النوم واليقظة من الاحتياجات البشرية الأساسية التي ينبغي للإنسان العمل على تنظيمها بشكل صحيح. فالنوم مصدر قوة للجسم والروح وبه يتقوّمان، وأي اضطراب يصيبهما سوف ينعكس على مسار الحياة الاعتيادية للإنسان وقيامه بوظائفه في اليقظة على الوجه الأمثل. وتزخر روايات العترة الطاهرة (سلام الله عليه) بتعاليم خاصة تتعلّق بمراعاة بعض الأمور عند ممارسة الأعمال وآداب النوم وأوقاته وتجنّب الإفراط والتفريط فيه، وقد استعرضنا بعضاً منها في هذا الفصل.
آداب النوم
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يَا عَلِيُّ! النَّوْمُ أَرْبَعَةٌ: نَوْمُ الأَنْبِيَاءِ عَلَى أَقْفِيَتِهِمْ وَنَوْمُ المُؤْمِنِينَ عَلَى أَيمَانِهِمْ وَنَوْمُ الْكُفَّارِ وَالْمَنَافِقِينَ عَلَى أَيْسَارِهِمْ وَنَوْمُ الشَّيَاطِينِ عَلَى وُجُوهِهِم(1).
قال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): النَّوْمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ: الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ عَلَى أَقْفِيَتَهَا مُسْتَلْقِيَةً وَأَعْيُنُهَا لا تَنامُ مُتَوَقِّعَة لِوَحْيِ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُؤْمِنُ يَنَامُ عَلَى يَمِينِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمُلُوكُ وَأَبْنَاؤُهَا تَنَامُ عَلَى شِمَالِهَا لِيَسْتَمْرِءُوا مَا يَأْكُلُونَ وَإِبْلِيسُ وَأَخَوَاتُهُ وَكُلُّ مَجْنُونِ وَذُو عَاهَةٍ يَنَامُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ مُنْبَطِحِينَ(2).
وروي عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) قوله: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَسْتَاكُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَيَأْخُذُ مَضْجَعَهُ وَكَانَ إِذَا أَوَىٰ إِلَى فِرَاشِهِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِّ(3).
وقال الإمام الرضا (سلام الله عليه): أَنَّ النَّوْمَ سُلْطَانُ الدِّمَاغِ وَهُوَ قِوَامُ الْجَسَدِ وَقُوتُهُ، فَإِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ فَلْيَكُنْ اضْطِجَاعُكَ أَوَلَا عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ انْقَلِبْ عَلَى الأَيْسَرِ وَكَذَلِكَ فَقُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ كَمَا بَدَأْتَ بِهِ عِنْدَ نَوْمِكَ(4).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): لا يَنْبَغِي لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ أَنْ يَنَامَ إِلَّا وَجَوْفُهُ مُمتلئ مِنَ الطَّعَامِ، فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِنَوْمِهِ وَأَطْيَبَبُ لِنَكْهَيه(5).
مكان النوم
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ(6).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه):... وَلا تَنَامَنَّ عَلَى دَابَّتِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَريعُ فِي دَبَرِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْحَكَمَاءِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي تَحْمِلٍ يُمْكِنُكَ التَّمَدُّدُ لَاسْتِرْخَاءِ الْمُفَاصِلِ ...(7).
وقال الإمام موسى الكاظم (سلام الله عليه): لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ثَلَاثَةٌ: ... النَّائِمَ فِي بَيْتِ وَحْدَهُ...(8).
أوقات النوم
قال الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): النَّوْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ خُرْقُ وَالْقَائِلَةُ نِعْمَةٌ وَالنَّوْمُ
بَعْدَ الْعَصْرِ حُمْقٌ وَالنَّوْمُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ يَحْرِمُ الرِّزْقَ(9).
وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): النَّوْمُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ يُورِثُ الْفَقْرَ وَالنَّوْمُ
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يُورِثُ الْفَقْرَ(10).
الاعتدال في النوم
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهَا اللهُ: قِلَّهُ الْكَلامِ وَقِلَّةُ المَنَامِ وَقِلَّةُ الطَّعَامِ(11) وقال (صلى الله عليه وآله) أَخْشَى مَا خَشِيتُ عَلَى أُمَّتِي... مُدَاوَمَةُ النَّوْمِ...(12).
قال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): أَهْلُ الدُّنْيَا مَنْ كَثُرَ... نَوْمُه(13)؛ وقال (سلام الله عليه) أيضاً: كَثْرَةُ الأَكْلِ وَالنَّوْمِ تُفْسِدَانِ النَّفْسَ وَتَجْلِبَانِ الْمَضَرَّةَ(14).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): كَثْرَةُ النَّوْمِ مَذْهَبَةٌ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا(15).
وقال الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): أَرْبَعَةُ الْقَلِيلُ مِنْهَا كَثِيرٌ؛ النَّارُ الْقَلِيلُ مِنْهَا كَثِيرٌ وَالنَّوْمُ الْقَلِيلُ مِنْهُ كَثِيرٌ وَالمُرَضُ الْقَلِيلُ مِنْهُ كَثِيرٌ وَالْعَدَاوَةُ الْقَلِيلُ مِنْهَا كَثِيرًا(16).
أضغاث الأحلام
قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): إِذَا رَأَى الرَّجُلُ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَلْيَتَحَوَّلُ عَنْ شِقِّهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ نَائِماً وَلْيَقُلْ: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10] ثُمَّ لْيَقُلْ: عُذْتُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلائِكَةُ الله المقرَّبُونَ وَأَنْبِيَاؤُهُ الْمُرْسَلُونَ وَعِبَادُهُ الصَّالِحُونَ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْتُ وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(17).
