x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
قانون الوراثة في سعادة الاولاد
المؤلف: الأستاذ مظاهري
المصدر: تربية الطفل في الاسلام
الجزء والصفحة: ص253 ــ 264
2023-04-21
1443
بحثنا حول قانون الوراثة او قانون التغذية الذي له نحو من الاقتضاء لا العلية التامة... ان قانون الوراثة له مدخلية في سعادة الاولاد وشقاوتهم تمثل قانون التغذية وخصوصاً حليب الام. الافكار السيئة والتخيلات الفاسدة اثناء انعقاد النطفة لها مدخلية في شقاوة الاولاد كما ان عدم الالتفات الى الله والى القوانين التي وضعها الاسلام لتلك الحالة له مدخلية ايضاً. والشيء الذي يجب ان ننتبه له كثيراً.. هو ان هذه الأمور كلها ممهدة - وحسب تعبير كبارنا واساتذتنا على نحو الاقتضاء فلا يعني انه إذا بني لحم الطفل وجلده وعظمه من الحرام فانه لا يصير سعيداً ابداً وانه إذا كان الطفل له ارضية سيئة بحسب قانون الوراثة فمعناه ان الأم عندها صفات رذيلة. وكون قانون الوراثة ينقل الرذالة للطفل لا يعني ان هذا الطفل لا يستطيع اسعاد نفسه بعد. وانما بحثنا هو بحث في ما له مدخلية، بحث في الاقتضاء، يسمون هذا النوع من الاطفال في العلم: الاطفال المعقدون وبعبارة اخرى يسمونهم الاطفال المرضى روحياً.
هذا المرض قابل للمعالجة، فمعناه انه إذا كان الأب والأم سيئين فانهم يرمون امامه الموانع ويجعلون حصوله على السعادة صعباً إذا كان جلد الطفل ولحمه وعظمه مبنياً على الحرام فانه يصير مريضاً روحياً. لكنه مرض قابل للمعالجة... انه إذا كانت الوراثة سيئة فالطفل سيكون شقياً حتماً. وانه إذا كانت التغذية سيئة فالطفل سيكون سيء.
إذا كان الطفل في بطن الام ومحيطه ملوث اي ان الأم كانت عصبية فليس معنى كلامنا ان الطفل لا يستطيع ان يكون جيداً بعد. وانما مرادنا ان ما بحثناه له دخالة في سعادة الطفل وشقاوته ويجب على الأب والأم ان ينتبهوا ليضعوا الطفل في الطريق المعبد، في الطريق المستقيم في الطريق الخالي من الأشواك والموانع. أما إذا كان الاب والأم غير مبالين فإن الطفل يقع في الطريق يستطيع أن ينجو بنفسه لكن بصعوبة: وبحسب تعبير العلماء هذا الفتى: أحياناً الأب والأم يسببون المرض للأطفال المعقدين لكن هذا المرض قابل للمعالجة.
الأب والأم يجب عليهما الشروع من الآن لا يجب ان يكونوا غير مكترثين من الآن فما بعد يجب ان يكترثوا، الاب والأم اللذان يضعان امامه الموانع يجب ان ينقذوه من الآن. بحثنا لمدة شهر كان حول هذا الأمر ان الاب والأم اللذان عقدوا سعادة الطفل وجعلوها صعبة يجب ان ينتبهوا من الآن فصاعداً إذ يمكنهم اسعاد الطفل.
كل الاشياء التي ذكرت وكان لها دخالة في شقاوة الطفل يمكن للأم والأب إذا كانا مهتمين وملتفتين ان يبطلوها يعني ان الأم والأب إذا شرعا بالتربية من الآن يستطيعان ابطال عوامل الوراثة. والبيئة والتغذية وحتى فساد الفكر يمكن ان يعالجوه الى ما يقرب من الأبطال. واخيراً يمكنهم ابطال كل ما له تأثير في شقاوة الطفل.
هذا بحثنا طيلة هذا الشهر ان الام يجب ان تكون من الآن مربية والاب يجب ان يكون من الآن فصاعدا ملتفتا ليستطيع معالجة طفله المريض روحياً. يعني انت تستطيع ابطال كل عوامل التربية والعكس ايضاً صحيح.
يعني إذا كان الطفل راقياً من ناحية عوامل الوراثة له اب جيد عالم، فاهم ملتفت، وام متدينة عفيفة تقية لكن حين ولد الطفل وكبر لم يصدر من ابيه اي اهتمام ولم تقم الأم بأية تربية فكل هذه العوامل الاولى تبطل. يعني هذا الصبي او هذه البنت يصيران اشقياء لكونهما لم ينالا التربية الحسنة.. حتى لو كانت عوامل وراثتهما جيدة وكذلك عوامل تغذيتهما والحليب الذي رضعاه وكانت سائر الامور الاخرى ايضاً مراعاة بحسب نظر الاسلام لكن لم ينالا الاهتمام فهذا كله يبطل تأثيره.
اذكر لكم مثالين او ثلاثة لتروا كيف استطاعت التربية الصحيحة ان ترفع الاطفال الذين كانوا مرضى روحياً الى مقامات عالية.
ابن يزيد بن معاوية كان ولداً جيداً. عندما مات يزيد البسوه لباس الخلافة واتوا به الى المسجد بصفته خليفة رسول الله وعهدوا اليه بإمامة الصلاة بصفته حاكماً. وبعد الصلاة صعد المنبر.
وفي هذه الحال حيث يجب ان يأتي الجميع ليبارك له الخلافة وحيث يجب ان يتكلم هو حول خلافته ويتحدث حول ما يريد صنعه في المستقبل. بدلاً من ذلك بمجرد ان جلس على المنبر قال: لعن الله أبا سفيان، لعن الله معاوية ابن ابي سفيان، لعن الله ابي يزيد هؤلاء كانوا كثيري الظلم، أبو سفيان قام بجنايات كثيرة، ومعاوية قد اغتصب الخلافة، وابي يزيد عدا عن اغتصابه الخلافة قتل ثمرة فؤاد الزهراء الامام الحسين (عليه السلام) وهذا عار على بني امية وعلى الاسلام. ثم تكلم قليلاً واخيراً قال: ايها الناس! انا لست بخليفتكم، انا لست أهلا للخلافة، خليفتكم علي بن الحسين (عليه السلام) فاذهبوا اليه في المدينة، إذا اردتم الحقيقة وأردتم الواقعية وإذا اردتم الدين فعلي بن الحسين خليفة رسول الله ووصيه فخذوا بأطرافه.
غضبت والدته فوقفت من أسفل المنبر: وقالت: تمنيت لو أنك كنت قطعة حيض ولم تر هذه الدنيا فقال عند ذلك: ما أحسن ما تقولين يا امي، أني اتمنى لو كنت قطعة حيض ولم آت الى هذه الدنيا ويلحقني عار أني ابن يزيد وحفيد معاوية ابن ابي سفيان. ثم نزل عن المنبر ودخل الى احدى الغرف وبقي فيها لم يخرج منها حتى خرجت روحه ومات.
وقد بحثوا فيما بعد حول معاوية ابن يزيد وما الذي صيره هكذا وبعد التفحص وجدوا ان السبب هو معلم رفيق جيد قد غيّره فهل تعلم ماذا يعني ان معلماً قد غيره؟ هذا يعني انه قد أفسد عوامل الوراثة فماذا كانت عوامل الوراثة عند هذا الشخص؟ ابوه يزيد جده معاوية بن ابي سفيان هذه هي عوامل الوراثة، كذلك قضى على تأثير البيئة تلك البيئة ايضاً كانت حكومة بني امية، حكومة يزيد مع كلاب لهوه مع قردة ميمون الذي كان يلاعبه ومع كفره، وكذلك فان هذا المعلم قد ابطل عوامل التغذية هذا الطفل الذي كان قد نما جلده ولحمه وعظامه على الأكل الحرام الذي كان يزيد يأخذه من بيت مال المسلمين كانوا يطعمونه الفرث والدم (اي مال الحرام) لكن مع هذا فمعلم واحد افسد كل هذه العوامل(1).
ايها الاب وايتها الام: إذا كنتما ملتفتين فإنكما تستطيعان تبديل كل ما اكتسبه ابناؤكم من السيئات بالحسنات.
نظير مثالنا هذا عمر بن عبد العزيز، هذا الرجل عمر بن عبد العزيز انساناً جيداً لو لم يغتصب الخلافة (حيث قد اشتبه هنا) لكان انساناً ممتازاً لكنه على اية حال قد خدم الشيعة اما خلافة لا نظير لها او انها قليلة النظير.
عندما استلم عمر بن عبد العزيز السلطة كان لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) واجب بعد الصلاة، حيث قد لعنوه من على المآذن. ووصل الامر بهم الى درجة ان شخصاً كان يصلي في الصحراء وعندما فرغ من صلاته نسي ان يلعن وعندما تذكر بنى مسجداً في ذلك المكان كفارة عن ذنبه وطلباً للثواب.
بهذا الشكل كان معاوية قد عبأ الناس ضد الامام وبعده ايضاً قام عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي بترويج لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) من على المآذن وكان ذلك ايضاً جارياً على لسان الاطفال.
تمكن عمر بن عبد العزيز من الغاء هذا اللعن وهذا العمل كان مهماً جداً بالنسبة لسياسته وخلافته مع فرض كونه لم يحكم أكثر من ستة شهر. لكنه ايضا طبق الاقتصاد الاسلامي منع الحيف والتمييز. لم يكن هو ظالما ولا عماله اي لم يسمح بحصول الحيف والظلم. بعد ستة أشهر أرسل له عماله انه لم نعد نجد فقيرا. هذا معنى الاقتصاد الاسلامي، اذ لو طبق الاقتصاد الاسلامي لارتفع الفقر سواء الفردي منه او الاجتماعي.
وهذا السيد تمكن من اغناء الجميع خلال ستة أشهر فأرسلوا له انه لم يوجد فقراء والمال كثير في بيت المال فماذا نصنع به؟ أمرهم من حينها فصاعدا بشراء الغلمان والعبيد وتحريرهم. هكذا كان هذا الرجل تمكن من تطبيق قوانين الاسلام كما تمكن من ايقاف لعن علي (عليه السلام) هذا اللعن الذي كان عارا على المجتمع البشري - وعمر بن عبد العزيز نفسه يقول إني اذا كنت قد عملت شيئا اذا كنت قد رفعت هذا اللعن فهذا كله بسبب معلمي. المعلم الجيد كم يستطيع ان يكون مؤثراً!
كم يستطيع تعريف القلوب بالحق!. هذا المعلم في احدى المرات رأى الاطفال اثناء لعبهم يلعنون وكان من جملتهم تلميذه عمر بن عبد العزيز. بعد فراغه من الصلاة احضره وقال له: من اين فهمت وجوب لعن الشخص الذي يراه القرآن من اهل الجنة؟! او جواز ذلك؟!
يقول عمر بن عبد العزيز هذه الجملة برقت في ذهني كالشرر، وصممت على ازالة هذه البدعة المشؤومة ان استطعت. وبالفعل وصلت اليه الخلافة وإزالة هذا العار، هذه اللطخة السوداء من تاريخ البشرية ومجتمعها.
هذا مع الالتفات الى انه بحسب قانون الوراثة لا يجب ان يكون عمر بن عبد العزيز انساناً جيدا اذ ان اباه كان خطيب عبد الملك بن مروان ومعنى انه كان خطيباً انه كان يصعد المنبر ويلعن أمير المؤمنين، كان أباه سيئاً الى درجة ان عمر بن عبد العزيز يقول أنه عندما كان يصل ابي الى اسم علي (عليه السلام) ويريد لعنه كان يرتج عليه مع انه كان خطيباً ومتكلماً قديراً. فقلت له يوماً: يا ابت إني أراك تتكلم بشكل حسن لكنك عندما تصل الى لعن علي (عليه السلام) يرتج عليك فما السبب؟! فقال لي: ولدي العزيز! لو علم الناس فضائل علي لما اجتمعوا حولي وحول عبد الملك بن مروان. هذا هو ابوه الذي يعتبر بحسب قوانين الوراثة سيئاً للغاية.
وبالنسبة للتغذية فماذا كان يأكل عمر بن العزيز من الطعام: كان يتناول اموال لعن أمير المؤمنين (عليه السلام) التي كانت تؤخذ بمقابل هذا اللعن وتنفق على هذا الصبي. فالأمر في غاية السوء اذن.
وماذا كان محيطه: الامر واضح فرفقاؤه كانوا اعواناً. لكن معلماً واحداً تمكن من ابطال كل هذه العوامل هذه القصة تقول لنا اي يوم تشرعون ففي الوقت فسحة ولم يفت الاوان، إذا لم تشرع من الامس فاشرع اليوم، إذا لم تبدأ اليوم فابدأ غداً وتيقن انه إذا كان طفلك مشلولاً فمرضه الروحي هذا قابل للمعالجة، تستطيع معالجته:
ابن المتوكل ايضاً نموذج آخر لبحثنا. أمير المؤمنين (عليه السلام) يخبر في نهج البلاغة عن الحكومات حتى يصل الى حكومات إيران على التدريج حتى يحكم بني امية ثم بني العباس. يقول في نهج البلاغة: اشقى خلفاء بني العباس المتوكل، كان سيئاً وشقياً للغاية، لكن كان له ولد بخلاف ابيه، هذا الولد كان من مريدي الامام الهادي (عليه السلام)، كان شيعياً. اتى يوماً الى حضرة الامام الهادي (عليه السلام) وقال له: يا بن رسول الله! الليلة الماضية ذهبت الى منزل والدي المتوكل وقد كانوا يحتفلون، وقد تجاسر على أمير المؤمنين وعلى الزهراء (عليهما السلام)، ومن يتجاسر على هؤلاء ما جزاؤه؟
قال الامام الهادي (عليه السلام): كل من يتجاسر على الائمة الطاهرين (عليهم السلام) وعلى الزهراء (عليها السلام) فقتله واجب.
قال: يا بن رسول الله! هذه الليلة سأقتل والدي. فأجابه الامام (عليه السلام) لا تقم بذلك انت. قال: لماذا؟ قال: لان قتل الاب له أثر تكويني، فسيقصر عمرك. ايها الشباب انتبهوا لآبائكم وامهاتكم. الإمام الهادي يقول لابن المتوكل، المتوكل الذي يقرأ في مجلس الشعر في ذم أمير المؤمنين ويشرب ويقرأ الشعر في ذم الزهراء المرضية (عليها السلام) لكن مع هذا الامام الهادي يقول لابنه: لا تقتله انت قتله واجب لكن لا تقتله انت لأنه ابوك وإذا قتلته فسيقصر عمرك، قال: يا بن رسول الله! فليقصر عمري، هل هناك شيء آخر ايضاً غير ذلك؟ فأجابه (عليه السلام): لا. اجاب: ليقصر عمري فسأقتله. ودخل ليلا مع بعض غلمانه الى غرفة المتوكل فقطعوه ارباً ارباً مع وزيره وجميع حاشيته وخرجوا وجلس في اليوم التالي مكان المتوكل بصفته خليفة وكما قال الامام الهادي (عليه السلام) لم يحكم أكثر من ستة أشهر. فلماذا صار المنتصر هكذا وهو ابن المتوكل فعوامل الوراثة عنده سيئة جداً.
ايها الآباء! إذا كنتم لحد الآن غير مكترثين فلتكونوا من الآن وصاعداً ملتفتين واعلموا انكم تستطيعون تعطيل كل هذه العوامل: هذا المنتصر بحسب قانون الوراثة ابوه المتوكل. ومن ناحية التغذية كان يغتذي على طعام المتوكل ومن ناحية البيئة فمحيطه التربوي كان اهل الخمور والقمار والشهوات لكنه مع هذا تشيع، بل صار شيعياً ممتازاً. اشتباهه الوحيد كان هو اغتصاب الخلافة، فلو لم يغتصب الخلافة لكان في غاية الرقي.
وعندما بحثوا عن السبب الذي جعل هذا الشخص هكذا وجدوا ان معلماً هو الذي أحدث كل هذا التغير إذ كان معلمه ابن السكيت وهو شيعي عالم كان فيه عرق من التشيع وكان مقرباً جداً عند المتوكل وكان المتوكل يجزل له العطاء ويبذل له الجاه والمقام. وفي أحد الأيام دخل المتوكل فوجده يعطي درساً للأطفال فسر لرؤية اطفاله ووقع في غلط اذ سأل بن السكيت: من أفضل في نظرك اولادي هؤلاء ام الحسن والحسين ابناء علي؟ تحرك العرق الشيعي في ابن السكيت، تحركت ولايته فغضب وقال: ما الذي تقوله يا متوكل؟ ان قنبر خادم علي أفضل منك ومن ولديك، والمقايسة بينكم وبين اولاد علي غلط لأنهم من نور وأنتم من نار فأي جسارة هذه التي تجاسرها.
غضب المتوكل ونادى: ايها الجلاد! اقبل. وعندما اتى قال له: اخرج لسانه من رقبته وهكذا بذل ابن السكيت روحه لأجل علي (عليه السلام) لأجل الامام الحسن والامام الحسين (عليها السلام)، وأنعم طريقٍ لبذل الروح هذا الطريق.
هنيئاً لابن السكيت ولأمثاله المنتصرين، نعم كان منتصراً لأنه أفسد كل عوامل التربية السيئة، معلم واحد قام بكل هذا. وكذلك يمكن للأبوين الا يقوموا بتربية ابنائهم ويقعوا بيد معلم فاسد طاغوتي معاد للثورة شغله الشاغل المنبر والمحراب شغله الشاغل معاداة علماء الدين. وان كان يمكن ان نقدم عناية الله شرارة نبطل كل هذه العوامل. عجيب امر هذا الانسان.
ما اود بيانه حول هذا الانسان انهم يقولون: ان كمال كل شيء مرهون بثلاثة اشياء أحدها القابلية، الثانية المحيط، والثالثة الفعالة. حتى حبة القمح لكي نصل الى كمال معين يجب ان يكون عندها قابلية التفتح. فاذا تعرضت هذه الحبة للتحميص فإنها تفقد قابلية التفتح. اما المحيط فلا يمكن زراعة الليمون في كل مكان بل يجب ان يكون في مازندران كما انه هناك لا يمكن زراعة الرمان اذ يحتاج الى محيط مسعد ومهيأ. ثم الفعالية، إذا لم تفقد الشجرة او حبة القمح فعاليتها فإنها تستطيع الحصول على درجة من الكمال.
اما بالنسبة للأنسان فالأمر يختلف، فالإنسان نفسه يختلق المواهب والقابليات وهو الذي يوجد البيئة والجد المناسب وهو الذي يخلق النشاط وكما يقول احدهم: كلمة لا اعلم ولا يمكن ولا أستطيع لا وجود لها في قاموس الانسان. فالإنسان إذا اراد فانه يعلم ويستطيع ويمكن. الانسان مخلوق عجيب، الشاب الممتلك للإرادة والشهامة يستطيع ابطال كل العوامل المخالفة للفطرة والدين وكل عوامل الوراثة كما يستطيع ابطال عوامل التغذية وعوامل الصحبة والبيئة والتعليم والتعلم.
ألم يبطل بشر الحافي كل هذه العوامل في شيخوخته؟ اذ بشر الحافي لم يكن جيدا من ناحية عوامل التربية. لقد كان فاسدا الى درجة كان بيته مركزاً للفحشاء، وكل من أراد ان يلهو ويلعب يأتي الى بيت بشر. في احد الأيام مر الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) فسمع(2)، صوت الغناء والطرب ترتفع من بيت بشر، انزعج الامام (عليه السلام) من ذلك وصادف خروج خادمه بشر من البيت لرمي بعض الاوساخ فسأله الامام (عليه السلام): صاحب هذا البيت حر ام عبد؟ يعني هل هو عبد للآخرين ام انه رجل حر؟ قال الخادم: سيدي حر. هنا منزل بشر (لم يكن اسمه في ذلك الوقت الحافي). قال الامام موسى بن جعفر (عليه السلام): نعم انه حر ولهذا يعمل هذه الاعمال اذ لو كان عبدا لله لما قام بمثل هذه الاعمال. وكانت هذه شرارة انقدحت على الوقود، هل رأيتم يوماً ما الذي يحدث فيما لو وقعت شرارة نار على مخزن وقود. نعم سأل بشر خادمه: مع من كنت تتكلم؟ فذكر له ما جرى. لقد كان هذا السيد موسى بن جعفر (عليه السلام)، لقد أحدث كلامه انقلاباً في بشر فخرج حافياً يطلب الامام موسى بن جعفر (عليه السلام)، قبل يده وقال سيدي إني نادم فماذا افعل؟ وتاب على يد موسى بن جعفر (عليه السلام) وطرد النفس الامارة والشيطان ورفاق السوء فسمي بشراً، تمكن بشر الحافي من ابطال كل عوامل الوراثة، وعوامل المحيط وعوامل رفقة السوء وسائر عوامل التربية.
حتى وصل الأمر الى درجة ان العرفاء نقلوا له الكرامات في كتبهم. وهذا لا يدخل في العقل وان البعض وصل الى مقامات شامخة.
استاذنا الكبير العلامة الطباطبائي نقل لنا قصة، اذكر هذه القصة، للعصاة وللآباء والأمهات لكي يلتفتوا لأبنائهم، لو بذلتم الاهتمام اللازم فأنكم تستطيعون ايصالهم الى اي مقام تريدون حتى ولو كانوا مشلولين روحياً ويستطيع الانسان في يوم واحد بل نصف يوم ان يقطع مسافة خمسين سنة، ذكر لنا العلامة الطباطبائي انه في زمن ذلك العارف الكامل الملا حسين قلي همداني الذي كان عارفا وربى الكثير من الطلاب الممتازين مثل المرحوم السيد علي القاضي والمرحوم الشيخ محمد البهاري في زمانه كان هناك شخص في النجف اسمه عبد فرّار كان دنيئاً جداً. كل النجف كانت تهابه. كان شديد السوء وعندما يدخل صحن الحرم المطهر كان الجميع يتأخر ويفسح له الطريق لكي يمر، لم يكن أحد آمناً من شره. هذا الشخص اتى يوماً الى الحرم المطهر العلوي والناس أفسحوا له حتى مر. في تلك اللحظة وصل المرحوم ملا حسين قلي همداني رماه بنظرة فلم يسلم، قال له المرحوم الآخوند: ما اسمك؟ (اراد بذلك ان يقدح شرارة) اجابه بدناءة: ألا تعرفني؟ انا عبد فرّار. عندئذ قال له المرحوم الآخوند: (أفررت من الله ام من رسوله). وكأن هذا الكلام أحدث هيجاناً في داخله فصار يردد: (أفررت من الله ام من رسوله). ذهب الى بيته ولم يخرج منه الى ان مات منتصف الليل.
لقد أبطل كل العوامل التربوية وكل آثار الذنوب حتى الذنوب الكبيرة.
(أفررت من الله أم من رسوله) حتى منتصف الليل حيث خرجت روحه ومات.
في الصباح اتى المرحوم الآخوند الى طلابه وقال: لقد ارتحل عن هذه الدنيا أحد اولياء الله فلنذهب لتشييع جنازته، فاستعد الطلاب وعطلوا الدرس. وعندما رأوا الآخوند يأتي الى بيت عبد فرار بدا عليهم التعجب، هل اشتبه الآخوند؛ اليس هذا ذلك الدنيء فكيف يكون من اولياء الله؟. وجدوا ان أصوات البكاء والنحيب ترتفع من البيت. وفي الأخير شيعوا الجنازة - حيث شارك المرحوم الآخوند في غسله وتكفينه ودفنه. ثم قال: لقد كان سيئاً قبل ان يتوب، قبل ان يقول: (أفررت من الله ام من رسوله) هذا السيد عبد فرار تمكن في نصف ليلة من ابطال كل عوامل التربية.
اذن بحثنا صار هنا. ان هذا البحث الذي قمنا به خلال هذا الشهر هو بحث اقتضائي وليس نحو العلة التامة يعني عليكم الانتباه لأمر الغذاء ولمسألة عوامل الوراثة عند انعقاد النطفة وعندما يكون الطفل جنيناً في بطن امه وعند ارضاعه وعندما يكون في سريره، وحينما يكون ضمن محيط البيت اهتموا لان تربوا تربية صحيحة ضعوهم في الطريق المستقيم، في الطريق المعبد. وإذا كنتم لحد الآن لم تقوموا بذلك فصحيح انكم قد ارتكبتم ذنباً لكن عالجوا ذلك واجبروه من الآن فصاعدا، وليس الأمر كذلك من انه إذا كنتم قد قصرتم فأنكم لا تستطيعون معالجة شلل ابنائكم بل تستطيعون معالجة اولادكم المرضى روحياً، وإذا كان آباؤكم وامهاتكم سيئين فأنكم تستطيعون اصلاح انفسكم، حتى لو اكلتم مال الحرام خمسين سنة، فأنكم تستطيعون من الآن وصاعداً ان تصيروا عبداً فراراً وتصبحوا من أولياء الله خلال نصف ليلة تستطيعون ان تصيروا فضيل بن عياض او بشر الحافي وأمثالهم في التاريخ كثيرون.
ذكر أحد الأجلاء ان زوجته كانت مشلولة الى درجة انها لا تستطيع القيام وحتى لو ارادوا انهاضها فكان عليهم أن يضعوها في بساط ويأخذوا بأطرافه الأربعة ويرفعوها.
يقول في الليلة التي كان من المقرر أن يأخذوها الى طهران دخلت الى احدى الغرف، شكوت حزني الى الله وحيداً قلت له: الهي! إني اخجل من مخاطبة صاحب الزمان لأني لا اليق لذلك إني اسود الوجه (من المعاصي) لكني اتكلم معك انت، إلهي انت قل لصاحب الزمان ان ينظر الينا نظرة لطف. يقول كررت هذه الجملة مقداراً ما باثاً حزني لله (وكان القرآن مقابلي) ثم نمت وفي منتصف الليل رأيت في منزلنا ازدحاماً، نهضت فوجدت الانوار مضاءة ايضا، قمت فجاءت الي ابنتي وقالت: ابي: لقد تحسنت امي. تعجبت لذلك، ذهبت اليها فوجدتها جالسة بل ولمست فيها نشاطاً، ما الذي حصل لهذه العجوز التي قد استوفت عمرها، رأيتها وقد رجعت شابة. سألتها ما الذي حصل؟ قالت: كنت نائمة فأتى الي شخص وقال لي قومي لكن بشرط الا تتألمي بعد.
تقول نهضت واتيت مع ذلك السيد الى باب البيت حيث خرج السيد واغلقت الباب خلفه ثم التفت الى حلول الصبح وانتبهت الى إني قد شفيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تاريخ اليعقوبي.
2ـ راجع الكنى والألقاب للمحدث القمي، ج2، ص153، نقلاً عن قصص الأبرار، ج1.