(لوسيبي Loucippe) و(ديموكريتوس)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 73 ــ 75
2025-07-13
469
يعتبر «لوسيبي» المؤسس لمدرسة «أبديري» التي تبحث في الذرة، والواقع أنه في مدرسة أبديري يُلحظ أن تجميع العناصر وانفصالها ليس نتيجة لتأثيرين أساسيين مضادين هما الحب والبغض كما صرح بذلك «أمبيدوكليز» أو عقل متحرك كما تصور «أناجزاجوارس» ولكنها نتيجة لحركة الذرة الأبدية، والمهم هنا أن نجد أية صلة بين هذه الفكرة وبين العقيدة المصرية، ومهما يكن الدور الذي لعبه «لوسيبي» فإن أعظم ممثل لنظرية الذرة هو «ديموكريتوس» الذي خلفه.
عاش هذا الفيلسوف مدة طويلة في الخارج وزار خلالها مصر وكلديا، وقد حدثنا أنه غادر بلاده إلى مصر ليكون على مقربة من الكهنة ليتعلم الهندسة، والواقع أنه أمضى عدة سنين تعلم في خلالها شعائر هؤلاء القوم، وقد كان بحرًا فيَّاضًا في معلوماته؛ فقد حوى في صدره كل المعلومات الإنسانية في عهده، ويعد هو و«بيتاجوارس» و«أفلاطون» و«أرسطوطل» من أعظم العبقريات العالمية، فقد تعلم التاريخ الطبيعي والطبيعة والفلك والرياضيات، وكلها بنجاح متعادل، والواقع أنه مدين بجزء من علمه لمصر والشرق، ولا بد أن نشير هنا أن «ديموكريتوس» كان تلميذ المصريين في علم الكيمياء المصرية، وذلك لأن مصر كانت موطن علم «الكيمياء» وعلى ذلك يمكننا أن نؤكد أن «ديموكريتوس» من حيث العلم كان قد تأثر بالأفكار المصرية والعلم المصري، وليس بغريب أن تكون فكرة الذرة جاءت من تعلمه الكيمياء هناك وهذا ما يتفق مع الآراء الحديثة بعض الشيء، فتحويل المعادن الذي كان يجري وراءه المصريون بوساطة الكيمياء يعد من أهم ما تكشف عنه البحوث الذرية في عصرنا.
والخلاصة من الاستعراض الذي سبق يمكن القول صراحة إن مصر قد أثرت في العلوم اليونانية تأثيرًا أساسيًّا، ويمكن تلخيص هذا التأثير فيما يأتي: يمكن أن يتساءل الإنسان أولًا: هل من الممكن ألا تترك حضارة لامعة كالحضارة المصرية التي ظلت مزدهرة عدة قرون أيَّ تأثير على قوم مثل الإغريق الذين كانوا، بفضل موقعهم البحري، لديهم كل التسهيلات للإقلاع في عرض البحار للبحث في البلاد النائية — وبخاصة مصر — عن غذائهم المادي والذهني، وكذلك مواردهم المادية؟ وسنضطر أن نجيب على هذا السؤال الذي فرض علينا فرضًا، لقد ذكرنا فيما سبق لعدم كفاية البراهين القاطعة اقتراحات هي في نظرنا كافية لتخلق في نفس القارئ تأكيدًا أدبيًّا، وعلى أية حال فإن الفكرة القائلة إن بلاد اليونان قد تطورت بذاتها وحدها ولا تدين بشيء للحضارات التي سبقتها لا بد أن تُمحَى كلية.
ولقد كانت مهمتنا في كشف النقاب عما أخذته بلاد اليونان عن مصر تعتمد بقدر الإمكان على الأمثلة التي برهنت على أن مصر تركت تأثيراتها العلمية والفلسفية في بلاد الإغريق كما وضحنا، وكذلك كيف أن أول نظرات للهيلانيين ألقتها على العالم فيما يخص الله والروح والمادة والفهم كانت تحمل في طياتها الطابع المصري دون أن ننتقص من عظمة ذكاء الإغريق وعبقريتهم، وفي الوقت نفسه فإننا على النقيض من رأي معترف به بوجه عام؛ لأنه خاطئ من أساسه، وذلك أنه يوجد فاصل كبير بين الروح المصرية في البحث وهي روح تجريبي وبَدَهي، وبين الروح الإغريقية التي تنطوي على التعقل والمنطق، وعلى ذلك فإن الأولى أمكنها أن تؤثر على الثانية، حقًّا إن الأعمال التي أتت بها العبقرية الإغريقية والتي خطَّت للفكر العالمي العام اتجاهًا جديدًا أسفر عما نسميه بحق المعجزة الإغريقية، تبرز نجاحًا عظيمًا بالنسبة إلى ما أوضحه لنا المفكر الشرقي، ولكن على الرغم من ذلك فإنه من الممكن باتخاذ مصر مثالًا يحتذى به في أن المدنية الشرقية قد احتوت على العناصر التي استعملها الإغريق في بناء نظامهم عن أصل العالم وتنظيمه ونهايته، وكذلك عن طبيعة الإنسان ومصيره.
وعلى أية حال فإنه على الرغم من أن العلم الشرقي يوصف بأنه وصفي وحسب فإنه قد بُذِلَت مجهودات في ترتيب المخلوقات إلى أنواع وفصائل كما يبرهن على ذلك ما كُشف من بحوث في مكتبة «آشور بنيبال» تثبت ذلك.
ومن جهة أخرى فإن الفلسفة الشرقية على الرغم من أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمعتقدات الدينية والأساطير الخاصة بتناسل الآلهة وعلى الرغم من أنه ليس لها علاقة بالعلم، وعلى ذلك فإنها ليست بالفلسفة بالمعنى الأوروبي، فإنها بصرف النظر عن كل ذلك تتجه نحو تفسير صحيح للأشياء، وبذلك تستحق اسم «ما قبل الفلسفة»، وعلى ذلك فإن النتائج من كل ما سبق هي أن العلوم الشرقية والفلسفة الشرقية وبخاصة العلم والفلسفة المصريين يعتبران الموُجِدَين الأولين للعلوم العالمية، وليس هناك من يعارض في أن المدنية المصرية قد لعبت دورا عظيمًا في أصول الفكر الإغريقي، في عهد كانت مصر وبلاد الإغريق لهما علاقات سياسية وتجارية معا، ومن ثم فإن «الإسكندر» عندما دخل مصر كان يعلم أن علوم الإغريق يرجع نبعها الأصلي إلى مصر، وبهذا كانت مصر تعد مهد العلوم والحكمة والدين في كل العالم، وبخاصة العالم الإغريقي الأول ولا غرابة فإن «أفلاطون» الذي علم «أرسطو» معلم «الإسكندر» كان قد حضر إلى مصر وأخذ من علمائها ما أفاد بلاد الإغريق والحضارة الإغريقية، تلك الحضارة التي عادت ثانية لتبني لنفسها مجدًا جديدًا في عصر البطالمة في أرض النيل التي أخذت عنها في بادئ نشأتها مبادئ علومها ودينها وفلسفتها.
ومن جهة أخرى نجد أن المصريين قد تأثروا بالمدنية الإغريقية وبخاصة ديانتها (راجع: Alan Row, Discovery of the Famous Temple Enclosure of Serapis at Alexandria. P. 45).
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة