معنى النبوة الاصطلاحي
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 211 - 214
2025-07-23
351
عرف [النبي] أهل الكلام بأنه الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر. قال في شرح الباب الحادي عشر: " فبقيد الإنسان يخرج الملك، وبقيد المخبر عن الله يخرج المخبر عن غيره، وبقيد عدم واسطة بشر يخرج الإمام والعالم فإنهما مخبران عن الله تعالى بواسطة النبي " (1).
وفيه أن التعريف المذكور يشمل الإمام المعصوم الذي قد يخبر عن الله تعالى بسبب إلهام وكونه محدثا، بل يشمل سيدتنا فاطمة - سلام الله عليها - فإنها أخبرت بما أحست من أخبار جبرئيل بعد موت النبي - صلى الله عليه وآله - وكتبه مولانا أمير المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - وسمي بمصحف فاطمة - سلام الله عليها - وكيف كان فالأولى أن يقال في تعريف النبي بحسب الاصطلاح: هو إنسان كامل مخبر عن الله تعالى بالوحي، إذ الوحي مختص بالأنبياء، وهو نوع رابطة وقعت بينه وبين أنبيائه. ولم تكن هذه الرابطة مشابهة للروابط المعمولة للتفهيم والتفهم من التعقل والتفكر والحدس ونحو ذلك، بل هي أمر وراء تلك الأمور المتعارفة البشرية ومع ذلك لا يمكن لنا إدراك الفرق بين الوحي والالهام، وكيف كان فالأول مختص بالأنبياء دون الثاني.
قال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: إن الوحي نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوة قال تعالى: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " (2).
وقال - أيضا في ذيل قوله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم " (3) -: والمعنى ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعا من أنواع التكليم، إلا هذه الأنواع الثلاثة: أن يوحي وحيا، أو يكون من وراء حجاب، أو أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. ثم إن ظاهر الترديد في الآية ب " أو " هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام، وقد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب والرسول الذي يوحي إلى النبي، ولم يقيد القسم الأول بشئ، فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينه تعالى وبين النبي أصلا، وأما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد، وهو الحجاب أو الرسول الموحي وكل منهما واسطة، غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبي بنفسه، والحجاب واسطة ليس بموح، وإنما الوحي من ورائه - إلى أن قال -: ولما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها، صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق، وبهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه، كما قال: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " (4) والحاصل أن الوحي بجميع أقسامه مختص بالنبي، وعليه أجمعت الأمة الإسلامية. نعم قد يطلق الوحي على الهداية التكوينية كقوله تعالى: " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا " (5) ولكنه بالعناية والمجاز لظهور الوحي في عرف المتدينين بالأديان الإلهية من بدو مجئ الأنبياء والرسل فيما ذكر من أنه نوع رابطة أو كلام خفي بين الله تعالى وبينهم بواسطة أو بدونها فلا تغفل.
ثم إن الفرق بين النبي والرسول كما في تفسير الميزان هو أن النبي، هو الذي ببين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه، على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على إتمام الحجة، يستتبع مخالفته هلاكة أو عذابا أو نحو ذلك (6).
فالنسبة بين النبي والرسول هي العموم والخصوص المطلق موردا إذ كل رسول نبي دون العكس، لجواز أن يكون النبي غير رسول كما لا يخفى.
وعليه فمقام النبوة غير مقام الرسالة وإن كان بحسب المورد تقع الرسالة إلا في مورد النبوة فتحصل أن المفهومين متغايران وفي ذلك يكون النسبة بينهما من العموم والخصوص المطلق موردا ومما ذكر يظهر الجواب عن وجه تقديم عنوان الرسول على عنوان النبي في الآية الكريمة " وكان رسولا نبيا " (7) إذ لو كان مفهوم النبوة أعم من الرسالة لزم أن يكون متقدما عليها في الذكر كما لا يخفى، وسيجئ بقية الكلام إن شاء الله في بحث الخاتمية (8).
ثم إن الرسل يختلفون في الفضل والمرتبة، وساداتهم هم أولو العزم منهم، وهم أصحاب الجد والثبات على العهود والميثاق في حد أعلى، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعليهم أجمعين -، كما قال تعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " (9) وهم أصحاب الكتب والشرايع، كما قال الله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " (10).
_______________
(1) راجع شرح الباب الحادي عشر ص 34 الطبعة الحديثة - قواعد المرام: ص 122.
(2) النساء: 162، راجع تفسير الميزان: ج 2 ص 147.
(3) الشورى: 51.
(4) تفسير الميزان: ج 18 ص 76.
(5) النحل: 68.
(6) تفسير الميزان: ج 2 ص 145.
(7) مريم: 51.
(8) تفسير الميزان: ج 14 ص 429، أصول عقائد -2- راهنما شناسى: ص 13 - 18 وص 268.
(9) الأحزاب: 7.
(10) الشورى: 23.
الاكثر قراءة في مواضيع متفرقة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة