تعريف الديون الحكومية
المؤلف:
محمد عبد عودة المسعودي
المصدر:
التنظيم القانوني لتحصيل الديون الحكومية
الجزء والصفحة:
ص 9-16
2025-10-02
229
للوقوف على تعريف الديون الحكومية ، يتطلب منا تعريفها لغة ومن ثم اصطلاحاً من خلال بيان موقف التشريعات والقضاء والفقه وهذا ما سيتم تناوله في البنود التالية .
اولاً تعريف الدين الحكومي لغة:
الدين من دان يدين ديناً ، والدين هو الجزاء والمكافأة ، ويقال دنته بفعله ديناً ، وقيل الدين المصدر ، والدين الاسم (1).
الحكومي من حكم يحكم حكومة ، والحُكْمُ : العِلْمُ والفقه والقضاء بالعدل ، وهو مصدر حكم يحْكُمْ (2).
ثانياً - تعريف الدين الحكومي اصطلاحاً
ان تعريف الدين الحكومي في الاصطلاح يتطلب منا مقدماً بيان موقف تشريعات الدول محل المقارنة من تعريفه بالإضافة الى موقف القضاء والفقه من التعريف وهذا ما سنتناوله تباعاً.
في العراق نجد إن المشرع عرف الدين بصورة عامة وقد ساوى بينه وبين الحق الشخصي وعرفه بانه : 1- الحق الشخصي هو رابطة قانونية ما بين شخصين دائن او مدين يطالب بمقتضاها الدائن المدين بأن ينقل حقاً عينياً او ان يقوم بعمل او ان يمتنع عن عمل .... 3- ويؤدي التعبير (الالتزام) وبلفظ (الدين) نفس المعنى الذي يؤديه التعبير بلفظ (الحق الشخصي) (3).
أما ما يخص قانون تحصيل الديون الحكومية فلم يرد فيه تعريفاً محدداً للدين الحكومي، الا ان قرار مجلس قيادة الثورة المنحل عرف الدين الحكومي بانه يقصد بالدين الحكومي لأغراض هذا القرار ، الدين المترتب لأي دائرة من دوائر الدولة او مؤسسات القطاع العام ، ويستثنى من ذلك ديون المصارف وديون مؤسسات القطاع العام الناجمة عن نشاطها التجاري (4).
وبعد عام 2003 فقد اطلق مجلس الوزراء لفظ مبلغ مستحق الدفع للدولة نيابة عن لفظ الدين الحكومي، ومن ذلك قراره بجلسته الاعتيادية السابعة المنعقدة بتاريخ 2014/2/18 ، إقرار ضوابط التنازل عن حق الحكومة الاتحادية في استحصال مبلغ مستحق الدفع أو تقسيطه أو أرجاء موعد دفعه ، استنادا إلى الفقرة (11) من القسم (4) من أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (95) لسنة 2004 و كما يأتي :
أولا - 1. منح وزير المالية صلاحية التنازل عن حق الحكومة الاتحادية في استحصال مبلغ مستحق الدفع لا يزيد على ( 50,000,000) خمسين مليون دينار ، و يتم استحصال موافقة مجلس الوزراء فيما زاد عن المبلغ المذكور بناء على توصية من وزير المالية....(5) ، وأكد مجلس الوزراء على هذه التسمية في قرار اخر اذ اطلق لفظة مبلغ مستحق الدفع بدلاً من الدين الحكومي اذ ورد ما يأتي " قرر مجلس الوزراء بجلسته الاعتيادية الخامسة المنعقدة بتاريخ 2020/6/9 اقرار الصلاحيات المالية في التنازل عن حق الحكومة الاتحادية في استحصال مبلغ مستحق الدفع او تقسيطه او ارجاء تسديده وشطب الديون والموجودات المفقودة والمتضررة والتالفة المملوكة للدوائر الممولة مركزيا والشركات العامة والدوائر الممولة ذاتيا ...(6) ، ولهذا نجد ان القرار سالف الذكر لم يكن دقيقاً عند استبداله لفظ الدين الحكومي بلفظ مبلغ مستحق الدفع لان المبالغ تكون مستحقة الدفع عند المطالبة ولهذا نجد أن لفظ الدين الحكومي يكون اكثر شمولية من ناحية الموضوع والزمان بحيث بالإمكان اطلاق لفظ الدين الحكومي في اي وقت على عكس لفظ مبلغ مستحق الدفع يكون عند حلول الأجل .
اما التشريعات المصرية فقد جاءت هي الأخرى خالية من اي تعريف للديون الحكومية وانما اكتفت بالنص على انواع هذه الديون المشمولة بالحجز الاداري وكذلك الاجراءات التي تتبع عند تنفيذ الحجز الاداري عند عدم الوفاء بهذه الاموال في الوقت المحدد لسدادها بموجب القانون (7).
وكذلك المشرع الاردني اخذ بنفس الاتجاه اذ انه لم يعرف الاموال العامة المشمولة بالتحصيل وانمي اكتفى بتعداد هذه الاموال على سبيل الحصر اذ نصَّ الاموال العامة تعني جميع الضرائب والرسوم والغرامات والذمم والديون المتحققة للخزانة المالية ....(8).
وحسناً فعل المشرع عندما لم يعرف الديون الحكومية لأنها ليست من مهام المشرع ايراد التعريفات في صلب القوانين لأن ذلك يجعل من النص القانوني جامد ولا يواكب التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المستقبل وانما ترك ذلك للقضاء والفقه .
اما على صعيد القضاء فأن القرارات والاحكام التي تصدر عن المحاكم المختصة بالنظر في الطعون والطلبات التي تتعلق بمنازعات تحصيل الديون الحكومية وما يتعلق بها من مشاكل غالبا ما تلجأ الى بيان الحكم في الواقعة من دون الخوض في وضع تعريفات معينة ، من ذلك ما جاء به القضاء العراقي في قرار محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية المتضمن " ان دين الاضبارة التنفيذية البالغ (44,500) مليون دينار العائد للدائن (ر ، د ، و ش) والمترتب بذمة المدين (أ ، ع، أ) وبموجب كتاب مديرية و ش) في بابل المعنون الى مديرية تنفيذ الحلة يعتبر من الديون الحكومية وحيث ان قانون تحصيل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 1977 وبموجب المادة (2) منه حددت الجهات الرسمية والتي لها صلاحية تطبيق القانون المذكور ، واعطى للمخول من تلك الجهات سلطة رئيس التنفيذ ، وللموظف المكلف بالحجز سلطة مأمور التنفيذ وعملاً بحكم المادة (9) من القانون المذكور ، وحيث ان موضوع طلب الحجز هي مولدة كهربائية تعتبر من المنقولات فأن ذلك الحجز يخرج من اختصاص مديرية التنفيذ ويدخل ضمن عمل الجهة الرسمية المخولة والموظف المختص (9).
أما القضاء المصري فجاء هو الاخر متجرداً من اي تعريف للديون الحكومية في جميع احكامه على حدود ما اطلعنا عليه ، لكنه اقر في اغلب احكامه أن للحكومة والاشخاص الاعتبارية اتباع طريق الحجز الاداري لتحصيل مستحقاتها من ذلك ما اخذت به محكمة النقض المصرية في احد قراراتها اذ بينت ان حق الحكومة والاشخاص الاعتبارية المنصوص عليها في القانون في اتباع اجراءات الحجز الاداري ومنها ايجار املاك الدولة الخاصة وبمقابل الانتفاع بأملاك الدولة العامة ، ومؤدى ما نصت عليه المادة الأولى من القانون رقم (308) لسنة 1955 في شأن الحجز الاداري ان المشرع إذ اجاز للحكومة والاشخاص الاعتبارية التي نص عليها اتباع اجراءات الحجز الاداري المبينة بهذا القانون لتحصيل مستحقاتها قبل الغير عند عدم الوفاء بها في مواعيدها فقد حدد المستحقات التي يجوز تحصيلها بهذا الطريق على سبيل الحصر وفرق في ذلك بين املاك الدولة الخاصة واملاكها العامة فقصر اتباع الاجراءات المذكورة في الحالة الأولى على مبالغ الايجار المستحقة فحسب وإجاز اتباعها بالنسبة بمقابل الانتفاع بأملاك الدولة العامة سواء كان هذا الانتفاع بموجب عقد او بدونه باستغلالها بطريق الخفية(10).
كذلك اتجه القضاء الاردني الى عدم تعريف الاموال العامة لكنه أشار في قرارات له الى تحديد الأموال المشمولة بنص القانون من عدمه إذ نص على أن قانون تحصيل الأموال العامة والذمم الناشئة عن عقد عملاً بما قرره الديوان الخاص بتفسير القوانين في قراره رقم (8) المنشور في العدد (1449) من الجريدة الرسمية فان الذمم والديون التي تدخل في مفهوم عبارة الاموال العامة الواردة في قانون تحصيل الديون العامة هي تلك التي تفرض بموجب قانون وان الذمم والديون التي تتحقق بموجب عقد لا تعتبر من الاموال العامة ولا يجوز تحصيلها وفق القواعد والاجراءات المرسومة في هذا القانون (11)، ولهذا نجد أن محكمة التمييز اشترطت ان تكون هذه الاموال قد فرضت بموجب قانون حتى يمكن ان يطلق عليها لفظ الأموال العامة وتكون واجبة التحصيل وفق قانون تحصيل الأموال العامة.
وذهب بعض الباحثين في تعريف الدين الحكومي الى انه رابطة قانونية ذات طبيعة مالية تقوم بين شخصين او اكثر بمقتضاها يلتزم احدهما وهو المدين بالقيام بأداء معين الى الدائن (12) وبالاهتداء الى نصوص القانون المدني نجد ان تعريف الدين نفسه تعريف الالتزام وقد تزعم تعريف الالتزام مذهبين ، المذهب الأول يرى بأن الالتزام هو رابطة قانونية ما بين الدائن والمدين وهذا هو المذهب الشخصي وهو متأثر بالقانون الروماني ، اما المذهب المادي فيرى ان الالتزام هو علاقة بين ذمتين ماليتين وهذا هو المذهب الثاني (13).
ولهذا فقد عرف الدين الحكومي بانه المبالغ المترتبة للدولة بصفتها السيادية بموجب القوانين والانظمة والتعليمات والاحكام القضائية المكتسبة لدرجة البتات بذمة الأفراد والدوائر الرسمية واستحصالها من قبل دوائر التنفيذ (14) ، كما عرف الدين الحكومي بانه رابطة قانونية ذات طبيعة مالية تقوم بين شخصين بمقتضاها يلتزم المدين بالقيام بإداء مبلغ من المال الى الدولة نظير الخدمات المقدمة له (15)، او هو التزام بدفع مبلغ معين من المال الى الخزانة ويدفع هذا المبلغ في شكل نقود (16).
ولهذا نجد أن تعريفات الفقه منها من تأثر بالمذهب الشخصي واعتبر العلاقة بين الدائن والمدين هي رابطة قانونية ومنهم من تأثر بالمذهب المادي واعتبر العلاقة بين الطرفين هي علاقة بين ذمتين ماليتين ، ولهذا يمكن تحديد عناصر الدين الحكومي :
1- عنصر المديونية : ان عنصر المديونية تفرض وجوب الاداء بالنسبة للمدين بجميع التزاماته وعلى الدائن قبول هذا الاداء فالمدين يقوم بالوفاء بالتزاماته باتجاه الدائن في الموعد المحدد وعلى الدائن قبول تنفيذ الالتزام .
2- عنصر المسؤولية : عند عدم قيام المدين بالوفاء بالدين في المدة المحددة بصورة طوعية تترتب عليه المسؤولية وعندها تقوم السلطة العامة باستخدام جميع الوسائل التي تؤدي الى قهر المدين على الوفاء بالتزاماته (17).
لكل ما تقدم يمكن تعريف الدين الحكومي بانه علاقة أو رابطة قانونية بين الدائن وهي الدولة و المدين وهم الأفراد او المؤسسات والتي يلتزم المدين بأن يدفع للدائن مبلغاً يحدده القانون لقاء المنفعة او الخدمة التي تقدم له في الموعد المحدد أو أي مبالغ اخرى تنص القوانين على تحصيلها بموجب قانون تحصيل الديون الحكومية من دون تأخير وإلا اتخذ بحقه جميع الاجراءات التنفيذية . فنلاحظ ان العلاقة التي تقوم بين الدائن والمدين في الدين الحكومي تكون بحكم القانون ولا يمكن ان تكون بحكم الاتفاق على عكس الديون الاخرى ولا يجوز التأخير او المماطلة عند سداد هذه الديون لأنها ديون ممتازة و تساعد الدولة بتقديم الخدمات للمواطنين بصورة متميزة من خلال الحصول على هذه الأموال ، لذلك نجد ان القانون اعطى للجهات المختصة بالتحصيل صلاحيات واسعة تنفيذية بحق المدين لا نجدها في عملية تحصيل الديون العادية لكونها اموال الخزينة العامة وحسناً فعل المشرع العراقي وكذلك تشريعات الدول محل المقارنة في هذا الاتجاه.
_____________
1- جمال الدين ابن منظور : لسان العرب الجزء الثالث، دار الحديث القاهرة ، 1423هـ ، ص 466 .
2- جمال الدين ابن منظور : المصدر نفسه ، ص 540.
3- المادة (69) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل منشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3015)، بتاريخ 1951/9/8.
4- الفقرة (2) من البند (اولاً) من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم (620) لمسنة ،1982، منشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (2886) ، في 1982/5/31 ، المعدل لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم (129) لسنة 1982، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد (2870)، في 2/8/ 1982 .
5- قرار مجلس الوزراء رقم (72) لسنة 2014 الملغي متاح على قاعدة التشريعات العراقية على الرابط https://iraqld.e-sjc-services.iq/Law_result.aspx ، تاريخ الزيارة 2024/11/16، الساعة 11:51.
6- قرار مجلس الوزراء رقم (28) لسنة 2020، متاح على موقع قاعدة التشريعات العراقية على الرابط
Y1Y4&SC-&BookID-https://iraqld.e-sjc-services.iq/LoadLawBook.aspx?page-
تاريخ الزيارة 2024/11/16 الساعة 10:29م.
7- المادة (1) من قانون الحجز الاداري المصري رقم (308) لسنة 1955 ،المعدل منشور في جريدة الوقائع المصرية بالعدد (49) مكرر ، في 1955/6/26.
8- المادة (2) من قانون تحصيل الاموال العامة الاردني رقم (6) لسنة 1952 المعدل ، منشور على الصفحة (84) من عدد الجريدة الرسمية المرقم (1100)، في 1952/2/16.
9- قرار محكمة استئناف بابل بصفتها التمييزية المرقم (642 / تنفيذية /2023) ، في (2023/8/30، قرار غير منشور، ثم الحصول عليه بموجب كتاب تسهيل مهمة الصادر من كلية القانون، جامعة بابل، المرقم (3412)، في 2024/6/10
10- قرار محكمة النقض المصرية رقم (83 السنة 61 ) ، في 1992/4/14، متاح على الرابط (https://lawyeregypt.net/ ) ، تاريخ الزيارة 2024/11/2، الساعة 11:34م.
11- قرار محكمة التمييز الاردنية المرقم بالعدد (39/ تمييز / 1959) ، منشور على موقع ديوان التشريع والرأي على الرابط
6173&lang-ar#!/LegislationDetails?LegislationID-https://www.lob.gov.jo/?v
=isMod-false&LegislationType& ) تاريخ الزيارة 2024/11/16 ، الساعة 10:50م.
12- منذر خليل اسماعيل : اصلاح النظام المالي في العراق ، رسالة ماجستير ، كلية القانون، جامعة تكريت ،2018، ص90.
13- د. عبد الرزاق احمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني ، ج 1، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، من دون سنة نشر، ص107.
14- علا فرج ياسين : الاجراءات التنفيذية في تحصيل الديون الحكومية ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة تكريت، 2018، ص10.
15- د. حسين خلاف : الاحكام العامة في قانون الضريبة ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1966، ص 155.
16- د. توفيق حسن فرج: النظرية العامة للالتزام ، ج 1، من دون مكان ،نشر، مصر، 1978، ص5.
17- د. عبد المجيد الحكيم ود. عبد الباقي البكري ود. محمد طه البشير : القانون المدني واحكام الالتزام ، ج 2، العائك الصناعة الكتاب ، بيروت، 2018/2017 ، ص 9.
الاكثر قراءة في القانون المالي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة