هل الامامة من أصول الدين أم من فروعه؟
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 15- 19
2025-10-27
41
قد عرفت مما ذكرنا أن الإمامة هي الخلافة الإلهية التي تكون متممة لوظائف النبي وإدامتها عدا الوحي، فكل وظيفته من وظائف الرسول من هداية البشر وإرشادهم وسوقهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في الدارين وتدبير شؤونهم، وإقامة العدل، ورفع الظلم والعدوان، وحفظ الشرع، وبيان الكتاب، ورفع الاختلاف، وتزكية الناس، وتربيتهم، وغير ذلك ثابتة للإمام وعليه فما أوجب إدراج النبوة في أصول الدين أوجب إدراج الإمامة بالمعنى المذكور فيها، وإلا فلا وجه لإدراج النبوة فيها أيضا. قال في دلائل الصدق: ويشهد لكون الإمامة من أصول الدين أن منزلة الامام كالنبي في حفظ الشرع ووجوب اتباعه والحاجة إليه ورياسته العامة بلا فرق، وقد وافقنا على أنها أصل من أصول الدين جماعة من مخالفينا كالقاضي البيضاوي في مبحث الاخبار، وجمع من شارحي كلامه، كما حكاه عنهم السيد السعيد رحمه الله (1).
نعم لو كانت الإمامة بمعنى خصوص الزعامة الاجتماعية والسياسية، فالانصاف أنها من فروع الدين كسائر الواجبات الشرعية من الصوم والصلاة وغيرها، لا من أصولها، فما ذهب إليه جماعة من المخالفين من كون الإمامة من أصول الدين مع ذهابهم إلى أن الإمامة بمعنى الزعامة الاجتماعية والسياسية منظور فيه.
وإليه أشار الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره - حيث قال: إن كانت مسألة الإمامة في هذا الحد يعني الزعامة السياسية للمسلمين بعد النبي - صلى الله عليه وآله - فالانصاف أنا معاشر الشيعة جعلنا الإمامة من أجزاء فروع الدين لا أصوله ونقول: إن هذه المسألة مسألة فرعية كالصلاة، ولكن الشيعة التي تقول بالإمامة لا يكتفون في معنى الإمامة بهذا الحد (2).
ثم إنه يمكن الاستدلال لذلك مضافا إلى ما ذكر بقوله تعالى: " يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " (3) فإن الآية بعد كونها نازلة في الإمامة والولاية عند أواخر حياة الرسول - صلى الله عليه وآله - دلت على أنها أصل من أصول الدين، إذ الإمامة على ما تدل عليه الآية المباركة أمر لو لم يكن كان كأن لم يكن شئ من الرسالة والنبوة فهذه تنادي بأعلى صوت أن الإمامة من الاجزاء الرئيسية الحياتية للرسالة والنبوة فكيف لا تكون من أصول الدين وأساسه؟
وأيضا يمكن الاستدلال بقوله تعالى في سورة المائدة التي تكون آخر سورة نزلت على النبي - صلى الله عليه وآله -: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " (4) فإن الآية كما نصت عليه الروايات نزلت في الإمامة والولاية لعلي - عليه السلام - - ويؤيده عدم صلاحية شئ آخر عند نزولها لهذا التأكيد فالآية جعلت الإمامة مكملة للدين ومتممة للنعمة، فما يكون من مكملات الدين ومتمماته كيف لا يكون من أصول الدين وأساسه؟
هذا مضافا إلى النبوي المستفيض عن الفريقين أنه قال رسول - صلى الله عليه وآله -: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية (5)، وهذا الحديث يدل على أن معرفة الامام إن حصلت ثبت الدين، وإلا فلا دين له إلا دين جاهلي.
وفي خبر آخر عن رسول الله - صلى الله عليه وآله -: من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا (6). وهو يدل على أن معرفة الإمامة إن حصلت ثبت الاسلام وإلا فلا اسلام له، وكيف كان فإذا كان مفاد الحديث أن معرفة الإمامة من مقومات الدين أو الاسلام فكيف لا تكون داخلة في أصول الدين وأساسه (7)؟ هذا مع الغمض عن الأحاديث الكثيرة المروية في جوامعنا التي تؤيد هذا المضمون فراجع (8).
ولقد أفاد وأجاد المحقق اللاهيجي - قدس سره - بعد نقل كلام شارح المقاصد الذي قال: إن مباحث الإمامة أليق بعلم الفروع، حيث قال: إن جمهور الامامية اعتقدوا بأن الإمامة من أصول الدين لأنهم علموا أن بقاء الدين والشريعة موقوف على وجود الامام كما أن حدوث الشريعة موقوف على وجود النبي فحاجة الدين إلى الامام بمنزلة حاجته إلى النبي (9).
فإذا ثبت أن الإمامة أصل من أصول الدين فاللازم فيه هو تحصيل العلم، ولا يكفي فيه التقليد الذي لا يفيد إلا الظن لما عرفت من أن احتمال الضرر لا يدفع بسلوك الطريق الظني كما لا يخفي.
ثم إن معنى كون الإمامة من الأصول هو وجوب الاعتقاد والتدين بوجود الامام المنصوب من الله تعالى في كل عصر بعد النبي وخاتميته، كما أن معنى كونها من الفروع هو وجوب نصب أحد للرياسة والزعامة والانقياد له، فيما إذا لم ينصبه بعد النبي - صلى الله عليه وآله - فيقع الكلام في كيفية النصب المذكور أنه باختيار بعض آحاد الأمة، أو باختيار جميعهم، أو باختيار أكثرهم، أو غير ذلك؟
وأما بناء على كونها من الأصول فلا يبقي لهذا الكلام مجال، كما لا مجال له في وجود النبي كما لا يخفى، ثم إن الإمامة - إذا كانت الإمامة أصلا من أصول الدين - يلزم من فقدها اختلال الدين، ولكن مقتضى الأدلة التعبدية هو كفاية الشهادتين في إجراء الاحكام الاسلامية في المجتمع الاسلامي، في ظاهر الحال، ولا منافاة بينهما فلا تغفل (10).
ولما ذكر يظهر وجه تسمية الإمامة والعدل بأصول المذهب فإن معناه بعد ما عرفت من كفاية الشهادتين تعبدا في ترتب أحكام الاسلام أن إنكارهما يوجب الخروج عن مذهب الإمامية لا عن إجراء الاحكام الاسلامية .
____________
(1) دلائل الصدق: ج 2 ص 8.
(2) امامت ورهبرى: ص 50 - 51.
(3) المائدة: 67.
(4) المائدة 3.
(5) موسوعة الإمام المهدي: ص 9، دلائل الصدق: ج 2 ص 6، الغدير: ج 10 ص 359 - 360 ونحوه في مسند الإمام الكاظم: ج 1 ص 355 وغيرها من الجوامع.
(6) معرفت امام: ص 6 نقلا عن رسالة المسائل الخمسون للفخر الرازي المطبوعة في ضمن كتاب مجموعة الرسائل بمصر سنة 1328 وهذا الحديث مذكور في ص 384.
(7) راجع دلائل الصدق: ج 2 ص 40.
(8) امامت ورهبرى: ص 58 - 63، وإحقاق: ج 2 ص 294 - 300.
(9) گوهر مراد: ص 333.
(10) راجع المكاسب المحرمة للشيخ الأعظم الأنصاري: مسألة الغيبة ص 40 طبع تبريز.
الاكثر قراءة في الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة