التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
غزو قرطاجنة جزيرة صقلية 480ق.م
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 538 ــ 544
2025-07-06
22
وقد كان هناك دور آخر في هذه الرواية يمثل في «صقلية»؛ وذلك أنه من المحتمَل أن القرطاجنيين بتحريضٍ من الفرس قد جهَّزوا قوة كبيرة لمهاجمة «هيلاس» في «صقلية» وبعد أن خسروا فرسانهم وعرباتهم في عاصفة وصلت الحملة إلى «بانورموس Panormus »، ومن هذه الميناء زحف القائدُ «هاملكار» على ساحل البحر إلى هدفه وهو «هيمرا Himera » التي حاصرها، وقد أسرع في الحال «جلون Gelon » ملك «سرقوسة» لنجدة «ترون Theron » صاحب «هيمرا» بقوةٍ قوامها خمسون ألفًا من المشاة وخمسة آلاف من الفرسان، وقد سبق الواقعة الحاسمة تخريب المعسكر البحري القرطاجني وموت «هاملكار»، وقد قام بهذه العملية فرسان «سرقوسة» الذين سمح لهم بالدخول في هذا المعسكر خطأ على زعم أنهم حلفاء.
وبعد ذلك هاجم «جلون» القرطاجنيين الذين كان قد استولى عليهم الذعرُ والهلعُ، فلم يُبدوا مقاومة تُذكر، ثم أُبيدوا حتى آخر رجل، وبذلك تُعتبر موقعة «هيمرا» نصرًا آخر حاسمًا لبلاد «هيلاس».
حملة مردونيوس
نعود الآن إلى ما قام به «مردونيوس» بعد ترك «أكزركزس» له، والواقع أن حملة هذا القائد تُعَد النهاية للحروب الطويلة التي قامت بين جموع «آسيا» وبين قوة الإغريق المنظمة التي كانت تُدافع بكل شجاعة عن وطنها، ونحن نعلم أن الملك «أكزركزس» قد أسلم زمام خبرة جنوده الذين كان يأمل «مردونيوس» القائد الفارسي الشجاع أن يضم بهم «هيلاس» إلى قائمة الشطربيات الطويلة التي تحت سُلطان الملك العظيم، والواقع أنه كان يعد مغادرة الملك تخلصًا من جنوده غير المدربين.
وأَهَمُّ من ذلك كان تخلُّصُه من حضور الملك وحاشيته وأتباعهم الذين لم يكن لهم أي فائدة في ميدان القتال، هذا فضلًا عن أنه كان لا بد من إطعامهم قبل أن يتسلم الجنودُ المحاربون جراياتهم، يضاف إلى ذلك أنه ليس هناك شيء أكثر صدقًا في الحرب من أن الكارثة تكاد تكون في ركاب العمليات الحربية، عندما يتدخل في شئونها رجال البلاط. ولقد كان من حُسن سياسة «مردونيوس» الذي كان صاحب تجارب عظيمة في الشئون الإغريقية الآن أن لا يكتفي باستشارة عدة هياكل الوحي، بل فتح باب المفاوضات مع الأثينيين بوساطة الملك «الإسكندر» ملك «مقدونيا»، وقد عرض عليهم أن يصبحوا حلفاء الملك العظيم.
وعندما سمع أهل «أسبرتا» بذلك أرسلوا مبعوثًا خاصًّا إلى «أثينا» مُرحِّبين بذلك، وعلى الرغم من أن «أسبرتا» التي كانت في الماضي لها أكبر قوة برية فإنها لم تلعب إلا دورًا محزنًا في المعركة الكبرى؛ فإن المواثيق المقدسة التي قَدَّمَها المبعوثون قد تسلمها الأثينيون الذين عضدتهم التجارب، غير أنهم رفضوا هذا العرض الفارسي المغري قائلين: ما دامت الشمس تجري في فلكها في السماء فإنا لن نعمل شروطًا «لأكزركزس».
ولما تحقق «مردونيوس» أنه لا يمكنه فصل الأثينيين؛ زحف بجيشه جنوبًا من «تساليا» وأعاد الاستيلاء على «أثينا» بعد عشرة أشهُر من استيلائه الأول عليها، وعندئذ نجد أن الأثينيين وجدوا أنفسهم وحيدين لم تساعدهم حلفاؤُهُم، ومن ثم اضطروا إلى حمل أسرهم إلى «سلامس» حيث كانوا في هذه المرة في أمانٍ مطلقٍ، وفي هذه اللحظة فتح «مردونيوس» باب المفاوضات مع الأرجيفيين Argives والأثينيين ولكن دون الوصول إلى نتيجة، ولمجابهة هذه الأحداث وجد الأسبرتيون أنه لا بد لهم من الاستمرار في تحصين البرزخ، وذلك قبل أن تشرق على عقولهم البليدة ضرورةُ اتخاذ خطة الهجوم.
والواقع أن الأسبرتيين قد ضايقوا الأثينيين لدرجة أن ما بينهما من ولاء كادت تنفصم عُراه، ولكن في نهاية الأمر أخذ الأسبرتيون يُظهرون سياسة فعالة، وقد يرجع في ذلك إلى موت «كليو مبروتوس Cleombrotus » وتولى «بوزانياس Pousanias » قيادة الجيش، وعندما أعطى الأمر بالزحف سار الجيش على جناح السرعة شمالًا لمقابلة العدو.
أما «مردونيوس» الذي كان قد خَرَّبَ ما بقي من «أثينا» فإنه ارتد إلى «بوشيا Boeotia» حيث عاضده حلفاء له وأصبح في إمكانه استعمال فرسانه بنجاح أكثر مما كان يلاقيه في بلاد «أتيكا» الجبلية، وقد قامت حروبٌ في هذه الجهة انتهت بقتل القائد الفارسي الذي سقط من فوق جواده، وقد حاول جنودُهُ بكل شجاعة استرداد جثته، فلم يفلحوا بعد هجوم عنيف باء بالفشل، وبعد خسائر فادحة ارتدوا إلى معسكرهم والأسى يحز في نفوسهم.
موقعة «بلاتا Plaataea» 479ق.م
لقد فرح الإغريق بهذا النصر الذي شجعهم على الاستمرار في حرب عدوهم، وعلى ذلك تركوا الاحتماء بالتلال واتخذوا لأنفسهم مركزًا متقدمًا، فكان جناح جيشهم الأيسر يرابط على فرع من نهر «أسوبوس Asopus » والجناح الأيمن يحتل مكانه بالقرب من ينبوع «جارافيا Agraphia » وكان مجرى نهر «أسوبوس» الرئيسي يقع بين الإغريق والفرس، ويُلحظ أنَّ فرسان الفرس كان في مقدورهم أن يعملوا الآن بسهولة، ولم يعد موقعُ الجيش الإغريقي يحمي الممرين اللذين يجري عبرهما طريقُ مواصلاتهم، وقد كان من جراء ذلك أن الفرس قضوا على قطيع من حيوانهم.
وتدل شواهد الأحوال على أن «مردونيوس» كان يرغب في منازلة عدوه في موقعة فاصلة، وقد كانت خطتُهُ أن يضعف من القوة المعنوية للجيش الإغريقي باستعمال فرسانه بدرجة عظيمة، وقد أفلح جزئيًّا في ذلك فقد ضايق فرسانه العاملون كل الجيش الإغريقي بهجماتهم المتكررة، وذلك بإلقاء المزاريق وتصويب السهام عليهم، هذا فضلًا عن أن الفرس قد أتلفوا ينبوع «جارافيا» الذي كان يستقي منه كل الجيشُ الإغريقي كما يقول «هردوت»، كل ذلك يدل على أن الأحوال كانت في صالح الفرس، ولما رأى الإغريقُ ذلك قرروا الانسحاب إلى موقعٍ أكثر ملاءمة لهم بالقرب من «بلاتا».
وقد كانت عملية الانسحاب هذه أخطر عمليات الحرب؛ إذ كادت تكون كارثة عليهم، وذلك أن أحد القُوَّاد الأسبرتيين أبى التقهقر لمدة عدة ساعات، وعلى ذلك فإن قلب الجيش الذي كان يتألف من فِرَق صغيرة فَقَدَ اتصاله بالجناحين، وعلى ذلك فإنه عند طلوع النهار كان الجُزء الرئيسي من الجيشين الأسبرتي والأثيني ليس بينهما اتصال لبعدهما بعضهما عن بعض، فقد كان الأول على مقربة من العدو جدًّا في حين أن الحلفاء الآخرين لم يعرف مكانهم.
ولا بد أن «مردونيوس» قد اعتقد أن الواقعة مهيأةٌ لنصره فقد كان جيشُهُ المهاجمُ يتألف من مائتي ألف جندي وفارس وحوالي خمسين ألف مقاتل إغريقي، في حين أنَّ جيش الإغريق كان يتألف من مائة ألف مقاتل كانوا مقسمين ثلاثة أقسام، لم يكن في قدرة أَي قسم منها مساعدة الآخر، ولما كان «مردونيوس» يتحرق شوقًا لملاقاة العدو والهجوم عليه؛ فإنه أرسل فُرسانه إلى ساحل القتال ثم أتبعهم «بالخالدين» لمهاجمة الأسبرتيين الذين كانوا على مقرُبة منه.
وقد وجد الأسبرتيون أن الفأل لم يكن في جانبهم في بادئ الأمر، ومن أجل ذلك تحملوا بهدوء وابلًا من السهام، وأخيرًا كان الفأل في صالحهم فانقضوا على عدوهم الذي كان يحمل أسلحة خفيفة، وقد أظهر الفرسُ شجاعة ممتازة، غير أن حاجتهم إلى الدروع الثقيلة جعلت كل محاولاتهم فاشلة، وقد قرر مصير الواقعة بموت «مردونيوس» قائدهم الشجاع وهو يحارب على رأس «الخالدين»، وقد سقط في حومة الوغى ومن حوله آلافٌ من الجثث، وقد أحدث موتُ القائد — كما هي العادة — ذُعرًا في صفوف الجيش، ومن ثم ولى الجنود الفرس الأدبار إلى معسكرهم.
وفي تلك الأثناء كان الأثينيون — وهُمْ في طريقهم لمساعدة الأسبرتيين — قد هوجموا بفيلق جبار من الإغريق الذين يعملون في جيش «مردونيوس» غير أنهم لم يظهروا حماسًا ملموسًا في هجومهم اللهم إلا جنود «بوشيا» فقد دافعوا عن أنفسهم، وتَدُلُّ شواهدُ الأحوال على أن عدد القتلى في صفوف الفرس كان هائلًا، والواقع أن الأسبرتيين لم يُقاوموا إلا مقاومةً ضئيلة، ويقص علينا «هردوت» أنه لم يفلت من الجيش الفارسي إلا ثلاثة آلاف مُقاتل على قيد الحياة، وكذلك ذكر لنا أن فرقة قوامها أربعون ألف مقاتل بقيادة «أرتابازوس» الذي عارض آراء «مردونيوس» ونصح بانتظار الفرصة؛ قد تقهقرت في نظام من ساحة القتال دون أن تحارب الإغريق، وفضلًا عن ذلك فإنه لا يصدق أن قوة الفرسان العظيمة قد أبادها الإغريق.
ويرجع الفضلُ إلى شجاعة الأسبرتيين في نيل الإغريق هذا النصر الحاسم إلى أقصى حد، فقد انقض الفُرس على جيوشهم في العراء بعدد يفوق عدد جيشهم ولم يكن في ساحة القتال إلا فيلقان من الثلاثة التي كان يتألف منها الجيش الإغريقي، وهذان الفيلقان لم يكن في مقدورهما مساعدة بعضهما بعضًا، ومع كل هذه العوائق فإن الجيش الإغريقي بما أوتي من تدريب ممتاز وأسلحة متفوقة كان له في النهاية النصر المبين.
موقعة «ميكال» 479ق.م
وقد حدث في نفس الوقت الذي وقعت فيه واقعة «بلاتا» الحاسمة في تاريخ العالم موقعةٌ أخرى، يحتمل أنها وقعت في نفس اليوم على مقربة من «ساموس»، حطم فيها الأسطول الإغريقي الأُسطول الفارسي، وذلك أن الفرس لم يرغبوا في أن يشتبك أُسطولهم مع الأُسطول الإغريقي الذي انتصر في «سلامس»، ومن ثم سحبوا سفنهم حتى اليابسة عند رأس «ميكال» حيث كان يحميهم قوةٌ يبلغُ عددُها ستين ألف مقاتل مخندقين في أماكنَ حصينة، غير أن أبطال «هيلاس» لم يكن هناك ما يعوقُهُم عن الانقضاض على فريستهم، فتتبعوا العدو على الساحل وانتصروا عليه نصرًا عظيمًا؛ إذ حرقوا كل سفنه وهذه الضربة الأخيرة قصمت ظهر قوة فارس على الجُزُر الإغريقية، ولم تلبث بعد ذلك أن اندلعت نيرانُ الثورة في كل مكان، وقد عاضد الأثينيون هذه الثورة إلى أن أصبح الهيلانيون في «أوروبا» والذين في الجزائر أحرارًا وصار في مقدورهم مساعدة إخوانهم الذين يقطنون على شاطئ آسيا لنيل حريتهم.
الاستيلاء على «سستوس Sestos» 478ق.م
ولقد كانت نهاية الصراع الجبار في هذه الحملة هو من أجل الاستيلاء على «سستوس»، وهي التي بوقوعها على الجانب الأوروبي من الدردنيل جعلها تعد جسرًا مدهشًا للملك العظيم، ويلفت النظر هنا أن قائد الأُسطول الأسبرتي لم يفقه الضرورةَ الاستراتيجيةَ لمشروع الاستيلاء على هذا الموقع؛ ولذلك أقلع إلى وطنه، وقد وقع عبءُ الاستيلاء على هذا المكان على الأثينيين الذين نجحوا في الاستحواذ عليه؛ لِمَا له من أهمية بالغة، وقد هربت الحاميةُ الفارسيةُ غير أن الأثينيين لحقوا بجُنُودها وقضَوا عليهم، وهكذا نجد أنه بالاستيلاء على «سستوس» ختم آخر منظر من مناظر حرب الفرس العظيمة.
نتائج الحملة النهائية
إن هذه الحملة الجبارة التي قاد زمامها دولة الفرس الآرية في «آسيا» على قريبتها في الجنس في «أوروبا»؛ تستحق بعض التأمل، وأول سؤال يسأله الإنسان في هذا الصدد هو: لماذا كسب الإغريق المعركة في النهاية؟ والجوابُ على ذلك سهلٌ ميسورٌ، وهو أنه مما يلحظ أولًا أن الإغريق، بصرف النظر عن قوتهم المعنوية المدهشة؛ فإنهم كانوا يحاربون في أرض وعرة كانوا قد تعودوها وتتفق مع تدريبهم ومزاجهم، في حين أنَّ الفرس كانوا قد اعتادوا على الحروب في سهول «آسيا» المفتوحة المنبسطة، وهي التي إذا لم يعاضد فيها المشاة الفرسان، فإن القوة المهاجمة تكون كفتها خاسرة بالنسبة لقوة من الفرسان خفيفي الحركة، يضاف إلى ذلك أنه كان هناك فرقٌ في التسلح؛ فقد كان الإغريقُ مدربين على حمل الدرع الثقيل بسهولة نسبية، كما كان في مقدورهم أن يستخدموا الأسلحة الثقيلة أكثر من أعدائهم الذين كانوا يعتمدون على الكمية لا على النوع، وأخيرًا فإنه على الرغم من تنظيم الجيش الفارسي تنظيمًا حسنًا فإن بعد «هيلاس» عن القاعدة الحربية قد جعلت كفة النجاح في صف الإغريق.
وإنه لَمِنَ الممكن أن نبالغ في أهمية النتائج الحربية لهذه الحملات لدرجةٍ ما، حتى لو كان «أكزركزس» قد فتح «هيلاس» فإن بعد هذه المديرية كان يجعل من الصعب بقاءَها في يد الفرس لمدة طويلة، والواقع أن الحرب نفسها — لا نتائجها — هي التي حققتْ نجاة بلاد الإغريق وحريتها، وبعبارة أخرى: نشاهد أن العدوان المرير الذي أثاره الغزوُ في نفوس الإغريق هو الذي نَجَّى مدينة «هيلاس» مِن جَعْلها بلادًا شرقية تحت سلطان الفرس.
وقد ظَنَّ الكثيرُ من الكُتَّاب أن الإمبراطورية الفارسية، قد قُضي عليها بسبب صدها على يد الإغريق، ولا نزاع أن البقية الباقية التعسة من الذين أفلتوا من هذا الجيش الفارسيِّ العظيم من يد الإغريق؛ قد حَملوا إلى بلادهم قصة الهزيمة إلى كل ركن من أركان الإمبراطورية، ومع ذلك نُشاهد أن الفرس بقيت تلعب الدور الرئيسي على المسرح العالمي لمدة لا تقل عن قرن ونصف قرن من الزمان بعد خيبتها في فتح بلاد الإغريق، وهذا يدل على أن سلالتها لم تكن قد انحطتْ بأيةِ حالٍ من الأحوال.
والواقع أن بلاد الإغريق التي كانت قد انقسمت عدة حكومات صغيرة مناهضة بعضها بعضًا لم يكن في مقدورها، حتى بعد مواقع «ماراتون» و«سلامس» و«بلاتا»؛ أن تقف في وجه سيد «آسيا» موقف الند للند، وقد بقيت الحالُ كذلك حتى ظهرت «مقدونيا» على مسرح التاريخ وتزعمتْ «هيلاس» — وعلى رأسها عبقريٌّ عظيمٌ في فنون الحرب، بل يحتمل أنه أكبر عبقرية ظهرت في كل عصور التاريخ، وبذلك كان في مقدورها أن تدخل في نضال مع الفرس، انتهى بالنصر الحاسم عليها، وقد بقيت بلاد الإغريق، حتى ظهور «الإسكندر الأكبر» تحصر حروبها في الشريط الذي يمتد على ساحل «آسيا الصغرى»، أما الأراضي التي وراء هذا الساحل، فكانت تحت سلطات شطربة «سرديس» الفارسي.
وإذا كان الكُتَّابُ الذين كتبوا عن التاريخِ الإغريقيِّ من جهةٍ قد بالغوا في فَداحة الضربات التي أنزلتْها بلاد الإغريق بالفرس عند صد الملك العظيم؛ فإنه من جهة أُخرى يكادُ يكونُ من المستحيل أن نُغالي في أهمية الانتصارات بالنسبة ﻟ «هيلاس» وللعالم الحديث؛ وذلك أننا نعلم أن «كورش» — بعد هزيمة الملك «كروسوس» — قد ضم بسهولةٍ المستعمرات الإغريقية الواقعة على ساحل «آسيا الصغرى» والجزر المجاورة لها، وكذلك نُشاهد أن «دارا» بعد حرب «سيثيا» سحب قوةً من جيشه مدت سلطان الفرس حتى الحدود الشمالية لبلاد الإغريق، وبعد ذلك عندما زحفت الحملةُ العظيمةُ على بلاد الإغريق شاهدْنا أنَّ معظم شمالي ووسط «هيلاس» قد خضع للفرس ولم يبق حرًّا إلا بلاد «أتيكا» الشجاعة وبلاد «البلوبونيز»، وقد خرب الفرس حتى بلاد «أتيكا» كما أرادوا، هذا إلى أنهم خربوا «أثينا» مرتين، ولكن نجد في النهاية أن انتصارات الإغريق قد حررت في الحال كل بلاد «هيلاس» وكل مستعمراتها في «آسيا» و«أوروبا»، وكذلك استردت الجزرُ استقلالَها في الوقت نفسه، كما تحررت المدنُ التي على اليابسة.
والواقع أن الفضل في ذلك يرجع إلى ضعف الأخلاق الذي أظهره «أكزركزس» الذي رفض — خلال المدة الباقية من حكمه المشين — مواجهة المسألة الإغريقية، وقد كان في مقدور «هيلاس» أن تأخذ خطة الهجوم بعد أن كانت ملازمة خطة الدفاع، وقد كان هذا دورها حتى جاء «الإسكندر» وحرق عاصمة «إيران» وأصبح سيد «آسيا»، ولكن هناك النظرة الأوسع لهذه الحالة، وأعني بها: النظرة العالمية، فمن هذه الوجهة نجد أن «ماراتون» و«سلامس» و«بلاتا» كانت انتصارات لا تقتصر على بلاد الإغريق، بل انتصارات لكل الإنسانية، لقد كان هذا الانتصارُ هو فوز المُثُل العُليا، وحتى يومنا هذا لا يُمكن أن نُقدر — تقديرًا تامًّا — ما نحن مدينون به لهؤلاء الشجعان البواسل الذين جاهدوا وحاربوا بشجاعة لم يأت بمثلها فئةٌ قليلةٌ لا مِن قبلُ ولا من بعد.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
