المراد بالنعيم هو الولاية
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص9-13
2025-07-30
559
من المعلوم أن السؤال عن النعيم الذي هو الدين سؤال عن النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة من بعده الذين افترض الله طاعتهم وأوجب اتّباعهم في السلوك إلى الله الذي طريقه استعمال النعم كما بيّنه الرسول والأئمّة.
و إلى كون السؤال عن النعيم سؤالًا عن الدين يشير ما في رواية أبي خالد من قوله: إنَّمَا يَسْألُكُمْ عَمَّا أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ.
و إلى كونه سؤالًا عن النعيم الذي هو النبيّ وأهل بيته يشير ما في روايتي جميل وأبي حمزة السابقتين من قوله: تُسْألُ هَذِهِ الامَّةُ عَمَّا أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهَا بِرَسُولِهِ ثُمَّ بِأهْلِ بَيْتِهِ أو ما في معناه.
و في بعض الروايات النَّعِيمُ هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ؛ أنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى أهْلِ العَالَمِ فَاسْتَنْقَذَهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ.
و في بعضها أن النَّعِيمَ وَلَايَتُنَا أهْلَ البَيْتِ.
والمآل واحد ومن ولاية أهل البيت افتراض طاعتهم واتّباعهم فيما يسلكونه من طريق العبوديّة.
وفي «المجمع»، وقيل: النَّعِيمُ الصِّحَّةُ والفَرَاغُ عن عكرمة، ويعضده ما رواه ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قال: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ.
وفيه، وقيل: هو يعني: النَّعِيمُ الأمْنُ والصِّحَّةُ. عن عبد الله بن مسعود ومجاهد، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله.
أقول: وفي روايات أخرى من طرق أهل السنة أن النعيم هو التمر والماء البارد وفي بعضها غيرهما، وينبغي أن يحمل الجميع على إيراد المثال وفي الحديث النبويّ من طرقهم: ثَلَاثٌ لَا يُسْألُ عَنْهَا العَبْدُ: خِرْقَةٌ يُوَارِي بِهَا عَوْرَتَهُ، أوْ كِسْرَةٌ يَسُدُّ بِهَا جُوعَتَهُ، أوْ بَيْتٌ يَكِنُّهُ مِنَ الحَرِّ والبَرْدِ- الحديث.
وينبغي أن يحمل على خفّة الحساب في الضروريّات ونفي المناقشة فيه والله أعلم»[1]
كان هذا ما ذكره الاستاذ الأكرم قدّس الله سرّه في تفسيره. وأمّا ما سمعه الحقير خلال بحوثه الشفهيّة ودوّنته عنه، فهو أكثر صراحة ممّا قيل في إثبات وحدة الذات المقدّسة للحقّ تعالى. فقد قال سماحته صراحة: «لا توجد لدينا آية أكثر وضوحاً وصراحة في إثبات الوحدة من هذه. بل أن هذه الآيات قد تجاوزت حدود الصراحة كذلك، وإنّما عجبي هو من عدم إصغائنا لها!».
فهذه الآيات تقول: يا أيّها الناس لقد كنتم تعرضون عن رؤية الحقّ الواحد المعبود المسجود له ولقائه في طوال سنيّ عمركم حتى تُقبرون، حيث تصوّرتموه في شئون الكثرات بصورة المقيّد والمتعيّن؛ وهذه هي حقيقة الجحيم والنار النزّاعة للشوى المتمثّلة بحجبكم وجه الحقّ تعالى.
ضعوا عنكم ستار التعيّن لعالم الوجود والكثرة حتى يتجلى لكم جمال الواحد الأحد، فتلبسون لباس النعمة الحقيقيّة وهي لباس الولاية والعبوديّة الصرفة في مقابل هكذا ربّ، ولا تعرضوا عن ذلك النعيم وتبطلوه وتحرموا أنفسكم من فيض الولاية التي هي حقيقة القرب. ولا تُحرقوا بنار الكثرات والتعيّنات المستعرة أعينكم؛ وما ترونه في هذه الدنيا سيظهر لكم في الدار العقبى على صورة جهنّم.
فإن أزلتم ستار حجاب الملكوت عن أبصاركم الرمداء والحولاء، فسوف ترون في الحال بعلم اليقين والمعاينة أن التهافت على التكاثر والاستزادة إنّما هما سدّ عظيم صنعتموه بأيديكم ولن يتسنى لكم رؤية جمال الحقّ تعالى إلّا بتخلّيكم عن الكثرات والمباهاة في كثير من الامور الواهية والاعتباريّة والمجازيّة فتشاهدوه وتأنسوا به وتتمتّعوا بقدر كاف من واقعيّة النعيم! قال العلّامة: «أن التفسير الأوّل والذي يخصّ السورة ليس مستساغاً بما فيه الكفاية؛ خلافاً للتفسير الثاني الذي يعتبر مقبولًا ومرضيّاً». ولمزيد من البيان، نورد هنا مقتطفات من كلامه الذي ذكرناه في ذِكراه: قال: «ففي الآية إطلاق وأن أيّ نوع من أنواع الاستكثار [سواء في الأموال والأولاد، أو في الخيرات، أو في العلم، أو في الفقه والاصول والحكمة والحديث والتفسير وسائر العلوم والفنون] يحول من بلوغ الإنسان إلى مقام الوحدة والسلوك إلى الله.
إن هذا التفسير أفضل من التفسير الأوّل: فالأوّل ليس مقبولًا بما فيه الكفاية».
و قال: «و قد اجتاز القرآن مرحلة أو دائرة الصراحة في بعض الأماكن؛ ولكن في الوقت ذاته تأبى أنفسنا إلّا أن نُؤوِّل ذلك تأويلًا آخر.
لقد حال الاستكثار والحرص بينكم وبين رؤية جمال الحقّ والوحدة المطلقة وجعلكم تغفلون عن ذلك حتى اقبِرتُم».
وقال أيضاً: «و معنى ذلك هو: أن هذه الكثرات والاستكثارات والحرص كلّ ذلك أشغلكم بأنفسكم، وألهاكم عن لقاء الحقّ ورؤيته حتى حان الموت. أيّ أنّكم تجرون وراء الكثرات ما دمتم أحياء؛ وهكذا حتى يأتيكم اليقين ويدرككم الموت فتموتون!».[2]
وقال أيضاً: [قال الإمام الصادق عليه السلام مخاطباً أبا حنيفة في أحد المجالس: ليس المراد بالنعيم الطعام والشراب وأمثالهما] بل المراد من النعيم ولايتنا أهل البيت فيُسأل الناس يومئذٍ: ما مدى تولّيكم وسيركم على خطى أئمّتكم وسيرتهم ومنهاجهم في سيركم وسلوككم إلى الله؟! وإلى أيّ حدّ ذُبتم في مقام العبوديّة المحضة المطلقة؟! والمراد ب- جنّة النعيم الواردة في القرآن هو هذه الجنّة كذلك. اي: «جنّة الولاية» التي هي جنّة المُخلَصين والمقرّبين من أولياء الله والواصلين إلى مقام التوحيد الذاتيّ والمندكّين في عوالم الربوبيّة وصفات الجمال والجلال الإلهيينِ. جنّة اولئك الذين تخلّصوا من أدرانهم الوجوديّة بالكامل وسلّموا كلّ ذلك بِيَدِ الحقّ تعالى.
وهكذا علمنا بوساطة جميع هذه الشواهد والقرائن الحاقّيّة الداخليّة والعارضة الخارجيّة أن الولاية كُنِّيت بالنعمة؛ وإن كان الظاهر أن المراد بها هو مطلق النعمة، إلّا أنّه في الحقيقة يجب أن يكون المراد بالنعمة هو الولاية.
[1] الآيات 39 إلى 42، من السورة 53: النجم.
[2] «الميزان في تفسير القرآن» ج 20، ص 350 إلى 355.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة