1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

الأخلاق والأدعية والزيارات : الرذائل وعلاجاتها : حب الدنيا والرئاسة والمال :

حبّ الدنيا

المؤلف:  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  الأخلاق في القرآن

الجزء والصفحة:  ج2/ ص62-71

2024-12-04

163

تنويه :

إنّ أحد جذور(الحرص) وما يترتب عليه من عواقب وخيمة سبق أن ذكرناها في الفصل السابق ، هو حبّ الدنيا والتعلق بزخارفها وزبارجها.

فعند ما تتقد نار هذا الحب الدنيوي في أعماق الإنسان فسوف تقوده إلى أنواع الحرص والولع بالنسبة إلى المواهب المادية والدنيوية من قبيل سائر أنواع العشق الّذي يغطي على فكر الإنسان وعقله ويسوقه يوماً بعد آخر إلى السقوط في لجّة التلوث بالخطايا والالتصاق بالعالم السفلي.

ولهذا السبب فإنّ القرآن الكريم ومن أجل قطع جذور الحرص والولع قد تحرّك في آياته الكريمة من موقع ذمّ حبّ الدنيا والافراط في التوغل في ملذاتها والتشبّث بزخارفها والّذي يمثل الجذور الأصلية للحرص والطمع في بُعدهما السلبي ، ونقرأ في المفاهيم القرآنية تعبيرات مختلفة تحط من قدر الدنيا وقيمتها لكي يخفف ذلك من حب أهل الدنيا لها ويتحركوا بعيداً عن أجوائها ويتخلصوا بذلك من الحرص والطمع ولا يضحوا بالقيم الأخلاقية والمثل الإنسانية على مذبحها.

وبهذه الإشارة نعود إلى آيات القرآن الكريم لنستوحي من تعبيراتها الدقيقة ما يضيء لنا الطريق لدراسة هذه المبادئ والمواقف الأخلاقية المهمة :

1 ـ إنّ القرآن الكريم يرى أنّ الدنيا ما هي إلّا لعب ولهو كما يلهو ويلعب الأطفال ، وقد ورد وصف ذلك في آيات متعددة ، ففي قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ...)([1]).

وفي آية اخرى قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ...)([2]).

وفي الحقيقة أنّ هذه الآيات الكريمة تشبّه أصحاب الدنيا بأنّهم كالأطفال الّذين يعيشون الغفلة والجهل عمّا يدور حولهم ولا همّ لهم إلّا الاشتغال بالتوافه والسفاسف من الامور فلا يرون حتّى الخطر القريب المحدق بهم.

بعض المفسّرين قسّم حياة الإنسان إلى خمس مراحل (من الطفولة إلى أن يبلغ مرحلة الكهولة في سن الأربعين) وذكر أنّ لكلّ مرحلة ثمان سنوات وقال : إنّ السنوات الثمانية الاولى من عمر الإنسان هي مرحلة اللعب ، والسنوات الثمانية الثانية هي مرحلة اللهو ، والسنوات الثمانية الثالثة حيث يعيش الإنسان في فترة الشباب فإنه يتجه إلى الزينة والالتذاذ بالجمال ، والسنوات الثمانية الرابعة يقضي وقته وطاقاته في التفاخر ، وأخيراً في السنوات الثمانية الخامسة يهتم بالتكاثر في الأموال والأولاد ، وهنا يثبت شخصية الإنسان ويستمر على هذه الحالة إلى آخر عمره ، وبالتالي فإنّ أصحاب الدنيا لا يبقى لهم مجال للتفكر في الحياة المعنوية والقيم الإنسانية السامية.

2 ـ ومن الآيات الاخرى في هذا المجال نرى مفهوم «متاع الغرور» بالنسبة إلى الحياة الدنيا حيث يقول تعالى (... وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ)([3]).

ويقول في مكان آخر (... فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)([4]).

وهذه التعبيرات تدلّ على أنّ زخارف الدنيا وبريقها الخادع يُعد أحد الموانع المهمة للتكامل المعنوي والصعود في درجات الكمال الإلهي للإنسان وما دام هذا المانع موجوداً فإنه لا يصل إلى شيء من هذه الكمالات المعنوية.

إنّ الحياة الدنيا مثلها كمثل السراب الّذي يجذب العطاشى نحوه في الصحراء المحرقة ولكنهم لا يحصلون على شيء منه أخيراً ، وهكذا حال التعلقات المادية الدنيوية فإنّها تجذب أصحاب الدنيا نحوها طمعاً في إرواء ظمأهم وعطشهم إلّا أنّهم لا يجدون ما يطلبونه في هذا المسير المنحرف بل يزدادون ظمأً وحُرقة ، وكما أنّ السراب يبتعد عن الإنسان كلّما مشى نحوه وهكذا يظل يركض وراء السراب حتّى يهلك ، فكذلك الدنيا تبتعد عن الإنسان كلّما اتّجه نحوها فتزيده عطشاً لها وارهاقاً حتّى يهلك.

ونرى هذه الحالة في الكثير من أصحاب الدنيا الّذين يركضون وراء متاع الدنيا وزخارفها سنوات مديدة من عمرهم وعند ما يحصلوا على شيء منها فانهم يصرّحون بأنّهم لم يجدوا ضالّتهم إلّا وهي (الهدوء النفسي والطمأنينة الروحية) بل يعيشون الجفاف الروحي أكثر ويجدون أنّ ملذات الحياة الدنيا تقترن دائماً مع الاشواك والمنغصات وبدلاً من أن تورثهم الهدوء والطمأنينة فإنّها تعمل على إذكاء حالة القلق والاضطراب في جوانحهم وأعماق وجودهم وبذلك لا يجدون مبتغاهم فيها.

3 ـ وهناك طائفة اخرى من الآيات الكريمة الّتي تقرر لنا هذه الحقيقة ، وهي أنّ الانجذاب نحو زخارف الدنيا وزبارجها يؤدي إلى أن يعيش الإنسان الغفلة عن الآخرة ، أي أن يكون الشغل الشاغل له وهمه الوحيد هو تحصيل هذه الزخارف الخادعة ، فتقول الآية الشريفة : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ)([5]).

فهؤلاء يجهلون حتّى الحياة الدنيا أيضاً وبدلاً من أن يجعلونها مزرعة الآخرة وقنطرة للوصول إلى الحياة الخالدة ونيل المقامات المعنوية وميداناً لممارسة السلوكيات الّتي تصعد بهم في سُلّم الفضائل الأخلاقية ومدارج الإنسانية ، يتخذون الدنيا بعنوان انها الهدف النهائي والمطلوب الحقيقي والمعبود الواقعي لهم ، ومن الطبيعي أنّ مثل هؤلاء الأشخاص يعيشون الغفلة عن الحياة الاخرى.

ويقول القرآن الكريم في آية اخرى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ)([6]) ثمّ تضيف الآية (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)([7]) أجل فإنّ الأشخاص الّذين يعيشون ضيق الافق ومحدودية الفكر فانهم يرون الدنيا كبيرة وواسعة وخالدة وينسون الحياة الاخرى الأبدية الّتي قرّرها الله تعالى لحياة الإنسان الكريمة والمليئة بالمواهب الإلهية والنعيم الخالد.

4 ـ ونقرأ في قسم آخر من الآيات الكريمة أنّ الدنيا هي (عرض) على وزن (غرض) بمعنى الموجود المتزلزل والّذي يعيش الاهتزاز والتغير والتبدل في جميع جوانبه وحالاته ، ومن ذلك قوله تعالى (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ)([8]).

وتقول الآيات في مكان آخر مخاطبة لأصحاب النبي الأكرم (... تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ...)([9]).

وفي آيات اخرى نجد هذا التعبير أيضاً حيث يدلّ على أنّ جماعة من المسلمين أو غير المسلمين وبدافع من الحرص والطمع تركوا الاهتمام بالمواهب الإلهية الخالدة والحياة الاخرى والقيم الإنسانية العالية واشتغلوا في جمع زخارف الدنيا الزائله واشباع الملذات الرخيصة في حركة الحياة الدنيا. أجل فان النعمة الحقيقية هي ما عند الله تعالى وما بقي فكلها(عرض) يقبل الزوال والاندثار.

وهذا التعبير هو في الحقيقة انذار لجميع طلاب الدنيا بأنّهم ينبغي عليهم الاهتمام بما لديهم من طاقات ورأس مال عظيم وبإمكانهم استخدامها في سبيل حياة كريمة وخالدة فلا يضيعونها في الامور الرخيصة والزائلة.

5 ـ ونقرأ في قسم آخر من الآيات التعبير عن المواهب المادية بأنّها «زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» ([10]).

ووردت تعبيرات مشابهة لهذه الآية في آيات اخرى أيضاً في قوله (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ»)([11]).

وفي مكان آخر يخاطب القرآن الكريم نساء النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) ويقول : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً)([12]).

وهذه التعبيرات توضح بصورة جيدة أنّ هذا البريق لزخارف الحياة الدنيا ما هو إلّا زينة للحياة المادية ، وبديهي أنّ الإنسان لا يُعبّر عن الامور الحياتية والمصيرية بتعبير(زينة) أو (زينة الحياة الدنيا) أي الحياة السفلى والتافهة.

ومن الجدير بالذكر انه حتّى أنّ مفهوم (الزينة) نجده في آيات اخرى مبنياً للمجهول حيث ورد تعبير(زُيّن) وهذا يدلّ على أنّ هذه الزينة غير حقيقية بل خيالية ووهمية.

مثلاً نقرأ في سورة البقرة الآية 212 قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ...).

ونقرأ في سورة آل عمران الآية 14 قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ).

هذه التعبيرات وتعبيرات اخرى مماثله تشير إلى أنّه حتّى مفهوم (الزينة) في مثل هذه الموارد ما هي إلّا زينة وهمية وخيالية حيث يتوهم الناس من طلاب الدنيا انها زينة حقيقية وواقعية.

وهنا يتبادر سؤال مهم ، وهو انه لماذا جعل الله تعالى مثل هذه الامور زينة في أنظار الناس؟

ومن المعلوم أنّ الدنيا إنما جُعلت لتربية الإنسان واختباره وامتحانه لأن الإنسان إذا ترك مثل هذه الزينة الجميلة والخادعة والّتي تكون مقرونة بالحرام والإثم غالباً من أجل الله تعالى والسير في خط التقوى والإيمان فإنّ ذلك من شأنه أن يعمق في نفسه روح التقوى والقيم الأخلاقية ويصعد به في مدارج الكمال المعنوي وإلّا فإنّ صرف النظر عن هذه الامور المخادعة بمجرّده لا يُعدّ افتخاراً ومكرمة للإنسان.

وبعبارة أدق فإنّ التمايلات والرغبات الباطنية والأهواء النفسانية تزين للإنسان الامور المادية بزينة جميلة لكي تدعوه إلى ارتكاب الاثم وممارسة الحرام ، وعليه فإنّ هذه الزينة تنبع من ذات الإنسان ومن باطنه ، وعند ما نرى في الآيات الكريمة نسبة التزين إلى الله تعالى فذلك بسبب أنّ الله تعالى هو الّذي خلق هذه التمايلات والرغبات والأهواء الطاغية ، وعند ما نقرأ في بعض الآيات نسبتها إلى الشيطان الرجيم في قوله تعالى : (... وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ...)([13]) فذلك بسبب أنّ عملية التزيين هذه بالرغم من انها من جهة منسوبة إلى الله تعالى بسبب القانون العام في عالم الخِلقة ، إلّا أن إتّباع هذه الأهواء والشهوات من جهة هو عمل الشيطان الرجيم الّذي يسوّل للإنسان هذه الامور الخاطئة ليوقعه في الاثم والذنب.

وعلى أيّة حال فإنّ المستفاد من مجموع الآيات المذكورة أعلاه أنّ «حبّ الدنيا» إذا استقر في قلب الإنسان وبصورة مفرطة فإنه سيؤدي به إلى الابتعاد عن الله تعالى والغفلة عن الآخرة.

حبّ الدنيا في الأحاديث الإسلامية :

وقد ورد ذمّ الدنيا وحبها في الروايات الإسلامية كثيراً ولا سيّما ما ورد في كلمات النبي الأكرم وخطب نهج البلاغة بصورة واسعة ومفصّلة ومن ذلك :

1 ـ ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) عند ما سُئل عن سبب تسمية الدنيا بالدنيا فقال «لِانَّ الدُّنْيَا دَنِيَّةٌ خُلِقَتْ مِنْ دُونِ الْآخِرَةِ» ([14]).

2 ـ وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أيضاً أنّه قال : «اكْبَرُ الْكَبَائِرِ حُبُّ الدُّنْيَا» ([15]).

3 ـ ونفس هذا المعنى ورد في كلمات أمير المؤمنين حيث قال : «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ الْفِتَنِ وَاصْلُ الْمِحَنِ» ([16]).

4 ـ ونقرأ في حديث آخر أيضاً عن الإمام على (عليه‌ السلام) قوله : «انَّ الدُّنْيَا لَمُفْسِدَةُ الدِّينِ وَمُسْلِبَةُ الْيَقِينِ» ([17]).

5 ـ وورد في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أنّه قال : «انَّ اوَّلَ مَا عُصِىَ اللهُ بِهِ سِتٌّ : حُبُّ الدُّنْيَا وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ وَحُبُّ الطَّعَامِ وَحُبُّ النَّوْمِ وَحُبُّ الرَّاحَةِ» ([18]).

واغلب هذه الامور الستة أو جميعها نجدها متوفرة في قصة طغيان الشيطان الرجيم ومعصيته وترك الأولى لآدم ومعصية قابيل ، ولذا ذُكرت بأنّها أول الخطايا والمعاصي.

6 ـ ونقرأ في حديث آخر أنّه سئل الإمام علي بن الحسين (عليهما ‌السلام) : «ايُّ الْاعْمَالِ افْضَلُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟» قال : «مَا مِنْ عَمَلٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ افْضَلُ مِنْ بُغْضِ الدُّنْيَا وَانَّ لِذَلِكَ لَشُعَباً كَثِيرَةً وَلِلْمَعَاصِي شُعَباً». ثمّ يذكر الإمام (عليه‌ السلام) اصول المعاصي الثلاث وهي «الكبر» لدى إبليس ، و«الحرص» الّذي سبب في اخراج آدم وحواء من الجنة ، و«الحسد» الّذي دفع قابيل لأن يقتل أخاه ، ثمّ أضاف : «فتشعب من ذلك حبّ النساء وحبّ الدنيا وحبّ الرئاسة وحبّ الراحة وحبّ الكلام وحبّ العلو والثروة ، فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلهنّ في «حبّ الدنيا» فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة».

ثمّ إنّ الإمام ومن أجل التمييز بين الدنيا الممدوحة والمذمومة ذكر في نهاية الحديث «وَالدُّنْيَا دُنْيَا بَلَاغٍ وَدُنْيَا مَلْعُونَة» ([19]).

7 ـ ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي بن أبي طالب قوله «ارْفُضِ الدُّنْيَا فَانَّ حُبَّ الدُّنْيَا يُعمِي وَيُصِمُّ وَيُبْكِمُ وَيُذِلُّ الرِّقَابَ» ([20]).

ومن الطبيعي انه عند ما يتجذر العشق لشيء من الأشياء في وجود الإنسان فانه يجعله غافلاً عن أوضح الأشياء ، فتراه يتمتع بعين ولكنه لا يرى الوقائع ، وله اذن ولكنه لا يسمع ، وله لسان ولكنه لا يتحرّك إلّا بما يهيم في قلبه من العشق لذلك الشيء ، فتراه ومن أجل الوصول إلى محبوبه أي الدنيا فانه مستعد لأنّ يخضع إلى كلّ ذلة ومهانة.

8 ـ وأيضاً نقرأ في الحديث الشريف بالنسبة إلى بيان الموارد السلبية لحبّ الدنيا قول أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) في الحكمة من هذا الحكم الإلهي «حُبُّ الدُّنْيَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ ، وَيُصِمُّ الْقَلْبَ عَنْ سُمَاعِ الْحِكْمَةِ وَيُوجِبُ الِيمَ الْعِقَابِ» ([21]).

9 ـ ونقرأ في حديث آخر في بيان الآثار الضارة والمفاسد الكثيرة لحبّ الدنيا ما ورد عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أنّه قال : «انَّ الدُّنْيَا مُشْغِلَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالْابْدَانِ» ([22]).

10 ـ ونختم هذه البحث بحديث شريف آخر عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) وهو : «انَّهُ مَا سَكَنَ حُبُّ الدُّنْيَا قَلْبَ عَبْدٍ الّا الْتَاطَ بِثَلَاثٍ : شُغْلٍ لَا يُنْفَدُ عَنَاؤُهُ ، وَفَقْرٌ لَا يُدْرَكُ غِنَاهُ ، وَأمَلٍ لَا يَنَالُ مُنْتَهَاهُ» ([23]).

الدنيا المطلوبة والدنيا المذمومة :

قلنا كراراً أن المقصود من حبّ الدنيا في هذا البحث هو ما يساوي العشق للدنيا لا الاستفادة المعقولة من المواهب المادية والطبيعية للتوصل بها إلى الكمال المعنوي فإنّ ذلك ليس من حبّ الدنيا قطعاً بل من حبّ الآخرة ، وبعبارة اخرى أنّ الكثير من البرامج المعنوية للسير في خطّ التكامل الإنساني لا تتسنّى بدون الامكانات المادية ، وفي الواقع أنّ هذه الامكانات المادية من قبيل مقدمة الواجب الّتي إذا أتى بها الإنسان بنيّة مقدمة الواجب ، فمضافاً إلى أنّها لا تكون عيباً فإنّها تكون مشمولة بالثواب الإلهي أيضاً.

ولهذا السبب نجد في الآيات القرآنية الكثيرة تعبيرات ايجابية عن مواهب الدنيا ، ومن ذلك :

ما ورد في آية الوصية من التعبير عن مال الدنيا به «خير» أي الخير المطلق حيث تقول الآية: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ)([24]).

2 ـ ويقول في مكان آخر «بركات السماء والأرض» عن مواهب الطبيعة الّتي فتحها الله تعالى للمؤمنين وذلك في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ...)([25]).

3 ـ ونقرأ في مكان آخر التعبير عن المال والثروة بأنّها «فضل الله» كما ورد في سورة الجمعة : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ...)([26]).

4 ـ وفي آية اخرى ورد أنّ كثرة الأموال والثروات بأنّها ثواب من الله تعالى للتائبين كما ورد في قصة نوح : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً)([27]).

وفي مكان آخر يقرر أنّ الأموال هي وسيلة للحياة ومحور للنشاطات الدنيوية للأقوام البشرية وتؤكد الآيات على عدم وضعها بيد السفهاء وتقول : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً)([28]).

5 ـ وفي مورد آخر يتحدّث القرآن الكريم عن وعد الله تعالى للمجاهدين في سبيله بالغنائم الكثيرة ويعدها من أنواع الثواب الإلهي لهم ويقول : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ...)([29]).

6 ـ وفي موضع آخر من الآيات القرآنية الكريمة يتحدّث القرآن عن النعم المادية الدنيوية ويعبّر عنها ب(الطيبات) كما نقرأ في سورة الأعراف الآية 32 قوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ...).

وفي مورد آخر يقول : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)([30]).

هذه التعبيرات العميقة وأمثالها من تعبيرات القرآن الكريم يُستفاد منها جيداً أنّ المواهب المادية والدنيوية في ظلّ ظروف خاصّة وأجواء متناسبة ليست فقط غير مطلوبة بل هي طيبة وطاهرة وباعثة على طيب البشر وطهارتهم.

7 ـ ونقرأ في آيات اخرى عبارات تقرر أنّ الامكانات المادية مضافاً إلى انها من فضل الله على الإنسان يمكنها أن تكون سبباً للصعود بالإنسان إلى مرتبة الصالحين كما ورد في الآية 75 من سورة التوبة : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ).

هذه الآية الشريفة وبالنظر إلى شأن نزولها كما ورد في التفاسير انها نزلت في أحد الأنصار يُدعى «ثعلبة بن حاطب» الّذي طلب من النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أن يدعو له بكثرة المال لينفق منه في سبيل الله وليكون من الصالحين ففي البداية لم يستجب النبي لطلبه لما يعرف من مزاجه وروحيته ولكن بعد إصراره دعا له النبي بذلك وكانت النتيجة معروفة ، فهذه الآية توضح على أنّ الامكانات المادية يمكنها أن تكون وسيلة للصعود بالإنسان في مدارج الكمال المعنوي ونيل السعادة الحقيقية والوصول إلى مرتبة الصالحين والمقربين.

ومن مجموع العناوين السبعة الواردة بالآيات أعلاه يتضح جيداً أنّ النعم المادية والمواهب الدنيوية ليست مذمومة وقبيحة بالذات بل هي تابعة لكيفية استخدامها واستعمالها والطريقة الّتي يسلك بها الإنسان في الاستفادة منها ، فلو انه استفاد منها بصورة صحيحة لأضحت مطلوبة وجميلة ونقيّة وطاهرة ، وفي غير هذه الصورة فهي ذميمة وسلبية ومضرّة.

والشاهد على هذا الكلام ما ورد في الروايات الكثيرة في كتاب وسائل الشيعة في باب (اسْتِحْبَابُ الاسِتعَانَةِ بِالدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ) ([31]).

وقد أورد المرحوم الشيخ الحر العاملي في هذا الباب إحدى عشر رواية كلّها شاهدة على انه يمكن الاستفادة من المواهب المادية والدنيوية في سبيل تحقيق السعادة الأُخروية ومن جملة ما أورده العاملي حديثاً عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أنّه قال : «نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى تَقْوَى اللهِ الْغِنَى» ([32]).

وفي حديث آخر في هذا الباب عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أنّه قال : «غِناً يَحْجُزُكَ عَنِ الظُّلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَقْرٍ يَحْمِلُكَ عَلَى الْاثْمِ»

وورد في حديث آخر عن أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه‌ السلام) أنّه قال للإمام : والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها ، فقال (عليه‌ السلام) : «تحبّ أن تصنع بها ما ذا؟» قال : أعود بها على نفسي وعيالي ، وأصل بها وأتصدق بها وأحجّ وأعتمر ، فقال أبو عبد الله (عليه‌ السلام) : «ليس هذا طلب الدنيا ، هذا طلب الآخرة» ([33]).

ونختم هذا البحث بكلام لأمير المؤمنين في الخطبة 209 من نهج البلاغة حيث يقول عند ما دخل مع جماعة لعيادة «العلاء بن زياد الحارثي» وهو من الشخصيات المعروفة في البصره ومن أصحاب الإمام حيث كان قد اشترى داراً وسيعة فقال له الإمام «مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا وَانْتَ الَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ احْوَجُ».

ثمّ إنّ الإمام أكمل كلامه بهذه العبارة «وَبَلَى انْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ تُقْرِىَ فِيهَا الضَّيْفَ ، وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ ، وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا ، فَإذَا أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ» ([34])

النتيجة : هي أنّ المواهب المادية والدنيوية متى ما أصبحت وسيلة للوصول إلى الكمال المعنوي وبناء الآخرة ومساعدة الضعفاء وحماية المحرومين وترويج وتقوية دعائم الحقّ والعدالة فليس هناك أفضل منها ، وإذا سلك بها الإنسان في مسير الذنوب والحرص والتكاثر بدون ملاحظة الحلال والحرام فليس هناك شيء أسوء منها ، أجل فمثل هؤلاء الناس من أتباع الدنيا الّذين يتحركون في استخدام هذه النعم والمواهب في طريق اشباع الغرائز المادية فإنّهم يجمعون في واقعهم النفساني مجموعة من الصفات الرذيلة والرغبات القبيحة والدنيئة.

ويروي أحد أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا ويُدعى محمّد بن إسماعيل بن بزيغ حيث يقول : سمعت من الإمام الرضا أنّه قال : «لَا يَجْتَمِعُ الْمَالُ الّا بِخِصَالٍ خَمْسٍ بِبُخْلٍ شَدِيدٍ وَامَلٍ طَوِيلٍ وَحِرْصٍ غالبٍ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَايثَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ» ([35]).


[1] سورة الأنعام ، الآية 32.

[2] سورة الحديد ، الآية 20.

[3] سورة آل عمران ، الآية 185.

[4] سورة لقمان ، الآية 33.

[5] سورة الروم ، الآية 7.

[6] سورة التوبة ، الآية 38.

[7] سورة النساء ، الآية 94.

[8] سورة النساء ، الآية 94.

[9] سورة الأنفال ، الآية 67.

[10] سورة الكهف ، الآية 28 و 46.

[11] سورة هود ، الآية 15.

[12] سورة الأحزاب ، الآية 28.

[13] سورة النمل ، الآية 24.

[14] بحار الأنوار ، ج 54 ، ص 356.

[15] كنز العمّال ، ج 3 ، ص 184 ، ح 6074.

[16] غرر الحكم ، ح 4870.

[17] غرر الحكم ، ح 3518.

[18] بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 60.

[19] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 130 ، باب حبّ الدنيا ، ح 11.

[20] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 136.

[21] غرر الحكم باللغة الفارسية ، ج 3 ، ص 397 ، رقم 4878.

[22] بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 81.

[23] بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 188.

[24] سورة البقرة ، الآية 180.

[25] سورة الأعراف ، الآية 96.

[26] سورة الجمعة ، الآية 10.

[27] سورة نوح ، الآية 11 و 12.

[28] سورة النساء ، الآية 5.

[29] سورة الفتح ، الآية 20.

[30] سورة الأنفال ، الآية 26.

[31] وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 16 ـ 18.

[32] وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 16.

[33] وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 19 ، باب استحباب جمع المال من الحلال ... ، ح 3.

[34] نهج البلاغة ، الخطبة 209.

[35] وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 19 ، ح 4

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي