التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
موارد الضرائب التي يُشَدِّد عليها الاحتكار (احتكار الزيت)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 460 ــ 477
2025-08-08
41
من أهم السلع الضرورية للحياة في مصر الزيت بأنواعه، وقد أحدث بطليموس الثاني أعظم تجديد عُرف من الوجهة الاقتصادية في هذه المادة، وذلك بإدخال نظام الاحتكار في الاتجار به، ولا نزاع في أن بلطيموس قد اقتبس فكرة الاحتكار هذه عن نظام الاحتكار الذي كان سائدًا في المعابد المصرية وعند ملوك مصر القديمة، ومن المحتمل أنه قد نقلها عن ممالك أخرى مجاورة له، ولكن الأمر الذي يلفت النظر في نظام الاحتكار الذي اتبعه بطليموس الثاني هو أنه قد بالغ في تنفيذه إلى حد لم يُعرف من قبل.
وقد أصدر «بطليموس الثاني» مجموعة قوانين للدخل في السنة السابعة والعشرين من حكمه أي عام 257ق.م، والظاهر أن هذه الوثيقة عبارة عن مجهود لوضع تشريع للقواعد التي تنظِّم أجزاء اقتصاد الدولة ودخلْها الذي كان يجمعه مؤجرو الضرائب، ويُلحظ أن بعض الضرائب التي تناولها القانون الجديد كانت تُجبى قبل صدور هذا التشريع، ويُلحظ كذلك أنه بالنسبة لبعض الضرائب نجد نظام بيع الضرائب قد أُدخل أولًا في القانون الجديد، وقد نشر مخطوط القانون بأمر من بطليموس الثاني وقام بنشره الوزير «أبوللونيوس»، وقد ألفه موظفوه، والملحوظات التي وُجدت في نسخة القانون وهي التي حفظت لنا الأنظمة واللوائح كتبها الرجل الذي أرسل إلى الإسكندرية بنسخ القانون الخاص بموظفي الفيوم، وهو الذي نسخ الصورة التي كانت في مكتب الوزير «أبوللونيوس»، وكان من أهم المواد التي جاء ذكرها في هذا القانون وصف استيلاء الملك على محصول المواد التي كان يُستخرج منها الزيت، كما كان يسيطر على معامل الزيت وتجارته في داخل البلاد وخارجها، هذا وكانت أنواع الاحتكار الأخرى للسلع والمواد المنوعة تسير على نفس النظام الذي اتبعه في احتكار الزيت وسنتحدث أولًا عن احتكار الزيت؛ لأنه كان يعد مصدر دخل عظيم لبطليموس الثاني، وكان أعظم شيء اهتم به بطليموس الثاني بطبيعة الحال في هذا الصدد هو زراعة النباتات الدهنية التي يُستخرج منها الزيت، فكان أول عمل يقوم به عمال بطليموس هو حصر الأراضي التي خُصِّصت في كل مقاطعة لزراعة السمسم ونبات حَب الملوك (كرتون)، هذا ولم يذكر حصر الأراضي التي كانت تزرع زيتونًا لأنه كان خارجًا عن حدود الاحتكار، وكان يُعرف في مصر القديمة، غير أنه لم يكن يُزرع على نطاق كبير، وكان من محصول هذه المواد يورَّد على الفور إلى مُحصِّل الاحتكار.
وإليك مثالًا يضع أمامك صورة الزراعة؛ ففي المقاطعة الساوية بما فيها مدينة نقراش المستقلة كانت المساحة التي تزرع سمسمًا تبلغ عشرة آلاف أرارا وزراعة حب الملوك أرورا وكان يزرع لتموين الإسكندرية وحدها حوالي أرورا، وكان الملتزم بمنتجات هذه المساحات في المقاطعة الساوية لا يُحصِّل أية ضريبة، وخلافًا لذلك كانت تستولي الإسكندرية على ثلاثة آلاف إردب من السمسم لاستهلاكه الخاص، وهاك حالة مقاطعة أخرى لا تنتج من هذه المادة بقدر ما تستهلك، ففي مقاطعة وادي النطرون كانت مساحة الأرض التي تُزرع سمسمًا هي ثلاثمائة أرورا، وعلى ذلك كان يُورَّد إليها من مقاطعات أخرى أربعة آلاف إردب من حب الملوك، وكان يجب معالجتها بمعرفة مؤسسة التأمين.
هذا وكانت الضريبة المفروضة على «حب الملوك» يدفعها العميل الذي كان يؤجر ضرائب مقاطعة وادي النطرون، ومن ثم نرى أن إدارة الوزير كانت تنظم بين المقاطعات التبادل في المواد الأولية فتمد المدن والأقاليم الفقيرة بما تحتاج إليه، وذلك بأن تفرض على المقاطعات الخصبة مقادير معينة من الأراضي الصالحة لزراعة الحبوب، هذا ونجد خلافًا للمقاطعة الساوية أن المقاطعة اللوبية (بروبوزيت المقاطعة الرابعة من مقاطعات الوجه البحري) والمقاطعة السمنودية وإقليم طيبة كلها كانت تُزرع نبات «حب الملوك» لتموين الإسكندرية، وكانت تمون «منف» مقاطعة الفيوم، في حين أن مقاطعة وادي النطرون وكذلك المقاطعات غير الصالحة لإنتاج هذا الصنف كانت تأخذ ما تحتاج إليه من جيرانها الغنية في زراعته، وعلى أية حال فإنه إذا كان هناك نظام يسيطر على توزيع مادة أولية في كل أنحاء البلاد فإنه لم تكن مصر بل كانت المقاطعة هي التي تؤلف الكيان الاقتصادي، وذلك لأنه لم تكن تجمع في كل مصر مخازن موحدة عامة لكل محاصيل البلاد، وذلك لأن الشيء المثالي في هذا الصدد كان على العكس هو أن كل مقاطعة كانت تعمل على أن تكفي نفسها بنفسها في حدود مواردها، وأن تستورد أو تصدر قليلًا بقدر المستطاع، وكانت الضمانات أو الالتزامات لتأجير الضرائب تُباع في كل مقاطعة، ولا نزاع في أنه لم يكن في مصر أصحاب رءوس أموال كبيرة من أولئك الذين كانت عندهم القدرة المالية لشراء إيجار كل الأراضي المصرية الخاصة بالاحتكار لصناعة الزيت، وإذا كان «بطليموس الثاني» قد أدار على الفور زرع أراضي هذا النوع من الاحتكار بدلًا من تأجيرها فإنه بذلك كان في مقدوره أن يكون في مصر وحدة اقتصادية ويحقق نظام المركزية التام، ولكن الاتِّجار من جانب الملك كان يكشف عن قصدين يرمي إليهما؛ أولهما: أنه يؤكد ضمانات للدخل. وثانيهما: ألا يربط نفسه برؤوس أموال في استغلال الأرض. وهذا الحذر المزدوج — وقد كان بلا شك أمرًا ضروريًّا — يسيطر كما سنرى على طرق إدارة الجزء الأعظم من الدخل، وسنفسر هنا كيف كان يتفق استقلال المقاطعات مع وجود الحكومة المركزية.
ويتساءل المرء كيف يتسنى للملك أن يأخذ على عاتقه توريد كمية معلومة من المواد الأولية للملتزمين؟ ولا نزاع في أن الملك بأخذه على عاتقه هذه المسئولية كان ينتظر حدوث عجز، ولكن الجهاز الملكي كان كفيلًا في حالة وقوع عجز لسد هذا العجز بواردات تأتي إليه من مقاطعات أخرى، ولأجل أن يكون هذا الجهاز كفيلًا بتوريد الملتزمين محصولًا معينًا، فإنه من الواجب أن يكون لهم بعض الحق لأخذ هذه المحصولات من المزارعين، وهؤلاء فضلًا عن أنهم كانوا يخضعون لمراقبةٍ كان مفروضًا عليهم تأدية ما عليهم من التزامات، ومن الجائز أن هذا الأمر كان سهلًا ميسورًا إذا كانت كل مصر ضيعة الملك وحسب. ولكن الأمر لم يكن على هذا الزعم، وذلك أنه لو كانت الأملاك الملكية بالمعنى الحقيقي ممتدة جدًّا في الفيوم في خلال القرن الثالث ق.م فإنه مع ذلك كانت هناك أراضٍ قد نزل الملك عن حق استغلالها مثل الإقطاعات التي يملكها الجنود المرتزقة والضياع وأراضي المعبد، هذا بالإضافة إلى الأراضي الخاصة، وتدل شواهد الأحوال على أن موظفي الملك كانوا يشرفون على كل هذه الأراضي، ولكن إذا شاهدنا في الضياع كَتَبَة الملك يقومون بمسح الأراضي المزروعة سمسمًا، وكذلك إذا لاحظنا أن أحد الجنود المرتزقة من المستعمرين يشهد على عقد تم إبرامه مع حاكم البلد بأنه بذر إقطاعته التي تبلغ مساحتها ثمانين أرورا وأنه تسلم مقدمًا مبلغًا للصرف منه على زراعة الإقطاعة فإن ذلك لا يدلنا على أن زراعة الحبوب الدهنية أمر مفروض على هذه الأراضي، وأخيرًا نقرأ في إيجارات أراضي الجنود الإقطاعيين مادة نفهم منها أن المؤجر يسمح للمستأجر أن يبذر الأرض بالحب الذي يرغب فيه وأحيانًا يضيف بذر سمسم، وهذا الشرط الخاص بالسمسم يفسَّر بلا شك بأن مقدار الإيجار يجب أن يختلف باختلاف الزراع الذي ينبت في الأرض، وعلى ذلك لا يمكن أن نؤكد أن المستولين على الأرض التي نزل عنها الملك وهي الضياع والأراضي المقدسة كانوا مرغمين على زرع نباتات دهنية، ولكن هذا كان ضروريًّا، ومن جهة أخرى كانت الأراضي التي في حوزة الملك فعلًا تؤجَّر، ولكن لا نفهم بالضبط كيف كانت تفرض على المؤجرين الالتزام الذي كان ضروريًّا لتحقيق منهاج الإنتاج بصرف النظر عن قبول العقود التي أُبرمت بحرية، وتلافيًا لهذه الصعوبة كان هناك علاج للتغلب عليها وهو مسئولية الموظفين، وذلك أنه كان عليهم فرض قائمة المزروعات على المستأجرين، ولدينا وثائق عدة تُظهر لنا العناية التي كانت تقوم بها الإدارة لتحديد أرض قرية لم تكن قد زرعت ذلك بغرض زراعة أنواع ذُكرت في قائمة المزروعات.
هذا وقد ثبتت مسئولية الموظفين بصورة أوضح في قانون الإيرادات فنجد فيه أن حاكم المقاطعة وحاكم المركز ومعهما وكيل الخراج وسكرتيره والمراقب كانوا يُطلعون النائب على زراعة الأرض المستأجرة فإذا لم يجدوا بعد مساحة الأرض أن عدد الأرورات المحدد لهم يبذر فإنه كان على كل من حاكم المقاطعة وحاكم المركز والمحاسب والمراقب أن يدفع غرامة على غلطته للخزانة الملكية قدرها تالنتان، كما كان عليه أن يدفع لأصحاب الضمان غرامة مشروطة قيمتها، وكذلك كان هؤلاء الموظفون مسئولين عما يجب توريده لمؤجري الإقطاعات التي فيها نقص في التوريد، هذا وكانت البذور المحفوظة في مخازن الدولة تباع لموظف خاص بتوزيع البذور سواء أكان حاكم مقاطعة أم حاكم مركز، وكان يدفع ثمنها من النقود التي دفعها له السكرتير المالي، وكانت توزَّع بعد ذلك على الزُّرَّاع قبل ميعاد الحصاد بستين يومًا، وإذا كان موظف التوزيع لم يقم بواجبه لدرجة أن الزراع لم يبذروا المساحة المحددة على حسب القانون فإنه كان يلزم بأن يدفع للمؤجر الغرامة المقررة، ويكون له الحق في الرجوع على الزراع إذا كانوا قد عصوا أوامره، وعلى هذا الوضع كان ينظم بين الموظف والفلاح اختيار المزروعات، ويرجع الفضل في ذلك إلى نظام الإقراض على البذور التي كانت توزع قروضًا.
وكان الأفراد المُعْفَوْنَ من الضرائب وكذلك ملاك الأراضي والقرى بوصفها ضياعًا، وأولئك الذين كان لهم حق التمتع بالأرض بوصفها هبة كل هؤلاء جميعًا كان لهم الحق في استعمال البذور التي احتفظوا بها عندهم من المحصول السابق.
وعندما يقارب المحصول النضج يعلن الزراع رجال إدارة الملك سواء أكان حاكم المقاطعة أم حاكم المركز أم صرَّاف الخزينة، وهؤلاء كانوا يحضرون إلى الحقول مع مؤجر الأرض (الضامن)، ويأخذون في تقدير المحصول، وكان كل المزارعين وهم مزارعو أرض الملك وغيرهم يُقدِّرون المحصول ويكتبون محضرًا بذلك مع الملتزم ويختمونه، أما عن مزارعي الملك فكانوا يعلنون كتابة بعد حلف اليمين كمية الحبوب من كل نوع بذروه والقيمة التي يساويها، ثم يختمون هذا الإعلان الذي يضع عليه مندوب عن حاكم المقاطعة أو حاكم المركز ختمه، وبعد الانتهاء من ذلك كان يباع المحصول للملتزمين بأسعار على حسب التعريفة الموضوعة لذلك، وكان محرمًا على المزارعين بيع الحبوب الدهنية لأي شخص آخر خلاف الملتزم، وكانوا يدفعون عينًا ضريبة تساوي ربع ثمن البيع، ومما يجدر ذكره أن هذه الضريبة لم تكن تحصَّل على الثمار الدهنية التي كانت تورَّد للمقاطعات التي كان محصولها لا يكفيها.
وكانت الحبوب الموردة يستلمها عمال صراف الخزانة، وكانت تودع في مخازن خاصة، هذا وكان الصراف يراجع الحسابات والسلع، وكل عجز كان يقع على عاتق حاكم المركز والملتزمين.
ومن بين الوثائق التي تثبت هذه التوريدات عدد كثير عليه في أوراق «زينون» أو في ملفات الجنود المرتزقين أصحاب الإقطاعات الصغيرة. وكانت الميزة الوحيدة التي يتمتع بها مُلَّاك الأرض التي نزل عنها الملك لتثميرها، وكذلك الأفراد المُعْفَون من الضرائب هي أنهم كانوا يحفظون عندهم الحبوب الضرورية للبذر المقبل،أما عن دفع الضرائب فإن هؤلاء لم يكونوا يتمتعون بإعفاء حقيقي فيما يخص الضرائب التي كانت تجبى على الحبوب الزيتية، وذلك لأن الملتزم كان يدفع لهم تقريبًا ثلاثة أرباع الثمن الذي يدفعه للمزارعين الآخرين، وهكذا نرى أنه من وقت البذر إلى وقت الحصاد كان محصول الحبوب الزيتية مفروضًا على المزارع ومُراقَبًا، وكان كله يبتلعه رجال الملك الذين كان يشرف عليهم الملتزمون، والواقع أنه لم يكن هناك أي نوع من الأرض ولا أي طائفة من المزارعين تفلت من قبضة الملك، ولم يحذف من قائمة الاحتكارات فيما يخص المواد الدهنية إلا أشجار الزيتون لأنها لم تكن تُزرع كثيرًا في مصر لعدم صلاحية التربة والمناخ.
ولا نزاع في أن المراقبة الشديدة التي وصفناها فيما سبق لم يكن لها أي غرض إلا المحافظة على الاحتكار المطلق لصناعة الزيت والاتِّجار فيه؛ إذ كان المقصود من كل ذلك العمل على أن تصادَر الحبوب الدهنية التي أُخذت خلسة وألَّا تُستعمل خفية، وللوصول إلى ذلك كان يوضع تصدير الحبوب الدهنية تحت مراقبة يشرف عليها حاكم القرية فكانت الحبوب لا تخرج من القرية بأية كمية كانت من مادة أولية دون أن تكون قد سُلمت له من مكتب الملتزمين وعمال الملك بمستند عن كل ما ورَّده كل مزارع، وفي حالة وقوع جزاء فإن حاكم القرية كان يدفع غرامة قدرها ألف درخمة للخزانة الملكية كما كان عليه أن يدفع للملتزم خمسة أضعاف الخسارة التي تصيبه.
صناعة الزيت
وكانت آلات صنع الزيت مميزة بنقش تُعرف به، والظاهر أن هذا النقش يعد بمثابة تصريح يضعه الصراف وعامل مالية الملك على الآلة يشاركهما في ذلك المراقب، ومن المحتمل أن الملتزم كان يشاركهم في ذلك؛ لأن هؤلاء كما سنرى بعدُ هُمُ الذين كانوا يختمون الآلات التي تصنع الزيت وهذه المصانع كانت تورَّد على حساب الأفراد، غير أنه كان لا بد من طابع الملك عليها، ومن ثم نرى أن مراقبة الملك كانت قد أُدخلت في اقتصاد منظم، فكان الملك له حق ملكية الجهاز الصناعي في مصر دون أن يستولي عليه أو يدفع ثمنه.
هذا وكانت مطاردة المصانع التي تقام خلسة عنيفة شديدة، فكان محرَّمًا على الفرد أن يملك في بيته لأي سبب من الأسباب مهاريس أو أهوان … أو معاصر أو أية آلة تُستعمل لعصر الزيوت، ومن ثم كان يعاقَب صاحبها بدفع غرامة قدرها خمسة تالنتات للخزانة الملكية، كما كان عليه أن يدفع للمؤسسة (الملتزمين) خمسة أضعاف الخسارة التي كانت تتحملها، أما هؤلاء الذين كانوا يملكون آلات عصر زيت قبل صدور القانون فكان عليهم أن يُبَلِّغوا عنها في مدة عشرين يومًا لنائب المؤسسة والسكرتير المالي والمراقب، وعليهم أن يُطْلعوهم على المهاريس والمَعاصر التي في حوزتهم، وكان على الملتزمين ونوابهم والسكرتير المالي والمراقب أن ينقلوها إلى معاصر الزيت الملكية، على أن كل من كان يُضبط فجأة مستعملًا بأية صورة من الصور وهو يعصر السمسم أو حب الملوك (أو بذر الكتان) فإنه يقدَّم لمحاكمة خاصة من قِبَل الملك للملتزمين غرامة قدرها ثلاثة آلاف درخمة، وكذلك كان يصادر الزيت الذي استخرجه والمواد الأولية التي كانت توجد عنده، وكان على السكرتير المالي والمراقب أن يُحصِّلا منه الغرامة، وإذا كان المجرم عاجزًا فإنهما كان يدفعانها … أما الآلات التي كانت لا تُستعمل للعصر سواء أكان بسبب فصل العطلة أم بسبب عدم وجود مادة للعصر فإنها كانت تؤخذ من المعامل الملكية وتُنقَل إلى مستودعات حيث كانت تُحفظ مختومة حتى لا يمكن لأي فرد أن يستعملها خلسة.
وكان رجال الشرطة في أراضي الضياع يقومون بتأدية واجباتهم بإشراف صاحب الضيعة، ومن ثم كانت مراقبة عمال الملك تُنفَّذ فيها بصعوبة، وعلى ذلك لم يكن من المستطاع إقامة معاصر زيت فيها، أما أولئك الذين كانوا يصنعون الزيت في المعابد فكان عليهم أن يعلنوا الملتزم ومندوب السكرتير المالي والمراقب بعدد المعامل التي في المعبد وكذلك بعدد المهارس والمعاصر في كل معمل، كما كان عليهم أن يقدموا معاصرهم للتفتيش عليها وأن يختموا المهارس والمعاصر … وإذا حدث تقصير في تنفيذ ذلك كان على موظفي المعبد أن يدفعوا — كل رئيس على حسب مسئوليته — ثلاثة تالنتات للخزانة الملكية ويدفع للملتزمين خمسة أضعاف الخسارة التي تحملوها، وكان عندما يريد المعبد صناعة زيت سمسم فإن القائمين بذلك كانوا يجتمعون بنائب الملتزم والسكرتير المالي والمراقب المالي وفي حضرتهم يُصنع الزيت، هذا وكان المعبد يصنع ما يحتاج إليه لاستعماله خلال السنة في مدة شهرين، أما ما كان يحتاج إليه المعبد من زيت الخرْوع فكان يورِّده لهم الملتزمون بالسعر المعيَّن الجاري ومن كل ذلك نفهم أنه لم يفلت مصنع واحد من مراقبة عمال الملك، وكان الضرب على أيدي الغاشِّين شديدًا، وذلك لأن الملك كان يقيم نفسه من أجل ذلك قاضيا خارقًا حد المألوف.
فقد كانت الغرامة هائلة، ولما لم يكن يستطيع دفعها إلا القليل من الناس كان العقاب البدني جزاء كل غاشٍّ لم يدفع الغرامة، والواقع أن مثل هذه القسوة في المعاملات توضح لنا صعوبة احترام الناس قانونًا ما صار بهذه الصورة. والواقع أن الاقتصاد الملكي كان مضِرًّا هنا ضررًا كبيرًا بمصالح عديدة، وقد أوشك أن يجد معارضين له، أما أصحاب الحِرَف الذين كانوا يرغبون في أن يدبروا لأنفسهم مصانع خلسة فلم يكن لدى الملك أي وسيلة لردعهم، أما الكهنة فكانوا يحترمون التقاليد المصرية القديمة، وذلك لأن المعابد كانت تعد مراكز اقتصادية مزهرة، فكانت تُبقي على مَعَاصِرِهم، ولكن صناعاتها كانت مراقَبة رقابة شديدة من قِبَل الملك.
ومما يلفت النظر أن الملك كان يعامل الإغريق الذين من طبقة رفيعة، وبخاصة الذين يساعدونه في تنفيذ مشروعاته وأصحاب الضياع معاملة أخرى، وذلك أنه كان قد وضع اتفاقًا بينه وبينهم، فإذا كانت مراقبة الملك تقف عند حدود أراضيهم فإنهم مع ذلك كانوا لا يصنعون فيها زيتًا، غير أن هذا الإجراء الأخير قد عُدل بعد زمن قصير جدًّا، ومهما يكن من أمر فإنه حتى لو كان نفس النظام المتَّبع في المعابد قد أصبح يشبه الذي في الضياع من حيث الإعفاء، فإن الملك كان لا يعطي المستفيدين من الإغريق بمقدار ما كان يعطي الكهنة؛ إذ في الواقع كان يهبهم امتيازات ضئيلة لا تؤثر بشيء في مراقبة الملك المطلقة.
ومما لا نزاع فيه أن كل المصانع والآلات التي تصنع الزيت كانت ملك الآلهة في المعابد، وكان استيلاء الملك عليها يعتبر مراقبة، أما المصانع الأخرى فكانت طوال مدة قيامها بصنع الزيت تحت مراقبة السكرتير المالي والمراقب والملتزم وكانت سلطتهم في ذلك تحفظية، والواقع أن هؤلاء العمال لم يكونوا بعيدين عن هذه المصانع، ولم تكن حقوق الملتزم إلا لمدة سنتين، وليس له من الحقوق على المصانع إلا حق الاستعمال، والآن يتساءل المرء هل كان للملك حق الملكية على هذه المعاصر الملكية حيث كانت تنقل الآلات التي كان يملكها الأفراد أو كان يؤجرها منهم فقط كان يؤجرها منهم فقط فيسخرها لنفسه؟ والواقع أنه لا يمكن الإجابة على هذا السؤال إلا بموازنة ذلك بمصانع النسيج التي ظلت ملك النساجين، غير أن هذه كانت طريقة غير مؤكدة تمامًا، وعلى ذلك يجب علينا منذ الآن أن نرفض فهم أساس قانون للحق الذي كان يستعمله الملك في صناعة الزيت وهو حق المراقبة أو حق الملكية.
وكانت معامل الزيت مُموَّنة بالمادة الأولية بوساطة الجهاز الملكي فكان الصراف يتسلم الحبوب الدهنية التي كان المزارعون مُجبرين على بيعها له فكان يجمعها في مستودعات يقوم هو بحراستها، وبعد ذلك كان على كل من السكرتير المالي والمراقب أن يمد كل معمل بالسمسم وحب الملوك وبذر الكتان اللازمة، وإذا حدث أنهما لم ينظما المصانع كما هو المطلوب أو إذا لم يمداها بالمواد الأولية بكمية كافية وبذلك يسببان ضررًا للملتزم فإنه كان عليهما أن يدفعا الخسارة التي تنجم من ذلك، وكان الوزير يحاكم السكرتير المالي الذي ارتكب الخطأ، وهذا الأخير يكون عرضة لدفع غرامة درخمتان وضِعْفا الضرر الذي نجم عن ذلك.
وكان من المهم ألا تعطَّل المَعاصر بسبب عدم وجود مادة أولية لتشغيلها، كما أنه كان من الواجب تجنب تقديم مواد تزيد من قدرة إنتاج المصانع، وذلك لأجل ألا يقع الفائض في أيدي المختلسين كما جاء ذلك في بردية يوصي فيها النص بألا يورَّد للعمال مادة أولية لا يمكن عصرها في المهارس التي توجد في المعامل، ولا نزاع في أن ذكْر وجود هذين الإجراءين في قانون الدخل وفي ورقة تبتنيس يظهر لنا مقدار الدقة التي يدار بها الاقتصاد في مصر، وهذا الإجراء المزدوج كان متبعًا في الآلات التي كانت تُستعمل في المعامل، وذلك أن المحصول كان في الواقع متقلبًا كل سنة، فكان لا بد من مهارس كافية للمادة التي كانت تُعصر كل سنة، وقد نصح الوزير السكرتير المالي بما يأتي: «اعمل بطريقة بحيث إنه إذا كان ممكنًا أن تكون كل المعاصر في حركة أو على الأقل أكبر عدد منها، أما العاطلة منها فراقبها تمامًا، وَضَعْ عليها أختامًا، واجمع كل الآلات الزائدة والتي لا تعمل، ويجب أن تكون مختومة ومحفوظة في مستودعات.»
ننتقل الآن إلى نظام العمال؛ كان على السكرتير المالي والمراقب والملتزم ألا يسمحوا للعمال المعينين للعمل في كل مقاطعة بأن ينتقلوا من مقاطعة إلى مقاطعة أخرى، وذلك لمصلحة الملتزم والسكرتير المالي والمراقب، وكان محظورًا على أي فرد أن يجمع عمالًا، وكل شخص يجمع عمالًا عن قصد أو يمتنع عن تسليمهم متحديًا أمرًا صدر بذلك، فإنه كان يدفع غرامة قدرها ثلاثة آلاف درخمة عن كل عامل، كما أنه يصبح عرضة للقبض عليه وسيكون للملتزمين والكاتب الذي ينوب عن السكرتير المالي والمراقب حق التسلط على كل عمال مصانع الزيت في المقاطعة، وكذلك على المصانع نفسها مع كل معداتها ويختمون الآلات في خلال فصل العطلة.
وكانت صناعة الزيت يشرف عليها السكرتير المالي وكان هو ومعه المراقب والملتزم يجبرون العمل على القيام بعملهم اليومي كما كان يساعدهم في عملهم. وهذا الواجب كان محددًا كما كان مرتبهم يحسب بالإردب من القمح، وخلافًا لذلك كان السكرتير المالي أو نائبه يعطي العمال درخمتين وثلاثة أوبولات عن كل متريت سعته اثنا عشر خوس Ghoes منها درخمة وأربعة أوبولات لعُمال مصنع الزيت وكذلك للطحانين، وخمسة أوبولات للملتزمين، وإذا لم ينفذ ذلك فإنه يدفع للخزانة ثلاثة آلاف درخمة وللعمال أجورهم وللمؤسسة ضِعْفَي الخسارة التي نجمت عن ذلك، وكان من المحرم على السكرتير المالي وعلى الملتزم لأي سبب أن يبرما اتفاقًا مع العمال يخص إنتاج الزيت وكان عليهما ألا يتركا في المصانع الآلات التي ليست مختومة أثناء فصل العطلة، وإذا حدث ذلك كان عليهما أن يدفعا غرامة قدرها تالنتا واحد لخزانة الملك، وكذلك غرامة للمؤسسة، وهذه المراقبة الشديدة قد عرفتنا ورقة «تبتنيس» بأنها من الواجبات الجبارة التي يقوم بأعبائها السكرتير المالي، وقد أكد تأثيرها بما جاء من زيادة في دخل الخزانة، أما نظام العمل فيُستنبط من أمرين وهما توريد عمال للملتزمين دون ارتكاب خطأ ومنع عمل الزيت خلسة.
وارتباط العمال بالمقاطعة يجيبنا عن الأمر الأول، فهل في الاستطاعة توحيده بمؤسسة معروفة؟
وقد اتجه التفكير إلى نوع العمال المستديمين؛ أي الذين كانوا مرتبطين بالأرض التي يعملون فيها، ولكن نظام العمال المستديمين نظام متغير وغاية في التعقيد إلى درجة أن مثل هذه المقارنة لا تؤدي إلى أية نتيجة دقيقة، والواقع أننا لا نعلم إذا كانت حالة عامل مصنع الزيت من الحالات الدائمة أو الوراثية، كما لا نعلم إلى أي حد كان الفرد مضطرًّا لمزاولة هذه المهنة، وكذلك لا ينبغي أن نفكر في أنها كانت سخرة، وذلك لأن المهنة كانت تتطلب كفايات خاصة.
والواقع أن نُظُم «قوانين الدخل» التي وضعها «بطليموس الثاني» تحترم الاتفاقات ولكي يبقى في مكانه توجد عقود عدة خاصة بالأعمال الحرة المتفق عليها.
والواقع أنه كان يوجد في العقد شرط جزائي يُطَبَّق ينص على كل من تخلف عن العمل الذي اتفق على مزاولته.
تجارة الزيت
وبعد الانتهاء من عصر الزيت كان لا بد أن يصرَف، وفي هذا الصدد تقول قوانين الدخل: كان على السكرتير المالي والمراقب أن يقوما بعمل قائمة بأسماء التجار المحليين وتجار التجزئة، وكان الفرد الذي يستمد منه السكرتير المالي والمراقب سلطانه يقوم بعمل قائمة بالتجار المحليين وتجار التجزئة وباتفاق مع وكلاء المؤسسة يعيَّن نوع زيت السمسم والخرْوع الذي يجب تسلمه للبيع اليومي، وفي الإسكندرية كانوا يبرمون اتفاقًا مع كبار التجار، يضاف إلى ذلك أنهم كانوا ينصون في عقد كل اتفاق من هذه الاتفاقات على تجار الأقاليم الذين يتعاملون كل شهر مع تجار الإسكندرية، وكانت الكمية التي تخصَّص لكل فرد تجهَّز قبل تسلمها بعشرة أيام، وكانت النتيجة تُدَوَّن وتُعلن في خلال عشرة الأيام هذه في عاصمة المقاطعة، وكذلك في القرية، كما كانوا يحررونها في عقد.
وكانت كمية زيت السمسم وزيت الخروع التي اتُّفِقَ على بيعها للتجار المحليين وتجار التجزئة في كل قرية يوردها لهم السكرتير المالي والمراقب قبل بداية الشهر، وكانوا يقدمون لهم الزيت كل خمسة أيام ويُحَصِّلون الثمن إذا كان ممكنًا في نفس اليوم، وإذا لم يمكن في ظرف خمسة أيام، وكانوا يدفعون هذا الثمن في المصرف الملكي، وكانوا يخصمون مصاريف النقل من حساب المؤسسة Farm وكان حق بيع الزيت يعطى للملتزمين أي أصحاب الضمان، وقد يتفق أحيانًا على أن يكون الشخص الواحد تاجرًا ومستأجرًا للاحتكار.
ولم يكن الثمن الذي يشتري به تاجر التجزئة الزيت هو الذي يكون موضوع الفصل، بل هذا الثمن كان يقرره الملك، ولدينا متون من عهد «أيرجيتيس» يظهر منها التسعيرة التي عُمل بها في سنة معينة، وهو اثنتان وأربعون درخمة عن كل متريت.
وتحتوي قوانين الدخل على التعريفة التالية: كان يباع في الدلتا زيت السمسم وزيت الخرْوع بسعر 48 درخمة تُدفع بالعملة النحاسية عن كل متريت مكون من اثني عشر كوسًا Choes من زيت الخروع، وكذلك كان يباع زيت الحنظل وزيت الاستصباح (أي زيت الكتان) بسعر ثلاثين درخمة، وكان يباع كل ربع لتر Cotyle بؤبلين، غير أن الأسعار تغيرت فجأة؛ فقد بِيع الزيت الذي من صنف رديء بنفس السعر الذي كان يباع به زيت السمسم وزيت الخروع، وقد اتُّخِذت مثل هذه الإجراءات في تجارة الزيت في الإسكندرية.
هذا وتكشف لنا العوامل التي رفعت سعر الزيوت الرديئة النوع خمسين في المائة على مقدار سيطرة الملك على هذه التجارة؛ فقد كان هو في الواقع المنتج الوحيد والصانع الوحيد والبائع الوحيد لها وكان هو المسيطر على كل العناصر الخاصة بهذه التجارة ما عدَا القوة الشرائية لزبائنه، فقد كانت خارجة عن إرادته وكان الملتزم هو المعرَّض للتأثر بهذا العامل.
والواقع أن ثمن الزيت الذي فُرض بهذه الصورة المرتفعة كان يفوق كثيرًا جدًّا الثمن الذي كان متداولًا في العالم الإغريقي، وتدل وثائق «ديلوس» في العصر الذي نُشرت فيه «قوانين الإيرادات» على أثمان تترواح ما بين 17 و21 درخمة أتيكي عن كل متريت، ومن ذلك نفهم أن سعر الزيت في مصر كان أعلى بكثير عنه في غيرها، ومن ثم كان لا بد من حماية الأسعار من المنافسة الأجنبية، وكذلك أصدر بطليموس الثاني منشورًا بألا يُسمَح لأي سبب من الأسباب توريد زيت من الإسكندرية إلا إذا كان للمخازن الملكية، وكل من يستورد كمية زيت من الإسكندرية أكثر مما يلزم لاستعمال مدة ثلاثة أيام يُستولَى على بضائعهم ويدفعون فضلًا عن ذلك غرامة قدرها مائة درخمة عن كل متريت، وكذلك كان محرمًا استيراد زيوت لمصر بقصد البيع من الإسكندرية و«بلوز» أو من أي مكان، وكل من فعل ذلك كان يعاقب بغرامات مماثلة، أما الزيت الذي كان للاستعمال الشخصي وهو المجلوب من الإسكندرية إلى مصر فكان لا بد من إعلانه في الإسكندرية، وكان يُدفع عنه ضريبة على حساب اثنتي عشرة درخمة عن كل «متريت»، ولا بد من أخذ إيصال يدل على دفع الضريبة، وكان نفس هذا الإجراء يُتخذ لواردات الزيت التي لم يكن الغرض منها التجارة في «بلوز» وكان العمال يُجْبُون هذه الضريبة في الإسكندرية وفي «بلوز» يدفعونها لحساب المقاطعات التي تورد إليها السلفة، أما أولئك الذين كانوا يستوردون الزيت من الخارج لاستعمالهم الشخصي ولا يدفعون ضرائب فكان يُستولى على زيتهم وتُفرض عليهم غرامة قدرها مائة درخمة عن كل متريت، أما الواردات التي صُرِّح باستصدارها من «بلوز» إلى الإسكندرية من الزيت الأجنبي أو السوري فكان لا يُدفع عليها ضريبة، ولكن كان يتسلم عنها إعلامًا من محصِّل «بلوز» ومن السكرتير المالي كما وضح بالقانون.
والواقع أنه لما كان محرَّمًا تصدير حبوب دهنية إلا إذا كان ذلك بتصريح، فإنه كان كذلك محرمًا تصدير زيت إلا إذا كان معه ورقة تدل على أن صاحب السلعة قد دفع للجابي كل ما عليه من ضرائب، ولسوء الحظ وجدنا متون تسوية واردات الزيت الذي كان يذهب إلى مستودعات الملك قد فُقدت، على أنه يمكن فهم هذه العملية من متنين من المتون التي عُثر عليها في أوراق «زينون»، والمتن الأول من هذه المتون مؤرخ (مايو-يونيو عام 259ق.م) ونجد فيه تقدير السلع المختلفة الواردة من «سوريا» ومن «بلوز» إلى «أبوللونيوس» فنجد في التعداد العجيب الذي جاء فيه ذكر النبيذ والشهد والسمك المحفوظ واللحوم المحفوظة والجبن والإسفنج، أن الزيت الأبيض قد ذُكر، وكانت الضريبة المفروضة عليه خمسين في المائة من ثمنه، فإذا كانت هذه السلع مصيرها الاستعمال الشخصي للوزير «أبوللونيوس» فإن ضريبة الخمسين في المائة التي فُرضت على الزيت تقابل في الضريبة اثنتي عشرة درخمة عن كل متريت وهي التي نجدها مفروضة في «قوانين الدخل»، ولكن يُحتمل كذلك أن هذا الزيت كان مصيره إلى المخازن الملكية: وهذه هي الحالة التي نجدها مذكورة في البردية رقم 15 590 من أوراق «زينون» ويرجَّح أنها مؤرخة بعام 259 أو 258 ق.م، وهذه الوثيقة تحتوي على شحنة زيت ثمن المتريت فيها قُدِّر باثنتين وخمسين درخمة، وقد وصلت السفينة إلى الإسكندرية غير أنه لم يُذكر من أين أتت، وكتب لنا «زينون» في ملاحظة على هامش البردية قرر فيها قيمة العملية التجارية فقال: «قيمة ما نزل عنه لمستودع الملك بسعر 46 درخمة عن كل متريت هو تسعة تالنتات و3651 درخمة وأبول.» ويخصم من هذا المبلغ عوائد جمرك 50٪ وكذلك ضريبة صغيرة مصاريف نقل، ومن ثم نرى أن الملك يشتري بسعر 46 درخمة المتريت الواحد من الزيت ويجبي عليه ضرائب قدرها 28 درخمة ويكسب ست درخمات ببيعه بمبلغ 52 درخمة، وعلى ذلك يكون دخله 34 درخمة عن كل متريت، وكان المستورد يجب أن يشتري الزيت بسعر أقل خمس عشرة أو أربع عشرة درخمة ليكون له مكسب بسيط، هذا وقد رأينا أن ذلك كان ممكنًا، وعلى أية حال فإنه من المحتمل أن الزيت المستورد هنا كان مجلوبًا من إحدى ضياع «أبوللونيوس» في آسيا الصغرى، وبخاصة بتانات Betanat.
والواقع أننا نرى أنه في عام 257 ق.م كان يستورد الزيت من عنده ويرجو «زينون» في أن يذهب لتسلم الشحنة من الميناء لتخزينها، ومن الممكن أن الاستيراد في هذه الأحوال يكون مربحًا، وعلى ذلك نرى أن عددًا كبيرًا من نواجيد الزيت قد عُدِّد في قائمة بضائع مخزونة في المستودعات التي كان يملكها الوزير التاجر، وكان زيت سوريا المستورد للملك يوضع في مخازن مختومة بعناية على يد وكلاء أُرسلوا من قِبَل الملتزمين في «بلوز» وفي «الإسكندرية» وكانوا هم الذين يتولون عملية البيع.
والواقع أن الملك كان يجني أرباحًا طائلة من تجارة الزيت المصنوع في داخل البلاد لبيعه للسكان كما كان يربح كثيرًا من الزيت المستورد من الخارج لبيعه في الإسكندرية للسكان الإغريق، وعلى ذلك نجد أن مصر من حيث تجارة الزيت كانت مفصولة تمامًا عن العالم، وذلك لأن الاحتكار الملكي لهذه السلعة قد أدى إلى اقتصاد مغلق لا يتأثر بتقلبات الأسواق الخارجية.
ولكن في داخل البلاد كانت هذه التجارة محمية من نزول الأسعار بالنسبة للملك، غير أنه من جهة أخرى لا بد له من تفادي صعود الأسعار كذلك؛ لأن ذلك كان فيه خطر تقييد الطلبات، ومن ثم ينقص دخل الملك، وذلك لأن التجار الذي حصلوا على حقوق بيع الزيت بالتجزئة في المدن والقرى كانوا متحررين من كل منافسة بعد أن أعلن أنهم أصحاب الحق في هذه التجارة، وعلى ذلك كان هناك خوف في أن يبيعوا خلسة بأسعار عالية (السوق السوادء) بالتجزئة، وفي هذه الحالة كان الملك يتدخل، ولا أدل على ذلك من توصية عامة أرسلها الوزير للصراف وهي توضح اهتمام الملك وآراءه في هذا الصدد: وهي: «لا تدع السلع تباع بأثمان تفوق الأثمان التي فرضها المنشور.»
وقد كان من الضروري كذلك ألا يغش التجار الزيت الذي ورد لهم، لأجل أن يحصلوا على ربح أكبر، وهذه العملية كانت تؤدي إلى نقص فيما يبيعه الملك، هذا وكان الملك يراقب شحم الحيوان، فكان على الجزارين أن يبيعوه يوميًّا أمام الملتزم وكان محظورًا عليهم بيع الدهن غير المتبَّل لأي فرد لأي سبب كان، وكذلك كان عليهم ألا يتخذوا مُؤَنًا، وكل فرد يخالف ذلك كان عليه أن يدفع غرامة للملتزم قدرها خمسون درخمة.
هذا وكان للمعابد حق صناعة الزيت الضروري لاستهلاكهم إلا زيت الخرْوع فكان الملك يمدهم به، والمقصود من ذلك هنا هو الابتعاد عن بيع الزيت المصنوع في المعابد بقصد التجارة، ولذلك فإن كل من يتَّجر في زيت صنع في المعبد كان يُستولى على الزيت الذي يباع ويُغرَّم مالكه بمبلغ مائة درخمة عن كل متريت هذا وكان الملك يمد المعابد التي يريد محاباتها بزيت الخروع بثمن مخفض.
الضرائب على الزيت
هذا وكان الملك فضلًا عن الاحتكار المطلق لمادة الزيت يجبي ضرائب على هذه السلعة، وقد ذكرنا من قبل الضرائب التي كانت تحصَّل من المزارعين على المواد الغفل التي يُصنع منها الزيت وعلى الزيوت التي كانت تُستورد، والظاهر أنه كانت توجد ضريبة أخرى لم يُعرف كنهها بعد.
نتائج احتكار الزيت في الاقتصاد البطلمي
الواقع أن الفرق بين نفقات استخراج الزيت وثمن بيعه بالتجزئة كان عظيمًا وقد حددت «قوانين الدخل» السعر الذي يسترده الملك للزيت الذي لم يصرفه الملتزمون، وهذا يدلنا على وجه التقريب على ثمن النفقات، فكانت أثمان البيع المفروضة تفوق أثمان التكاليف بسبعين في المائة في زيت السمسم وثلاثمائة في المائة في زيت الحنظل (المستخرج من لب القرع)، على أن ذلك ليس هو المكسب الصافي الذي يبيع به الملك، وذلك لأن سلسلة من الملتزمين والبائعين للمؤسسة يضيفون مكسبهم في سلسلة عملياتهم التجارية، ذلك إلى أن السلعة كانت خاضعة لعدة ضرائب، والواقع أن دخل الاحتكار كان عظيمًا ومؤكدًا ومنتظمًا؛ لأنه كان مضمونًا بالمستأجرين ومحميًّا من الغش.
ولا نزاع في أن زيت السمسم الذي كان يعادل الزبد والسمن عندنا الآن قد اعتُبر من المحاصيل الغذائية التي لا غنى عنها، وفي الحق أفلح البطالمة في المحافظة على ميزتهم التجارية الثمينة؛ إذ نفهم من بردية من القرن الثاني أن ثمن حبوب السمسم كانت تساوي سبعة أضعاف حبوب القمح، هذا مع العلم أن الزيت والقمح كانا يعدان العنصرين الدائمين اللذين وهبتهما الطبيعة أرض مصر،أما الزيت الذي كان من نوع رديء فكان يستعمل للاستصباح، ولدينا حساب السجلات التي تركها لنا «زينون» في الفيوم يقدم لنا مقدار ما كان يصرف في البيت الواحد من بيوت «أبوللونيوس»، وكذلك كان يُستعمل في تحضير الأدوية والألوان اللازمة للرسم وفي العطور وفي المواد الصابونية وفي أماكن الرياضة.
ولا نزاع في أن اختيار مادة الزيت للاحتكار في الحضارة المصرية كان من الأعمال التي تدل على مهارة كبيرة جدًّا، وقد كان الملك في الواقع بما يملك من حقول شاسعة وبماله من حق المراقبة على كل أرض مصر يساعده في ذلك رجال إدارة عديدون لديهم إحصاءات هامة وجمهرة من الملتزمين وهم أصحاب رءوس الأموال، يحذقون كل عناصر التجارة على حسب القانون، لا يجد أية مقاومة لهذه التجارة الرابحة إلا المقاومة النفسية، غير أنها كانت عنيفة، وذلك لأنه كان أمامه صعوبة إجبار الفلاحين على زرع المحاصيل التي فرضها هو، يضاف إلى ذلك رغبة العمال في الحصول على حريتهم، وحِيَل المختلسين التي لا يكبح جماحها، وإهمال نواب الملك في أداء أعمالهم وامتيازات المعابد وأصحاب الضياع، كل هذه الأمور النفسية كان لا بد للملك من أن يعالجها، وتلك كانت العقبات التي تقف في سبيل الاحتكار الملكي.
وبعد هذا الاستعراض المطول عن احتكار الزيت يتساءل المرء من أين أتى هذا الاحتكار أهو مصري قديم أم إغريقي أتى به البطالمة من بلادهم أو من جهة أخرى؟ والواقع أن هذا الموضوع قد بحثه «أندريدس» في مقال خاص ، وقد قال هذا المؤلف: إن هذا الاحتكار قد أُخذ عن قدماء المصريين بداهة، ولما لم يكن في إمكانه إعطاء براهين قاطعة فإنه يميل إلى الظن أنه لأسباب نظرية قد أخذ البطالمة هذا النظام من احتكار الصناعة التي كانت تتمتع بها المعابد المصرية بالنسبة للمصانع، وقد وافقه على هذه الفكرة المؤرخ العظيم فلكن الذي اقتبس رأي المؤرخ «روستوفتزو»، في موضوع مصانع النسيج في المعابد قبل إقامة المعابد البطلمية، غير أنه حديثًا كتبت الباحثة «كليربريو» مقالا عن أصل الاحتكار في مصر، فتقول إن البحوث عن أصل الاقتصاد المصري في عهد البطالمة قد كشفت عن مصدر جديد أضاف الكثير، وذلك بما جاء في ورقة «فلبور» وقد عالج هذا الموضوع المؤرخ «هيخلهيم».
والواقع أنه قد كشف عن أوجه شبه بدهية وعديدة بين الإدارة الرعمسية وإدارة عهد البطالمة خاصة بتثمير الأرض بزرعها قمحًا على حسب تصميم ملكي، ويقول إنه لن يكون جدال في المستقبل عن وجود بعض مبادئ بارزة وتعبيرات بطلمية خاصة بالتصميمات الزراعية أُخذت عن تقليد فرعوني على الرغم من أنها قد تغيرت كثيرًا بالعقلية الإغريقية، وقد تناولتُ هذا الموضوع في كتابي مصر القديمة (الجزء الثامن) وبخاصة الأطيان ونظم زرعها وأنواعها وإيجارها إلخ، غير أن «بريو» تقول إن نظام الاحتكار الذي وضعه بطليموس الثاني على الزيوت في مصر البطلمية كان له نظير في العهد الهيلانستيكي عند السليوكيين في عهد «أنتيجونوس»، ولكنه كان احتكارًا للقمح، وتظن أن بطليموس الثاني قد نقل هذا الاحتكار إلى بلاده، ولكن في الزيت بدلًا من القمح، وذلك لأن القمح المصري في العهد الهيلانستيكي كان يصدَّر إلى بلاد كثيرة في عالم البحر الأبيض، وعلى أية حال لا يمكن الجزم بالرأي القائل إن بطليموس قد قلد «أنتيجونوس» عندما احتكر القمح في بعض أجزاء آسيا الصغرى فأخذ عنه ذلك وطبَّقه على الزيت وبعض موادَّ أخرى.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
