تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
الثقوب السوداء : انهيار المكان ـ الزمان وتلاشيه
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص124
2025-08-19
27
لو كان مفعول الثقالة في المكان - الزمان مقتصراً على التأثيرات الواهية المشروحة أعلاه ، لظلت نظرية النسبية عندئذ فرعاً معزولاً من فروع الفيزياء ، نوعاً من الترف الفكري. على أن السنوات الأخيرة قد أظهرت إمكانية أن يوجد في هذا العالم أجرام عجيبة ذات ثقالة شديدة لدرجة أنها تغير جذرياً خواص المكان والزمان في جوارها ، وبصورة غريبة ساحرة .
إن فحص استعمال كلمة شديد» هنا أمر يستحق العناء . أين نستطيع اعتبار الحقل الثقالي شديداً ؟ عندما يصبح انحناء المكان - الزمان فيه عظيماً . ولأخذ فكرة عن الظروف التي يحدث فيها ذلك لابد من معرفة كيفية قياس هذا الانحناء . لقد رسمنا خطاً منحنياً في الشكل 4 - 12 حيث رسمنا ، لتقدير الانحناء في نقطتين ، دائريتن ماستين للمنحني . نستخدم نصفي قطري هاتين الدائرتين دليلاً في تقدير انحناء الخط : فحيث يكون نصف القطر صغيراً يكون الانحناء كبيراً. ويمكن اعتماد طريقة مشابهة لهذه في تقدير انحناء المكان - الزمان. وبذلك نستطيع تعريف قياس للانحناء في كل نقطة . ومن مقارنة هذا القياس بوحدات المسافات العادية يمكن أن نقدر الشدة الثقالية .
لنفترض مؤقتاً أن كل الكتلة المتثاقلة في حل شفارتز شلد المتناظر كروياً قد تركزت في. نقطة واحدة. فعلى مسافة نائية من هذه الكتلة يكون انحناء المكان - الزمان ضعيفاً ، لكن هذا الانحناء يشتد باشتداد حقل التثاقل لدى الاقتراب من المركز . وعلى مسافة معينة من الكتلة المركزة يصبح الانحناء مساوياً هذه المسافة بالذات ويصبح تشوه المكان ـ الزمان عظيماً جداً عندها . إن هذه المسافة الحرجة تتوقف على كتلة الجرم ، M ، وعلى ثابت الثقالة ، G ، ويمكن أن نضيف سرعة الضوء ، ، ، لأن هذه السرعة تصل ما بين وحدتي قياس المسافة والزمن كما شرحنا في الفصل الثاني. وخير وسيلة لضم G و M و c معاً ، كي نحصل على مقدار من جنس المسافة ، هو أن نعتمد ع / GM ؛ عندئذ ، وبصرف النظر
شکل 4 - 12 - انحناء الخط يقاس بنصف الدائرة الماسة له. وحيث يكون نصف قطر هذه الدائرة صغيراً يكون الانحناء كبيراً .
عن مضروف عددي ، يصبح هذا المقدار نصف قطر الكرة المحيطة بالكتلة والتي يكون عندها التشوه الثقالي للمكان - الزمان عظيماً جداً . ونحصل على هذه النتيجة نفسها من اعتبارات كمومية تتصل بالشكل 4 - 11 . ونصف القطر هذا ، GM / c2 ، كان لابلاس Laplace. فرنسي ، 19 - 1827) قد اكتشفه منذ عام 1796 على أنه (نصف) المسافة التي يتطلب الخروج من داخلها، للتخلص من ثقالة الكتلة المركزية، سرعة إفلات تفوق سرعة الضوء.
على أن حل شفارتزشلد يعطي لنصف القطر الحرج القيمة 22GMc التي تعرف اليوم باسم نصف قطر شفارتزشلد rs وقيمته من أجل الأرض حوالي سنتمتر واحد، ومن أجل الشمس حوالي كيلو متر واحد. لكن هذين الجرمين أكبر بكثير جداً من قيمتي rs المتعلقتين بهما، وهذا يتفق مع ما نعلمه بالتجربة من أن تشوه المكان - الزمان في جوارهما ضئيل جداً. يجب إذن ألا نتصور أن هذا التشوه يصبح عظيماً قرب مركزي هذين الجرمين، لأن حل شفارتزشلد لا ينطبق إلا على المنطقة الخارجية، أي الفضاء الخالي خارج الكتلة المركزية. فمفعول الانحناء لا يصبح عظيماً إلا إذا تقلصت كتلة الجرم كلها الى مادون rs فاذا اعتمدنا الشمس كمثال نوعي، وتقلصت ليصبح قطرها من رتبة كيلو متر واحد فإن كثافتها تصبح. هائلة، أكبر من كثافة الماء بحوالي 1017 مرة! لكن كثافة الأرض تصبح أكثر من هذه بحوالي مليون مرة لو تقلصت الى حجم البيضة! أما في الطرف الآخر فيكفي أن تكون كثافة مادة المجرة قريبة من كثافة الماء، بينما الكثافة الحرجة للعالم كله تساوي حوالي مئة مرة من الكثافة المحسوبة عملياً من رصد الأجرام المضيئة. إن الجرم الذي يتقلص ليصبح نصف قطره حوالي 2 يتمتع، من جملة خواصه، بأن الشعاع الضوئي يفقد عندما يخترق سطحه كل طاقته للافلات من الجاذبية المريعة. وعلى هذا فإن سطح هذا الجرم يظهر مظلماً جداً للراصد البعيد. إن هذا ما تكهن به لابلاس عام 1796، معتمداً على نظرية نيوتن في التثاقل، حين قال بامكانية وجود أجرام في هذا الكون ذات كتل عظيمة ولون أسود تماماً لعدم وجود نور ذي طاقة تجعله قادراً على الإفلات من جاذبية الجرم الهائلة. إن تمدد الزمن على سطح هذا الجرم المرصوص جداً، والمرصود بنوره المائت، يصبح شبه لا نهائي، مما يجعل الحوادث هناك تجري ببطء شديد لدرجة أن سطح الجرم يبدو في حالة وتجمد شبه أبدي. ولهذا السبب كان يطلق على مثل هذه الأجرام الافتراضية عبارة والنجوم المتجمدة وهي تسمية رديئة خادعة لأن سطوحها ، إن وجدت ، لابد أن تبدو سوداء حالكة السواد، وعلى هذا نرى من الأنسب اعتماد العبارة الجديدة المعروفة : الثقوب السوداء
لقد قدم بعض الفلكيين النظريين عدداً من المخططات يمكن أن يتشكل وفقها ثقب أسود في واقع هذا العالم . منها مثلا ماهو مقبول عموماً من أن العالم كان قبل عشرة مليارات سنة في ظروف كثافة عالية جداً ارتصت أثناءها كل المادة المبعثرة اليوم في أرجائه . وربما كان قد حدث في تلك الظروف أن وقعت التكاثفات المادية الموضعية في حبائل ثقالتها الخاصة نا تصت الى حجم ثقب أسود مجهري لا يختلف عن الجسيم الأولي إلا بعظم كتلته التي نبغ 1010 غرام . وعلى نقيض ذلك يرى آخرون أنه قد تيسر لبعض الأجرام ، التي تعادل كتلتها كتلة ملايين النجوم ، أن تتهافت مادتها حتى تبلغ الحجم الحرج الذي يجعلها ثقباً أسود ، ودون أن يتطلب ذلك كثافة فائقة الكبر .
ربما كان أكثر المخططات معقولية هو أن يتشكل الثقب الأسود من كتل نجمية عادية . ففي السنوات الأخيرة أصبح من المعتقد أن الثقب الأسود هو المصير المحتوم لبعض النجوم العظيمة . ولفهم سبب هذا المصير لابد من أن نأخذ فكرة عن بنية النجوم . إن غالبية النجوم تشبه شمسنا وتتألف في معظمها من الهدروجين ، أخف العناصر ، ويبلغ قطرها مليوناً ونصف المليون من الكيلو مترات. وليست هي مع ذلك بذات كثافة عالية ، وذلك للأسباب التالية. إن ثقالة المادة النجمية تجر الهدروجين نحو المركز ، وبارتصاصه يسخن هذا الغاز حتى يبلغ قرب المركز ظروف الاندماج النووي (عدة ملايين درجة) - هي ظروف القنبلة الهدروجينية. والاندماج النووي يتم من خلال التنافس بين القوى النووية التجاذبية القصيرة المدى المسئولة عن التفاعل الشديد بين البروتونات والنترونات في نواة (الذرة والقوى الكهربائية البعيدة المدى والتنافرية بين البروتونات المتكهربة ، ففي مراكز النجوم تبلغ الحرارة درجة تجعل نوى الذرات سريعة جداً وتصادمها عنيفاً لدرجة أن يقهر التنافر الكهربائي فيقرب المسافات بين البروتونات حتى تفعل القوى النووية التجاذبية الشديدة فعلها . وبذلك تندمج النوى الخفيفة (كالهدروجين مثلا) معاً لتشكل نوى أثقل
(كالهليوم مثلا). وأثناء هذا الاندماج يتحول قسم من المادة الى طاقة تحملها أشعة غاما ونترينوات .
ولهذه الطاقة مفعولان. فهي أولاً تحتفظ للنجم بحرارته ويستمر الاندماج. والواقع أن النجوم التي مثل شمسنا جمل متوازنة، أي في حالة استقرار متواصل ناتج عن التساوي بين الحرارة التي تضيع منها في الفضاء حولها وبين الطاقة التي يعوضها لها الاندماج النووي.
وهي ثانياً تولد ضغطاً إشعاعياً يمنع الطبقات البعيدة عن المركز من أن تتهافت نحوه، مما يجعل المادة النجمية ذات كثافة ضعيفة أقل من كثافة الماء، قرب سطح الشمس). وعملية الاندماج التي تزود النجم بمعظم طاقته تحول الهدروجين الى هليوم، وهو العنصر الذي يلي الهدروجين في خفته. وبمرور الزمن تتناقص كمية الهدروجين حتى يبلغ من الندرة درجة يختل عندها التوازن الطاقي للنجم ويبدأ من حياته فترة هيجان عنيف. ومن المتوقع ألا يحدث هذا في شمسنا قبل آلاف الملايين من السنين. لكنه حدث مؤخراً في النجوم الأثقل من شمسنا ببضع مرات وهذا) (نادر). ونحن لا نهتم هنا بالمراحل التي تلي ذلك، لكن موت النجم لابد أن يقع إما بانفجار مدمر أو بتهافت ثقالي. لكن المعروف منذ زمن طويل أن التهافت الثقالي هو مصير النجم الذي استهلك وقوده النووي . فقد اكتشفت فعلا في الفضاء نجوم ذات كثافة عالية جداً - وتعرف بالأقزام البيضاء - وهي، قرب سطحها، أعظم ثقالة من الشمس بآلاف المرات. إن مادة القزم الأبيض مرصوصة الدرجة أن حجم الطن الواحد منها لا يتجاوز حجم الكشتبان إن الارتصاص الثقالي للقزم الأبيض يقف عند حد تفرضه عليه مفعولات كمومية رهيفة تعرف باسم ضغط تردي الالكترون. فهذا المفعول الجديد لا يحتمل كتلة أعظم بـ 144 مرة من كتلة الشمس. أما الأجرام الأكثف من الأقزام البيضاء فتدين بوجودها الى بلوغ قوة التثاقل شدة عظيمة لدرجة أنها تسحق الذرات الافرادية وتحيلها الى نترونات. إن هذه النجوم النترونية ذات كثافة لاتصدق ، فقطرها لا يتجاوز بضعة كيلو مترات، بينما كتلتها من رتبة كتلة الشمس. وكتلة ملعقة شاي واحدة من مادة النجم النتروني عند سطحه تزن قرابة مئة مليون طن! ولو قدر لاحدى عابرات المحيطات أن تتحول لنجم نتروني لا نمسخت الى حجم حبة الرز!
وتدين النجوم النترونية بتماسكها لضغط تردي النترون، وهذا لا يحتمل، هو الآخر، إلا نجوماً خفيفة لدرجة معقولة. أما من أجل نجوم ثقيلة حقاً فيبدو أنه لا يوجد شيء آخر قادر على أن يحتمل ضغط ارتصاص كلي.
هذا ورغم أن التفاصيل الدقيقة للارتصاص تتعلق، الى حد ما، بالخواص المفترضة للمادة النترونية المكثفة، إلا أن سماتها العامة معروفة تماماً. فنحن، إزاء أجرام ذات ارتصاص ثقالي يفوق ارتصاص النجم النتروني، نقف على أرضية حقل تثاقل شديد لابد أن نلجأ معه الى نظرية النسبية العامة كي نعالج هذه الأجرام. لكننا لا نملك، مما نقدر على تحليله رياضياً، غير نماذج مبسطة من حلول معادلات هذه النظرية الرائعة والمعقدة فنياً بآن واحد. فهناك مثلاً، مما نستطيع دراسته بالتفصيل، ارتصاص الأجرام الكروية تماماً، التي تتعين الخواص الهندسية للفضاء المحيط بها بحل شفارتزشلد. وخير تقريب أولي هو أن نفترض أن كل أجزاء النجم تتهافت نحو مركزه بحرية، أي باهمال الوزن الضغط الداخلي فمن وجهة نظر الراصد الساكن على سطح مثل هذا الجرم تبدو الحوادث جارية بسرعة مخيفة، فأجزاء النجم تهوي نحو المركز مسرعة لدرجة أن سطحه يتقلص الى مساحة صغيرة في مدى أقل من ثانية زمنية واحدة. وقد لا يستغرق الأمر بالراصد أكثر من رفة جفن يجد نفسه وقد أصبح ضمن كرة شفارتزشلد الحرجة. ويصبح في سقوطه الحر عديم ، ويمر عبر هذا السطح الخرج دون أن يلحظ أي مفعول غير عادي في المكان . الزمان بجواره. على أن تتابع الحوادث ، كما يشاهدها راصد ناء جداً (لا يهوي نحو مركز النجم وهو يتقلص) ، يختلف عن ذلك فعلاً. فعندما يقترب نصف قطر الجرم من نصف قطر شفارتزشلد rs فإن سطحه يقترب من منطقة التمدد اللا متناهي للزمن، ومراحل هذا التقلص تبدو عندئذ للراصد النائي متباطئة تدريجياً حتى يغدو سلم الزمن متمدداً لدرجة لا يرى بعدها الراصد أي تقلص لاحق ، وإنما يرى الجرم بكل بساطة معلقاً يفيض قليلا عن rs ، متسمراً جامداً في الزمان الى الأبد.
فإذا لم يطرأ على الجرم تغير لاحق فلا أمل للراصد النائي في أن يرى ارتصاص النجم . الى داخل كرة شفارتز شلد ، مهما طال انتظاره. وهكذا، فإن ما يحدث للنجم بعد هذه المرحلة يظل سراً مغلقاً على من هو خارج عالمه (لأنه يقع «بعد اللا نهاية» في الزمان) . فـ يقوم إذن مقام أفق حدوث يفصل الأحداث التي يمكن أن ترى من العالم الخارجي عن تلك التي لا يمكن أن ترى منه . ولا يمكن لأي شيء يقع ضمن هذا الأفق أن يتجلى أو أن يؤثر فيما يقع خارجه ، بأي حال من الأحوال ولا بأي مثقال مهما صغر.
شکل 4 - 13 . انجرار الضوء بالثقالة هو أحد تجليات المكان - الزمان المشوه . إن النقاط السوداء في المخططات تمثل منبعاً ضوئياً يصدر في كل الاتجاهات نبضة ضوئية . أما الدوائر فتمثل مواضع سطح الموجة المنتشرة ، في لحظات متتابعة لاحقة . في ( a) لا يوجد ثقالة فتنتشر الموجات بسرعة واحدة في كل الاتجاهات. في ( b) يوجد حقل ثقالي متجه نحو اليسار يجر الأمواج في اتجاهه. أما (c) فهو امتداد لهذه الحالة عند سطح كرة شفارتزشلد الموضح في الشكل 4 - 14 . ونقطة المنبع واقعة على مسافة ثابتة من مركز الجرم ، ونرى الدوائر منزاحة نحو اليمين كثيراً لدرجة أن الحرف الأيمن الذي يمثل ضوءاً يتجه خارج الجرم ، ولا يمكن أن يسير الى أبعد من ذلك ، فلا يمكن للراصد النائي على اليمين) أن يرى المنبع مهما طال انتظاره . أما (d) فيمثل الواضع داخلrs ، والمنبع على مسافة ثابتة من مركز الجرم . وهنا يكون انزياح دوائر الضوء عظيماً لدرجة أن سطوح الموجة ، المبتعدة والمقتربة من مركز الجرم ، نتجه كلها نحو الجرم جارفة معها أي جسم مادي موجود داخلها .
إن السمات الوصفية لثقب شفارتزشلد الأسود تتضح بسهولة بفحص سلوك الأمواج الضوئية في جواره. فتأثير الثقالة على الضوء يمكن أن يتمثل بنقاط ودوائر كالتي في الشكل 4 - 13 . ففيه نفترض أن النقطة تمثل منبعاً يرسل نبضة ضوئية تنتشر في كل اتجاه ، وأن الدوائر هي مواضع سطح الموجة في لحظات متعاقبة لاحقة . ففي غياب الثقالة ، ( a) يتوسع سطح الموجة بانتظام في كل الاتجاهات . لكن وجود حقل التثاقل ، في (b) ، يجعل سطوح الموجة تنزاح في احد اتجاهين. وهذا التشوه هو مظهر من مظاهر انحناء المكان . الزمان الذي شرحناه منذ قليل
أما الشكل 4 - 14 فيشرح الموقف بالقرب من الثقب الأسود ، حيث يمثل القرص المسنن النجم وقد ارتص جداً الى داخل كرة شفارتز شلد الممثلة بمحيط الدائرة المتقطع . فعلى مسافة بعيدة من الجرم تكون سطوح الموجة (لم نرسم سوى دائرة واحد توخياً للبساطة) منزاحة نحوه . ولدى الاقتراب من أفق الحدوث ، rs ينجرف سطح الموجة بقوة أشد فاشد نحو الجرم . ويتميز أفق الحدوث بأن طرف الموجة البعيد عن الجرم لا يملك أن شکل 4 - 14 . سلوك الموجة الضوئية في جوار ثقب أسود. فضمن كرة شفارتز شلد (الدائرة المتقطعة) يتجه الضوء نحو مركز الجرم ولو كان صادراً نحو الجهة الأخرى . فالأحداث التي تقع ضمن هذه المنطقة من المكان - الزمان لا يراها أحد من الموجودين خارج هذه المنطقة ! بل یری فقط ما يقع خارج الدائرة المتقطعة . فالمنطقة الداخلية سوداء إذن خالية ـ انها ثقب أسود
يستمر البتة في الابتعاد عنه . وقد مثلنا هذا الظرف بوضع المنبع على محيط دائرة الضوء (وفي الشكل 4 - 13 c تمثيل مكبر لهذا الظرف. فالموجة ماتزال في حالة انتشار محلي بسرعة الضوء لكنها هنا مجرورة بشدة لاتبيح للضوء أكثر من أن يتسمر زمانه ويبقى في حال مراوحة بالنسبة للنجم . ونتيجة ذلك هي أن الراصد النائي عن النجم لن يرى أبداً هذه الموجة المكافحة مهما طال انتظاره .
إن هذا الوضع يشبه حال رجل يركض على بساط قابل للانزلاق بسهولة كبيرة تحت قدميه ، فكلما زادت سرعة الراكض ازدادت سرعة جر البساط له بالاتجاه المعاكس.
شکل 4 - 15 . ضمن الثقب الأسود . لو غامر الراصد بالدخول ضمن كرة شفارتز شلد فلن يستطيع الخروج منها أبداً مهما بذل من جهود. وسيجد نفسه مجروراً لا محالة نحو الأسفل بفعل هندسة المكان - الزمان المتقلصة ، ولو كان في صاروخ عظيم. الومضات الضوئية المرسلة نحو الخارج تنجذب أيضاً نحو الخلف. فلا إنفلات ولا خلاص ، لأن اللمحة الزمنية التي يستغرقها سقوطه على النجم تعادل الزمن الأبدي خارج الثقب الأسود.
فالراكض هنا هو الضوء والبساط هو المكان - الزمان الذي يغوص ، بالمعنى الخام لهذه الكلمة ، ضمن الثقب الأسود . إن سطوح الموجة الواقعة ضمن دائرة أفق الحدوث تنزاح نحو الداخل( باتجاه مركز النجم )انزياحاً عظيماً لدرجة أنها كلها تقع بعد نقطة المنبع (انظر الشكل 4 - 13 d المكبر) . وهذا يعني فيزيائياً أن ماصدر من الومضة الضوئية باتجاه النجم وما صدر بالاتجاه المعاكس يتجهان كلاهما عملياً نحو مركز النجم رغم بقائها منفصلين بسرعة الضوء . وهذا يدل على أن الحدث الذي أصدر الضوء لا يمكن أبداً أن يُرى من خارج الثقب الأسود . فليس لهذه الأمواج خلاص من ربق هذا الثقب. وكلما توغلت فيه ازدادت شدة انجرافها إليه ، فهي تهوي نحو مركزه بأسرع من لمح البصر .
ولما كان من المستحيل على أي جسم مادي أن يتجاوز سرعة الضوء ، فمن الواضح أن أي راصد يجد نفسه ضمن واحدة من دوائر الضوء لابد أن يظل فيها وهي تنقض نحو مركز الجرم . وعلى هذا فانه ، هو أيضاً ، سينجرف لا محالة نحو هذا المركز ، وحتى لو كان ضمن أعظم الصواريخ اندفاعاً في العالم ، فإنه لن يستطيع بتاتاً أن يهرب نحو العالم الخارجي، ولا حتى أن يراوح في مكانه . ولاقوة تستطيع أن تحول بينه وبين الاندفاع نحو الهاوية ، فما من شيء قادر على الخروج من الثقب الأسود . فهو سيظل الى الأبد حبيس أمنع السجون في هذا العالم ، وعاجزاً حتى عن أن يخبر بمصيره أحداً من العالم الخارجي . والنجم نفسه ، كشيء مادي، يشاركه هذا المصير فيرتص على نفسه في قدر محتوم .
هذا ورغم أن تفاصيل أطوار هذا الضمور تتعلق بعض الشيء ببنية النجم وبنائه الداخلي إلا أن حالة التجمد المصيرية ، كما تُرى من موقع ناء ، مستقلة عنها تماماً . وبسبب الانزياح الثقالي لطيف النجم نحو الأحمر فإن نور سطحه يخبو بسرعة أسية ، ولن تمضي أكثر من بضعة أجزاء من ألف جزء من الثانية حتى يختفي نوره تماماً ولا نعود نرى من السطح الضامر سوى ظلام دامس ، ثقب أسود . وعلى هذا يستحيل علينا أن نعلم ، من النظر الى الثقب الأسود ، من أي شيء هو مصنوع ، فالثقبان الأسودان سيان إذا كان لهما كتلة واحدة .
إنهما سيان لدرجة أننا لا نستطيع أن نميز بينهما ولو بقياس أحرج المفعولات الفيزيائية ، كالقوى النووية والحقول المغنطيسية . فبموجب النظرية الراهنة ، وسواء كان الثقب الأسود مكوناً من المادة العادية أو من المادة المضادة أو حتى من نترينوات ، يستحيل على المرء أن يستشعر أي فرق بينها بأية وسيلة من الوسائل الفيزيائية المعروفة قد يكون من الممتع أن نفهم . لماذا يستعصي الثقب الأسود على أي راصد يريد أن يعرف مكوناته . فلا جدوى من محاولة إدلاء حبل فيه يحمل كلاباً ينتزع عينه من سطحه ، لأن الجذب الثقالي الشديد سيمزق طرف الحبل المتدلي ويبتلعه مع كلابه مهما كانت مادته متينة . كما أن إرسال صاروخ جبار يذهب نحو السطح الذي يتقلص ويعود بحفنة منه مشروع فاشل . لأن السطح ، عند اقتراب الصاروخ منه ، سيكون مرجعاً في حالة سقوط حر وسيمر عبر أفق الحدوث جارفاً الصاروخ . وبعد تشكل الثقب الأسود بفترة وجيزة لن يستطيع الصاروخ أن يبلغ سطح الجرم قبل أن يخترق أفق الحدوث نحو الداخل ، وسيكون عليه عندئذ أن يلاحق المادة المتراجعة عبر كرة شفارتز شلد ، وسيعجز عن العودة إلى العالم الخارجي بعينة من النجم . ولا جدوى أيضاً من إنارة سطح الجرم بارسال ومضة ساطعة الى الثقب الأسود . لأن النور سيلقى مصير الصاروخ ، فيخترق أفق الحدوث وتمسك المادة المتراجعة في تقلصها بالنور المنعكس وتجرفه بثقالتها المفرطة نحو الأسفل الى مركز الجرم .
هذا وإن كل محاولة تهدف الى الصاق «علامة بالثقب الأسود محاولة فاشلة . فلو وضعنا ، مثال، شحنات كهربائية بتوزع معين على المادة أثناء تقلصها ، فإن هذه الشحنات لن ترول باقترابها من كرة شفارتز شلد ، لكن الحقل الكهربائي الذي تولده في المنطقة الخارجية يأخذ شكل ألياف متوازية مشوهة بفعل انحناء الفضاء حول الجرم وبشكل ترى فيه الشحنات من موقع ناء مجمعة في مركز المادة . وبذلك يتعذر علينا بعدئذ «قراءة بنية توزع الشحنات . وقد تم إنجاز حسابات تهدف الى امتحان «إمكانية قراءة كل أنواع و العلامات، وذلك باستخدام القوى الشديدة والضعيفة والكهرطيسية على حد سواء . وقد تأكد في كل هذه الحالات أن الكتلة الكلية والشحنة الكهربائية الكلية هما وحدهما اللتان تتركان بصمات في عالم الفيزياء الخارجي. أما ما سوى ذلك من بنى ومعلومات فتنمحي أخبارها خارج هذا الرصيص .
لقد عُممت هذه الاعتبارات على حالة الارتصاص اللا كروي . وتدل الحسابات على أن الجرم ، إذا كان يملك «أوراماً ، فإن هذه الأورام لا تزول لكنها في الواقع تنمو . ولا جدوى ، مع ذلك. ، من وسم الثقب الأسود بنموذج من هذه الأورام ، لأن الفضاء المنحني حول الجرم يفعل هنا أيضاً فعله في جعل هذا النموذج غير مقروء على مسافة نائية .
فالثقب الأسود ، مهما كان شكله ، كروي بالنسبة للراصد النائي ونستطيع الآن أن نفهم . سبب إطلاق اسم «الثقب على مثل هذا الكائن . فبالرغم من أن المادة المرتصة تبدو ، من بعيد ، واقفة وقفة الخلود في كرة شفارتز شلد ، إلا أن طبيعة هذه المادة لاتبدو قابلة للتحري . وليس لبنيتها أي تأثير فيزيائي في مناطق الفضاء النائية - إنها منزوية خارج هذا الكون . والكرة المظلمة التي تخلفها تشبه ثقباً في الفضاء ، ثقباً أسود بالضبط .
لقد ركزنا القسط الأعظم من بحث الارتصاص الثقالي على مظهر الارتصاص المادي من مسافة نائية. ومهما بدت هذه الرؤية غريبة ، فإن معاناة الراصد المثبت على سطح الجرم وهو يتقلص هي المعاناة الغريبة حقاً .
فعندما يكون الراصد في حالة سقوط مع المادة وهي تتقلص فإن ثقالة سطح الجرم تشتد بالتدريج . ولئن كانت هذه الثقالة المتعاظمة عديمة الأثر محلياً على الجسيم الذي يسقط بحرية ، إلا أن الجسم الممتد ، كالراصد الفعلي ، لابد أن يشعر بفروق الشدة
(مفعول المد والجزر بين مختلف نقاطه ، وذلك للسبب التالي . إن النجم المتقلص مرتص لدرجة أن شدة قوة التثاقل ومنحاها يتغيران حتى في سلّم الجسم البشري . فإذا كان يسقط وقدماء في الأسفل فإن جسمه سيمتط لأن قدميه تكونان أقرب الى النجم من رأسه . وهو ، فوق ذلك، سيتقلص طوله بسبب تقلص الفضاء الذي هو فيه . لنفترض أن الراصد صغير جداً ومتين البنية لدرجة أن يتحمل كل هذه القوى الساحقة الممزقة ولفترة قصيرة . إنه ، أثناء سقوطه ، سيرى حوله المنظر مستمراً في امتلاك بنية معقدة ، ربما مناطق ذات شحنة كهربائية - أي أن الراصد الساقط يرى كل الأشياء غير المرئية من العالم الخارجي.
إن المشهد حول الراصد يتغير عنيفاً وجذرها بدخول مفعولات الضغط ، لأن المادة . عندما تصنع صلبة في الظروف العادية، تستطيع مقاومة الانسحاق . على أننا رأينا في الفصل الثاني أن المادة المتحركة بسرعة قريبة من سرعة الضوء لا يمكن أن تكون صلبة تماماً لأن انتقال الآثار الفيزيائية لا يمكن أن يحدث بأسرع من الضوء . وعلى هذا فإن المادة ، التي لا تقبل الانضغاط وهي في حالة سكون ، تذعن لهذا الانضغاط عندما تسقط بسرعة كبيرة في الثقب الأسود . وهكذا فإن المادة ، مهما كانت صلبة ، تستمر في الانضغاط لدى سقوطها في الثقب الأسود ، لكن الضغط ، هو أيضاً ، منبع ثقالة في النسبية العامة . فمن قبيل المفارقات إذن أن يكون الجسم المقاوم مسوقاً عملياً بشدة نحو الداخل . ومهما بذل من جهود المقاومة السقوط نحو الداخل فإن كل المواد (بما فيها الراصد وصاروخه لابد أن تصل الى مركز الثقب الأسود الكروي ذي الكتلة النجمية وذلك في غضون جزء من عشرة آلاف جزء من الثانية (زمن مقيس) بعد اجتياز أفق الحدوث.
إن هذه النتيجة تثير سؤالاً يتضمن لغزاً من أعظم الألغاز في العلم الحديث . ماذا يحدث في مركز الثقب الأسود عندما تبلغه المادة في نهاية المطاف ؟ إن كثيراً من الناس يضربون صفحاً عن هذا السؤال بحجة أن ما يحدث في قلب الثقب ، مهما حدث ، لا يمكن أن يؤثر بتاتاً في العالم الخارجي عنه . لكن مثل هذه الحجة لا تشبع فضول الباحث العلمي وقد جرت محاولات عديدة للإجابة عن هذا السؤال المحير .
وقبل أن تعرض هذه المحاولات ننبه القارىء الى أن مناقشتها من قبيل التكهنات وذلك أن نظرية النسبية العامة ، التي استمدت منها كل الدراسات التي تعالج الثقوب السوداء ، ليست سوى نظرية . وقد اجتازت نبؤاتها الامتحان بنجاح في الحقل التثاقلي للمنظومة الشمسية . لكن الثقالة ضمن الثقب الأسود أعظم بمليارات المرات . ولا أحد يعلم مدى صحة هذه النظرية علم اليقين ، ولا ماهي السمات التي تتبقى منها إذا اكتشفنا نظرية أحسن منها . إن نظرية النسبية جميلة جداً ، ويعتنقها معظم الفيزيائيين كأحسن ما لديهم في مجال توصيف الثقالة . لكن لكل النظريات حدوداً . ولا بأس من أن نتسلى بالسير النسبية العامة الى مداها ، فقد نكتشف أشياء هامة على الطريق . ولا خيار لنا في طريق سواء للتكهن بما يحدث ضمن الثقب الأسود ، اللهم إلا أن نسقط فيه. وعلينا، بعد كل شيء، ألا ننسى أننا نتحدث عن عالم ثقوب سوداء نموذجية، لا عن العالم الفعلي.
عندما يأخذ الجرم في السير في طريق التقلص المحتوم تتزايد كثافة مادته أسرع فأسرع، ولا يلبث أن يبلغ انضغاطه قيماً خيالية تصبح معها خواصه مجهولة تماماً. وتتعاظم أيضاً فروق الثقالة وانحناء الفضاء على سطح المادة المتقلصة لدرجة كبيرة قد تؤدي الى انسحاق كل بنية ممكنة. إن نظرية النسبية تتنبأ بذلك تحديداً ، واذا لم يحدث للمادة شيء غريب جداً فإن هذا الارتصاص لن يقف عند حد . وكما يحدث ، كل مرة تسترسل فيها مع نظرية فيزيائية الى مطلق مداها ، أن نصل الى نتائج لا عقلانية ، فإننا هنا أيضاً نصل الى نبؤة لا عقلانية تقول إن مادة النجم كلها قد انحصرت في نقطة واحدة ، بالمعنى الرياضي لهذه الكلمة . وفي هذه النقطة تصبح الكثافة وانحناء الفضاء لا متناهيين في الكبر . يطلق على مثل هذه النقاط اللاعقلانية اسم المتفردات . فالمتفرد ليس جرماً ، إنهما هو مكان تلقى فيه الفيزياء المعروفة حتفها .
لقد افترض مرة أن المتفرد نتيجة للطبيعة البسيطة للنموذج الذي استخدم لدراسة الارتصاص الثقالي . فنحن ، بعد كل شيء ، عندما نلزم النجم المتقلص بأن يظل دوماً كروياً تماماً ، فلا خيار أمامه إلا أن يؤول الى نقطة ، إذا لم يحدث شيء يوقف ارتصاصه . وقد بدا من الحكمة افتراض أن المادة ، في جملة فعلية، يمكن أن تقترب من المركز كثيراً لا أن تمر عبره . كما أن ظهور المتفرد لا يبدو ، في نهاية المطاف ، متوقفاً بشكل حاسم على نموذج التقلص المادي المعتمد. فلقد برهن ریاضیان بریطانیان ، هوكنغ S.Hawking وينروز R.Penrose ، في سلسلة من النظريات تتناول حصراً البنية التوبولوجية للمكان - الزمان ، على أن تشكل متفرد من نوع ما أمر محتوم ، مالم تعان طاقة المادة المتقلصة وضغطها تغیرات بعيدة الاحتمال جداً .
لكن هذه النظريات لا تقدم ، مع الأسف ، سوى معلومات قليلة جداً عن طبيعة المتفرد الذي يتشكل . كما أن مفهوم المتفرد المستخدم في هذه النظريات أقل دقة بكثير من ذلك الذي يحدث في تقلص كروي . وكل ما يمكن أن يقال هو أن نوعاً من المسار الجسيمي عبر المكان ـ الزمان سيجد نهاية محتومة. أي أن الجسيم الذي لا يسقط فعلاً على طول هذا المسار لا يمكن أن يبقى في المكان - الزمان. ويُعبر أحياناً عن ذلك بالقول إن المكان - الزمان يصنع لنفسه حدوداً أو إنه يلقى نهايته في المتفرد . وفي هذا الصدد يفترض أن كل مادة تصادف متفرداً تغادر المكان - الزمان دفعة واحدة ، ونظريات هوكنغ - بنروز لا تقول إذا كانت المادة المتقلصة سترتطم فعلياً بالمتفرد أم لا . لكن المادة لو عجزت عن مغادرة المكان - الزمان عن هذا الطريق فهي ، على كل حال ، لا تستطيع أن تعود القهقرى الى عالمنا من جديد ، لأنها حبيسة أفق الحدوث الى الأبد . وهناك نموذج آخر للثقوب السوداء أكثر عمومية من حل شفارتزشلد ويسمح للثقب أن يدور وأن يحمل شحنة كهربائية . وبعض هذه الحالات الخاصة المثالية تظهر خاصة غريبة هي أن المادة يمكن أن تتحاشى المتفرد وتمر الى مناطق جديدة من المكان - الزمان تتصل بعالمنا عبر أعماق الثقب الأسود إن هذه العوالم الأخرى، مستترة ، طبعاً وراء أفق الحدوث . والنماذج الخاصة التي من هذا القبيل تفيد في إعطاء فكرة عن طبيعة المكان - الزمان ، فلا يجب أن نعتبرها نماذج للعالم الفعلي .
لا ريب في أن التنبؤ بالمتفردات في المكان - الزمان له نتائج مقلقة عميقة . فنحن لا نستطيع أن نتنبأ بما يخرج منها ، لأن هذه المناطق تخرج عن سلطة الفيزياء المعروفة . إن ما يحدث في جزء من المكان - الزمان في المستقبل السببي للمنفرد أمر فوق طاقة تنبؤاتنا.
إن هذه السمة اللا مستساغة للمتفردات جعلت بنروز يقترح فرضية (الرقابة الكونية) . وهذه الفرضية تمنع تشكل المتفردات مالم تكن محتواة ضمن أفق الحدوث. والمتفرد ضمن الثقب الأسود عاجز عن أن يغزو خارج عالمه بتأثيرات مجهولة . وقد دلت الدراسات الرياضية على أن الرقابة الكونية فرضية قريبة من الصحة ، لكنها ماتزال بحاجة إلى إثبات مقنع .
إذا أخفقت الرقابة الكونية ، ولو مبدئياً ، يصبح من الممكن تشكل متفردات عارية (مرثية من مسافة نائية. وقد عالج بعض الكتاب بتشاؤم الكارثة التي يمكن أن تحل ببقية العالم نتيجة لذلك . وعلى كل حال يجب أن لا ننسى أن النظرية التي نحن بصددها لا يمكن أن تكون سوى فكرة تقريبية . ففي مجال الصغائر ، مثلاً ، التي من رتبة . 22-10 سنتيمتر تتدخل مفعولات كمومية نناقشها بايجاز في الفقرتين التاليتين تغير الثقالة بشكل تعجز النظرية الراهنة عجزاً تاماً عن توصيفه . ولا أحد يعلم ماستقوله الثقالة الكمومية عن المتفردات. وقد يقدم النظريون ، في السنوات القليلة المقبلة ، صورة أخرى للمتفرد تختلف كلياً عن كل ما ذكرنا .
الاكثر قراءة في الثقوب السوداء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