بعض الإرشادات في اليقظة
لم تغفل التعاليم الدينية عن تقديم الإرشادات والنصح لكثير ممّـا يقـوم بـه الإنسان من أعمال في يقظته، وفيما يلي نشير هنا إلى بعض منها:
التيامن
لقد أوصت التعاليم الدينية بالتيامن عند إنجاز بعض الأعمال؛ نذكر منهـا على سبيل المثال: الأكل باليد اليمنى وتقديم الرجل اليمنى عند دخول المسجد والخروج من بيت الخلاء. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلُّ شَيْءٍ(18).
وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُعجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي كُلِ شَيء، حَتَّى فِي التَرَجُلِ والانتعال(19). وقد قال (صلى الله عليه وآله): إذا أَرَدْتَ أَنْ تَبْزُقَ فَلا تَبْزُقُ عَن يَمِينِكَ وَلَكِنْ عَنْ يَسارِكَ إِنْ كَانَ فارِغاً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَارِغاً فَتَحْتَ قَدَمَكَ(20).
اغتنام الفرص
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِنَّ لِرَبِّكُم فِي أَيَّامٍ دَهرِكُم نَفَحَاتٌ أَلا [فَتَعَرَضُوا] فَتَعَرّضِينَ لَهَا بِكَثرَةِ الإستعداد(21)؛ وكذلك قال (صلى الله عليه وآله): فَلْيَأْخُذِ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَمِنْ دُنْيَاهُ لَآخِرَتِهِ وَفِي الشَّبِيبَةِ قَبْلَ الْكِبَرِ وَفِي الْحَيَاةِ قَبْلَ المُمَاتِ(22).
وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): الفُرْصَةُ تَمرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فَرَصَ الخير(23)؛ وعنه (سلام الله عليه) أيضاً: الْفُرْصَةُ سَرِيعَةُ الْفَوْتِ وَبَطِيئَةُ الْعَوْدِ(24).
وقال الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): بادِرْ بِانْتِهَازِ الْبُغِيَةِ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ؛ وَلَا إِمْكَانَ كَالأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مَعَ صِحَّةِ الأَبْدَانِ(25)؛ وقال (سلام الله عليه) أيضاً: إِيَّاكَ وَالتَّفْرِيطَ عِنْدَ إِمْكَانِ الْفُرْصَةِ؛ فَإِنَّهُ مَيْدَانٌ يَجْرِي لِأَهْلِهِ بِالْخُسْرَانِ(26).
وقال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ، فَاعْمَلْ فِيهِمَا؛ وَيَأْخُذَانِ مِنْكَ فَخُذْ مِنْهُما(27)؛ وكذلك عنه (سلام الله عليه): كُلُّ مُعَاجَلٍ يَسْأَلُ الإِنْظَارَ وَكُلُّ مؤجل يَتَعَلَّل بالتسويف(28).
ملاحظة: الياقوت يؤتى بالوقت، ولا يؤتى الوقت بالياقوت؛ وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): مَنْ لَمْ يَتَأَدَّبِ لِلْوَقْتِ فَوَقْتُهُ مَقْتٌ(29).
فرصة الشباب: قال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): ... لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلامَةِ الْأَبْدَانِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنْفِ الأَوَانِ فَهَلْ يَنتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ(30)؟ وقال (سلام الله عليه) كذلك: مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِمَا لا يَجِبُ [وَمَا يُحِبُّ] ضَيَّعَ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَجِبُ [وَمَا يُحِبُّ](31).
وقال (سلام الله عليه) في رواية أخرى: غَافِص [عافص] الْفُرْصَةَ عِنْدَ إِمْكَانِهَا فَإِنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكهَا بَعْدَ فَوْتِهَا(32). وَمَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَوْتِهَا(33)؛ وإِضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّة(34)؛ بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةٌ(35).
________________________
(1) الفقيه، ج 4، ص 365.
(2) عيون أخبار الرضا (سلام الله عليه)، ج 1، ص 246 - 247.
(3) مكارم الأخلاق، ص 291.
(4) بحار الأنوار، ج 59، ص316.
(5) مكارم الأخلاق، ص 147.
(6) الجامع الصغير، ج 2، ص 707.
(7) الكافي، ج 8، ص 349.
(8) الفقیه، ج 2، ص277.
(9) الفقيه، ج 1، ص 502.
(10) کتاب الخصال، ص 505.
(11) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 2، ص 121.
(12) الجامع الصغير، ج 1، ص 49.
(13) إرشاد القلوب، ص201.
(14) غرر الحكم، ص 360.
(15) الكافي، ج 5، ص 84.
(16) کتاب الخصال، ص238.
(17) الكافي، ج 8، ص 142.
(18) مستدرك الوسائل، ج 1، ص330.
(19) اخلاق النبي وآدابه، ص 149.
(20) الجامع الصغير، ج 1، ص 66.
(21) عوالي اللئالي، ج 4، ص118؛ انظر: بحار الأنوار، ج68، ص 221.
(22) الكافي، ج 2، ص 70.
(23) نهج البلاغة، الحكمة 21.
(24) غرر الحكم، ص 473.
(25 و 26) تحف العقول، ص 286.
(27) غرر الحكم، ص 151.
(28) نهج البلاغة، الحكمة 285.
(29) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 11، ص 233.
(30) نهج البلاغة، خطبة رقم 83.
(31) غرر الحكم، ص 235.
(32) غرر الحكم، ص 473.
(33) غرر الحكم، ص 474.
(34) نهج البلاغة، الحكمة 118.
(35) نهج البلاغة، الكتاب 31.
الاكثر قراءة في التربية الصحية والبدنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة