برهان وحدة الموجود والردّ على الشبهات الواردة في شأنه
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص188-192
2025-08-19
329
بيان وكيفيّة البرهان على وحدة الموجود بتنقيح وتوضيح منّا، بعد ذِكر مقدّمتين وجيزتين:
المقدِّمة الاولى: أن الوجود والعدم نقيضان، والنقيضان لا يجتمعان ولا يقبل أحدهما الآخر بالضرورة، فالوجود لا يقبل العدم والعدم لا يقبل الوجود، يعني أن الموجود يستحيل أن يكون معدوماً والمعدوم يستحيل أن يكون موجوداً، وإلّا لزم أن يقبل الشيء ضدّه ونقيضه وهو محال بالبداهة.
المقدِّمة الثانية: أن قلب الحقائق مستحيل، فحقيقة الإنسان يستحيل أن تكون حجراً، وحقيقة الحجر تستحيل أن تكون إنساناً، وهذا لمن تدبّره من أوضح الواضحات، فالعدم يستحيل أن يكون وجوداً، والوجود يستحيل أن يكون عدماً.
وبعد وضوح هاتين المقدّمتين نقول: لو كان لهذه الكائنات المحسوسة وجود بنفسها لاستحال عليها العدم، لأنّ الوجود لا يقبل العدم وهو منافٍ له وضدّ له بطبيعته، مع أنّنا نراها بالعيان توجد وتعدم وتظهر وتفنى فلا محيص من الالتزام بأنّها غير موجودة.
وليس الموجود إلّا وجود واجب الوجود الأزليّ الحقّ الذي يستحيل عليه العدم بطبيعة ذاته المقدّسة وكلّ ما نراه من هذه الكائنات التي نحسبها بالوهم موجودة هي أطواره ومظاهره يفيضها ويقبضها، يبقيها ويفنيها ويأخذها ويعطيها، وهو المانع والمعطي والقابض والباسط، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.[1]
وكلّ الأشياء تجلّياته وظهوراته وإشراقاته وأنواره، وكلّ الكائنات والممكنات مضافة إليه بالإضافة الإشراقيّة لا المقوليّة، أطرافها اثنان لا ثلاثة.
وسواء قلنا: بأنّ هذا البرهان صخرة صمّاء لا تمسّه أظافر الخدشة أو أن للمناقشة فيه مجال، فهو برهان منطقيّ على اصول الحِكمة والمنطق، هذا عدا ما يدّعونه من الشهود والمكاشفة والعيان الذي هو أسمى من الدليل والبرهان، إذ يقولون أن الدليل عُكّازة الأعمى:
پاى استدلاليان چوبين بود *** پاى چوبين سخت بى تمكين بود[2]
،،،
زهى احمق كه او خورشيد تابان *** به نور شمع جويد در بيابان[3]
در آن جائى كه نور حقّ دليل است *** چه جاى گفتگوى جبرئيل است[4]
سُبْحَانَكَ أيَكونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حتى يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟! مَتَى غِبْتَ حتى تَحْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ؟! ومتى بَعُدْتَ حتى تَحْتَاجَ إلَى مَا يُوصِلُنَا إلَيْكَ؟! عَميَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ ولَا تَزَالُ عَلَيْهَا رَقِيباً![5] ومع هذا كلّه فإنّ علماء الظاهر وامناء الشرع يقولون أن سالك هذا الطريق كافر زنديق وهذه الطريقة- أعني وحدة الوجود والموجود- عندهم زندقة وإلحاد، تضادّ عامّة الشرائع والأديان مهما قام عليها الدليل والبرهان، إذ حينئذٍ أين الربّ والمربوب؟ أين الخالق والمخلوق، وما معنى الشرائع والتكاليف، وما هو الثواب والعقاب، وما الجنّة والنار، ومَن المؤمن والكافر، والشقيّ والسعيد؟ إلى آخر ما هنالك من المحاذير واللوازم الفاسدة.
ولعلّ هذا هو مدرك ما ذكره السيّد الاستاذ قدّس سرّه «في العروة الوثقي» ما نصّه[6]: «القَائِلُونَ بِوَحْدَةِ الوُجُودِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، إذَا التَزَمُوا بِأحْكَامِ الإسْلَامِ فَالأقْوَى عَدَمُ نَجَاسَتِهِمْ».
وإذا أحطت خبراً بما ذكرنا تعرف ما في هذا وأمثاله من كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم.
وإنّي لا أرى من العدل والإنصاف، ولا من الورع والسداد، المبادرة إلى تكفير من يُريد المبالغة في التوحيد وعدم جعل الشريك للّه تعالى في كلّ كمال.
الكَمَالُ والوُجُودُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
ومع ذلك فهم يؤمنون بالشرائع، والنبوّات، والحساب، والعقاب، والثواب، والتكاليف، بأجمعها على ظواهرها.
فالحقيقة لا تصحّ عندهم ولا تنفع بدون الطريقة، والطريقة لا تجدي بدون الشريعة، والشريعة هي الأساس وبها يتوصّل ملازم العبادة إلى أقصى منازل السعادة.
وعندهم في هذه المسائل مراحل ومنازل وتحقيقات أنيقة وتطبيقات رشيقة ومعارج يرتقي السالك بها إلى أسمى المناهج ومؤلّفات مختصرة ومطوّلة فوق حدّ الإحصاء نظماً ونثراً، وأذكاراً سرّاً وجهراً، ورياضات ومجاهدات لتهذيب النفس وتصفيتها كي تستعد للحوق بالملأ الأعلى والمبدأ الأوّل.
وهناك من البهجة والمسرّة والجمال والجلال مَا لَا عَيْنٌ رَأتْ ولَا اذُنٌ سَمِعَتْ ولَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.[7]
وهاهنا أسرار عميقة ومباحث دقيقة لا تحيط بها العبارة ولا تدركها الإشارة فلنتركها لأهلها، ونسأله تعالى أن يفيض علينا من فضله بفضلها.
[1] - يقول:« إذا سقط نور الشمس على الحَدَث (أي النجس)، فإنّ النور يبقي كما هو لا تشوبه النجاسة».
[2] - الآية 88، من السورة 28: القصص. ولا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
[3] - يقول:« لقد كانت أقدام الاستدلاليّين من الخشب؛ والأقدام الخشبيّة لا يمكنها أن تقاوم كثيراً».
[4] - هذه الكلمات النيّرة بتغيير يسير من عبارات دعاء عرفة لسيّد الشهداء سلام الله عليه نقله السيّد رضي الدين بن طاووس قدّس سرّه في كتابه« الإقبال». القاضي الطباطبائيّ.
و قد بحث الحقير حول هذا الدعاء بحثاً مفصّلًا في الجزء الأوّل من« معرفة الله»، واتّضح أن هذا الدعاء من أدعية ابن عطاء الإسكندريّ المتوفّى سنة 709. وحاصل الكلام أن هذا الدعاء دعاء جيّد ذو مضمون عالٍ جميل، وقراءته في كلّ وقت تقتضيه الحال من الامور المفيدة التي يجب اغتنامها. أمّا إسناده إلى سيّد الشهداء عليه السلام فغير جائز. والحمد للّه أوّلًا وآخراً وظاهراً وباطناً.
[5] - يقول:« مرحي بمن يبحث عن الشمس الساطعة في الصحراء مستعيناً بضوء شمعة».
[6] - يقول:« أن المكان الذي يتجلى فيه نور الحقّ وضّاءٌ ساطعٌ فما الحاجة إلى وحي من جبرئيل».
[7] - حديث قدسيّ: أعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأتْ ولَا اذُنٌ سَمِعَتْ ولَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ.
و جاء في كتاب« كلمة الله» ص 134، الرقم 140، بعد ذكر هذا الحديث تتمّة على النحو التالي: فَلَهُ مَا أطْلَعْتُكُمْ عَلَيْهِ، اقْرَؤُوا أن شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما اخْفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ.
و ذكر في ص 534 سندين لهذا أ:« التفسير الصغير» للفضل بن الحسن الطبرسيّ. قال في الحديث... ب:« أسرار الصلاة» للشهيد الثاني علي بن أحمد بن محمّد...
الاكثر قراءة في شبهات وردود
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة