أكْمَلِيَّةُ أمير المؤمنين عليه السلام في جَمِيع الْفَضَائِلِ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص23-26
2025-11-02
47
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[1]
ذكرنا سابقاً أنّ أولي الأمر المقصودون في هذه الآية المباركة هم المعصومون عليهم السلام ذلك أنّ الآية أوجبت إطاعتهم بشكل مطلق وجعلتها في مستوى طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم؛ وهذا معنى لا يمكن تحقّقه بدون عصمتهم. ولو فرضنا أنّهم غير معصومين وأنّهم خالفوا أوامر النبيّ قولًا أو عملًا، فهذا يلزم اجتماع الأمر والنهي من الله الذي أوجب طاعتهم. لأنّهم- من جانب- يأمرون وفقاً لأمر الله ورسوله، و- من جانب آخر- ينهون قولًا أو عملًا، وهذا محال.
فأولي الأمر أشخاص لا تلاحظ في قولهم أو فعلهم مخالفة للكتاب والسنّة أبداً، وأنّ لقولهم وفعلهم حجيّة على الامّة بنحو مطلق؛ وهذا الأمر ملازم لعصمتهم. ولمّا كان المسلمون كافّة، شيعة وغير شيعة، لا يرون عصمة أحد غير الأئمّة المعصومين، لذلك فإنّ المقصودين بهذه الآية، التي تأمر الامّة بوجوب طاعة المعصوم بشكل مطلق، هم الأئمّة الطاهرون عليهم السلام.
ويرى بعض أهل السنّة[2] أنّ الآية لا تفيد عصمة رسول الله، ولا عصمة أولي الأمر. أمّا عصمة رسول الله، فلو ثبتت فبأدلة اخرى. وأمّا عصمة أولي الأمر فإنّها تستفاد عند ما لا تحافظ الآية على استقلالها ومفهومها الصحيح بدون هذا المعنى، لكنّنا نجد أنّنا لو لم نعتبر أولي الأمر معصومين، فإنّ الآية تظلّ على ما هي عليه، ولا يلزم اجتماع الأمر والنهي ولا يستلزم أمر المحال. فبيان هذا الموضوع هو أنّ هذه الآية أوجبت طاعة أولي الأمر من أجل المحافظة على اجتماع المسلمين، وعدم تشتّتهم وتفرّقهم فقط، مثل الولاية المعهودة التي يتقلّدها رؤساء سائر الامم والمجتمعات. فتلك الامم والمجتمعات تعيّن لها رئيساً. وتفوّض إليه امورها، وتقيّد الناس بوجوب طاعته. بَيدَ أنّه لو طغى ذلك الرئيس متعمّداً أحياناً، وتصرّف خلاف قانون ذلك المجتمع فلا يطيعونه. لأنّهم انتخبوه حافظاً وحارساً للقانون لا مشرّعاً له، فلو أخطأ، لا يجب اتّباعه أيضاً، وينبغي أن يُشعِروهُ بخطئه. ولكن عند ما يكون خَطَأهُ غير مؤكّد، بل احتملوا فقط ذلك الخطأ في أوامره، فإنّ حكمه هنا نافذ المفعول؛ وذلك للمحافظة على مصلحة المجتمع، لأنّ مصلحة المجتمع وبقاء سيادته ووحدته وعظمته أمر مهم، يُرجّحُ على المفسدة المترتّبة على أوامرهم المحتملة الخطأ.
ومجمل الكلام، فإنّ أولي الأمر في هذه الآية الشريفة هم الرؤساء والحكّام الذين يقومون بأعباء الرئاسة والحكومة في الوسط الاجتماعيّ. ولو اتّخذوا قراراً معارضاً لقول الله ورسوله على نحو اليقين، فلا ينبغي اتّباعهم في خصوص ذلك القرار؛ وذلك لوجود بعض المقيّدات نحو {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ}[3]، وقول رسول الله الذي يتّفق الشيعة والسنّة على نقله وروايته، وهو: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلَوقٍ في مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»[4] وكذلك قوله: «لَا طَاعَةَ إلَّا في الْمَعْرُوفِ»[5] وأمثالها التي تسقط حجّيّة أقوالهم عند المعصية. ولو أخطأوا في قرار ما، فينبغي تنبيههم وإرجاعهم إلى الكتاب والسنّة.
هذا فيما إذا أحرز خطأهم. أمّا إذا كان هناك احتمال في خَطئهم فأوامرهم حُجّة، ولا مانع من حجّيّة أوامرهم في مثل هذه المواضع؛ حتى لو اتّفق أن يكون عملهم مخالفاً للواقع. لأنّ حفظ مصلحة نظام المسلمين باتّباعهم أهمّ من المفسدة المترتّبة على هذه الامور.
ولكن بالتأمّل الدقيق في ظهور الآية الشريفة وسياقها، تنتفي هذه الشبهة تماماً لأنّه حتى لو كان جعل الحجّيّة على أقوال غير المعصوم وأفعاله ليس محالًا في حدّ ذاته، وعند صدور الخطأ بنحو جازم أو المعصية، فإنّ الدليل المخصّص يحدّد لزوم إطاعتهم وحجّيّة أوامرهم وعند صدور الخطأ المحتمل، فإنّ المصلحة السلوكيّة المتمثّلة بحفظ المجتمع وإقرار النظم تسدّ النقص الناشئ عن المفسدة المخالفة للواقع ويمكن أن نجد مثل هذا الحجّيّة عند امراء السرايا الذين كان يرسلهم رسول الله إلى الجهاد، وعند الولاة الذين كان يعيّنهم هو أو أمير المؤمنين وكذلك حُجّيّة قول المجتهد بالنسبة إلى المقلّد، وحجّيّة الروايات وخبر الواحد، غير أنّ إمكان جعل الحجّيّة في أوامر أولي الأمر على هذه الكيفيّة مسألة، وظهور الآية الشريفة في إطلاق وجوب متابعتهم مسألة اخرى ولا صلة بين الاثنين بتاتاً. ونحن لا ننكر إمكان حجّيّة الحكّام والرؤساء، وبصورة عامّة، كلّ شخص غير معصوم، من باب تلافي المفسدة الواقعة بالمصلحة السلوكيّة، غير أنّا نقول بأنّ ظهور الآية الشريفة خارج عن هذا المجرى.
[1]الآية 59، من السورة 4: النساء.
[2]تفسير «الميزان» ج 4، ص 415.
[3]الآية 28، من السورة 7: الأعراف
[4]تفسير «الدر المنثور» ج 2، ص 177 وأيضاً روي عن عمران بن الحصين قال: سمعت رسول الله يقول: لا طاعةَ في معصية الله؛ و«وسائل الشيعة» ج 11، ص 422.
[5]«صحيح البخاري» ج 9، ص 79 (كتاب الأحكام باب 4- ج 4) قال صلّي الله عليه وآله: إنّما الطاعة في المعروف.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة