حديث جابر بن عبد الله الأنصاري حول الأئمّة الاثني عشر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص13-15
2025-11-26
50
روى المرحوم المولى فتح الله الكاشانيّ في تفسيره[1]، في ذيل الآية الكريمة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}[2]. عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنَّه قال: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[3]، قلتُ: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن اولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «هُمْ خُلَفَائِي يَا جَابِرُ وأئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِي، أوَّلُهُمْ عَلِيّ بْنُ أبي طَالِبٍ، ثُمَّ الْحَسَنُ، ثُمَّ الْحُسَينُ، ثُمَّ عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيّ الْمَعْرُوفُ في التَّوراةِ بِالْبَاقِرِ، وسَتُدْرِكُهُ يَا جَابِرُ، فَإذَا لَقِيتَهُ فَأقْرِئهُ مِنِّي السَّلامَ، ثُمَّ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ موسى بْنُ جَعْفَرٍ، ثُمَّ عَلِيّ بْنُ موسى، ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ، ثُمَّ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ، ثُمَّ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ سَمِيِّي وكَنِيِّي حُجَّةُ اللهِ في أرْضِهِ وبَقِيَّةُ اللهِ[4] في بِلادِهِ، ذَلِكَ الذي يَفْتَحُ الله تعالى ذِكْرُهُ على يَدِهِ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغَارِبَهَا، ذَلك الذي يَغيبُ عَن شِيعَتِهِ وأولِيائهِ غَيْبَةً لَا يَثبُتُ فِيهَا على الْقَولِ بِإمَامَتِهِ إلّا مَنِ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ».
قال جابر: فقلتُ له يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أي والذي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ إنَّهم يَستَضِيئؤنَ بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاسِ بالشمس وإن تجلّاها سحاب». ثمّ قال: «يَا جَابِرُ، هَذَا مِن مَكْنُونِ سِرِّ اللهِ ومَخْزُونِ عِلْمِ اللهِ، فَاكْتُمْهُ إلَّا عَن أهْلِهِ».
قال جابر: فمرّت مدّة مديدة كنت أنتظر فيها هذا الوعد حتى ذهبت يوماً إلى الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام وبينما كان يحدّثني، إذ خرج محمّد بن على من حجرة النساء، وعلى رأسه ضفيرتان، وعند ما حدّقت فيه، ارتجفت جوانحي ووقف شعري؛ لأنَّي شاهدتُ فيه جميع العلائم التي ذكرها رسول الله. فقلتُ: يَا غُلامُ، أقْبِل، فأقبل، فقلتُ: أدْبِرْ، فأدبرْ. قلتُ: شَمائِلُ رَسُولِ اللهِ ورَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قلتُ: ما اسمك؟ قال: محمّد، قلتُ: من أبوك؟ قال: زين العابدين عليّ بن الحسين. قلتُ: أنت الباقر؟ قال: «بلى يا جابر، أخبرني ما قال رسول الله». قلتُ: بشّرني رسولُ الله بأنَّي سأعيش حتى أدرك الباقر من ولده، وإذا أدركته ابلّغه سلام رسول الله. فيا محمّد بن عليّ، اعلم أنَّ رسول الله يبلّغك السلام.
فقال: «على رَسُولِ اللهِ السَّلامُ مَا دَامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ، وعَلَيْكَ يَا جَابِرُ، كَما بَلَّغْتَ السَّلام».
قال جابر: فكنت أتردّد عليه وأسأله عن بعض المسائل، فسألني يوماً، فقلتُ: لَا واللهِ، لَا دَخَلْتُ في نَهى رَسُولِ اللهِ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُمْ الأئمّةُ الهُدَاةُ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، أحْلَمُهُمْ صِغاراً وأعْلَمُهُم كِبَاراً، لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنكُمْ. فَقال: «صَدَقَ رَسُولُ اللهِ إنَّي أعْلَمُ مِنكَ بِهَذِهِ الْمَسْألَةِ ولَقَدْ اوتِيتُ الْحُكْمَ صَبِيّاً، كُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللهِ عَلينا ورَحْمَتِهِ لَنَا أهْلَ الْبَيْتِ»[5].
يقول المرحوم الشعرانيّ في الهامش: كان جابر في ذلك الوقت لم يفقد بصره بعدُ وما قاله البعض من أنَّه كان مكفوف البصر عند ما ذهب لزيارة قبر سيّد الشهداء سنة 61 هـ لا نصيب له من الصحّة، لكنّه فقد البصر في آخر عمره. وكان عمره عند وفاته 94 سنة، وتوفي سنة 77 هـ على ما ذكره المؤرّخون. وكان عمر الإمام الباقر عليه السلام عشرين سنة آنذاك. وجاء في بعض كتب العامّة أنَّ الإمام الباقر نقل بعض الروايات عن جابر[6].
[1] روى المرحوم السيّد هاشم البحرانيّ هذه الرواية الشريفة في «تفسير البرهان» في ذيل الآية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ج 1، ص 234، وص 235، وفي كتاب «غاية المرام» ص 265 وص 266 عن ابن بابويه القمّيّ بسلسلة سنده المتّصل حتى قوله عليه السلام: "فَاكْتُمُهُ إلَّا عَنْ أهْلِهِ". ونقلها العلّامة الطباطبائيّ في «الميزان» ج 4، ص 435 وص 436 عن «تفسير البرهان».
[2] الآية 55، من السورة 24: النور.
[3] الآية 59، من السورة 4: النساء.
[4] بقيّة الله هو الذي ظهرت فيه جميع الأسماء والصفات الإلهيّة التي لم يتحقّق ظهورها الخارجيّ إلى الآن. وهو بقيّة ظهورات الأنبياء والأئمّة، وهو الذي تعلّقت إرادة الله ببقائه.
[5] «تفسير منهج الصادقين» ج 6، ص 338.
[6] ورد كلام للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة» حول علم الغيب مثل قوله: إنَّكَ ترى ما أرى و...و... "لوْ شِئتُ لأخْبَرتُ كُلَّ واحِدٍ مِنكُمْ ... ولَكِنْ أخَافُ أن تَكْفُروا فِيّ بِرَسُولِ اللهِ".
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة