x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

اساسيات الاعلام

الاعلام

اللغة الاعلامية

اخلاقيات الاعلام

اقتصاديات الاعلام

التربية الاعلامية

الادارة والتخطيط الاعلامي

الاعلام المتخصص

الاعلام الدولي

رأي عام

الدعاية والحرب النفسية

التصوير

المعلوماتية

الإخراج

الإخراج الاذاعي والتلفزيوني

الإخراج الصحفي

مناهج البحث الاعلامي

وسائل الاتصال الجماهيري

علم النفس الاعلامي

مصطلحات أعلامية

الإعلان

السمعية والمرئية

التلفزيون

الاذاعة

اعداد وتقديم البرامج

الاستديو

الدراما

صوت والقاء

تحرير اذاعي

تقنيات اذاعية وتلفزيونية

صحافة اذاعية

فن المقابلة

فن المراسلة

سيناريو

اعلام جديد

الخبر الاذاعي

الصحافة

الصحف

المجلات

وكالات الاخبار

التحرير الصحفي

فن الخبر

التقرير الصحفي

التحرير

تاريخ الصحافة

الصحافة الالكترونية

المقال الصحفي

التحقيقات الصحفية

صحافة عربية

العلاقات العامة

العلاقات العامة

استراتيجيات العلاقات العامة وبرامجها

التطبيقات الميدانية للعلاقات العامة

العلاقات العامة التسويقية

العلاقات العامة الدولية

العلاقات العامة النوعية

العلاقات العامة الرقمية

الكتابة للعلاقات العامة

حملات العلاقات العامة

ادارة العلاقات العامة

الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب

المؤلف:  د. عبد اللطيف حمزة

المصدر:  المدخل في فن التحرير الصحفي

الجزء والصفحة:  ص 288-296

2023-06-11

776

الحيل الصحفية أو الصراع بين الصحيفة والرقيب

منذ القدم والمعركة حامية بين الحاكم والمحكوم حول مسألة "حرية الرأي"، وتشتد هذه المعركة دائماً كلما تأزمت الامور أمام الحاكم؛ وخاصة في ظروف الحرب، أو الثورة أو الانقلاب، أو الظروف التي تخضع فيها الامة لحكومة أجنبية عنها، وفي كل واحد من تلك الظروف يشعر الحاكم بأنه في غاية الحرج، فلا هو يستطيع أن يكشف الامة بأسرار الموقف السياسي، ولا الشعب صابر على أن يقاد في الطريق كما تقاد الانعام، وفي كل ظرف من الظروف المتقدمة يضطر الحاكم إلى فرض الرقابة التامة على الصحف والكتب، وذلك أقصى ما يستطيع الحاكم نفسه أن يفعله في مثل هذه الظروف.

أما الشعب ممثلاً في الكتب والصحافة فإنه يسلك في سبيل غايته طرقاً خاصة، ليس هنا موضع إحصائها، ولكنا نسوق طرقاً منها على سبيل المثال.

نحن نعرف أن الادب أسبق في ظهوره من الصحافة، ونذكر أن الادباء في عصور الاضطهاد الديني والسياسي ذهبوا مذاهب شتى في مقاومة الاضطهاد على أي شكل من أشكاله، ولعل أقدم صورة من صور النقد السياسي حفظها لنا التاريخ هي صورة "القصص على ألسنة الحيوان" كما تظهر لنا في كتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع.

وقد صرح لنا هذا الكتاب بأنه له أغراضاً أربعة من وضع هذا الكتاب:

أولهما- إقبال العامة على قراءته.

ثانيها- انتفاع الخاصة بهذه القراءة.

ثالثها- رغبة النساخ في انتساخه على مدى العصور.

رابعها- وهو "الاقصى" خاص بالفيلسوف نفسه.

وهنا سكت "ابن المقف" عن بيان هذا الغرض الرابع الذي وصفه "بالأقصى"، وفهم القراء، وفهم الخليفة العباسي إذ ذاك، وكان "أبو جعفر المنصور" أن الكتاب موجه إليه، وإلى حكومته، وأن القصد منه توجيه اللوم إليه، وإلى حكومته.

وثم طريقة أخرى من الطرق الادبية الخالصة في التعبير عن الآراء والنظريات والمذاهب المخالفة؛ وهي: "طريقة الرؤيا والاحلام"، وهي وسيلة الكتاب والشعراء إلى نقد المجتمعات، والحكومات. ومن الامثلة عليها "رسالة الغفران" لابي العلاء المعري، ورسائل الوهراني، وهو أديب مغربي وفد إلى مصر في العصر الايوبي، سعياً وراء وظيفة حكومية ففشل في الحصول عليها، فصب جام غضبه على حكام مصر، وكبرائها على هذه الصورة.

بل إن من الطرق التي سلكها بعض المصريين في نقد حكامهم أحياناً، "طريقة الجنون" أو الظهور بمظهر العته الذي لا يعاقب عليه القانون.

"ففي العصر الطولوني، وجزء من العصر الإخشيدي عرفت مصر شخصية عجيبة كل العجب في تاريخها، هي شخصية "سيبويه المصري"، وكان رجلاً يظهر الحمق والجنون، واشتهر عنه ذلك، فاختفى وراء هذه الصفة، وأخذ يهجو الحكام والامراء، فلم يكن أحد منهم قادراً على أن يأخذه بقوله، لأنه مجنون!

ولكن الناظر في كلامه، وأهاجيه يحس إحساساً عميقاً بأنه في الواقع إنما يعبر عن آراء الشعب المصري في زمالة أصدق تعبير(1).

ثم أتى دور الصحافة، وأخذت تحل محل الادب في مقاومة الظلم والطغيان، وتنوعت طرق هذه الاخيرة، كما سبق أن تنوعت طرق الاولى في سبيل هذه الغاية، وسجل تاريخ الصحافة المصرية بنوع خاص بعض الطرق التي لجأت إليها الصحف الشعبية في القرن الماضي، ومنها على سبيل المثال:

طريقة "النديم" في صحيفته المعروفة باسم: "التنكيت والتبكيت" وهي صحيفة كتبها "النديم" باللغتين، أو اللهجتين: العربية، والعامية. وكتب باللهجة الاخيرة قصصاً شعبية للعامة سخر فيها من كثير من الاوضاع الشاذة في المجتمع المصري الحديث منذ التقت فيه الحضارة الحديثة بالحضارة الشرقية الموروثة، وكتب باللهجة الفصحى مقالات وقصصاً رمزية للخاصة منها على سبيل المثال أقصوصته التي كتبها بعنوان:

مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي

"والإفرنجي كلمة أطلقها المصريون في القرن الماضي على مرض الزهري.  والكاتب يستعمل هذا اللفظ هنا استعمالاً رمزياً، لأنه رمز به إلى الخراب الذي عم البلاد بسبب إسراف إسماعيل، كما رمز به إلى الخراب الذي عم البلاد بسبب إسراف إسماعيل، كما رمز بكلمة "المصاب" إلى مصر التي أصبحت تعاني المرض والفقر بسبب هذا الإسراف، ورمز بكلمة "مجلس طبي" إلى العقلاء الناصحين للأمة المصرية، الذين عليهم أن يفكروا في مخرج لها من هذه الازمة(2).

وكان من ألمع الكتاب الصحفيين بمصر في القرن الماضي، وإمام السخرية في العصر الحديث غير مدافع "يعقوب بن صنوع"، الذي اتخذ لنفسه اسم "أبي نظارة"،

وسلك في سخريته بحكومة إسماعيل طريقين، هما: طريق المحاورات الصحفية، وطريق القصص المسرحية، ونجح فيهما نجاحاً لا نظير له في الحقيقة، حتى لقد خافه الخديوي إسماعيل، واضطر إلى نفيه، وكما سمى "يعقوب بن صنوع"  نفسه "بأبي نظارة" فقد سمى الخديوي إسماعيل "بشيخ الحارة"، وسمى الفلاح المصري "بأبي الغلب"... الخ.

