حقيقة الايمان قول الحق
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص327-328.
2025-07-10
457
حقيقة الايمان قول الحق
قال تعالى : {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [القصص: 57 - 60].
قال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : .. قال سبحانه حاكيا عن الكفار : {وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا} أي : نستلب من أرضنا ، يعني أرض مكة والحرم . وقيل : إنما قاله الحرث بن نوفل بن عبد مناف ، فإنه قال للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ، ولا طاقة لنا بالعرب ، فقال سبحانه رادا عليه هذا القول{ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} أي : أو لم نجعل لهم مكة في أمن وأمان قبل هذا ، ودفعنا ضرر الناس عنهم ، حتى كانوا يأمنون فيه ؟ فكيف يخافون زواله الآن ، أفلا نقدر على دفع ضرر الناس عنهم ، لو آمنوا . بل حالة الإيمان والطاعة أولى بالأمن والسلامة من حالة الكفر . يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ أي : تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا أي : إعطاء من عندنا ، جاريا عليهم {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ما أنعمنا به عليهم . وقيل : لا يعلمون اللّه ، ولا يعبدونه فيعلموا ما يفوتهم من الثواب .
{وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ} أي : من أهل قرية . بَطِرَتْ مَعِيشَتَها أي : في معيشتها بأن أعرضت عن الشكر . وتكبرت ، والمعنى : أعطيناهم المعيشة الواسعة ، فلم يعرفوا حق النعمة ، وكفروا فأهلكناهم . {فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} تلك إشارة إلى ما يعرفونه هم من ديار عاد وثمود وقوم لوط . أي : صارت مساكنهم خاوية ، خالية عن أهلها ، وهي قريبة منكم . فإن ديار عاد ، إنما كانت بالأحقاف ، وهو موضع بين اليمن والشام ، وديار ثمود بوادي القرى ، وديار قوم لوط بسدوم . وكانوا هم يمرون بهذه المواضع في تجاراتهم .
وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ أي : المالكين لديارهم ، لم يخلفهم أحد فيها .
ثم خاطب سبحانه نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : وَما كانَ رَبُّكَ يا محمد مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا قيل : أن معنى أمها أم القرى ، وهي مكة . وقيل :
يريد معظم القرى من سائر الدنيا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا أي : يقرأ عليهم حججنا وبيناتنا . وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ لنفوسهم بالكفر والطغيان ، والعتو والعصيان .
ثم خاطب سبحانه خلقه ، فقال : وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ أي : وما أعطيتموه من شيء . فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها أي :
هو شيء تتمتعون به في الحياة ، وتتزينون به وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب ، ونعيم الآخرة خَيْرٌ من هذه النعم وَأَبْقى لأنها فانية ، ونعم الآخرة باقية . أَفَلا تَعْقِلُونَ ذلك ، وتتفكرون فيه ، حتى تميزوا بين الباقي والفاني « 1 » .
_________________
( 1 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 449 - 450 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة