الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
إيجاد أرضية مشتركة مع الآخرين
المؤلف:
روبرت بولتون، ودوروثي جروفر بولتون
المصدر:
أساليب الناس في العمل
الجزء والصفحة:
ص 89 ــ 99
2025-03-13
87
إن لك أسلوباً في إنجاز عملك، وأنت تركن إلى أسلوبك في العمل والاتصال بالآخرين الذين يؤدون عملهم كما ينبغي تحت إدارتك في معظم الأوقات، وقد قضيت حياتك في تكوين هذه العادات.
والمشكلة هنا هي أن الموظفين الذين تعمل معهم لديهم أيضاً عاداتهم، وهي عادات مختلفة، وعندما يعمل موظفون ذوو أساليب مختلفة معاً دون أن يحاول كل منهم التكيف مع الآخر هنا قد تنشأ مشاكل خطيرة، وإذا لم يتفق الموظفون الذين يعملون معاً، فإن الاتصال بينهم يكون صعباً، ويختفي التعاون وتضيع الفرص وتنخفض الإنتاجية حتماً.
وأحيانا ما يكون الصراع بين الأساليب سيئاً؛ بحيث يتم فصل أحد الأشخاص وهذا هو ما حدث مع روبرت - ب تايلر الابن، والذي كان رئيساً لشركة سيمونز. ففي تقرير (للبيزنس ويك) فى الخامس من سبتمبر 1977 ورد أن رئيس تايلر جرانت ج. سيمونز الابن كان متسرعاً إلى حد كبير في اتخاذ القرارات بينما كان تايلر (متروياً إلى حد كبير، وقد تم فصل تايلر والسبب كما تم صياغته في التقرير: (الأساليب الإدارية المتعارضة للمسؤولين.)
ورأينا هنا أنه بالرغم من أن هناك أوقاتاً يصعب خلالها. سد الفجوة بين أساليب العمل المختلفة، فإنه ليس هناك تعارض بين أسلوب وآخر، فعندما لا يتفق اثنان من أسلوبين مختلفين لا تكون المشكلة هي التعارض بل عدم المرونة.
التوافق مع الآخرين
لحسن الحظ، فإن العمل مع من يختلفون معك في الأسلوب لا يعني بالضرورة أن هناك كارثة، فبمقدور الموظفين أن يتعاونوا بشكل قوي عندما يعملون على تحقيق الانسجام بين أساليبهم والاستفادة من هذا الانسجام.
ولنأخذ مثلاً من (رونالد بيترسون) و (رد بولينج)، ففي عام 1980 أصبح بيترسون رئيساً لشركة فورد موتور، وأصبح بولينج نائباً تنفيذياً للرئيس، وكانت هذه الشركة العملاقة لصناعة السيارات على حافة الإفلاس، ففي ذلك العام خسرت الشركة بليوني دولار وهي أعلى نسبة خسارة سنوية حتى ذلك التاريخ، وذلك على مدار تاريخ المؤسسات الأمريكية، وقد شكك العديد من المحللين في قدرة الشركة على النهوض من كبوتها.
وعلى الرغم من وجود العديد من المهام الملحة التي كان عليهما أن يفعلاها، فقد عين كل من بترسون وبولنج وقتاً لتحقيق الانسجام بين أسلوبهما، وعمل كل منهما على توضيح أسلوبه، وتدرب كل منهما على كيفية الانسجام مع أسلوب الآخر الذي يفضله في العمل، والاستفادة من أساليبهما ومهاراتهما المتنوعة جعلت منهما إحدى أنجح فرق المسؤولين في هذا العقد؛ حيث نجحا في إبعاد فورد عن شبح الإفلاس، وفي عام 1986، وبعد تعاون دام ست سنوات بينهما، جاوزت أرباح فورد أرباح شركة جنرال موتورز للمرة الأولى على مدى 62 سنة، وفي عام 1987 حطمت أرباح فورد جميع الأرقام الصناعية السابقة، وهذه هي إحدى قصص النجاح الدرامية في تاريخ المؤسسات الأمريكية، فقد تحولت فورد من أكبر خسائر سنوية إلى أعلى أرباح سنوية في فترة لم تتجاوز سبع سنوات، وعلى الرغم من أن هناك عديداً من العوامل أسهمت في تلك النهضة التي كانت بمثابة الظاهرة، فإن أحد الدوافع الكبرى لهذا كان يكمن في إيجاد كبار مسؤولي الشركة لأرضية مشتركة بينهما.
ما معنى تطويع الاسلوب
لكي ينجحا كفريق تعلم بيترسون وبولينج كيف يطوعا أسلوبهما، وتطويع الأسلوب يتطلب تشكيل أسلوبك بحيث يتناسب أسلوب عملك مع أسلوب الآخرين وتطويع الأساليب يشبه لاعب البيسبول المحترف الذي يختار أن يضرب بشكل مختلف كرة سريعة أو منزلقة أو لولبية.
التطويع وليس الاستغلال أو الانصياع لآراء الآخرين
غالباً ما يكون الناس أفكاراً مغلوطة عن معنى تطويع الأسلوب، وأحياناً ما يجعلون هذا مساوياً للاستغلال أو الانصياع لآراء الآخرين، وهناك أسباب عملية وشخصية وأخلاقية تدعو لوضع حد بين تطويع الأسلوب من ناحية والاستغلال أو الانصياع لآراء الآخرين من ناحية أخرى.
الاستغلال هو: التودد إلى الآخرين على حساب مصلحتهم
أثناء جلسات التدريب، وعندما نتحدث عن كيفية القيام بشكل واعٍ بتطويع أسلوبنا، بحيث يتناسب مع الأسلوب الذي يحب الآخرون التعامل به نجد أن بعض الناس يصابون بانزعاج شديد، وتراهم يقولون بنبرة اتهام (هذا استغلال) وهذا في حد ذاته اتهام خطير. وفي قاموس
The Random House Dictionary of the English Lan - guge نجد أن (معنى كلمة يستغل) Manipulate تعني (أن تعالج أو تؤثر بمهارة، وخاصة عندما يكون هذا بأسلوب غير أخلاقي)، والاستغلال هو أن تتودد إلى الآخرين على حسابهم.
وخلال العقود الأخيرة كتبت مجلدات عديدة حول موضوع (كيف تستغل الآخرين للوصول إلى النجاح)، وهناك على الأقل ثلاثة أسباب تدعونا لعدم الاستسلام لهذا الإغراء.
الأول: أن الاستغلال غالباً ما يضر بأكثر مما ينفع، فبالرغم من أن الشخص الاستغلالي قد يحصد ثمرة على المدى القصير، فإن نتائج المدى البعيد تكون سلبية، وآجلاً أو عاجلاً يكتشف الناس الخداع، وعندما يحدث هذا يتبخر تأثير الشخص الاستغلالي مخلفاً الشك والغضب وراءه، وتجد أن غضب الناس قد تضاعف وذلك لأنهم يكرهون أن ينظر إليهم وكأنهم مغفلون كراهيتهم لأن يستفيد الآخرون على حسابهم، وإن سمعة الأشخاص الاستغلاليين، والتي قد تكون أعلى ما يملكون، يشوهها ما يقومون به من تصرفات، واستخدام الأساليب الملتوية من قبل هؤلاء الأشخاص يؤدي بهم فى نهاية المطاف إلى أن يفقدوا كل تأثير كانوا يتمتعون به، وكما يقول المثل: (جروح الزمن تصيب الجميع).
والعيب الثاني هو أن استغلال الآخرين يضرك، ففي كتابه (الإنسان الاستغلالي) كتب العالم النفسي إيفريت شوستروم (الاستغلال لا يقتصر ضرره على الآخرين بل إنه يضر صاحبه) وفي كتاب آخر قال هو وزملاؤه: (الحقيقة هي أنك حيثما تستغل شخصاً آخر، فإنك تحيل نفسك إلى ـ شيء ـ وتحد من قدرتك على الاتصال البشرى، فالاستغلالي يبخس قدر نفسه كشخص، وبالتالي يهزم نفسه بنفسه من خلال أساليبه الاستغلالية) وهذا هو ما يقصده فريتز بيرلز مؤسس مدرسة الجشتالت في علم النفس عندما يقول: إنني أرى أن العصابي (المصاب باضطراب عصبي) هو أي شخص يستخدم إمكاناته في استغلال الآخرين بدلاً من أن ينمي نفسه.
وباستغلالك للآخرين، فأنت تقلل من شأن نفسك، فكيف لأي شخص أن يفعل هذا وهو في وعيه؟
وفي النهاية، فإن الاستغلال أمر غير أخلاقي، فهو محاولة لا أخلاقية لاستدراج الناس نحو تجاهل قدراتهم الذهنية والروحية العليا، والمستغل بفعله هذا إنما يعامل الناس على أنهم أشياء لابد من استغلالها لا كأشخاص يرتبط بهم.
ولكن البشر ليسوا أشياء، فكما قال دوستويفسكي: (الناس هم الناس وليسوا مفاتيح ـ بيانو ـ وفي نفس الإطار قال ريول هاو ـ خلق الله الإنسان ليحب، والأشياء لتستخدم ـ ومع هذا فهناك ميل شديد لدينا لفعل عكس هذا فبدلاً من أن نحب الناس، ونستخدم الأشياء.. نجد دائماً ما يغرينا بحب الأشياء واستخدام الناس).
والخيار لك أنت إذ يمكنك أن تستغل الآخرين في تطويع أسلوبك، أو أن تبني معهم علاقات صادقة مثمرة تعود بالنفع على جميع الأطراف.
الانصياع هو: أن تكتم وجهة نظرك
من الغريب أن هناك فهماً خاطئاً شائعاً عن تطويع الأسلوب يقضي بأن تطويع الأسلوب يعني الحاجة إلى إظهار نفس الرأي الذي يتبناه من معك الآن، والبعض يرى أن تطويع الأسلوب هو أن تصرح بالآراء المتحفظة مع المحافظين والمتحررة مع المتحررين.
هل تطويع الأسلوب لا يعدو عن كونه شكلاً آخر قوياً من أشكال موافقة الآخرين والانصياع لآرائهم؟ بالطبع لا، فعلماء السلوك التطبيقي يفرقون بين مضمون الحوار وعملية الحوار، فالمحتوى يشير إلى ما يقال: المعلومات التي تم تبادلها والاقتراحات التي تمت مناقشتها والقرارات التي تم اتخاذها، والعملية تشير إلى كيفية تخاطب الناس، ومدى استخدام لغة الجسد، وارتفاع الصوت، وعدد المرات التي يشارك فيها الشخص بالحديث، وهلم جرا.
وأحياناً ما يعتقد الناس أن تطويع الأسلوب يتطلب الانصياع لآراء الشخص الآخر والموافقة على أفكاره وليس هناك ما هو أبعد من الحقيقة، فتطويع الأسلوب هو أسلوب من خلاله يتم التكيف مع أسلوب شخص آخر، وهو لا يعني الانصياع لرأيه بل يعني الارتباط بشكل بناء بالآخرين مع الإفصاح عن وجهة نظرك في الأشياء بشكل مناسب، والاستمتاع بعناية لما يقال من الآخرين، وكلما تحسنت عملية الاتصال بالآخرين، ازدادت احتمالية استماع الناس لبعضهم البعض بشكل أكثر دقة، وتم حسم الاختلاف في الآراء بشكل خلاق.
فعندما يطوع الشخص الودود أسلوبه مع الشخص العملي، فهو لا يغير المضمون الذي يريد للآخر أن يفهمه، وإنما يغير من أسلوبه في الاتصال بالشخص الآخر عندما يعرض عليه آراءه. ولذلك فهو يتخير سرعة معينة في الحديث ويتبع معه أسلوب الحقائق ويركز على الفوائد النفعية، وأشياء من هذا القبيل، وعندما تختار تغییر مضمون ما تقوله، فهذا يختلف تماماً عن أن تختار ما إذا كنت ستطوع أسلوبك أم لا.
وتطويع الأسلوب لا يعني التخلي عن أهدافك أو إخفاء آرائك، وإنما يعني أن تعرض أفكارك بطريقة يرتاح لها الشخص الآخر، وتطويع المرء لأسلوبه مع تمسك بالاختلاف في الرأي ليس أمراً ممكناً فحسب، بل إنه أمر ضروري للغاية، في هذا الموقف بعينه، وعندما يكون هناك جدل حول مضمون الحوار أو التفاعل، فإن آخر ما تريده هو التركيز بلا داع على عملية الحوار، وعندما توجد عملية تواصل وتفاعل أكثر اتساقاً مع الآخرين من خلال تطويع الأسلوب، يمكنك أن تمهد الطريق نحو جهد بناء لحل المشاكل الخلافية.
وكما ذكرنا في الاستغلال هناك أيضاً أسباب عملية وشخصية وأخلاقية تدعو لعدم إخفاء الرأي في الأمور المهمة، وأول هذه الأسباب أن الانصياع لآراء الآخرين وموافقتهم قلما يفيد وغالباً ما يكون ضرره شديداً، وخاصة في العلاقات طويلة المدى، ومن الأسباب الرئيسية التي تدعو الناس إلى إلغاء آرائهم أن يتقربوا للآخرين، ولكن الغريب هو أنك عندما تخفي رأيك أو تسيء تقديمه من أجل موافقة الشخص أو المجموعة التي تعمل معك فإن هذه العلاقة ستتدهور بمرور الوقت، بل إن هناك آخرين سيدركون أنه لا فائدة من الحوار معك ما دمت لا تعبر عن رأيك الحقيقي، وسريعا ما يتضح أنه لن يكون بمقدورهم أن يعتمدوا عليك في المواقف الصعبة.
ثم إن هناك مشكلة حول ما ستفعله عندما تكون في حضرة أشخاص لديهم آراء مختلفة عنك، يمكن أن تحاول التزام الصمت، ولكن هذا بعد فترة سيجعل البعض يفقد احترامه لك إذا اخترت الجلوس بعيداً في الوقت الذي تجري فيه مناقشة قضايا مهمة، وكما أشرنا من قبل فعندما تحاول إرضاء الجميع لن ترضي أحداً، وفي اثناء هذا ستفقد ثقة الجميع.
وفوق هذا فإن الانصياع لوجهة نظر الآخرين يضر بمن يقوم بها نفسياً وجسدياً، فعندما يرى الشخص شيئا ويقول شيئا آخر، فإن هذا يضر بجهازه العصبي، وهذا لويس توماس الطبيب المشهور يقول: (لقد خلقنا بيولوجيا بحيث تصدق بعضنا البعض) وفي كتاب Doctor Zhivago كتب بوريس باسترناك (ستتأثر صحتك لا محالة إذا ظللت يوماً وراء الآخر تقول خلاف ما تشعر... فجهازنا العصبي ليس مجرد خيال وإنما هو جزء من الجسم المحسوس.. ولا يمكن أن تستمر في الاعتداء عليه للأبد دون أن يتأثر).
للانصياع للآخرين أثر نفسي أيضاً، يقول ناثانيال براندین عالم نفس متخصص في تقدير الذات: (الأمانة من الناحية العملية هي أحد حراس الصحة الذهنية)، وتشير إلى أنه حينما نتصرف بشكل يتعارض مع معتقداتنا فإننا بذلك نفقد ماء الوجه في نظرتنا لأنفسنا، وبذلك يقل احترامنا لأنفسنا، وكم هو سيئ أن لا يثق بنا الآخرون، وإنها لمأساة نفسية أن لا نثق في أنفسنا، وقد ركز الطبيب النفسي المشهور إيريك فورم على الضرر الذي يقع على الشخصية من جراء الموافقة: (فإذا انتهك شخص أمانته العقلية والأخلاقية فإنه يضعف بل يعوق شخصيته كاملة).
وفي النهاية، فإنه عندما تناقش القضايا المهمة يكون رفض الإفصاح عن الآراء الحقيقية أمراً لا أخلاقي، فإذا كان هناك أمر له من الأهمية ما يجعل الناس يهتمون برأيك فيه، فإنه عادة ما يكون من المهم بالنسبة لك أن تفصح عن رأيك صراحة فإذا كان الأمر يتعلق بتحسين الجودة، وتخفيض الوقت، أو توفير الأموال، أو كسب العملاء أو تحسين خدمة العملاء أو معاملة الموظفين بعدالة أكبر، وكان لديك رأي في ذلك فمن الواجب عليك أن تفصح عن رأيك، وكما يقول المثل: (ليس السكوت دائما من ذهب بل انه أحياناً ما يلمع بريقه فقط).
ومن الأهمية بمكان أن تفرق بين تطويع أسلوب وموافقة الآخرين والانصياع لهم، وتطويع الأسلوب لا يعني التظاهر بموافقة الآخرين آراءهم، بل إنه أسلوب يساعدنا على الاعتراض دون أن ينبذنا الآخرون.
التعديل المؤقت لبعض السلوكيات
تطويع الأسلوب هو التعديل المؤقت لبعض السلوكيات بحيث تحسن من نتائج الحوار، وسنتناول الآن كل ناحية من النواحي الأساسية لهذا التغيير حيث إنها تتضمن معاني مهمة تفيد في تطويع الأسلوب.
تطويع الأسلوب يعني أن تغير سلوكك
إن تطويع الأسلوب لا يعني تغيير الآخرين بل تغيير نفسك
عندما يتضح أن العلاقة ستتحسن كثيراً إذا ما أدخل عليها تغييرات يصبح السؤال هو: (من الذي سيتغير - أنا أم الشخص الآخر؟ بعض الناس يشعرون بأنه ليس من المنصف أن يغيروا سلوكهم بينما تصرفات الآخرين تمثل جزءاً كبيراً من المشكلة، ومعظمنا يعتقد أنه إذا تغير الشخص الآخر ستتحسن العلاقة، وفي سعينا نحو علاقة أفضل نحاول أن نغير من أزواجنا، وأطفالنا وآبائنا، وزملائنا، ومدرائنا، وتقاريرنا، والآخرين ممن يلعبون دوراً مهماً في سعادتنا ونجاحنا، وكما يقول مارك توين: (ليس هناك ما يحتاج إلى إصلاح أكثر من عادات الآخرين).
ومحاولة تغيير الآخرين من أجل زيادة الانسجام لا تؤدي إلا إلى زيادة الضغط على العلاقة التي تنوء أصلاً بالأعباء، ومن الغريب أن العلاقة لا تتحسن إلا حينما تدرك عدم جدوى محاولة تغيير الآخرين (اللهم إلا إذا قرر الشخص الآخر طواعية أن يغير من نفسه)، وقد يبدو هذا أمراً سيئاً إلا أن قبول أسلوب الشخص الآخر يكون له ثلاث نتائج إيجابية.
الأولى: أنه ليس هناك ما يلزمك بانتظار الشخص الآخر حتى يغير من أسلوبه ليناسب أسلوبك، ثم تبدأ بعد ذلك في وضع العلاقة في مسارها، فبإمكانك أن تفعل شيئا الآن لتحسين الأمور، والسلاح الأساسي الذي لديك لتحسين العلاقة هو سلوكك أنت، والأمور إنما تتحسن عندما تحول التركيز من (كيف أجعلك تتغير)؟ إلى (ما هي التغيرات التي بإمكاني القيام بها؟) فإذا لم يكن بمقدورك أن تتحكم في سلوك الآخرين، فبمقدورك أن تتحكم في سلوكك.
وجهود المرء لتكييف سلوكه مع الآخرين لا يجعله فقط يشعر بأنه يمسك بزمام الأمور بل إن هذا يمكنه من تحقيق أهدافه، وهذا فريد تيرنر الذي أصبح رئيساً لسلسلة مطاعم ماكدونالدز تعلم هذا التطويع أو المرونة من خلال التجربة، فعندما بدأ انضمامه لهذه السلسلة كان عليه أن يقيم أداء كل مطعم في السلسلة، وكانت حصيلة أول تقييم (إعداد أشمل تقييم عن مطعم لخدمة العميل في سيارته)، وهو تقرير عن الخدمات الميدانية مكون من سبع صفحات دون ترك سطر، ومع هذا لم يكن مؤسس ماكدونالدز راي كروك - شخصاً معبراً - ليقرأ هذا التقرير المفصل ولم يكن للمعلومات المهمة فائدة، حتى قام تيرنر باختصارها إلى صفحة واحدة وأعدها بشكل خاص لكروك، ويذكر جون لوفز في تاريخ هذه السلسلة من مطاعم الوجبات الخفيفة أن المعلومات في تقرير تيرنر المعدل ساهمت كثيراً في تحديد معالم تأريخ هذه الصناعة برمتها.
والفائدة الثالثة تدهش الكثيرين، فعندما تسهل على الشخص الآخر العمل معك فإن هذا الشخص عادة ما يغير سلوكه بشكل يرضيك، وكنتيجة لذلك يكون كلاكما قد أثر على العلاقة بصورة إيجابية، وما يبدأ كمجهود فردي ينتهي إلى مساهمة مشتركة في تكوين علاقة العمل.
وبغض النظر عن السبب فيما يكتنف العلاقة من عوائق، فإن المرونة في فعل ما من شأنه تحقيق الانسجام مع العلاقات تقتضي أخذ زمام المبادرة في الشخص الآخر، ولا يهم إن كان الشخص الآخر مديرك أو زميلك أو مورداً أو عميلاً أو مرؤوساً فأنت تحاول أن تجد طرقاً لهذا الشخص بحيث يعمل بسهولة وبشكل منتج معك، وليكن منهجك في أي علاقة: (سأفعل ما بوسعي لأسهل عليه العمل معي).
تطويع الأسلوب يعني تعديل القليل من السلوكيات
بمجرد أن تغير عقليتك بشأن من المسؤول عن تحسين العلاقة، فإن عليك أن تطوع من أسلوبك وسيتبين لك هنا بإيجاز كيف تفعل هذا.
أولاً. حاول أن تعرف الفروق بينك وبين الشخص الآخر والتي تنبع من اختلاف أسلوبيكما، ثم عدل لغة الجسد وأسلوبك في الكلام بحيث تناسب أكثر أسلوب الشخص الآخر الذي يفضله في العمل، ثم اختر بعناية قليلاً من أنماط السلوك لتقوم بتعديلها، بحيث لا يزيد ذلك عن ثلاثة أو أربعة، وركز في هذا على السلوكيات التي تسهل التفاعل مع الشخص الآخر.
وعلى سبيل المثال عندما قرر كلارك - شخص تحليلي - أن يطوع من أسلوبه في اجتماعه مع مديره آركي - شخص عملي - ركز كلارك على تغيير نوعين من السلوك وقد كان يعرف أن بطئه وتركيزه على التفاصيل غالباً ما كان يصيب مديره بالملل ولذلك فقد عمد كلارك خلال الاجتماع التالي إلى التحدث بسرعة، وركز أكثر على النقاط الرئيسية، ولم يذكر تفاصيل إلا عند الضرورة، وقد اندهش كلارك عندما وجد أن هذين التغييرين في سلوكه أديا إلى الخروج باجتماع كان الأفضل له على الإطلاق مع مديره.
وغالباً ما يتشكك الناس في إمكانية تحسين العلاقة من خلال تعديلات قليلة في السلوك، ومع هذا فبعد عقدين استغرقهما مشروع بحث تناول العلاقات انتهى عالما النفس كليفورد نوتورياس وهاورد ماركام إلى: (أن تغييرات بسيطة في سلوك الشخص تؤدي إلى تغيرات كبيرة في العلاقة)، وما عايشناه ورأيناه يدعم ما توصلا إليه، فعدد محدود من التعديلات في السلوك يمكن أن يؤدي إلى تطورات كبيرة في العلاقة، جرب هذا لترى ما ستتوصل إليه.
طوع أسلوبك عند الحاجة فقط
وبينما يدرك بعض الناس معنى تطويع الأسلوب، تجد أن البعض الآخر يبالغ في هذا، ويحاول فعله في كل وقت، ومع هذا فهناك خطورة كبيرة في المبالغة في التعديل، وقد بين الشاعر كارل ساند بيرج هذه النقطة من خلال قصته عن الحرباء. إذ ذكر أن هناك حرباء عاشت حياتها على ما يرام لفترة من الزمن، حيث كانت تقوم بالتعديل لحظة بلحظة بما يناسب بيئتها. ومع هذا فقد كان عليها أن تعبر متاهة اسكتلاندية وهنا ماتت الحرباء في مفترقات الطرق بينما كانت تحاول بشكل بطولي أن تنسجم مع كل الألوان في وقت واحد.
وكما اتضح مع قصة الحرباء فإنه يمكن القيام بعملية التطويع والتغيير في موضعه وفي غير موضعه، والذين يبالغون في تطويع أنفسهم من أجل الآخرين لا يستطيعون فرض أرائهم وشخصيتهم القوية على علاقاتهم بهؤلاء الآخرين، بل على العكس، فإنهم يفقدون كثيراً من حيويتهم، فبدلاً من التقرب من الآخرين نجد أن سلوكهم الشبيه بسلوك الحرباء يؤدي إلى خلق التوتر وعدم الثقة لدى الآخرين فالشخص الذي لا يعبر عن طبيعته يشعر الآخرين بعدم الراحة ولهذا نقترح أن تقوم بتطويع أسلوبك بشكل واع فقط في حالات معينة، فتطويع أسلوبك هو تعديل مؤقت لقليل من السلوكيات.