وما دمنا نتحدث عن الصور الادبية والصحفية لنقد الحكام الطغاة، ومحاربة الظلم والاستبداد، فلا ننسى الإشارة إلى أديب مصر في القرن الماضي، وهو إبراهيم المويلحى، وإلى بعض طرقه في ذلك.

ومن هذه الطرق المقالات التي كتبها بعنوان: "ما هنالك"، وهي مقالات كتبت في نقد الحكومة العثمانية، والفساد العثماني، وفي نفس الوقت أخافت الحكام في مصر، فقد خشوا أن يكتب فيهم "المويلحى" "ما هنا" بدلاً من "ما هنالك" .

ومن الطرق الادبية الخالصة التي عمد إليها "إبراهيم المويلحى" كذلك، وشاركه فيها ابنه "محمد المويلحى" طريقة القصة الطويلة، فقد كتب المويلحى الكبير "إبراهيم" قصة "موسى بن عصام" في نقد الاحتلال الإنجليزي، والتهكم على برجاله، وكتب المويلحى الصغير "محمد" قصة "عيسى بن هشام" في نقد المجتمع المصري، ونقد حكامه.

أما الكتاب الاول، فالظاهر أن رجال الاحتلال تنبهوا إليه، وحالوا دون صدوره على هيئة فصول متتابعة في جريدة "مصباح الشرق" التي كان يصدرها المويلحى.

أما الكتاب الثاني لصاحبه "محمد المويلحى" فقد نشر تباعاً على صفحات مصباح الشرق، وجمعت فصوله فيما بعد في كتاب لم يزل بأيدينا إلى اليوم.

ويطول بنا القول لو أردنا أن نشير إلى كل طريقة من الطرق التي سلكها الادباء ورجال الصحافة في محاربة الظلم الذي يقع أحياناً من الحكومة في مثل هذه الظروف التي أشرنا إليها في أول حديثنا هذا.

وفي القرن الذي نعيش فيه طلع علينا الادباء ورجال الصحافة بطرق كثيرة: بعضها قديم، وبعضها مبتكر، وليس يعنينا في هذا الفصل أن نذكر شيئاً عن هذه وتلك بقدر ما يعنينا في الواقع أن نشير إلى بعض الحيل التي لجأت إليها الصحف المصرية في مثل هذه الظروف التي أشرنا إليها، تحت ضغط الرقابة التي فرضها الحاكم عليها.

والصحافة تعرف أن من أسلم طرق الهروب من الرقابة طريق "الكاريكاتور" سواء أكان عن طريق القلم، أو عن طريق الرسم أو عن طريق الصورة، والطريق الاخير أوقع وأسلم من الطريق الاول في الغالب، ولذلك تعتمد الصحافة الحديثة اعتماداً ظاهراً على الرسم الكاريكاتوري، لان الرسم الذي يفهمه الشعب على اختلاف طبقاته، في حين أن القلم الكاريكاتوري العلمي قد لا يستطيع أن يفهمه من الشعب غير الطبقة الخاصة:

غير أن الرسم والتصوير خارجان عن التحرير، فما هي أهم الحيل التي يلوذ بها الفن الصحفي اليوم في هذا الميدان الاخير؟

تستطيع صحيفة مصرية حديثة كمجلة "خيال الظل" للأستاذ "حافظ عوض"، أو مجلة "الاثنين" التي تصدرها دار الهلال أن تمد القارئ بطائفة عن هذه الحيل! وربما كان من أهمها حيلة:

اختراع الشخصيات

فإذا عجزت الصحافة في مصر عن أن تصف الحكام الظالمين في وقت ما  بأنهم "حمير"، أو بأن الذين يقرون منهم مبدأ المحسوبية "حمير" فإن صحفياً حديثاً  كالأستاذ مصطفى أمين باتفاقه مع رسام قدير، كالرسام "رخا" يستطيع أن يبتكر شخصية "حمار أفندي" لتظهر في "مجلة الاثنين" وتوجه النقد لاذعاً إلى الحكام في أخذهم "بمبدأ المحسوبية" تارة، وعجزهم عن محاربة "الغلاء" تارة أخرى.

وإذا عجزت الصحافة في مصر عن أن تكشف الستار عن سياسة الحكام الذين أثروا عن طريق الحرب، وسمحت لهم ضمائرهم بالأتجار في أقوات الشعب، فإن "مجلة الاثنين" تستطيع كذلك أن تبتكر شخصية "غنى حرب" وهي شخصية رجل أثرى على حساب الشعب، وأصبح الفرق عظيماً ومخجلاً في الواقع بينه وبين هذا الشعب.

وإذا عجزت الصحافة في مصر عن مواجهة الحكام الطغاة الذين أسكرتهم الطغاة، وغرم النفوذ، فإن "مجلة الاثنين" تستطيع أن تبتكر شخصية "سكران باشا طينة" لتعبر عن رأيها في هؤلاء الحكام، وتردهم إلى شيء من التواضع والصواب.

ومهما يكن من شيء فلعل أبدع شخصية ابتكرتها "مجلة الاثنين" في أثناء الحرب العالمية الاخيرة هي شخصية "ابن البلد" :

ابن البلد

ولندع الاستاذ "مصطفى أمين" يصف لنا هذه الشخصية التي اشترك في رسمها كذلك مع الرسام "رخا" حيث يقول(3):

" .. ابن البلد ثائر على المتبع في هذا البلد، فهو يحب المرشح إلى أن ينتخب، والضعيف إلى أن يقوى، والفقير إلى أن يغنى، والحزب إلى أن يتولى الوزارة، وهو يكره القوى إلى أن يضعف، والحاكم إلى أن يستقيل والظالم إلى أن يعزل" .

"وهو لا يكف عن الابتسام، وبعض الناس يحسب ابتسامته جهلاً ورضى بالخنوع، والبعض الآخر يرى ابتسامته دليلاً على السخرية والاستخفاف" .

"وابن البلد حاضر النكتة، يلقبها ولا يهمه أن تصيب أو تخيب، قد يتعثر فيها الكبير، وقد تؤلم الصغير، ولكنها دائماً بريئة لا يقصد بها أن تنفع أحداً أو تضر أحداً، اللهم إلا أن تظهر طبيعته الساخرة التي ورثها من توالي عهود الظالمين" .

"وهو رجل طيب القلب، لا يتعصب ضد دين أو جنس، ولا يحقد على أحد، ولا ينتقم من مغلوب، ولا يمد خنجره في جريح.

"كم اضطهدوه وعذبوه، وكم طردوه وانتهروه، ولكنه لا يستطيع إلا أن يقول لهم كلمته الخالدة خلود الاهرام: "معلهش"، أو "ربنا يسامح"، أو "منهم لله" !!

"وقد يعد بعضهم هذا التسامح دليلاً من أدلة الضعف، ولكنه يعدها رجولة، والرجولة عنده نصيحة" .

"إنه يحني رأسه أمام الطغيان، ولكنه في الوقت نفسه يلعن في قلبه الطغاة  المتجبرين" .

"ابن البلد رجل خلق من الطبيعة وحدها، والحكمة التي تجري على لسانه هي الحكمة السليقة قد لا يقصدها والقبلة التي يضعها على يدي القوى قد تخرج من فمه ولا يشعر بها، أما اللعنة التي يرسلها فهي من قلبه، وقد يكون لها دون أن يعلم أثر أشد فتكاً من رصاص المدفع الرشاش" !

"هذا هو ابن البلد الذي ولدته "مجلة الاثنين"  .. ادعوا له أن يعيش" .

ولقد كانت الحكومات لا تنتبه إلى هذه الشخصيات التي تخترعها الصحافة من حين لآخر إلا بعد فوات الوقت، وبعد أن يكون القراء قد علموا بها، وفهموا قصدها، وأصبحت كل واحدة من هذه الشخصيات ذات صورة واضحة كل الوضوح في أذهانهم، وصار لكل لفظ من الالفاظ التي تجري على ألسنة هذه الشخصيات مغزى قوى في أذهانهم.

وهناك حيل أخرى عمدت إليها الصحافة عدا حيلة "اختراع الشخصيات"، منها التعليق على حوادث البلاد الاخرى تعليقاً يمكن تطبيقه على حوادث مصر نفسها، وكأنما الكاتب الصحفي في مصر يقول لحكومته في هذا التعليق وأشباهه: "إياك أعنى، واسمعي يا جارة" !.

والامثلة على هذا كثيرة، منها:

أن إحدى الصحف انتهزت يوماً ما فرصة اعتداء الفرنسيين على رئيس جمهورية "لبنان"، واعتقالهم "رياض الصلح" رئيس الوزارة، وفرضهم على الجمهورية اللبنانية رئيس وزارة آخر، واستعانتهم على ذلك بالدبابات والجنود، والطائرات، فأخذ الاستاذ "مصطفى أمين"، يكتب المقالات الفنية التي وصف فيها هذا الحادث، كما وصف تدخل فرنسا في شؤون لبنان، وكيف أن فرنسا داست على استقلال هذا البلد الشقيق، وكأنما كان الأستاذ "مصطفى أمين" يتحدث في الواقع عم حادث 4 فبراير، وكيف تدخل الإنجليز في شؤون مصر الداخلية، وفرضوا عليها رئيس وزارة بالدبابات، والجنود، والطائرات، وسائر أدوات المظاهرات العسكرية الإرهابية، وفهم القراء في مصر ما قصدت إليه "مجلة الاثنين" من أنها تشير إلى هذا الحادث، وأنها تسخر من رئيس الحكومة المصرية الذي ظفر بالحكم على أسنة الرماح الإنجليزية، وهي هنا حكومة الوفد، وكان على رأسها مصطفى النحاس "باشا" :

وكما يتحدث الصحفي عن حوادث وقعت في بلاد لبنان، وكان لها نظائر في مصر، فكذلك يستطيع أن يتحدث عن خطوب وقعت في بلاد غير لبنان: كالصين، أو الهند، أو فارس، ونحو ذلك.

وجملة القول: أن مجلة "الاثنين" بالذات عمدت إلى طريقتين إلى الآن، وهما:

طريقة ابتكار الشخصيات، وطريقة انتهاز الفرص والحوادث الخارجية الشبيهة بالحوادث المصرية، وبهذه الطريقة الاخيرة، رقفت الصحافة المصرية يوماً من الايام تنقد نواب لبلاد، كما نقدت من قبل رجال الحكومة في عيب من العيوب الخطيرة، وداء من الادواء الوبيلة، هو "داء المحسوبية" الذي منيت به البلاد المصرية في العهود الماضية كلها، غير أن الصحافة بدلاً من أن توجه اللوم للنواب المصريين أخذت توجه هذا اللوم إلى النواب اللبنانيين، أو السوريين، أو العراقيين، حتى تفلت بهذه الطريقة من قلم الرقيب.

وهذا كله فضلاً عن الطرق الادبية الطابع في ذاتها، مثل النبوءات، والرؤى والمنامات، واختراع الخرافات، والتحدث على ألسنة الطيور، وطريقة الحوار القصير بين أستاذ وتلميذه ونحو ذلك.

ثم إن الصحافة الحديثة لم تسلك طريق المقال على شكل من الاشكال فحسب، بل طرقت طريق الفنون الصحفية الاخرى: كفن الحديث الصحفي، وفن الحديث الصحفي على لسان شخصية مبتكرة لا وجود لها في عالم الحقيقة.

وبهذه الطريقة تنكر وضعاً من الاوضاع الغريبة في المجتمع أو في الحكومة، وتستطيع في الوقت نفسه أن تفلت من يد الرقابة.

ولعل من خير الامثلة على هذه التحقيقات الخيالية ذلك التحقيق الصحفي الذي نشرته "مجلة الاثنين" بعنوان: "كيف يعيش محمد أفندي"، والتحقيق الصحفي الذي نشرته أيضاً بعنوان: "كيف يعيش الاسطى إبراهيم" .

وقد جاء كلا التحقيقين تعبيراً صادقاً عن شعور الشعب المصري بالأزمة الشديدة التي أحس بها في غضون الحرب العالمية الثانية.

ثم إن من الحيل الصحفية التي ترها بين آن وآخر، كتابة الرسائل التي يتجه بها القراء إلى رئيس التحرير، على أن تدور هذه الرسائل حول شخصيات خيالية، أو رحلات وهمية، أو مشاهدات لا نصيب لها من واقع الامة التي تصدر فيها الصحفية، وهي طريقة أدبية قديمة عمد إليها الكتاب الاوروبيون، كما نجد ذلك في الرسائل "الفارسية" لمونتسكيو، والرسائل "الإنجليزية" لفولتير، وغيرها.

وفي هذه الرسائل وأمثالها يتخيل الكاتب شخصاً غريباً عن البلاد جاء لزيارتها، ولفت أنظار أهلها بغرابة ملابسه، وغرابة سلوكه، كما لفت نظره ما وجد منهم من تصرفات عجيبة، وآراء غريبة، فأخذ ينقد كل وضع يراه، وصورة يقع عليها، وعبر عن ذلك كله بطريق الرسائل. ومن هذا القبيل يمكن أن يعتبر كتاب الدكتور "طه حسين" بعنوان: "مرآة الضمير الحديث" أو الرسائل "الجاحظية" التي توجه بها "طه حسين" يوماً ما إلى رئيس الوزارة في مصر؛ وهو المهندس حسين سري.

وهذا كله من جانب الصحفيين، أما الادباء غير الصحفيين، فقد كانت لهم وسائلهم الخاصة بهم في نقد الحكومة والمجتمع، ومن أهم هذه الوسائل: "القصص" كما نجد ذلك في قصة "مذكرات نائب في الارياف" لتوفيق الحكيم، و"جنة الحيوان" لطه حسين، و"المعذبون في الارض" له أيضاً، إلا أن وسائل الادباء ليست مما نهدف إليه في بحث خاص بالصحافة، فليس من حقنا إذن أن نرسل القول في هذا اللون من ألوان الادب.

و"الخلاصة" أن على الادباء، ورجال الصحف، واجباً ثقيلاً لا مفر من أدائه، وهذا الواجب هو: "محاسبة الحكام"، وبذل النصيحة لهم وللمحكومين على السواء، فإذا كانت الظروف ظروف سلم وأمان، لم يحتاج الاديب أو الصحفي إلى التورية في كلامه، وإن كانت الظروف ظروف حرب وظلام، فلا يجوز لرجال الادب والصحافة أن يقفوا مكتوفي الايدي حيال الظلم، أو البطش، أو الخيانة، ذلك أن الطبيعة وهبتهم من الذكاء ما يمكنهم من الوصول إلى غرضهم، ومن الاسلحة ما هو بمثابة الحيل التي توصلهم إلى هذا الغرض.

________________

(1) انظر كتاب "الفاشوش في حكم قراقوش"، طبعته أخبار اليوم، في سلسلة "كتب اليوم"  ص 91.

(2) المصدر للتقدم من ص 112-114.

(3) راجع "ثورة الصحافة" للأستاذ سامي عزيز ص 9 وما بعدها.

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+