم تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض مُدْنِف أو غير ذلك، ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلى بمرض مُعْدٍ خافت من سرايته إليها بالمباشرة.
مسألة 417: إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر، وكذا يجب عليه بذل أجور سفرها ونحوها ممّا تحتاج إليه من حيث السفر، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروريّ يرتبط بشؤون حياتها كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر إلى طبيب فإنّه يجب على الزوج بذل نفقتها وأجور سفرها.
وأمّا في غيره من السفر الواجب كما إذا كان أداءً لواجب في ذمّتها كأن استطاعت للحجّ، أو نذرت الحجّ الاستحبابيّ بإذن الزوج، وكذا في السفر غير الواجب الذي أذن فيه الزوج فإنّه ليس عليه بذل أجوره، ولكن يجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر، نعم إذا علّق الزوج إذنه لها في السفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلّاً أو بعضاً وقبلت هي بذلك لم تستحقّها عليه حينئذٍ.
مسألة 418: تثبت النفقة لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة كما تثبت لغير المطلّقة، من غير فرق بين كونها حائلاً أو حاملاً، ولو كانت ناشزة وطلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة إلّا إذا تابت ورجعت إلى الطاعة كالزوجة الناشزة غير المطلّقة، وأمّا ذات العدّة البائنة فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ إلّا إذا كانت عن طلاق وكانت حاملاً فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع حملها، ولا تلحق بها المنقطعة الحامل الموهوبة أو المنقضية مدّتها، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها.
مسألة 419: إذا ادّعت المطلّقة بائناً أنّها حامل فإن حصل الوثوق بصحّة دعواها استناداً إلى الأمارات التي يستدلّ بها على الحمل عند النساء، أو تيسّر استكشاف حالها بإجراء الفحص الطبّيّ عند الثقة من أهل الخبرة فهو، وإلّا لم يجب قبول قولها والإنفاق عليها بمجرّد دعواها.
ولو أنفق عليها ثُمَّ تبيّن عدم الحمل استُعيدَ منها ما دفع إليها، ولو انعكس الأمر دفع إليها نفقتها أيّام حملها.
مسألة 420: لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من الطعام والإدام والكسوة والفراش والغطاء والمسكن والخدم وآلات التدفئة والتبريد وأثاث المنزل وغير ذلك ممّا يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها، ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكمّاً وكيفاً بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والحالات والأعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً.
فبالنسبة إلى المسكن مثلاً ربّما يناسبها كوخ أو بيت شعر في الريف أو البادية وربّما لا بُدَّ لها من دار أو شقّة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة، وكذا بالنسبة إلى الألبسة ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب أُخرى وربّما لا بُدَّ من الزيادة عليها بثياب التجمّل والزينة، نعم ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة، فضلاً عمّا تعارف عند جمع منهنّ من لبس بعض الألبسة مرّة أو مرّتين في بعض المناسبات ثُمَّ استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الأُخرى.
مسألة 421: من النفقة الواجبة على الزوج أجرة الحمّام عند حاجة الزوجة إليه سواء أكان للاغتسال أو للتنظيف إذا لم تتهيّأ لها مقدّمات الاستحمام في البيت أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره، كما أنّ منها مصاريف الولادة وأجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة، بل وكذلك ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يتّفق الابتلاء بها وإن احتاج إلى بذل مال كثير ما لم يكن ذلك حرجيّاً على الزوج.
مسألة 422: النفقة الواجبة للزوجة على قسمين:
القسم الأوّل: ما يتوقّف الانتفاع به على ذهاب عينه كالطعام والشراب والدواء ونحوها، وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء، ولها الاجتزاء - كما هو المتعارف - بما يجعله تحت تصرّفها في بيته ويبيح لها الاستفادة منه فتأكل وتشرب ممّا يوفّره في البيت من الطعام والإدام والشراب حسب حاجتها إليه، وحينئذٍ يسقط ما لها عليه من النفقة فليس لها أن تطالبه بها بعد ذلك.
مسألة 423: لا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل، ولو دفع إليها نفقة أيّام كأسبوع أو شهر مثلاً وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها إمّا بأن أنفقت من غيرها أو أنفق عليها أحد كانت ملكاً لها وليس للزوج استردادها، نعم لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً يوزّع المدفوع على الأيّام الماضية والآتية ويسترّد منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، بل وكذلك فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت إحدى تلك العوارض في أثناء اليوم فإنّه يسترّد الباقي من نفقة ذلك اليوم.
مسألة 424: يتخيّر الزوج بين أن يدفع إلى الزوجة عين المأكول كالخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك، وأن يدفع إليها موادّها كالحنطة والدقيق والأرز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومؤونة، فإذا اختار الثاني كانت مؤونة الإعداد على الزوج دون الزوجة.
مسألة 425: إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمتْه مَلَكَتْه وسقط ما هو الواجب على الزوج، ولكن ليس للزوج إلزامها بقبول الثمن وليس لها إلزامه ببذله فالواجب ابتداءً هو العين.
القسم الثاني: ما ينتفع به مع بقاء عينه، وهذا إن كان مثل المسكن فلا إشكال في أنّ الزوجة لا تستحقّ على الزوج أن يدفعه إليها بعنوان التمليك، وهكذا الفراش والغطاء وأثاث المنزل ونحوها، وأمّا الكسوة فالصحيح كونها بحكم القسم الأوّل، أي تستحقّ على الزوج تمليكها إيّاها، ولها الاجتزاء بالاستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره.
مسألة 426: إذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدّة فلبستها فخَلُقَتْ قبل تلك المدّة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين وجب عليه دفع كسوة أُخرى إليها، ولو انقضت المدّة والكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة أُخرى، ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق فإن كان الدفع إليها على وجه الإمتاع والانتفاع جاز له استردادها إن كانت باقية، وأمّا إذا كان على وجه التمليك فليس له ذلك.
مسألة 427: يجوز للزوجة أن تتصرّف فيما تملكه من النفقة كيفما تشاء، فتنقله إلى غيرها ببيع أو هبة أو إجارة أو غيرها إلّا إذا اشترط الزوج عليها ترك تصرّف معيّن فيلزمها ذلك، وأمّا ما تتسلّمه من دون تمليك للإمتاع والانتفاع به فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرّف فيه بغير الوجه المتعارف إلّا بإذنٍ من الزوج.
مسألة 428: النفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن وأثاث ونحوها، دون ما تشتغل به ذمّتها ممّا تستدينه لغير نفقتها، وما تنفقه على من يجب نفقته عليها، وما يثبت عليها من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ونحو ذلك.
مسألة 429: إذا لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته وجب عليه تحصيله بالتكسّب اللائق بشأنه وحاله، وإذا لم يكن متمكّناً منه أخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والكفّارات ونحوها بمقدار حاجته في الانفاق عليها، وإذا لم يتيسّر له ذلك تبقى نفقتها ديناً عليه، ولا يجب عليه تحصيلها بمثل الاستيهاب والسؤال، نعم تجب عليه الاستدانة لها إذا أمكنه ذلك من دون حرج ومشقّة وعلم بالتمكّن من الوفاء فيما بعد، وأمّا إذا احتمل عدم التمكّن من الوفاء احتمالاً معتدّاً به ففي وجوبها عليه إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
هذا في نفقة الزوجة، وأمّا نفقة النفس فليست بهذه المثابة فلا يجب السعي لتحصيلها إلّا بمقدار ما يتوقّف عليه حفظ النفس والعِرْض والتوقّي عن الاصابة بضرر بليغ، وهذا المقدار يجب تحصيله بأيّة وسيلة حتّى بالاستعطاف والسؤال فضلاً عن الاكتساب والاستدانة.
مسألة 430: إذا كان الزوج عاجزاً عن تأمين نفقة زوجته أو امتنع من الإنفاق عليها مع قدرته جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ على ما تقدّم تفصيله في الفصل الحادي عشر .
مسألة 431: إذا لم تحصل الزوجة على النفقة الواجبة لها كلّاً أو بعضاً كمّاً أو كيفاً، لفقر الزوج أو امتناعه بقي ما لم تحصله منها ديناً في ذمّته كما تقدّمت الإشارة اليه، فلو مات أُخرج من أصل تركته كسائر ديونه، ولو ماتت انتقل إلى ورثتها كسائر تركتها، سواء طالبته بالنفقة في حينه أو سكتت عنها وسواء قدّرها الحاكم وحكم بها أم لا، وسواء عاشت بالعسر أو أنفقت هي على نفسها - باقتراض أو بدونه - أو أنفق الغير عليها تبرّعاً من نفسه، ولو أنفق الغير عليها ديناً على ذمّة زوجها مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعيّ اشتغلت له ذمّة الزوج بما أنفق، ولو أنفق عليها تبرّعاً عن زوجها لم تشتغل ذمّة الزوج له ولا للزوجة.
مسألة 432: نفقة الزوجة تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الزمان الحاضر وكذا بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلة.
مسألة 433: لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها بل تستحقّها على زوجها وإن كانت غنيّة غير محتاجة.
مسألة 434: نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة، فإذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه ونفقة زوجته أنفق على نفسه فإن زاد شيء صرفه إليها.
مسألة 435: المقصود بنفقة النفس المقدّمة على نفقة الزوجة مقدار قوت يومه وليلته وكسوته وفراشه وغطائه وغير ذلك ممّا يحتاج إليه في معيشته بحسب حاله وشأنه.
مسألة 436: إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها إذا لم تكن للزوج بيّنة.
مسألة 437: إذا كانت الزوجة حاملاً ووضعت وقد طلّقت رجعيّاً فادّعت الزوجة أنّ الطلاق كان بعد الوضع فتستحقّ عليه النفقة، وادّعى الزوج أنّه كان قبل الوضع وقد انقضت عدّتها فلا نفقة لها، فالقول قول الزوجة مع يمينها فإن حلفت استحقّت النفقة، ولكن الزوج يلزم باعترافه فلا يجوز له الرجوع إليها.
مسألة 438: إذا اختلفا في الإعسار واليسار فادّعى الزوج الإعسار وأنّه لا يقدر على الإنفاق، وادّعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه.
نعم إذا كان الزوج موسراً وادّعى تلف أمواله وأنّه صار معسراً فأنكرته الزوجة كان القول قولها مع يمينها.
مسألة 439: تقديم قول الزوج أو الزوجة مع اليمين في الموارد المتقدّمة إنّما هو فيما إذا لم يكن قوله مخالفاً للظاهر، وإلّا قدّم قول خصمه بيمينه إذا لم يكن كذلك، ففي مورد المسألة (436) إذا كانت الزوجة تعيش في بيت الزوج وداخلة في عياله وهو ينفق عليهم بنفسه أو بتوسّط وكيله عند غيابه، ثُمَّ ادّعت أنّها لم تكن تتسلّم منه نفقتها خلال تلك المدّة - مع ظهور الحال في عدم استثنائها عنهم - لم يقبل قولها إلّا بالبيّنة فإن لم تكن لها بيّنة كان القول قول زوجها بيمينه.
2- القرابة : مسألة 440: يثبت للأبوين حقّ الإنفاق على ابنهما، كما يثبت للولد - ذكراً كان أو أُنثى - حقّ الإنفاق على أبيه، والمشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) ثبوت حقّ الإنفاق للأبوين على بنتهما كما يثبت على ابنهما، وأنّه مع فقد الولد أو إعساره يثبت حقّ الإنفاق لهما على أولاد أولادها أي أبناء الأبناء والبنات وبناتهم الأقرب فالأقرب.
وأيضاً المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) ثبوت حقّ الإنفاق للولد مع فقد الأب أو إعساره على جدّه لأبيه وإن علا الأقرب فالأقرب، ومع فقده أو إعساره فعلى أُمّه، ومع فقدها أو إعسارها فعلى أبيها وأُمّها وأبي أبيها وأُمّ أبيها وأبي أُمّها وأُمّ أُمّها وهكذا الأقرب فالأقرب، وفي حكم آباء الأُمّ وأُمّهاتها أُمّ الأب وكلّ من تقرّب إلى الأب بالأُمّ كأبي أُمّ الأب وأُمّ أُمّ الأب وأُمّ أبي الأب وهكذا فتجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه وأُمّه مع مراعاة الأقرب فالأقرب إليه، وإنّه إذا اجتمع من في الأصول ومن في الفروع يثبت حقّ الإنفاق على الأقرب فالأقرب، وما ذكروه لا يخلو عن إشكال وإن كان أحوط لزوماً، ولا يثبت حقّ الإنفاق لغير العمودين من الإخوة والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وغيرهم.
مسألة 441: إذا تعدّد من يثبت عليه حقّ الإنفاق كما لو كان للشخص أب مع ابن أو أكثر من ابن واحد ففي ثبوت الحقّ على الجميع كفاية أو الاشتراك فيه بالسويّة وجهان، فإذا لم يقم البعض بما يلزمه على تقدير الاشتراك فالأحوط لزوماً لغيره القيام به.
مسألة 442: يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره، بمعنى عدم وجدانه لما يحتاج إليه في معيشته فعلاً من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء ومسكن ونحو ذلك، فلا يجب الإنفاق على الواجد لنفقته فعلاً وإن كان فقيراً شرعاً أي لا يملك مؤونة سنته، وأمّا غير الواجد لها فإن كان متمكّناً من تحصيلها بالاستعطاء أو السؤال لم يمنع ذلك من وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال، نعم لو استعطى فأُعطي مقدار نفقته الفعليّة لم يجب على قريبه الإنفاق عليه، وهكذا الحال لو كان متمكّناً من تحصيلها بالأخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والصدقات وغيرها، أو كان متمكّناً من الاقتراض ولكن بحرج ومشقّة أو مع احتمال عدم التمكّن من وفائه فيما بعد احتمالاً معتدّاً به، وأمّا مع عدم المشقّة في الاقتراض ووجود محلّ الإيفاء فلا يجب الإنفاق عليه.
ولو كان متمكّناً من تحصيل نفقته بالاكتساب فإن كان ذلك بالقدرة على تعلّم صنعة أو حرفة يفي مدخولها بنفقته ولكنّه ترك التعلّم فبقي بلا نفقة وجب على قريبه الإنفاق عليه ما لم يتعلّم، وهكذا الحال لو أمكنه الاكتساب بما يشقّ عليه تحمّله كحمل الأثقال أو بما لا يناسب شأنه كبعض الأشغال لبعض الأشخاص ولم يكتسب لذلك فإنّه يجب على قريبه الإنفاق عليه.
وإن كان قادراً على الاكتساب بما يناسب حاله وشأنه كالقويّ القادر على حمل الأثقال، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال، ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع وقد ترك ذلك طلباً للراحة، لم يجب الإنفاق عليه، نعم لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها وجب الإنفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره، كما أنّه لو ترك الاشتغال بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهمّ كطلب العلم الواجب لم يسقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه.
مسألة 443: إذا أمكن المرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً فهل تكون بحكم القادر فلا يجب على أبيها أو ابنها الإنفاق عليها أم لا؟ وجهان، والصحيح هو الوجه الثاني.
مسألة 444: لا يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كون المُنْفِق أو المُنْفَق عليه مسلماً أو عادلاً، ولا في المُنْفَق عليه كونه ذا علّةٍ من عمى وغيره، نعم يعتبر فيه - فيما عدا الأبوين - أن لا يكون كافراً حربيّاً أو من بحكمه.
مسألة 445: لا يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كمال المنفِق بالبلوغ والعقل، فيجب على الوليّ أن ينفق من مال الصبيّ والمجنون على من يثبت له حقّ الإنفاق عليهما.
مسألة 446: يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المُنْفِق على نفقته بعد نفقة نفسه وزوجته الدائمة، فلو حصل له قدر كفاية نفسه وزوجته خاصّة لم يجب عليه الإنفاق على أقربائه، ولو زاد من نفقة نفسه وزوجته شيء صرفه في الإنفاق عليهم والأقرب منهم مقدّم على الأبعد، فالولد مقدّم على ولد الولد، ولو تساووا وعجز عن الإنفاق عليهم جميعاً وجب توزيع الميسور عليهم بالسويّة إذا كان ممّا يقبل التوزيع ويمكنهم الانتفاع به، وإلّا فالأحوط الأولى أن يقترع بينهم، وإن كان الأقرب أنّه يتخيّر في الإنفاق على أيّهم شاء.
مسألة 447: إذا كان بحاجة إلى الزواج وكان ما لديه من المال لا يفي بنفقة الزواج ونفقة قريبه معاً، جاز له أن يصرفه في زواجه وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار إليه أو الحرج في تركه.
مسألة 448: إذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه وكان متمكّناً من تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه، وجب عليه ذلك وإلّا أخذ من حقوق الفقراء أو استدان لذلك، نظير ما تقدّم في المسألة (429) بالنسبة إلى العاجز عن نفقة زوجته.
مسألة 449: لا تقدير لنفقة القريب شرعاً، بل الواجب القيام بما يقيم حياته من طعام وإدام وكسوة ومسكن وغيرها مع ملاحظة حاله وشأنه زماناً ومكاناً حسبما مرّ في نفقة الزوجة.
مسألة 450: ليس من الإنفاق الواجب للقريب - ولداً كان أو والداً - بذل مصاريف زواجه من الصداق وغيره وإن كان ذلك أحوط استحباباً لا سيّما في الأب مع حاجته إلى الزواج وعدم قدرته على نفقاته.
مسألة 451: ليس من الإنفاق الواجب للقريب أداء ديونه، ولا دفع ما ثبت عليه من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ونحو ذلك.
مسألة 452: يجب على الولد نفقة والده دون أولاده؛ لأنّهم إخوته ودون زوجته، ويجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته، نعم يجب عليه نفقة أولاد ولده أيضاً بناءً على ما تقدّم من وجوب نفقة الولد على جدّه.
مسألة 453: يجزئ في الإنفاق على القريب بذل المال له على وجه الإمتاع والانتفاع ولا يجب تمليكه له، فإن بذله له من دون تمليك لم يكن له أن يملّكه أو يبيحه للغير إلّا إذا كان مأذوناً في ذلك من قبل المالك، ولو ارتزق بغيره وجبت عليه إعادته إليه ما لم يكن ماذوناً بالتصرّف فيه حتّى على هذا التقدير .
مسألة 454: يجزئ في الإنفاق على القريب بذل الطعام والإدام ونحوهما له في دار المُنْفِق ولا يجب نقلها إليه في دار أُخرى، ولو طلب المنفق عليه ذلك لم تجب إجابته إلّا إذا كان له عذر من استيفاء النفقة في بيت المنفق من حَرٍّ أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك.
مسألة 455: نفقة الأقارب تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الزمان الحاضر، ولا تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلة.
مسألة 456: لا تُقضى ولا تُتدارك نفقة الأقارب لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المُنْفِق ولا تستقرّ في ذمّته، بخلاف نفقة الزوجة كما مرّ، نعم لو أخلّ بالإنفاق الواجب عليه ورفع من له الحقّ أمره إلى الحاكم الشرعيّ فأذن له في الاستدانة عليه ففعل اشتغلت ذمّته بما استدانه ووجب عليه أداؤه كما سيأتي.
مسألة 457: إذا دافع وامتنع من وجبت عليه نفقة قريبه عن بذلها جاز لمن له الحقّ إجباره عليه ولو باللُّجُوء إلى الحاكم وإن كان جائراً، وإن لم يمكن إجباره فإن كان له مال جاز له أن يأخذ منه بمقدار نفقته بإذن الحاكم الشرعيّ، وإلّا جاز له أن يستدين على ذمّته بإذن الحاكم فتشتغل ذمّته بما استدانه ويجب عليه قضاؤه، وإن تعذّر عليه مراجعة الحاكم رجع إلى بعض عدول المؤمنين واستدان عليه بإذنه فيجب عليه أداؤه.
3- الملك : مسألة 458: ذكر جمع من الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه يجب على مالك كلّ حيوان أن يبذل له ما يحتاج إليه ممّا لا يحصله بنفسه من الطعام والماء والمأوى وسائر ضروريّاته سواء أكان محلّل اللحم أو محرّمه طيراً كان أم غيره أهليّاً أم وحشيّاً بحريّاً أم برّيّاً حتّى دود القزّ ونحل العسل وكلب الصيد.
ولكن هذا لا يخلو من إشكال، نعم الأحوط وجوباً للمالك الإنفاق عليه أو نقله - ببيع أو غيره - إلى من يتمكّن من تأمين نفقته، أو تذكيته بذبح أو غيره إذا كان من المذكّى ولم يعدّ ذلك تضييعاً للمال.
مسألة 459: الإنفاق على البهيمة ونحوها من الحيوانات كما يتحقّق بإعلافها وإطعامها يتحقّق بتخليتها ترعى في خصب الأرض، فإن اجتزأت بالرعي وإلّا توقّف على إعلافها بما نقص عن مقدار كفايتها.
مسألة 460: لا يجوز حبس الحيوان - مملوكاً كان أم غيره - وتركه من دون طعام وشراب حتّى يموت.
4- الاضطرار : مسألة 461: إذا اضطرّ شخص إلى أكل طعام غيره لإنقاذ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه وكان المالك حاضراً ولم يكن مضطرّاً إليه لإنقاذ نفسه وجب عليه بذله له وإطعامه إيّاه، ولكن لا يجب عليه أن يبذله من دون عوض، نعم ليس له أن يشترط بذل العوض في الحال مع عجز المضطرّ عنه وإلّا عدّ ممتنعاً من البذل وسيأتي حكمه في المسألة (463) .
مسألة 462: إذا اختار المالك بذل طعامه للمضطرّ بعوض فهنا صور :
الأُولى: أن لا يقدّر العوض بمقدار معيّن، وحينئذٍ يثبت له على المضطرّ مثل ما بذله إن كان مثليّاً وقيمته إن كان قيميّاً.
الثانية: أن يكون المضطرّ مريضاً غير قادر على المساومة مع المالك بشأن عوض الطعام، ولم يمكن المالك الاتّصال بوليّه أو وكيله لهذا الغرض، وحينئذٍ يلزم المالك بذل طعامه له بل يلزمه أن يؤكله إذا لم يكن متمكّناً من الأكل بنفسه ولا يستحقّ عليه سوى المثل أو القيمة كما في الصورة الأُولى.
الثالثة: أن يكون المضطرّ قادراً على المساومة مع المالك في مقدار العوض أو أمكن الاتّصال بوكيله أو وليّه، وهنا عدّة حالات :
1- أن يتّفق الطرفان على مقدار العوض فيتعيّن سواء أكان مساوياً لثمن المثل أو أقلّ أو أكثر منه.
2- أن يطلب المالك لطعامه ثمن المثل أو أكثر منه بمقدار لا يعدّ مجحفاً، وحينئذٍ يجب على المضطرّ أو وليّه أو وكيله القبول، ولكن إذا لم يقبلوا وجب على المالك بذله للمضطرّ، ويحرم تصرّفه فيه حينئذٍ ما لم يكن قاصراً، ولا يضمن للمالك إلّا بدله من المثل أو القيمة .
3- أن يطلب المالك لطعامه ثمناً مجحفاً، وحينئذٍ فإن أمكن المضطرّ إجباره على القبول بما لا يكون كذلك ولو بالتوسّل إلى الحاكم الشرعيّ فله ذلك، وإلّا لزمه القبول بما يطلبه بلغ ما بلغ، فإن كان متمكّناً من أدائه وجب عليه الأداء إذا طالبه به وإن كان عاجزاً يكون في ذمّته يتبع تمكّنه.
مسألة 463: إذا امتنع المالك من بذل طعامه ولو بعوض جاز للمضطرّ إجباره عليه وأخذه منه قهراً، وتجب مساعدته في ذلك إذا لم يكن متمكّناً من إجباره بمفرده.
مسألة 464: إذا كان المالك وغيره مضطرّين جميعاً إلى أكل ذلك الطعام لإنقاذ نفسهما من الهلاك أو ما يدانيه لم يجب على المالك إيثار الغير على نفسه بتقديم طعامه إليه، ولكن هل يجوز له ذلك أم لا؟ فيه إشكال وإن كان الصحيح جوازه في بعض الموارد.
مسألة 465: إذا لم يكن اضطرار أيّ منهما بحدّ الهلاك أو ما بحكمه لم يجز للغير أخذ طعام المالك قهراً عليه، كما لم يجب على المالك بذله، نعم يرجّح له إيثار الغير على نفسه.
مسألة 466: إذا اختصّ المالك بالإشراف على الهلاك أو ما بحكمه لم يجز له إيثار الغير لإنقاذه ممّا دون ذلك، وإن انعكس وجب الإيثار ولو بعوض كما مرّ .
مسألة 467: إذا اضطرّ إلى طعام وكان موجوداً عند أكثر من واحد وجب عليهم بذله كفاية - مع اجتماع شرائط الوجوب بالنسبة إلى كلّ واحد - فإذا قام به واحد سقط عن غيره.
مسألة 468: وجوب بذل الطعام للمضطرّ إليه لإنقاذ نفسه من الهلاك أو ما بحكمه لا يختصّ بالمضطرّ المؤمن بل يشمل كلّ ذي نفس محترمة.
مسألة 469: إذا دار أمر المضطرّ بين الأكل من الميتة مثلاً وأكل طعام الغير، فهل يجوز له أكل الميتة إذا كان المالك غائباً فلم يتيسّر له الاستئذان منه في أكل طعامه أم يلزمه تقويم الطعام على نفسه والأكل منه دون الميتة؟ وإذا كان المالك حاضراً فهل يجب عليه بذل طعامه له أم يسعه الامتناع من البدل ليضطرّ إلى أكل الميتة؟ الصحيح هو الجواز في الأوّل وعدم الوجوب في الثاني.
مسألة 470: إذا كان المالك غائباً حين حصول الاضطرار ولم يمكن الاتّصال به أو بوكيله أو وليّه فللمضطرّ أن يرفع اضطراره بالأكل من طعامه بعد تقدير ثمنه وجعله في ذمّته، ولا يكون أقلّ من ثمن المثل، والأحوط لزوماً المراجعة إلى الحاكم الشرعيّ لو وجد ومع عدمه فإلى عدول المؤمنين.
مسألة 471: التفاصيل المتقدّمة في الاضطرار إلى طعام الغير تجري في الاضطرار إلى غير الطعام من أمواله كالدواء والثياب والسلاح ونحوها، ففي كلّ مورد اضطرّ فيه الشخص إلى التصرّف في مال غيره لحفظ نفسه أو عرضه من الاغتصاب ونحوه يجب على المالك مع حضوره الترخيص له بالتصرّف فيه بما يرفع اضطراره بعوض أو بدونه، ويجوز للمضطرّ مع غياب المالك التصرّف في ماله بقدر الضرورة مع ضمانه العوض.
مسألة 472: إذا توقّفت صيانة الدين الحنيف وأحكامه المقدّسة وحفظ نواميس المسلمين وبلادهم على إنفاق شخص أو أشخاص من أموالهم وجب، وليس للمُنْفِق في هذا السبيل أن يقصد الرجوع بالعوض على أحد، وليس له مطالبة أحد بعوض ما بذله في هذا المجال.
الاكثر قراءة في النفقات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة