مناقشة ابي ذر وعثمان بن عفان
المؤلف:
علي بن إبراهيم
المصدر:
تفسير القمي
الجزء والصفحة:
ج1، ص 51 - 53
2025-11-12
49
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [البقرة: 84]
وإنما نزلت في ابي ذر (رحمة الله عليه) وعثمان [1]بن عفان وكان سبب ذلك لما امر عثمان بنفي ابي ذر إلى الربذة دخل عليه أبو ذر وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مأة الف درهم قد حملت اليه من بعض النواحي واصحابه حوله ينظرون اليه ويطمعون ان يقسمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟ فقال عثمان مأة الف درهم حملت الي من بعض النواحي اريد اضم اليها مثلها ثم ارى فيها رأي فقال أبو ذر " يا عثمان ايما اكثر مأة الف درهم او اربعة دنانير "؟ فقال عثمان بل " مأة الف درهم " قال اما تذكر انا وانت وقد دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عشيا فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم[2] يرد علينا السلام فلما اصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا وامهاتنا دخلنا اليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا ثم عدنا اليك اليوم فرأيناك فرحا مستبشرا فقال نعم كان قد بقي عندي من فئ المسلمين اربعة دنانير لم اكن قسمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم واسترحت منها فنظر عثمان إلى كعب الاحبار، وقال له يا ابا اسحاق ما تقول في رجل ادى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيئا؟ فقال لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا بن اليهودية الكافرة ما انت والنظر في احكام المسلمين قول الله اصدق من قولك حيث قال {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35] .
فقال عثمان " يا ابا ذر انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك " فقال " كذبت يا عثمان اخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال لا يفتنونك يا ابا ذر ولا يقتلونك واما عقلي فقد بقي منه ما احفظه حديثا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيك وفي قومك " فقال وما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في وفي قومي؟ قال " سمعت يقول إذا بلغ آل ابي العاص ثلاثون رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دغلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا " فقال عثمان " يا معشر اصحاب محمد هل سمع احد منكم هذا من رسول الله " فقالوا لا ما سمعنا هذا من رسول الله " فقال عثمان ادع عليا فجاء امير المؤمنين (عليه السلام) فقال له عثمان: يا ابا الحسن انظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب " فقال امير المؤمنين مه يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول " ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على ذى لهجة (اللهجة اللسان) اصدق من ابي ذر " فقال اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) صدق أبو ذر وقد سمعنا هذا من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).
فبكى أبو ذر عند ذلك فقال ويلكم كلكم قد مد عنقه إلى هذا المال ظنتم انى اكذب على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثم نظر اليهم فقال من خيركم فقالوا من خيرنا فقال انا فقالوا انت تقول انك خيرنا قال نعم خلفت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في هذه الجبة وهو عني راض وانتم قد احدثتم احداثا كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان يا ابا ذر اسألك بحق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الا ما اخبرتنى عن شئ اسألك عنه فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق محمد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ايضا لاخبرتك فقال اي البلاد احب اليك ان تكون فيها فقال مكة حرم الله وحرم رسول الله اعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال لا ولا كرامة لك فسكت أبو ذر فقال عثمان اي البلاد ابغض اليك ان تكون فيها قال الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فقال عثمان سر اليها فقال ابوذر قد سألتني فصدقتك وانا اسألك فاصدقني قال نعم قال اخبرنى لو بعثتني في بعث من اصحابك إلى المشركين فاسرونى فقالوا لا نفديه الا بثلث ما تملك قال كنت افديك قال فان قالوا لا نفديه الا بنصف ما تملك قال كنت افديك قال فان قالوا لا نفديه الا بكل ما تملك قال كنت افديك قال ابوذر الله اكبر قال حبيبي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوما " يا ابا ذر وكيف انت إذا قيل لك اي البلاد احب اليك ان تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله ا عبدالله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لك لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال لك لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فاي البلاد ابغض اليك ان تكون فيها فتقول الربذة التي كنت فيها على غير دين الاسلام فيقال لك سر اليها " فقلت وان هذا لكائن فقال " اي والذي نفسي بيده انه لكائن " فقلت يا رسول الله افلا اضع سيفي هذا على عاتقي فاضرب به قدما قدما قالا لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد انزل الله فيك وفي عثمان آية فقلت وما هى يا رسول الله فقال قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 84، 85].
[1] إن قضية عثمان وابي ذر نالت من الشياع والظهور ما لا يكاد يخفى على من له مساس بالتاريخ، فمن شاء فليراجع: مروج الذهب 1 / 438، انساب البلاذري 5 / 53، تاريخ اليعقوبي 2 / 148، طبقات ابن سعد 4 / 1(صلى الله عليه واله وسلم)8 صحيح البخاري كتاب الزكاة، عمدة القاري 4 / 291، شرح نهج البلاغة (محمد عبده) 2 / 1(عليه السلام)، كتاب ابوذر الغفاري لعبد الحميد جودة السحار ص 144
[2] لعل هذه الواقعة كانت قبل نزول آية التحية. ج ـ ز (*)
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة