x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن مرزوق الحفيد
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج5، ص: 420-434
2023-09-26
1623
ابن مرزوق الحفيد
وأما والده (1) عالم الدنيا أبو عبد الله محمد بن مرزوق الشهير بالحفيد (2) فهو البحر الإمام المشهور الحجة الحافظ العلامة المحقق الكبير النظار المطلع المصنف المنصف التقي الصالح الناصح الزاهد العابد الورع البركة الخاشع الخاشي النبيه القدوة المجتهد الأبرع الفقيه الأصولي المفسر المحدث الحافظ المسند الراوية الأستاذ المقرئ المجود النحوي اللغوي البياني العروضي الصوفي الأواب الولي الصالح العارف بالله، الآخذ من كل فن بأوفر نصيب، الراعي في كل علم مرعاه الخصيب، حجة الله على خلقه، المفتي الشهير الرحلة الحاج، فارس الكراسي والمنابر، سليل الأكابر، سيد العلماء الأخيار، وإمام الأئمة وآخر الشيوخ ذوي الرسوخ، بدر التمام الجامع بين المعقول والمنقول والحقيقة والشريعة بأجل محصول، وآخر النظار الفحول، شيخ المشايخ، صاحب التحقيقات البديعة والاختراعات الأنيقة، والأبحاث الغريبة، والفوائد الغزيرة، المتفق على علمه وصلاحه وهديه، الذكي الفهامة القدوة الذي لا يسمح الزمان بمثله أبداً، أوحد الأفراد في جميع الفنون الشرعية، ذو المناقب العديدة والأحوال السديدة، شيخ الإسلام وإمام المسلمين وفتي الأنام، الذي له القدم الراسخ في كل مقام (3) ضيق، والرحب الواسع في حل كل مشكل مقفل، صاحب الكرامات والاستقامات، السني السنى الحريص على تحصيل السنة ومجانبة البدعة، السيف المسلول على أهل البدع والأهواء الزائغة، الذي أفاض الله تعالى على خلقه به بركته، ورفع بين البرية محله ودرجته، ووسع على خليقته به نحلته، معدن العلم وشعلة الفهم، وكيمياء السعادة وكنز الإفادة، ابن الشيخ الفقيه العلم أبي العباس أحمد، ابن الإمام العلامة الرئيس الكبير الخطيب الحافظ الرحلة الفقيه المحدث الشهير شمس الدين محمد، ابن الشيخ العالم الصالح الولي المجاور أبي العباس أحمد، ابن الفقيه الولي الصالح الخاشع محمد، ابن الولي الكبير ذي الكرامات والأحوال الصالحة محمد بن أبي بكر ابن مرزوق العجيسي التلمساني: كان رحمه الله تعالى آية الله في تحقيق العلوم، والاطلاع المفرط على النقول، والقيام التام على الفنون بأسرها، أما الفقه فهو فيه مالك، ولأزمة فروعه حائز ومالك، فلو رآه الإمام قال له: تقدم، فلك العهد والولاية فتكلم، فمنك يسمع فقهي وفروعي، ومثلك من راعى ما ينبغي فروعي، أو ابن القاسم لقر به عيناً وقال له: طالما دفعت عن المذهب عيناً وشيناً أو المازري، لعلم أنه بمناظرته حري، أو الحافظ ابن رشد، لقال: هلم يا حافظ الرشد، أو اللخمي لأبصر منه محاسن التبصرة، أو القرطبي لنال منه التذكرة، أو القرافي لاستفاد منه قواعده المقررة، أو ابن الحاجب لاستند إلى بابه في كشف الإشكالات المحررة، إلى ما انضم إلى ذلك من معرفة التفسير ودرره، والاضطلاع بحقائق التأويل وغرره، فلو رآه مجاهد، لعلم أنه في التحقيق خير جاهد (4) ، أو مقاتل، لقال: مثلك طبق من الفهوم الكلى وأصاب المقاتل، أو الزمخشري لعلم أنه كشاف الخفيات على الحقيقة، وقال لكتابه: تنح لهذا الحبر عن سلوك الطريقة، أو ابن عطية، لركب في الرحلة إلى الاستفادة منه المطية، أو أبو حيان لغرق في نهره، ولم تسل له نقطة من بحره، إلى الإحاطة بالحديث وفنونه، والاطلاع على أسانيده ومتونه، ومعرفة منكره ومعروفه، ونظم أنواعه ورصف صنوفه، إذ إليه الرحلة انتهت في رواياته ودراياته، وعليه المعول في حل مشكلاته، وفتح مقفلاته، وأما الأصول (5) فالعضد ينقطع عن مناظرته ساعده، والسيف يكل عند بحثه حده حتى يترك ما عنده ويساعده، والبرهان لا يهتدي معه لحجة، والمقترح لا يركب في بحره لجة. وأما النحو فلو رآه محمود (6) لتلجلج في قراءة المفصل، واستقل ما عنده من القدر المحصل، أو الرماني لاشتقاق إلى مفاكهته وارتاح، واستجدى من ثمار فوائده وامتاح، أو الزجاج علم أن زجاجه لا يقوم بجواهره، وأنه لا يجري معه في هذا العلم إلا في ظواهره، بل لو رآه الخليل، لقال: هذا هو المقصد الجليل، وأثنى عليه بكل جميل، وقال لفرسان النحو: ما لكم إلى لحوق عربيته من سبيل (7) ، وأما البيان فالمصباح لا يظهر له نور عند هذا الصبح، وصاحب المفتاح لا يهتدي معه إلى الفتح، والقزويني يلقي علومه لإيضاح المعاني، والسعد يرقى بمفهومه في مطالع المثاني، وكم له من مناقب، تنحط عن منالها الثواقب، ومواهب، تجلو بأنوارها الغياهب، وأما زهده (8)
وصلاحه فقد سارت به الركبان، واتفق عليه الثقلان، فمن وصفه بالبحر، فقل له: دون علمه البحر، أو البدر فما يصل خلقه البدر، أو الدر فأنى يشبه منطقه الدر، وبالجملة فالوصف يتقاصر عن صفاته وفضلاء عصره لا يرتقون إلى صفاته، فهو شيخ العلماء في أوانه، وإمام الأئمة في عصره وزمانه، شهد بنشر علومه العاكف والبادي، وارتوى من بحار تحقيقاته الظمآن والصادي:
حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر
هكذا وصفه بعض العلماء، وهو فوق ذلك كله.
وقال في حقه بلدينا الشيخ أبو الفرج ابن أبي يحيى الشريف التلمساني رحمه الله تعالى: هو شيخنا الإمام العالم العلم، جامع أشتات العلوم الشرعية والعقلية حفظاً وفهماً وتحقيقاً راسخ القدم، رافع لواء الإمامة بين الأمم، ناصر الدين بلسانه وبنانه وبالقلم، محيي السنة بالفعال والمقال والشيم، قطب الوقت في الحال والمقام والنهج الواضح والسبيل الأمم (9) ، مستمر على الإرشاد والهداية، والتبليغ والإفادة، والرواية والدراية والعناية، ملازم الكتاب والسنة على نهج الأئمة المحفوظين من البدع في زمن لا عاصم فيه من أمر الله إلا من رحم، ذو همة علية ورتبة سنية وأخلاق مرضية وفضل وكرم، إمام الأئمة وعلم (10) الأمة الناطق بالحكم ومنير الظلم، سليل الصالحين، وخلاصة مجد التقى والدين، نتيجة مقدمات المهتدين، حجة الله على العلم والعالم، جامع بين الشريعة والحقيقة، على أصح طريقة، متمسك بالكتاب لا يفارق فريقه، الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد، اتصلت به فأويت منه إلى ربوة ذات قرار ومعين، وقصرت توجهي عليه، ومثلت بين يديه، فأنزلني - أعلى الله قدره - منزلة ولده رعاية للذمم، وحفظاً على الود الموروث من القدم، فأفادني من بحار علمه ما تقصر عنه العبارة ويكل دونه القلم، فقرأت عليه جملة من تفسير القرآن ومن الحديث صحيح البخاري بقراءتي وقراءة غيري مراراً وصحيح مسلم كذلك وسنن الترمذي وأبي داود بقراءتي، والموطأ سماعاً وتفقهاً والعمدة، ومن علم الحديث أرجوزته الحديقة وبعض الكبرى وهي الروضة تفقهاً، ومن العربية نصف المقرب تفقهاً وجميع سيبويه كذلك، وألفية ابن مالك، وأوائل شرح الإيضاح لابن أبي ربيع، وبعض المغني لابن هشام، وفي الفقه التهذيب كله تفقهاً، وابن الحاجب الفرعي، وبعض مخنصر الشيخ خليل، والتلقين، وثلثي الجلاب، وجملة من المتيطية، والبيان لابن رشد، وبعض الرسالة، وكل ذلك قراءة تفقه، وتفقهت عليه من كتاب الشافعية في تنبيه الشيرازي ووجيز الغزالي من أوله إلى كتاب الإقرار، ومن كتب الحنفية مختصر القدوري تفقهاً، ومن كتب الحنابلة مختصر الخرقي تفقهاً، ومن أصول الفقه المحصول، ومختصر ابن الحاجب، والتنقيح، وكتاب المفتاح لجدي، وقواعد عز الدين، وكتاب المصالح والمفاسد له، وقواعد القرافي، وجملة من النظائر والأشباه للعلائي، وإرشاد العميدي، ومن أصول الدين المحصل والإرشاد تفقهاً، وفي القراءات قصيدة الشاطبي تفقهاً، وابن بري (11) ، وفي البيان التلخيص والإيضاح والمصباح، وكلها تفقهاً وفي التفقه (12) الإحياء للغزالي سوى الربع الأخير منه، وألبسني خرقة التصوف كما ألبسه أبوه وعمه، وهما ألبسهما أبوهما وجده؛ انتهى ملخصاً (13) .
وكتب المذكور تحت هذا ما نصه: صدق السيد بن السيد أبو الفرج المذكور فيما ذكر من القراءة والسماع والتفقه وبر، وقد أجزته في ذلك كله، فهو حقيق بها مع الإنصاف وصدق النظر، جعلني الله وإياه ممن علم وعمل لآخرته واعتبر، قاله محمد بن مرزوق؛ انتهى.
وقال تلميذه الولي أبو زيد سيدي عبد الرحمن الثعالبي(14): قدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد الله ابن مرزوق فأقام بها، فأخذت عنه كثيراً، وسمعت عليه جميع الموطإ بقراءة صاحبنا أبي حفص عمر ابن شيخنا محمد القلشاني (15) ، وختمت عليه أربعينيات النووي، قرأتها عليه في منزله قراءة تفهم، فكان كلما قرأت عليه حديثاً يعلوه خشوع وخضوع، ثم يأخذ في البكاء، فلم أزل أقرأ وهو يبكي إلى أن ختمت الكتاب، وكان من أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله، وأجمع الناس على فضله من المغرب إلى الديار المصرية، واشتهر ذكره في البلاد، فكان بذكره تطرز المجالس، وجعل الله تعالى حبه في قلوب العامة والخاصة فلا يذكر في مجلس إلا والنفوس مشوقة (16) إلى ما يحكى عنه، وكان في التواضع والإنصاف والاعتراف بالحق في الغاية وفوق النهاية، لا أعلم له نظيراً في ذلك في وقته، ثم ذكر كثيراً جداً من الكتب مما سمعه عليه، وأطال في ذلك.
وقال في موضع آخر: هو سيدي الشيخ الإمام الحبر الهمام، حجة أهل الفضل في وقتنا وخاتمتهم، ورحلة النقاد وخلاصتهم، ورئيس المحققين وقادتهم، السيد الكبير، والذهب الإبريز، والعلم الذي نصبه التمييز (17) ، ابن البيت الكبير، والفلك الأثير، ومعدن الفضل الكثير، سيدي أبو عبد الله محمد ابن الإمام الجليل الأوحد الأصيل، جمال الفضلاء، سليل الأولياء، أبي العباس أحمد، ابن العالم الكبير، العلم الشهير تاج المحدثين وقدوة المحققين، أبي عبد الله محمد بن مرزوق.
وقال أيضاً في موضع آخر: هو شيخي الإمام العلم الصدر الكبير، المحدث الثقة المحقق بقية المحدثين، وإمام الحفظة الأقدمين والمحدثين، سيد وقته وإمام عصره وورع زمانه وفاضل أقرانه، أعجوبة أوانه وفاروق زمانه، ذو الأخلاق المرضية، والأحوال الصالحة السنية، والأعمال الفاضلة الزكية، أبو عبد الله.
وقال في حقه المازوني في أول نوازله: شيخنا الإمام الحافظ بقية النظار والمجتهدين، ذو التواليف العجيبة، والفوائد الغريبة، مستوفي المطالب والحقوق، أبو عبد الله ابن مرزوق.
وقال تلميذه الحافظ العلامة أبو عبد الله التنسي عند ذكره: إن إمامنا مالكاً سئل عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين لا أدري، وجنة العالم لا أدري ما نصه: ولم نر فيمن أدركنا من شيوخنا من تمرن على هذه الخصلة الشريفة ويكثر استعمالها غير شيخنا الإمام العلامة رئيس علماء المغرب على الإطلاق أبي عبد الله بن مرزوق.
وقال الشيخ أبو الحسن القلصادي في رحلته: أدركت (18) كثيراً منم العلماء والعباد والزهاد والصلحاء، أولاهم في الذكر والتقديم (19) الشيخ الفقيه الإمام العلامة الكبير الشهير شيخنا وبركتنا أبو عبد الله ابن مرزوق، حل كنف العلم والعلا، وجل قدره في الجلة والفضلا، قطع الليالي ساهراً، وقطف من العلم أزاهراً، فأثمر وأورق، وغرب وشرق، حتى توغل في فنون العلم واستغرق، إلى أن طلع للأبصار هلالاً لأن الغرب مطلعه، وسما في النفوس موضعه وموقعه، فلا ترى أحسن من لقائه، ولا أسهل من إلقائه، لقي الشيوخ الأكابر، وبقي حمده متعرفاً (20) من بطون الكتب والسنة الأقلام وأفواه المحابر، وكان رضي الله عنه من رجال الدنيا والآخرة، وكانت أوقاته كلها معمورة بالطاعات ليلاً ونهاراً من صلاة وقراءة قرآن وتدريس علم وفتيا وتصنيف، وكانت له أوراد معلومة وأوقات مشهورة (21) ، وكانت له بالعلم عناية تكشف بها العماية، ودراية تعضدها الرواية، ونباهة تكسب النزاهة، قرأت عليه رضي الله عنه بعض كتابه في الفرائض وأواخر إيضاح الفارسي وشيئاً من شرح التسهيل وعرضت عليه إعراب القرآن وصحيح البخاري والشاطبيتين وأكثر ابن الحاجب الفرعي والتلقين وتسهيل ابن مالك والألفية والكافية وابن الصلاح في علم الحديث ومنهاج الغزالي وبعض الرسالة وغيرها، ثم توفي يوم الخميس بمصر رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة وصلي عليه بالجامع الأعظم بعد صلاة الجمعة، وحضر جنازته السلطان فمن دونه، ولم أر مثلها قبل، وأسف الناس لفقده، وآخر بيت سمع منه قبل موته:
إن كان سفك دمي أقصى مرادكم ... فما غلت نظرة منكم بسفك دمي
انتهى ملخصاً.
وفي فهرست ابن غازي في ترجمة شيخه أبي محمد الورياجلي (22) ما صورته: وممن لقي من شيوخ تلمسان المحروسة الإمام العلم العلامة الصدر الأجل الأوحد المحقق النظار الحجة العالم الرباني أبو عبد الله بن مرزوق، وقد حدثني بكثير من مناقبه وصفة إقرائه، وقوة اجتهاده، وتواضعه لطلبة العلم، وشدته على أهل البدع، وما اتفق له مع بعضهم، إلى غيرها من شيمه الكريمة، ومحاسنه العظيمة؛ انتهى.
وقال بعضهم في حقه: إنه كان يسير سيرة سلفه في العلم والتخلق والحلم والشفقة وحب المساكين، آية الله في الفهم والذكاء والصدق والعدالة والنزاهة
واتباع السنة في الأقوال والأفعال، ومحبة أهلها في جميع الأحوال، مبغضاً لأهل البدع ومحباً سد الذرائع، وله كرامات؛ انتهى.
أخذ العلم عن جماعة أجلاء فمنهم (23) العلامة السيد عبد الله الشريف التلمساني، وعالم المغرب القاضي سيدي سعيد العقباني التلمساني، والوالي العابد الصالح أبو إسحاق سيدي إبراهيم المصمودي، وأفرد ترجمته بتأليف، وعن عمه وأبيه، ويروي عن جده بالإجازة وابن عرفة وأبي العباس القصار التونسي (24) ، وبفاس عن النحوي أبي حيان وأبي زيد المكودي، وجماعة غيرهما، وبمصر عن السراج البلقيني، والزين الحافظ العراقي، والشمس الغماري، والسراج ابن الملقن، وصاحب القاموس، والمحب ابن هشام ابن صاحب المغني والنور النويري، والولي ابن خلدون، والقاضي التنسي، وغيرهم.
وأخذ عنه جماعة كالثعالبي، والقاضي عمر القلشاني، وابن العباس [والعلامة] نصر الزواوي، والولي سيدي الحسن أبركان، وابنه، وأبي البركات الغماري، وأبي الفضل المشدالي، وقاضي غرناطة أبي العباس ابن أبي يحيى الشريف، وإبراهيم ابن فائد، وأبي العباس الندرومي، وابنه الكفيف، وسيدي علي بن ثابت، والشهاب بن كحيل التجاني، والعلامة أحمد بن يونس القسمطيني، والعلامة يحيى بن يدير (25) ، وأبي الحسن القلصادي، والشيخ عيسى بن سلامة البسكري، وغيرهم، كالحافظ التنسي التلمساني.
قلت: وسندي إليه عن عمي الإمام سيدي سعيد المقري، عن الشيخ أبي عبد الله التنسي، عن والده الحافظ أبي عبد الله محمد التنسي المذكور، عن ابن مرزوق المذكور بكل مروياته وتآليفه.
وقال السخاوي في حقه: هو أبو عبد الله، يعرف بحفيد ابن مرزوق، وقد يختص بابن مرزوق، وقد تلا لنافع على عثمان الزروالي، وانتفع في الفقه بأبي عبد الله ابن عرفة، وأجازه أبو القاسم محمد بن الخشاب ومحمد بن علي الحفار الأنصاري ومحمد القيجاطي، وحج قديماً سنة تسعين وسبعمائة رفيقاً لابن عرفة، وسمع منن ابن (26) البهاء الدماميني والنور العقيلي بمكة، وفيها قرأ البخاري على ابن صديق، ولازم المحب (27) ابن هشام في العربية، وكذا حج سنة تسع عشرة وثمانمائة، ولقيه الزيني رضوان بمكة، وكذا لقيه ابن حجر؛ انتهى.
وأما تواليفه فكثيرة منها شروحه الثلاثة على البردة، وسمي الأكبر إظهار صدق المودة في شرح البردة واستوفى فيه غاية الاستيفاء، وضمنه سبعة فنون في كل بيت، والأوسط، والأصغر المسمى بالاستيعاب لما فيها من البيان والإعراب، ومنها الغاية القراطيسية (28) في شرح الشقراطيسية والمفاتيح المرزوقية في استخراج رموز الخزرجية ورجز في علوم الحديث سماه الروضة ومختصره في رجز سماه الحديقة ورجز في الميقات سماه المقنع الشافي مشتمل على ألف وسبعمائة بيت، ونهاية الأمل في شرح الجمل أي جمل الخونجي، واغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة وهو أجوبة عن مسائل في فنون العلم وردت عليه من علامة قفصة أبي يحيى ابن عقيبة فأجابه عنها، والمعراج إلى استمطار فوائد الأستاذ ابن سراج في كراسة ونصف، أجاب به أبا القاسم ابن سراج الغرناطي عن مسائل نحوية ومنطقية، و " أنوار (29) اليقين في شرح حديث أولياء الله المتقين وهو حديث أول حلية أبي نعيم في شأن البدلاء وغيرهم، والدليل المومي في ترجيح طهارة الكاغد الرومي، والنصح الخالص في الرد على مدعي رتبة الكامل الناقص في سبعة كراريس، رد به على عصريه الإمام أبي الفضل قاسم العقباني في فتواه في مسألة الفقراء الصوفية لما صوب العقباني صنيعهم وخالفه هو، ومختصر الحاوي في الفتاوي لابن عبد النور، و " الروض البهيج في مسائل الخليج " (30) وأنوار الدراري في مكررات البخاري [وأرجوزة نظم تلخيص ابن البناء] ورجز تلخيص المفتاح، نظمه في حال صغره، ورجز حرز الأماني ورجز جمل الخونجي، ورجز اختصار ألفية ابن مالك، وتأليفه في مناقب شيخه المصمودي، وتفسير سورة الإخلاص على طريقة الحكماء، وهذه كلها تامة.
وأما ما لم يكمل من تآليفه فالمتجر الربيح والسعي الرجيح والمرحب الفسيح في شرح الجامع الصحيح، وروضة الأريب في شرح التهذيب، والمنزع النبيل في شرح مختصر خليل، شرح منه كتاب الطهارة في مجلدين، ومن الأقضية إلى آخره في سفرين، وإيضاح السالك على ألفية ابن مالك، إلى اسم الإشارة أو الموصول مجلد كبير في قدر شرح المرادي، وشرح شواهد شراح الألفية إلى باب " كان " مجلد، وله خطب عجيبة.
وأما أجوبته وفتاويه على المسائل المنوعة فقد سارت بها الركبان شرقاً وغرباً، بدواً وحضراً، وقد نقل المازوني والونشريسي منها جملة وافرة.
ومن تآليفه أيضاً عقيدته المسماة عقيدة أهل التوحيد المخرجة من ظلمة التقليد والآيات الواضحات وفي وجه دلالة المعجزات والدليل الواضح المعلوم في طهارة كاغد الروم، وإسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم وذكر من تواليفه شرح ابن الحاجب الفرعي، وشرح التسهيل؛ انتهى.
ومولده كما ذكر في شرحه على البردة ليلة الاثنين رابع عشري (31) ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة، قال: حدثتني أمي عائشة بنت الفقيه الصالح القاضي أحمد بن الحسن المديوني، وكانت من الصالحات ألفت مجموعاً من أدعيه اختارتها، وكانت لها قوة في تعبير الرؤيا اكتسبتها من كثرة مطالعتها لكتب الفن، إنه أصابني مرض شديد أشرفت منه على الموت، ومن شأنها وأبيها أنهما لا يعيش لهم ولد إلا نادراً، وكانوا أسموني أبا الفضل أول الأمر، فدخل عليها أبوها أحمد المذكور، فلما رأى مرضي وما بلغ بي غضب وقال: ألم أقل لكم لا تسموه أبا الفضل، ما الذي رأيتم له من الفضل حتى تسموه أبا الفضل سموه محمداً، لا أسمع أحداً يناديه بغيره إلا فعلت به وفعلت، يتوعد (32) بالأدب، قالت: فسميناك محمداً، ففرج الله عنك؛ انتهى.
ومن فوائده ما حكى في بعض فتاويه قال: حضرت مجلس شيخنا العلامة نخبة الزمان ابن عرفة رحمه الله تعالى أو مجلس حضرته فقرأ " ومن يعش عن ذكر الرحمن " فجرى بيننا مذكرات رائقة، وأبحاث حسنة فائقة، منها أنه قال: قرئ يعشو بالرفع ونقيض بالجزم، ووجهها أبو حيا بكلام ما فهمته، وذكر أن في النسخة خللاً، وذكر بعض ذلك الكلام، فاهتديت إلى تمامه فقلت: يا سيدي، معنى ما ذكره أن جزم نقيض بمن الموصولة لشبهها بالشرطية لما تضمنت من معنى الشرط، وإذا كانوا يعاملون الموصول الذي لا يشبه لفظه لفظ الشرط بذلك فما يشبه لفظ الشرط أولى بتلك المعاملة، فوافق رحمه الله تعالى وفرح كما أن الإنصاف كان طبعه وعند ذلك أنكر علي جماعة من أهل المجلس وطالبوني بإثبات معاملة الموصول معاملة الشرط، فقلت: نصهم على دخول الفاء في خبر الموصول في نحو الذي يأتيني فله درهم من ذلك، فنازعوني في ذلك، وكنت حديث عهد بحفظ التسهيل، فقلت: قال ابن مالك فيما يشبه المسألة: وقد يجزم متسبب عن صلة الذي تشبيهاً بجواب الشرط، وأنشدت من شواهد المسألة قول الشاعر:
كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً ... تصبه على رغم عواقب ما صنع
فجاء الشاهد موافقاً للحال؛ انتهى بنقل تلميذه المازوني.
وقد ذكر الشيخ (33) ابن غازي الحكاية في فهرسته في ترجمة شيخه الأستاذ الصغير، وفيها بعض مخالفة لما تقدم، فلنسقه، قال: حدثني أنه بلغه عن ابن عرفة أنه كان يدرس من صلاة الغداة إلى الزوال، يقرئ فنون، ويبتدئ بالتفسير، وإن الإمام ابن مرزوق أول ما دخل عليه وجده يفسر هذه الآيات " ومن يعش عن ذكر الرحمن " فكان أول ما فاتحه أن قال له: هل يصح كون من هنا موصولة فقال ابن عرفة: كيف وقد جزمت فقال: تشبيهاً له بالشرط، فقال ابن عرفة: إنما يقدم على هذا بنص من إمام أو شاهد من كلام العرب، فقال: إما النص فقول التسهيل كذا، وأما الشاهد فقول: الشاعر:
فلا تحفرن بئراً تريد أخاً بها ... فإنك فيها أنت دونه تقع
كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً ... تصبه على رغم عواقب ما صنع
فقال ابن عرفة: فأنت إذاً ابن مرزوق، قال: نعم، فرحب به؛ انتهى. وهو خلاف ما تقدم، والأول أصوب لنقل غير واحد أن جزم الموصولات إنما يكون في الجواب لا في الشرط، والله تعالى أعلم.
وفي بعض المجاميع أن ابن عرفة اشتغل بضيافته لما انقضى (34) المجلس.
ومن فوائده أنه كان يصرف لفظ أبي هريرة بناء على أن جزء العلم غير علم، وخلفه أهل فاس في ذلك لما بلغهم، وما للأستاذ الصغير والحافظ القوري (35) إلى منع الصرف لوجوه ليس لها موضعها، ومنها قول ابن مالك:
ولاضطرار كبنات الأوبر ... فإنه مؤذن بأن جزء العلم علم، وقد ألف في المسألة ابن عباس التلمساني تأليفاً سماه الاعتراف في ذكر ما لفظ أبي هريرة من الانصراف؛ انتهى.
ومن نظمه رحمه الله تعالى:
بلد الجدار ما أمر نواها ... كلف الفؤاد بحبها وهواها
يا عاذلي كن عاذري في حبها ... يكفيك منها ماؤها وهواها
ويعني ببلد الجدار تلمسان، ولذلك قال في رجز في علم الحديث ما صورته:
ومن بها أهل ذكاء وفطن ... في رابع من الأقاليم قطن
يكفيك أن الداودي بها دفن ... مع ضجيعه ابن غزلون الفطن
قلت: وحدثني عمي الإمام سيدي سعيد المقري رحمه الله تعالى أن العلامة ابن مرزوق لما قدم تونس في بعض الرسائل السلطانية طلب منه أهل تونس أن يقرأ لهم في التفسير بحضرة السلطان، فأجابهم إلى ذلك، وعينوا له محل البدء، فطالع فيه، فلما حضروا قرأ القارئ غير ذلك، وهو قوله تعالى " فمثله كمثل الكلب " وأرادوا بذلك إفحام الشيخ والتعريض به، فوجم هنيهة، ثم تفجر ينابيع العلم إلى أن أجرى ذكر ما في الكلب من الخصال المحمودة، وساقها أحسن مساق، وأنشد عليها الشواهد، وجلب الحكايات، حتى عد من ذلك جملة، ثم قال في آخرها: فهذا ما حضر ما حضر محمود أفعال الكلب وخصاله، غير أن فيه واحدة ذميمة، وهي إنكاره الضيف، ثم افترق المجلس، وأخبرني أنه أطال في ذلك المجلس من الصبح إلى قرب الظهر، وقد طال عهدي بالحكاية، وإنما نقلتها بمعناها من حفظي، وهي من الغرائب، ولولا الإطالة لذكرت ما وقع له مع علماء برصه في الحجاز حسبما ذكره في مناقب شيخه المصمودي، رحم الله الجميع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ق: أبوه.
(2) ترجمة ابن مرزوق الحفيد في نيل الابتهاج: 304؛ والضوء اللامع 7: 50.
(3) نيل الابتهاج: مزلق.
(4) نيل الابتهاج: لعلم أنه في علوم القرآن العزيز مجاهد؛ قلت: وفي نص المقري بعض تغيير لما ورد في نيل الابتهاج.
(5) ق: الكلام.
(6) يعني الزمخشري.
(7) ق ص: وقال في شأن النحو والكلام إلى لحوق بيته من سبيل، وهو مضطرب؛ وفي النيل: وقال ... إلى لحوقه من سبيل.
(8) ق: ورعه وزهده.
(9) نيل الابتهاج: الأقوم.
(10) نيل الابتهاج: وعالم.
(11) ق ص: وابن العمدة.
(12) نيل الابتهاج: وفي التصوف.
(13) ملخصا: سقطت من ق.
(14) ترجمة الثعالبي في نيل الابتهاج: 148.
(15) من أكابر علماء تونس (- 848) ؛ انظر النيل: 180.
(16) نيل الابتهاج: متشوقة.
(17) ق: نصب على التمييز.
(18) نيل الابتهاج: أدركت بتلمسان.
(19) ق: والتقدم.
(20) نيل الابتهاج: مغترفا؛ وفي ص: وبقي عمره.
(21) نيل الابتهاج: مشهودة.
(22) ص: الورياطي؛ وهو خطأ.
(23) ص: وأما شيوخه فمنهم ... إلخ.
(24) ق ص: القط والتونسي؛ وأثبت ما في نيل الابتهاج.
(25) ق ص: زيد.
(26) ابن: سقطت من نيل الابتهاج.
(27) ص ق: المجد.
(28) نيل الابتهاج: والمفاتيح القراطيسية.
(29) نيل الابتهاج: ونور.
(30) زاد في نيل الابتهاج: في أوراق نصف كراس.
(31) ص: رابع عشر من.
(32) ق: متوعدا.
(33) الشيخ: سقطت من ق.
(34) نيل الابتهاج: انفصل.
(35) ص: القدوري؛ ق: النويري.