الجهاد
المؤلف:
السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي
المصدر:
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع (الغُنية)
الجزء والصفحة:
ص 199-205
2025-05-12
426
الجهاد فرض من فرائض الإسلام بلا خلاف ، وجملة ما يحتاج إلى علمه فيه خمسة أشياء:
شرائط وجوبه.
وكيف يجب.
ومن يجب جهاده.
وكيفية فعله.
وما يتعلق بذلك من أحكامه ، وأحكام الغنائم.
أما شرائط وجوبه : فالحرية ، والذكورة ، والبلوغ ، وكمال العقل ، والاستطاعة له بالصحة والقدرة عليه وعلى ما يفتقر إليه فيه ، من ظهر ونفقة وأمر الإمام العادل به أو من ينصبه الإمام ، أو ما يقوم مقام ذلك ، من حصول خوف على الإسلام ، أو على الأنفس والأموال.
ومتى اختل شرط من هذه الشروط ، سقط فرض الجهاد بلا خلاف أعلمه ، ومع تكاملها هو فرض على الكفاية ، إذا قام به من فيه كفاية سقط عن غيره بلا خلاف إلا من ابن المسيب (1) ويدل على ذلك بعد الإجماع قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (2) الآية. لأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين ، ووعد كلا منهم الحسنى ، وهذا يدل على أن القعود جائز وإن كان الجهاد أفضل منه.
وأما من يجب جهاده : فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار ، ومن أظهره وبغى على الإمام العادل ، وخرج عن طاعته ، أو قصد إلى أخذ مال المسلم وما هو في حكمه ، من مال الذمي ، وأشهر السلاح في بر أو بحر أو سفر أو حضر ، بلا خلاف.
فأما كيفية الجهاد وما يتعلق به وبالغنائم من الأحكام : فاعلم أنه ينبغي تأخير لقاء العدو إلى أن تزول الشمس ، وتصلى الصلاتان ، وأن يقدم قبل الحرب الإعذار والإنذار والاجتهاد في الدعاء إلى الحق ، وأن يمسك عن الحرب بعد ذلك كله حتى يبدأ بها العدو ، لتحق الحجة عليه ، ويتقلد بذلك البغي.
فإذا عزم أمير الجيش عليها ، استخار الله تعالى في ذلك ، ورغب إليه في النصر ، وعبأ (3) أصحابه صفوفا ، وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم بالحرب ، وجعل لهم شعارا يتعارفون به ، وقدم الدارع أمام الحاسر (4) ، ووقف هو في القلب.
وليجتهد في الوصية لهم بتقوى الله ، والإخلاص في طاعته ، وبذل الأنفس في مرضاته ، ويذكرهم ما لهم في ذلك من الثواب في الآجل ، ومن الفضل وعلو الكلمة في العاجل ، ويخوفهم الفرار ويذكرهم ما فيه من عاجل العار وآجل النار.
فإذا أراد الحملة أمر فريقا من أصحابه بها ، وبقي هو في فريق آخر ليكونوا فئة تتحيز إليها صفوفهم ، فإذا تضعضع لهم العدو وزحف هو بمن معه زحفا ، يبعث من أمامه على الأخذ بضم القوم ، فإذا زالت صفوفهم عن أماكنها حمل هو حملة واحدة.
ولا يجوز أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه ، ولا يجوز أن يفر واحد من واحد ولا من اثنين ، ويجوز من ثلاثة فصاعدا ، ويجوز قتال العدو بكل ما يرجى به الفتح من نار ومنجنيق وغير هما وإن كان فيما بينهم مسلمون ، إلا إلقاء السم ، فإنه لا يجوز أن يلقى في ديارهم ، ولا يقاتل في الأشهر الحرم من يرى لها حرمة من الكفار إلا أن يبدأوا فيها بالقتال.
وجميع من خالف الإسلام من الكفار يقتلون مدبرين ومقبلين ، ويقتل أسيرهم ، ويجاز على جريحهم ، وكذا حكم البغاة على الإمام إن كان لهم فئة يرجعون إليها ، وإن لم يكن لهم فئة ، لم يتبع مدبرهم ، ولم يجهز على جريحهم ، ولم يقتل أسيرهم.
وأسرى (5) من عدا من ذكرناه من المحاربين على أخذ المال إن كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ، وإن أخذوا مع القتل مالا صلبوا بعد القتل ، وإن تفردوا بأخذ المال قطعوا من خلاف ، فإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض بالحبس أو النفي من مصر إلى مصر ، كل ذلك بدليل الإجماع من الطائفة عليه.
ومن لا كتاب له من الكفار لا يكف عن قتاله إلا بالرجوع إلى الحق ، وكذا حكم من أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين ، ومن له كتاب ـ وهم اليهود والنصارى والمجوس ـ يكف عن قتالهم إذا بذلوا الجزية ودخلوا تحت شروطها ، ولا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان ، سواء كانوا عجما أو عربا ، ولا من الصابئين ولا من غيرهم ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (6)، وقوله تعالى (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) (7) ، ولم يذكر الجزية ، وقوله (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلى قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) (8)، فشرط في أخذ الجزية أن يكونوا من أهل الكتاب ، وهؤلاء ليسوا كذلك.
والجزية ما يؤدونه في كل سنة مما يضعه الإمام على رؤوسهم ، أو على أرضهم ، وليس لها قدر معين ، بل ذلك راجع إلى ما يراه الإمام ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن تقدير ذلك يفتقر إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل عليه.
وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من أنه وضع على كل واحد من أغنيائهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى من هو من أوساطهم أربعة وعشرين ، وعلى من هو من فقرائهم اثني عشر (9) ، إنما هو على حسب ما رآه في وقته ، وليس بتقدير لها على كل حال. ولا يجوز أخذها إلا من الذكور البالغين الكاملي العقول.
وإذا أسلم الذمي وقد وجبت عليه الجزية بحؤول الحول سقطت عنه بالإسلام ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ويعارض المخالف بقوله : الإسلام يجب ما قبله (10) ، وبقوله : لا جزية على مسلم (11). والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام خاصة على ما جرت به السنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وشرائط الجزية : أن لا يجاهروا المسلمين بكفرهم ، ولا بتناول المحرمات في شريعة الإسلام ، ولا يسبوا مسلما ، ولا يعينوا على أهل الإسلام ، ولا يتخذوا بيعة ولا كنيسة ، ولا يعيدوا ما استهدم من ذلك ، وتلزم نصرتهم والمنع منهم ما وفوا بهذه الشروط ، ومتى أخلوا بشيء منها ، صارت دماؤهم هدرا ، وأموالهم وأهاليهم فيئا للمسلمين ، بدليل الإجماع المشار إليه.
ويغنم من جميع من خالف الإسلام من الكفار ما حواه العسكر وما لم يحوه من الأموال والأمتعة والذراري والأرضين ، ولا يغنم ممن أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين إلا ما حواه العسكر من الأموال والأمتعة التي تخصهم فقط ، من غير جهة غصب دون ما عداها.
وللإمام أن يصطفي لنفسه قبل القسمة ما شاء ، من فرس ، أو جارية ، أو درع ، أو سيف ، أو غير ذلك ـ وهذا من جملة الأنفال ـ وأن يبدأ بسد ما ينوبه من خلل في الإسلام ، وليس لأحد أن يعترض عليه وإن استغرق ذلك جميع الغنيمة ، ثم يخرج منها الخمس لأربابه.
ويقسم ما بقي مما حواه العسكر بين المقاتلة خاصة ، لكل راجل سهم ، ولكل فارس سهمان ولو كان معه عدة أفراس ، ويأخذ المولود في دار الجهاد ، ومن أدرك المجاهدين للمعونة لهم يأخذ مثل ما يأخذ المقاتل ، وحكم غنيمة البحر في القسمة بين من له فرس ومن ليست له ، حكم غنيمة البر سواء ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.
وما لم يحوه العسكر من غنائم من خالف الإسلام من الكفار ، من أرض وعقار وغيرها ، فالجميع للمسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل ، والحاضر والغائب ، وهذه الأرض المفتتحة عنوة بالسيف ، لا يجوز التصرف فيها ببيع ولا وقف ولا غيرهما ، وللإمام أن يقبلها بما يراه ، وعلى المتقبل ـ بعد إخراج حق القبالة فيما بقي في يده ـ الزكاة إذا تكاملت شروطها.
وأما أرض الصلح فهي أرض الجزية إذا شاء الإمام أن يضعها على الأرض بدلا من الرؤوس ، وتسمى الخراجية ، وقد بينا أن ذلك يختص بأهل الكتاب ، وهذه الأرض يصح التصرف فيها لأربابها بسائر أنواع التصرف ، وحكم ما يؤخذ من هذه الأرض ، حكم جزية الرؤوس ، يسقط بالإسلام ، وإذا بيعت الأرض لمسلم سقط خراجها ، وانتقلت الجزية إلى رأس بائعها به.
وأما أرض الأنفال ، وهي كل أرض أسلمها أهلها من غير حرب ، أو جلوا عنها ، وكل أرض مات مالكها ، ولم يخلف وارثا بالقرابة ولا بولاء العتق ، وبطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والآجام ، وقطائع الملوك من غير جهة غصب ، والأرضون الموات ، فللإمام خاصة دون غيره ، وله التصرف فيها بما يراه ، من بيع أو هبة أو غيرهما ، وأن يقبلها بما يراه ، وعلى المتقبل ـ بعد حق القبالة وتكامل الشروط ـ ما بيناه من الزكاة.
ومن أخذ أسيرا قبل أن (تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ، وجب قتله ، ولم يجز للإمام استبقاؤه ، وإن أخذ بعد الفتح ، فالإمام مخير بين المن عليه بالإطلاق أو المفاداة أو الاستبعاد ، وإذا غلب الكفار على شيء من أموال المسلمين وذراريهم ، ثم ظهر عليهم المسلمون ، فأخذوا ذلك ، فالذراري خارجون عن الغنيمة ، وما عداهم من الأمتعة والرقيق إن وجده صاحبه قبل القسمة أخذه بغير عوض ، وإن وجده بعدها أخذه ، ودفع الإمام إلى من وقع في سهمه قيمته من بيت المال ، لئلا تنتقض القسمة ، ودليل ذلك كله الإجماع المتكرر وفيه الحجة.
__________________
(1) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ القرشي المخزومي المتوفى سنة 100 قال قتادة : ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه ، لاحظ تهذيب التهذيب : 4 ـ 48. وذهب سعيد بن المسيب إلى ان الجهاد فرض عين لقوله تعالى (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) الآية ، لاحظ المغني لابن قدامة والشرح الكبير : 10 ـ 265 كتاب الجهاد.
(2) النساء : 95.
(3) عبأ الجيش : رتبهم في مواضعهم وهيأهم للحرب. مجمع البحرين.
(4) رجل دارع : ذو درع على النسب ـ كما قالوا : لابن وتامر ـ والحاسر ـ خلاف الدارع ـ : الذي لا بيضة على رأسه. لسان العرب.
(5) جمع الأسير.
(6) التوبة : 5.
(7) محمد : 4.
(8) التوبة : 29.
(9) لاحظ وسائل الشيعة : 11 باب 68 من أبواب جهاد العدو ، ح 5.
(10) كنز العمال : 1 ـ 66 برقم 243 و 13 ـ 374 برقم 37025 ومسند أحمد بن حنبل : 4 ـ 199 و 204 و 205. قال الطريحي : في الحديث «الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب» والجب : القطع. وأما مفاد القاعدة فملخصه أن من دخل في الإسلام من أصناف الكفار وكان قد ارتكب في حال كفره جرائم كثيرة ويخاف المجازاة بها بعد إسلامه ، قد وسع الشارع المقدس عليه في مقام الامتنان وقال : (الإسلام يجب ما قبله) ومن أراد الوقوف عليها كما هو حقه فليرجع إلى الكتب الممهدة لبيان القواعد الفقهية.
(11) سنن البيهقي : 9 ـ 199 ولفظ الحديث : ليس على مؤمن جزية ، وكنز العمال : 4 ـ 379. وفيه (ليس على مسلم جزية) وكذا في جامع الأصول : 3 ـ 268.
الاكثر قراءة في مسائل في احكام الجهاد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة