x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

طرائق تدريس الفيزياء

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

مخفي الفيزياء

النجوم هي شموس ونحن نعرف مكوّناتها

المؤلف:  جون جريبين

المصدر:  سبعة أعمدة للعلم (خفة الثلج المذهلة ومفاجئات علمية اخرى)

الجزء والصفحة:  ص35–44

2023-11-19

696

في عام 1835 كتب الفيلسوف أوجست كونت يقول: «ما من وسيلة معقولة يمكننا بواسطتها أن نحدد التركيب الكيميائي للنجوم يومًا ما.» وفي عام 1859، قُدّمت تقنية لتحديد التركيب الكيميائي للنجوم في ورقة بحثية إلى الأكاديمية البروسية للعلوم. يبرز هذا التباين إلى أي مدى كانت هذه مفاجأة مدهشة على الرغم من أن ذلك البحث المقدم عام 1859 كان أبعد عن أن يسطّر نهاية القصة.

جاءت بداية القصة في الواقع في عام 1802، وهو ما لم يكن معروفًا إلى كونت، عندما درس الطبيب والفيزيائي الإنجليزي ويليام هايد ولاستون الطيف الناتج عن أشعة الشمس عندما ينتشر عبر موشور زجاجي مثلثي ويصنع شكل قوس قزح. فقد لاحظ أن الشكل قد تفكك بفعل خطوط داكنة، اثنان في الجزء الأحمر من الطيف، وثلاثة في المنطقة الخضراء، وأربعة في الطرف الأزرق. فظن أن هذه مجرَّد فجوات بين الألوان، ولم يستكمل اكتشافه. وفي عام 1814 توصل العالم الصناعي الألماني جوزيف فون فراونهوفر إلى الاكتشاف نفسه على نحو مستقل عندما كان يُجري تجارب لتحسين جودة الزجاج المستخدم في صناعة العدسات والمواشير. لاحظ في البداية التأثير المضاد لذلك الذي اكتشفه ولاستون؛ فعند تمرير الضوء الصادر من شعلة لهب عبر موشور، كان هناك خطان باللون الأصفر الفاتح في الطيف، بأطوال موجية محدّدة على نحو جيد جدًّا. واستعان بهذا الضوء الأصفر الخالص ليختبر الخصائص البصرية لأنواع مختلفة من الزجاج ثم بحث في الطريقة التي أثر بها الزجاج على أشعة الشمس. عند تلك النقطة رأى الخطوط الداكنة التي اكتشفها ولاستون وكان يجهلها. ونظرًا إلى امتلاكه معدات أفضل وزجاج ذي جودة عالية، رأى فراونهوفر عددًا أكبر بكثير من الخطوط في الطيف الشمسي، أحصى منها 576 خطًا في النهاية، لكل منها طول موجي. محدد؛ وجاءت النتيجة في مجملها أشبه بباركود. والشيء اللافت للنظر أنه قد رأى نفس نوعية نمط الخطوط في الضوء الصادر من كوكب الزهرة ومن النجوم. ولم يُعرف مطلقًا ما الذي تسبب في هذا النمط، ولكنها حتى يومنا هذا تعرف بخطوط فراونهوفر.

الخطوة الكبرى التالية كانت من نصيب روبرت بنزن وجوستاف كيرشوف، اللذين كانا يعملان بجامعة هايدلبرج في خمسينيات القرن التاسع عشر. عرف كلٌّ منهما، مثلما كان جميع الكيميائيين يعرفون في ذلك الوقت، أن المواد المختلفة التي تنثر في شعلة لهب متوهجة من شأنها أن تجعله يتوهّج بألوان مختلفة؛ كاللون الأصفر للاستدلال على عنصر الصوديوم (كما هو في ملح الطعام، كلوريد الصوديوم)، والأخضر المزرق للاستدلال على عنصر النحاس، وهلم جرا. وكان لديهما موقد من نوع جيد جدًّا لاستخدامه في «تجارب اللهب» هذه، وهو الموقد الذي سمي باسم بنزن نفسه، 1 وصمما جهازًا يدمج موشورًا وعدسةً تشبه تلك الخاصة بالميكروسكوب لدراسة الضوء بالتفصيل (وكان هذا أول مطياف ضوئي). وعندما حللا الضوء الملون الناتج بهذه الطريقة باستخدام التحليل الطيفي، وجدا أن كل عنصر في حرارة اللهب يُنتج خطوطًا حادةً ومُميَّزةً بأطوال موجية محددة. كان الخطان الأصفران اللذان لاحظهما فراونهوفر ناتجين عن الصوديوم، أما النحاس فينتج خطوطًا حادةً في الجزء الأخضر المزرق من الطيف، وهلم جرا. وأدركا أن أي جسم ساخن ينتج نمطه الخاص من الخطوط المميزة في الطيف. 2 ثم تدخلت الصدفة.

ذات ليلة، وبينما كانا يعملان داخل مختبرهما في مدينة هايدلبرج، اندلع حريق كبير بمدينة مانهايم، على بعد عشرة أميال من المختبر. وقد وُجدا في الوقت المناسب بالمكان المناسب ليُحلّلا الضوء الصادر عن الحريق باستخدام التحليل الطيفي، واستطاعا أن يُحددا الخطوط المناظرة لعنصري السترونشيوم والباريوم في الطيف. ووفقًا لقصة تكررت بنسخ مختلفة على مر أزمنة مختلفة لاحقة، كان بنزن وكيرشوف يسيران بمحاذاة نهر نيكار بعد مرور بضعة أيام على الحريق، حين قال بنزن شيئًا من قبيل: «إذا كان في استطاعتنا أن نحدد طبيعة المواد المحترقة في مانهايم، ينبغي أن نكون قادرين على القيام بالشيء نفسه مع الشمس. ولكن الناس سيصفوننا بالجنون لأننا نحلم بشيء كهذا.»

عند العودة إلى المعمل اختبرا هذه الفكرة المجنونة. وتعرَّف كيرشوف على نحو شبه فوري على الخطوط المزدوجة المألوفة للصوديوم في الجزء الأصفر من الطيف الشمسي، ثم وجدا، وكان لكيرشوف السبق في ذلك، أن الكثير من خطوط فراونهوفر الداكنة تظهر عند أطوال موجية حيث تُنتج عناصر معيَّنة خطوطًا ساطعةً عند تسخينها على لهب موقد بنزن. وكان الافتراض المنطقي المترتب على هذا هو أنه على الرغم من أن الأجسام الساخنة تُنتج خطوطًا ساطعةً في الطيف، فإن الأجسام الباردة، عند مرور الضوء عبرها، تمتص الضوء عند الأطوال الموجية المناظرة، مما ينتج عنه خطوط داكنة. فلا بد أن يمر الضوء المنبعث من الجزء الداخلي الساخن للشمس عبر الطبقات الخارجية الأكثر برودة لينتج هذا التأثير. وأمكن تحديد مكونات الشمس. واندهش كيرشوف للغاية حتى إنه قال متعجبًا، استكمالًا لحوارهما على ضفاف النهر: «بنزن، لقد أصابني الجنون!» ليرد بنزن قائلا: «وكذلك أنا يا كيرشوف.» كان هذا العمل هو ما شكل الأساس للبحث الذي قدمه كيرشوف إلى الأكاديمية البروسية في 27 أكتوبر عام.1859. لقد أمكن حقا تحديد مكونات الشمس والنجوم. أم كان ذلك ممكنا بالفعل؟

في البداية بدا كل شيء على ما يرام. وجاء النجاح العظيم للتقنية الجديدة لتحليل الضوء المنبعث من النجوم بعد كسوف الشمس الذي شهدته الهند في 18 أغسطس يوم عام 1868، وهو أول كسوف للشمس بعد إدراك كيرشوف أن خطوط فراونهوفر ناتجة عن عناصر محددة تحجب الضوء عن الشمس عند أطوال موجية معيَّنة. في أثناء الكسوف، عندما يحجب القمر الضوء المنبعث من قرص الشمس الأساسي، يمكن دراسة الضوء الأكثر خفوتا المنبعث من مناطق فوق السطح مباشرة. وقد قام الفلكي الفرنسي بيير جانسين بهذه الدراسة، ووجد خطًا أصفر فاتحًا جدًّا قريب الشبه من خطوط الصوديوم المتوقعة. كانت هذه السمة بارزةً للغاية لدرجة أنه لاحظ أنه لا يزال بإمكانه دراستها حتى بعد انتهاء الكسوف، فدوّن المزيد من الملاحظات قبل عودته إلى فرنسا في هذه الأثناء طور الفلكي الإنجليزي نورمان لوكير مطيافًا جديدًا استخدمه في دراسة الضوء المنبعث من المناطق الخارجية للشمس في 20 أكتوبر عام 1868. ووجد الخط الأصفر نفسه. يعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى جانسين ولوكير. بيد أن لوكير وحده هو من أخذ الخطوة الجريئة المتمثلة في ادعاء أن هذا الخط ينتج حتمًا عن عنصر مجهول على سطح الأرض، وأسماه الهيليوم، اشتقاقا من الكلمة اليونانية المستخدمة للشمس. وظلَّ الافتراض الذي طرحه مثار جدل حتى عام 1895، عندما اكتشف وليام رامزي أن غازا ينبعث من اليورانيوم (نعرف الآن أنه نتاج للتحلُّل الإشعاعي) ينتج عنه اللون الأصفر الفاتح نفسه الموجود في الطيف. وقد «اكتشف» بالفعل عنصر في الشمس قبل 27 عامًا من اكتشافه على الأرض. وفي مطلع القرن العشرين بدا أن العدد الكبير من العناصر المحددة بواسطة المطياف يبرهن لنا على أنه بالرغم من أن الشمس تحافظ على سخونتها بواسطة عملية مجهولة، فإن تكوينها كان شبيهًا للغاية بتكوين الأرض. ولكن هذا التفسير للأدلة كان خاطئًا. فقد كانت لا تزال هناك مفاجآت أخرى.

على الرغم من أن التفسير كان خاطئًا، فقد كان قائما. على أدلة بدت دامغة. ففي نهاية القرن التاسع عشر لخص هنري رولاند المعرفة المتوفّرة عن الشمس في صورة سلسلة من الجداول تحدد 36 عنصرًا، وتذكر تفاصيل عن قوة خطوطها الطيفية. وكشفت هذه المعلومات الكميات النسبية لهذه العناصر – عدد ذرات الأكسجين بالنسبة إلى كل ذرة من ذرات الكربون، وهكذا – التي تتوافق مع الكميات التي نراها على كوكب الأرض. ونتيجةً لعمل رولاند إلى حد كبير، ظلت فكرة أن تكوين الشمس يتشابه إلى حد كبير مع تكوين الأرض، قائمةً ربع قرن من الزمان. ثم جاءت المفاجأة الأولى.

في عام 1924 كانت سيسيليا باين تعكف على دراستها للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد كانت باين سيدةً إنجليزية، درست بكلية نيونهام بكمبريدج، ولكن لم يُسمح لها بالحصول على أي درجة علمية من هناك، فضلًا عن درجة الدكتوراه؛ نظرا لكونها امرأة. ولهذا السبب سافرت إلى أمريكا، حيث صارت في عام 1925 أول امرأة تحصل على درجة الدكتوراه من كلية رادكليف، استنادًا إلى عملها بمرصد جامعة هارفارد كانت هذه مجرد البداية لمسيرة مهنية متألقة، 3 ولكن لا شيء يفوق ما حققته في منتصف عشرينيات القرن العشرين كانت نقطة الانطلاق بالنسبة إليها بحثًا حديثا أجراه الفيزيائي الهندي ميجناد ساها شرح فيه كيفية تأثُر تفاصيل خطوط فراونهوفر بالظروف الفيزيائية (مثل درجة الحرارة والضغط، وهكذا) في أجزاء مختلفة من النجم. ومع توافر هذه المعلومات لديها، استطاعت سيسيليا أن تحسب نسب ثمانية عشر عنصرًا في عدة نجوم على نحو أدق من أي شخص سبقها إلى ذلك، مبينةً أن هذه النسب واحدة بالنسبة إلى جميع النجوم بمجرد فتح المجال أمام هذه التأثيرات. وأغلب هذه الوفرة من العناصر كانت متوافقة مع جداول رولاند لوفرة العناصر الشمسية. ولكن كان ثمة اختلاف واحد كبير. فوفقًا لحسابات باين كانت النجوم تحوي كما من الهيدروجين والهيليوم يفوق على نحو ساحق أي عناصر أخرى مجتمعةً معًا.

عندما أعدَّت باين مُسَوَّدة أطروحتها التي ضمت هذا الاكتشاف، أرسلها هارلو شابلي المشرف على رسالتها، لتراجع على يد هنري نوريس راسل أحد كبار الفلكيين بجامعة برينستون. وقال إن هذه النتيجة مستحيلة بكل وضوح.

سيسيليا باين جابوشكين. «معهد سميثسونيان / ساينس فوتو لايبراري».

 

وكان راسل في عام 1914 قد كتب في مقال عن «الطيف الشمسي وقشرة الأرض» يقول:

إن في تطابق القوائم الشمسية والأرضية تأكيدًا بالغ القوة لرأي رولاند، القائل إنه إذا ارتفعت درجة حرارة القشرة الأرضية إلى درجة حرارة الغلاف الجوي للشمس، فسيكون لها طيف الامتصاص نفسه. فقد كان ثمة تشابه بين أطياف الشمس والنجوم الأخرى؛ ولذا بدت الوفرة النسبية للعناصر الموجودة في الكون أشبه بتلك الموجودة في قشرة الأرض. 4

وظل متمسكًا بذلك الرأي. وعندما قدَّمت باين أطروحتها في عام 1925 أضافت، بناءً على نصيحة شابلي، العبارة التالية: «الوفرة الهائلة المستنبطة لعنصري [الهيدروجين والهليوم] داخل الغلاف الجوي للنجوم غير حقيقية على نحو شبه مؤكد.»

ولكن كانت هذه فكرة قد حان وقتها. ففي عام 1928، أجرى الفلكي ألبرشت أونسولد، الذي كان يعمل بجامعة جوتينجن، دراسة على الطيف الشمسي، واستنتج أن الغلاف الجوي للشمس يغلب على تركيبه عنصر الهيدروجين. كان هناك طالب دراسات بحثية أيرلندي، هو ويليام ماكراي، يزور جامعة جوتينجن في ذلك الوقت، وطوَّر هذا الطرح بعملية حسابية أظهرت أن الغلاف الجوي للشمس يحتوي على كم من ذرات الهيدروجين يفوق كم أي عناصر أخرى مجتمعة معًا ملايين المرات، باستثناء عنصر الهليوم. 5 وحصل على درجة الدكتوراه بأطروحة بعنوان «مشكلات متعلقة بالطبقات الخارجية للشمس»، من جامعة كمبريدج في عام 1929. في الوقت نفسه تقريبا كان راسل بصدد تغيير رأيه بخصوص استحالة النتائج التي توصلت إليها باين. وانطلاقًا من عمل أونسولد، وباستخدام معادلات الفيزيائي ساها أيضًا، أجرى راسل دراسة تفصيلية عن الطيف الشمسي، قدَّمت الوفرة النسبية لـ 56 عنصرًا. وكانت هذه أفضل مجموعة بيانات متوفّرة آنذاك عن تركيب الشمس؛ إذ تضمنت أدلةً على أن «الوفرة الهائلة لعنصر الهيدروجين يستحيل التشكيك فيها»، رغم أنه وصفها بأنها «كبيرة على نحو يكاد يصل حد عدم التصديق». كان راسل حريصًا على أن يوفي باين حقها كاملًا عندما نشر بحثه الخاص، ولكن نظرًا إلى أنه كان عالِمًا بارزًا له مكانته، أحدث بحثه ضجة كبيرة آنذاك، وكثيرًا ما نُسب إليه وحده الفضل في هذا الاكتشاف فيما أُغفلت إسهاماتها. وترك بحثه أثرًا أعمق من بحث باين، رغم أن بحثها كانت له الأسبقية، وفي عام 1962 وصف الفلكي أوتو ستروف أطروحتها بأنها «أروع أطروحة دكتوراه كتبت في علم الفلك على الإطلاق» حتى ذلك الوقت. وهكذا صار ما كان «مستحيلا» في عام 1925 «شبه» مذهل في عام 1929.

ولكن كان لا يزال هناك الكثير مما أثار دهشة علماء الفلك، وهو ما أشير إليه في تعليق راسل في عام 1914 بأن «الوفرة النسبية للعناصر الموجودة في الكون بدت مماثلة لتلك الموجودة في قشرة الأرض.» فإذا كانت النجوم لا تتكون من نفس العناصر الوفيرة الموجودة في قشرة الأرض، فإن تركيب الكون لا يشبه تركيب قشرة الأرض. وعلى وجه التحديد يحتوي الكون حتمًا على قدر أكبر كثيرًا من الهيدروجين والهليوم. غير أن هذا القدر لم يتبيَّن بوضوح إلا بعد مرور نحو ثلاثة عقود على الأبحاث الرائدة لباين وأونسولد وماكراي وراسل.

بحلول أواخر عشرينيات القرن العشرين، كون علماء الفلك فهما جيدًا إلى حدٍّ مذهل عن طبيعة نجم مثل الشمس، رغم أنهم لم يعرفوا التفاصيل الدقيقة بخصوص كيفية توليدها للحرارة في داخلها. فالنجم في الأساس عبارة عن كرة من الغاز الساخن يوازن بين قوتين مضادتين للحفاظ على حالة التوازن. تحاول الجاذبية أن تضم أجزاء الكرة معا بحيث تنكمش، في حين أن الضغط الذي يتولد بفعل الحرارة من داخلها يدفعها إلى التمدد إلى الخارج. ويستطيع علماء الفلك حساب كتلة الشمس من خلال دراسة مدارات الكواكب الثابتة في أماكنها بفعل جاذبية الشمس، وبذلك يعرفون مدى شدة القوة الجاذبة إلى الداخل. ونظرًا إلى حالة التوازن السابقة فإن هذا يعني أنهم يعرفون مدى شدة القوة الدافعة إلى الخارج، وهو ما ينبئهم بالظروف داخل الشمس، بما فيها درجة الحرارة في لبها. وتوصل عالم الفيزياء الفلكية الرائد آرثر إدينجتون إلى هذه التفاصيل، ونشرها في كتاب بعنوان «التكوين الداخلي للنجوم في عام 1926. وفي ذلك الحين، وبفضل ألبرت أينشتاين، عرف علماء الفيزياء أن الطاقة من الممكن أن تتحرر من خلال الاندماج النووي. ويمكن أن تتحرّر كمية كبيرة من الطاقة بهذه الطريقة إذا أمكن تحويل أربع أنوية هيدروجين (وهي عبارة عن بروتونات أحادية) إلى نواة هليوم (جسيمات ألفا، كل جسيم منها يتكون من بروتونين ونيوترونين متحدين معًا)؛ نظرًا إلى أن كتلة كل نواة هليوم أقل من الكتلة المجمعة لأربعة بروتونات مستقلة والطاقة المنبعثة من كل اندماج تساوي هذه الكتلة «المفقودة» مضروبةً في مربع سرعة الضوء. وحتى قبل أن يدرك علماء الفلك كم الهيدروجين الذي تحويه الشمس والنجوم بالتحديد، وكان يُرجّح أن يكون كل القدر المتاح منه مشاركًا في هذه العملية، اقترح إدينجتون أن حرارتها تتولد بهذه الطريقة؛ نظرًا إلى أن «الهيليوم الذي نتعامل معه لا بد أنه قد تجمع في وقت مُعيَّن وفي مكان مُعيَّن.» وكان السؤال هو: كيف حدث ذلك؟

تعرقل البحث عن إجابة لهذا السؤال بسبب وقوع مصادفة مؤسفة. ففي ثلاثينيات القرن العشرين طوّر علماء الفيزياء الفلكية «نماذج» أكثر تفصيلًا (مجموعة من المعادلات تصف ما كان يحدث للأجزاء الداخلية للنجوم. ووجدوا أن الضغط الذي يجعل نجمًا ما يبقى ثابتًا بالأعلى له شقين. الشق الأول هو العملية المعتادة التي نظن أنها عملية الضغط، حيث تثب الجسيمات وتتصادم بعضها مع بعض، مثل جزيئات الهواء داخل بالون. ولكن الجزء الداخلي من النجم ساخن جدا لدرجة أن الإلكترونات السالبة الشحنة تنتزع من النوى الموجبة الشحنة فيتفاعل طوفان الجسيمات المشحونة الناتج مع الإشعاع الكهرومغناطيسي – الضوء، والأشعة السينية، وما إلى ذلك – المنبعث من قلب النجم ليشق طريقه إلى السطح. وينتج عن هذا قوة خارجية إضافية، تُعرف باسم ضغط الإشعاع. فنجم مثل الشمس يكون مستقرا عندما يعمل هذان النوعان من الضغط معًا على موازنة قوة السحب الداخلية للجاذبية. ولكن تبيَّن أن ثمة طريقتين لتحقيق هذا التوازن.

يتوقف الضغط العادي على عدد الجسيمات الموجودة. فالإلكترونات أخف كثيرًا من البروتونات والنيترونات لدرجة أنه يمكن تجاهلها في هذا الإطار؛ ومن ثم فإن ما يهم هو النوى الذرية. ولكن ضغط الإشعاع يتوقف على عدد الإلكترونات. فذرة الهيدروجين بها إلكترون واحد فقط، وبذا يمكن أن تساهم بإلكترون واحد لكل نواة، ولكن ذرة الهيليوم بها إلكترونان، ومن ثم يمكنها أن تساهم بإلكترونين لكل نواة، وهلم جرا. وبناءً على ذلك فإن نسب الضغط الإجمالي الناتجة عن الضغط العادي وضغط الإشعاع تتوقف على عدد أنوية العناصر الثقيلة الموجودة في هذا المزيج. الصدفة المؤسفة هي أن التوازن في قوة السحب الداخلية للجاذبية في نجم بكتلة الشمس وسطوعها، أو أي نجم آخر مشابه لها، يمكن أن يتحقق من خلال مزيج بين نوعي الضغط «إما» إذا كان 95 بالمائة من النجم يتكون من مزيج من الهيدروجين والهيليوم، «أو» من 35 بالمائة فقط من العناصر الخفيفة و65 بالمائة من العناصر الثقيلة. وفي ثلاثينيات القرن العشرين بعد أن أدرك علماء الفلك أن النجوم لا تتكون بالكامل من العناصر الثقيلة، جنح العلماء نحو الخيار الثاني. وكان قبول فكرة أن العناصر الشبيهة بتلك العناصر الموجودة على كوكب الأرض لا تشكّل أكثر من 5 بالمائة من الشمس والنجوم، قفزةً أكبر من أن يستطيعوا استساغتها وتقبلها.

إذن كانت المحاولات الأولى لتفسير كيفية تولُّد الطاقة داخل النجوم. كيف تمتزج نوى الهيدروجين لتكون نوى هليوم قائمة على افتراض أنها تتكون من 35 بالمائة من الهيدروجين. وكان لهذا الفهم المغلوط أثره على أبحاث أوائل الباحثين والعلماء الذين حاولوا تفسير العملية، والتي تعاون في إجرائها فريتز هاوترمانس وروبرت أتكينسون في البداية، ثم طوّرها أتكينسون وحده. وجوهر هذه الفكرة أن الأنوية الأثقل تمتص أربعة بروتونات واحدةً تلو الأخرى، ثم تلفظ جسيمات ألفا؛ أي أنوية الهيليوم. وتبين أن هذه العملية مهمة في بعض النجوم الأكبر حجمًا قليلا من الشمس، ولكن العملية التي تطلق الطاقة حقًّا داخل الشمس أبسط كثيرًا. تبدأ هذه العملية باتحاد بروتونين معا ولفظ بوزيترون (وهو نظير موجب الشحنة للإلكترون) لإنتاج ديوترون؛ وهو عبارة عن نواة تتكون من بروتون واحد ونيوترون واحد متحدين معًا. وينتج عن إضافة بروتون آخر نواة نظير الهيليوم –3، وعند تفاعل نواتين من الهيليوم –3 ينتج عنهما نواة نظير الهيليوم –4 (بروتونان ونيترونان؛ أي جسيم ألفا) مع قذف بروتونين. وتكون النتيجة النهائية هي تحول أربعة نوى هيدروجين إلى نواة هليوم. وقد توصل تشارلز كريتشفيلد في عام 1938 إلى جوهر «تفاعل بروتون – بروتون المتسلسل» هذا، ولكن لم يُفهم فهما كاملًا إلا في خمسينيات القرن العشرين مع التوصل إلى أن 95 بالمائة على الأقل من تركيب الشمس يتكون من الهيدروجين والهيليوم.

أنت بحاجة إلى كمية كبيرة من الهيدروجين لتتم هذه العملية بنجاح؛ نظرًا إلى ضالة احتمالات اصطدام أي نواتي هيدروجين إحداهما بالأخرى بقوة تكفي لتكوين نواة ديوترون، حتى في ظل الظروف القصوى بقلب الشمس. وتوضّح لنا التقديرات الحديثة، التي أسهم ظهور أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية العالية السرعة إلى حد كبير في إجرائها، أن بروتونا واحدًا مستقلا، يثب في قلب الشمس حيث تصل درجة الحرارة إلى حوالي 15 مليون درجة مئوية، من شأنه أن يستغرق 14 مليار عام قبل أن يدخل في صدام مباشر مع بروتون آخر لتكوين ديوترون بعض البروتونات تستغرق وقتًا أطول، وبعضها الآخر يستغرق وقتًا أقل، ولكن من الناحية الإحصائية اصطدام واحد يحدث كل 10 مليارات تريليون عام سيؤدي إلى بدء تفاعل بروتون بروتون المتسلسل. والخطوات التالية في سلسلة التفاعل مستبعد حدوثها على نحو مماثل. ففي كل مرة تتحوّل أربعة بروتونات إلى نواة هليوم واحدة، تتحول معها 0.7 فقط من الكتلة إلى طاقة. ولكن على الرغم من ندرة هذه الأحداث والكمية الضئيلة من الطاقة المنبعثة من الكتلة في كل مرة، تُحوّل الشمس إجمالا 5 ملايين طن (أي ما يكافئ وزن مليون فيل أفريقي من الحجم المتوسط) من كتلتها إلى طاقة في الثانية الواحدة، بينما 616 مليون طن من الهيدروجين يتحول إلى 616 مليون طن من الهيليوم. وظلت الشمس تقوم بذلك لمدة 4.5 مليارات عام، ولكنها بدأت بكمية كبيرة جدًّا من الهيدروجين لدرجة أنها لم تُحوّل إلا 4 بالمائة من وقودها الهيدروجيني إلى رماد هيليوم.

أما فيما يخص تركيب الشمس (والنجوم المشابهة)، فالوضع أكثر تعقيدًا مما أشارت له التقديرات الحسابية البسيطة التي أُجريت في ثلاثينيات القرن العشرين. فقد ذكرت هذه التقديرات أن 95 بالمائة «على الأقل» من تركيب الشمس يأتي بلا شك على هيئة هيدروجين وهيليوم. أما الآن فنحن نعلم، بناءً على مزيج من المشاهدات والنمذجة الحاسوبية، أنه من حيث الكتلة تتكون الشمس من 71% من عنصر الهيدروجين، و%27 تقريبا من عنصر الهيليوم، وأقل من 2% من باقي العناصر الأخرى مجتمعة. أما من حيث عدد الذرات (الأنوية)، فإن الأعداد أكبر من ذلك إلى حد يُثير الدهشة. فتُشكّل أنوية الهيدروجين 91.2% من الشمس، والهيليوم 8.7%، أما باقي العناصر فتكون %0.1 فقط. وتنطبق هذه الأرقام على نسب العناصر الكيميائية الموجودة في النجوم عبر الكون، أما الكواكب فهي عبارة عن ذرات غبار ضئيلة بمصطلحات علم الكونيات مقارنةً بالنجوم الأم (إذ يساوي حجم الشمس 1.3 مليون كوكب بحجم الأرض مجتمعة). وتمثل تشكّل العناصر التي جميع أهمية بالنسبة إلينا جزءًا من نسبة الـ %2، أو الـ 0.1% إذا كنت ستحصي عدد الذرات، وهي فكرة من نوعية الأفكار التي نشأت بعد الخليقة. وقد كانت هذه واحدةً من كبرى مفاجآت العلم. ولكن يقال، وهو الأمر الأكثر إثارة للدهشة، إن نسبة الـ 2% نتج عنها كائنات حية، بما فيها نحن أنفسنا. وطريقة حدوث ذلك هو عمود آخر من أعمدة العلم.

 

_________________________________________________

هوامش

(1) كان الموقد الأساسي من تصميم مايكل فاراداي، وطوره بيتر ديزاجا مساعد بنزن الذي سوقه تحت اسم بنزن.

(2) لم يُعرف تفسير هذا الأمر إلا بعد تطوير نظرية الكم في القرن العشرين، ولكن لم يكن هذا يمثل أهمية بالنسبة إلى الكيميائيين في تلك الفترة.

(3) أغلبها أُجري تحت اسمها بعد الزواج، سيسيليا باين جابوشكين.

(4) مجلة «ساينس»، مجلد 39، صفحة 791.

(5) بعد ذلك بكثير كان ماكراي مشرفًا عليَّ حين كنت أدرس علم الفلك في جامعة ساسكس، ولكن للأسف لم أكتسب أي قدر من عبقريته!