x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

زياد بن أبيه

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الأدب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:423-428

5-7-2021

2554

زياد (1) بن أبيه

ولد في عام الهجرة أو قبله بقليل لسمية جارية فارسية كانت للحارث بن كلدة الثقفي المشهور بطبه، ويقال إنه زوجها ثقفيا يسمي عبيدا، ومن ثم كان يسمي في بعض الروايات زياد بن عبيد. ويذهب بعض الرواة الى أنه إنما ولد على فراش الحارث وأن عبيدا كان عبدا روميا، ولم يكن ثقفيا،

 

  1.  

وما نتقدم معه الى عهد عمر، حتي نجد أبا سفيان ينسبه الى نفسه مدعيا أبوته، وقد تكون نسبة صحيحة، وإن تضمنت أنه لم يولد لرشدة. وليس بين أيدينا شئ واضح عن نشأته. ونراه يخرج مع الجيوش الغازية في الشرق، وسرعان ما يعهد إليه عتبة بن غزوان قائد عمر في فتوح الأبلة تسجيل الغنائم وقسمها في الناس، مما يدل على إتقانه الكتابة والحساب. ويلزم ولاة البصرة يكتب لهم، ويوفده واليها أبو موسي الأشعري الى عمر، فيعجب بذكائه ولسنه، ولكنه يأمر بعزله، فيقول له: يا أمير المؤمنين أعن عجز أم عن خيانة صرفتني، فيرد عليه: لا عن واحدة منهما ولكني أكره أن أحمل على العامة فضل عقلك (2).

ويعود الى البصرة حتي إذا كان عهد عثمان اتخذه عبد الله بن عامر واليها كاتبا له، ويفسد ما بينهما فيعزله، حتي إذا صار العراق لعلي وولي على البصرة ابن عباس جعله على خراجها، وأنابه عنه أحيانا، وأظهر في أثناء نيابته له حنكة، ذلك أن معاوية دس الى تميم بعض من أفسدها على علي، فاستجار زياد بالأزد واستطاع بما أوقع بينهما أن يعيد الأمر الى نصابه، وأن يعود بتميم الى طاعة إمامه. ولما فسدت فارس على علي أرسل به إليها واليا عليها، فرم الفساد وأصلح الشعث ورأب الصدع متوسلا الى ذلك بمهارة سياسية فائقة، إذ «بعث الى رؤسائها، فوعد من نصره ومناه، وخوف قوما وتوعدهم، وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، وقتل بعضهم بعضا، وصفت له فارس فلم يلق فيها جمعا ولا حربا، وفعل مثل ذلك بكرمان (3).

ويقال إن أهل فارس كانوا يقولون: «ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسري أنو شروان.

من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة (4)». ولما قتل على ظل على عهده لابنه الحسن. حتي إذا تحولت مقاليد الأمور الى معاوية اعتصم بفارس، فكاتبه معاوية متوعدا، ثم أخذ يتلطف له ووسط لديه المغيرة بن شعبة الثقفي، ذاكرا ما بينهما من الرحيم، وما زال به، حتي دخل في طاعته. وفرح به فرحا عظيما.

إذ كان يعرف فضله، وأنه لا غني له عنه في استصلاح العراق، ولما صار إليه

 

  1.  

جمع الناس وصعد المنبر، وأجلسه بين يديه، وأشهد الحاضرين على نسبته لأبيه، وشهدت بذلك منهم جماعة. غير أن كثيرين ظلوا يشكون في هذا النسب ويتهمونه. ولم يلبث معاوية أن ولاه البصرة وخراسان وسجستان سنة 45 للهجرة.

فأظهر من الحزم وحسن التدبير ما جعل معاوية يضم إليه الكوفة حين مات واليها المغيرة بن شعبة، وبذلك أصبح واليا على العراق جميعه حتي وفاته سنة 53 للهجرة. وقد أخذ الفساق والجناة بالعنف والشدة، وكذلك صنع بالخوارج والشيعة وقصته مع حجر بن عدي مشهورة، فقد أرسل به الى معاوية، وهناك لقي حتفه. على أنه كان يخلط سياسته باللين، ولم يكن يعمد الى سفك الدماء إلا حين تعجزه الحيلة، وقد اتبع سياسة ضرب القبائل بعضها ببعض حتي يشغلهم عنه وعن الدولة. ومن المحقق أنه كان سياسيا ماهرا بعيد النظر يحسن تصريف الأمور الى أبعد غاية.

وكان خطيبا لا يباري في جودة خطابته، يعرف كيف يصوغ كلمه صوغا تهش له الأسماع وتصغي له القلوب والأفئدة، وقد نوه بخطابته كثير من معاصريه على شاكلة قول الشعبي: «ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا من أن يسيئ إلا زيادا فإنه كلما أكثر كان أجود كلاما (5)». وخطبه مثل خطب الحجاج تدور في موضوعين هما السياسة والمواعظ الدينية، وقد بقيت من خطبه الاولى شظايا وفقر وخطبة طويلة هي أروع خطبة سياسية خلفها هذا العصر، وهي الملقبة بالبتراء (6)، سميت بذلك لأنها لم تبتدئ بالتحميد والتمجيد (7)، وقد أدخله عليها بعض الرواة.

والخطبة تجمل سياسة زياد التي اشتهر بها والتي ردت الى البصرة أمنها بعد أن عاث فيها الفساق واللصوص واضطرب حبل النظام، وقد بدأها بتصوير ما صار إليه أهلها من الفساد وشيوع الفسق والانحراف عما رسم الله للمسلمين في كتابه من السيرة المستقيمة الطاهرة، يقول:

  1.  

 

«أما بعد فإن الجهالة الجهلاء (8) والضلالة العمياء والغي الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير ولا ينحاش (9) عنها الكبير، كأنكم لم تقرءوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد (10) الذي لا يزول، أتكونون كمن طرفت (11) عينيه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله وهذه المواخير (12) المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعدد غير قليل. ألم يكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج (13) الليل وغارة النهار؟ ! قربتم القرابة وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر وتغضون على المختلس. أليس كل امرئ منكم يذب عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا. ما أنتم بالحلماء ولقد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بهم ما يرون من قيامكم دونهم حتي انتهكوا حرم الإسلام».

وعلي هذا النحو استهل خطبته بتجسيم صور الفساد التي انتهت إليها حياة الناس في البصرة، وهو في أثناء ذلك يقرع سامعيه بأنهم انتبذوا كتاب الله وراء أظهرهم مؤثرين الفانية على دار الخلود، وكأنما عادوا يجترون حياتهم الوثنية القديمة وكل ما كان فيها من إثم. حتي إذا بلغ من ذلك كل ما أراد انتقل يصور خطته في حكمهم وما أعده لهم من ضروب العقوبات، يقول:

«إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: لين في غير ضعف وشدة في غير عنف، وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولي (14) والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والمطيع بالعاصي والصحيح منكم في نفسه بالسقيم، حتي يلقي الرجل منكم أخاه فيقول: (انج سعد فقد هلك سعيد) أو تستقيم لي قناتكم. . من نقب منكم عليه فأنا ضامن لما ذهب له، وإياي ودلج الليل فإني لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه. . وإياي ودعوي (15) الجاهلية فإني لا آخذ

  1.  

 

داعيا بها إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثا لم تكن وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة، فمن غرق قوما غرقناه، ومن أحرق قوما أحرقناه. ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرا دفناه فيه حيا، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكف عنكم يدي ولساني، ولا تظهر على أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه. وقد كانت بيني وبين أقوام إحن (16) جعلتها دبر (17) أذني وتحت قدمي، فمن كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته. إني والله لو علمت أن أحدكم قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا، حتي يبدي لي صفحته (18)، فإذا فعل ذلك لم أناظره. فاستأنفوا أموركم وأرعوا (19) على أنفسكم، فرب مسوء بقدومنا سنسره، ومسرور بقدومنا سنسوءه».

وهذه الفقرة من الخطبة تصور بجلاء سياسة زياد ودستوره في حكم البصرة، وهو دستور أوضح فيه مواد العقوبة وأنه سيأخذ بالظنة ويعاقب على الشبهة، وأنه قد جر دسيفه لقتل من لا يرعوي، وأن من عاد الى العصبية الجاهلية يستثير قومه سيقطع لسانه. ونجحت هذه السياسة في إعادة الأمور الى نصابها في ولايته واستقرار الأمن، حتي قالوا إن المرأة كانت تبيت وبابها مفتوح عليها لا تخشي لصا، وكان الشيء يسقط فلا يعرض له أحد حتي يرجع إليه صاحبه، فيأخذه، وقالوا أيضا إن

النا هابوه هيبة لم يهابوها أحدا من الولاة قبله. وفي نفس هذه الفقرة ما يصور رفق زياد برعيته، فهو لا يبطش للبطش، وإنما يبطش على الجرم، أما بعد ذلك فلين رفيق بالناس، وهو يجهر بذلك حين يلخص خطته في الحكم بأنها لين في غير ضعف وشدة في غير عنف، وأيضا حين يجهر في ختام الفقرة بأنه سيصانع الناس حتي أعداءه ما صانعوه. ويمضي في فقرة ثالثة، يبين ما يجب على الناس من الطاعة للخليفة وولاته، يقول:

«أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفئ (20) الله الذي خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة

 

  1.  

فيما أحببنا، ولكم علينا العدل والإنصاف فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا. . وادعوا الله بالصلاح لأتتكم فإنهم ساستكم المؤدبون وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا به حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرا لكم. أسأل الله أن يعين كلا على كل. وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله (21)، وأيم الله إن لي فيكم لصرعي كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي».

وزياد في هذه الفقرة يستلهم فكرة التفويض الإلهي المعروفة عند الفرس، إذ كانوا يؤمنون بأن ملوكهم مفوضون لحكمهم من قبل ربهم، وفي ذلك دلالة واضحة على تأثر الخطباء بالأفكار الأجنبية. وهو يلوح لسامعيه بما في يد الدولة من أموال الخراج ومغانم الحروب وأنها ستنثرها على رعاياها المطيعين الموالين لها نثرا، ولا يلبث أن يهدد من تحدثهم أنفسهم بنقض الطاعة أنهم إن صنعوا فالسيف ينتظرهم وضرب الرقاب.

والخطبة على هذا النحو خطبة سياسية خالصة، إذ ترسم سياسة زياد وطريقته في الحكم من جميع أطرافهما. وهي مقسمة الى فقر تتسلسل فيها الأفكار تسلسلا دقيقا، وكل لفظة تقع في مكانها وقرارها مع جمال الديباجة ووضوح الدلالة، فلا توعر ولا تعقيد ولا كلم غريب.

وكان زياد بحكم خطابته في الجمع والأعياد يعمد الى الوعظ كثيرا، وهو فيه يبدع، كما يبدع في خطبه السياسية، ونسوق له من هذا الباب موعظة يقال إن عبد الملك بن مروان كتبها بيده، وهي تطرد على هذا السياق (22):

«إن الله عز وجل جعل لعباده عقولا عاقبهم بها على معصيته وأثابهم بها على طاعته، فالناس بين محسن بنعمة الله ومسئ بخذلان الله إياه. ولله النعمة على المحسن والحجة على المسئ. فما أولي من تمت عليه النعمة في نفسه ورأي العبرة في غيره أن يضع الدنيا بحيث وضعها الله، فيعطي ما عليه منها ولا يتكثر

  1.  

مما ليس له فيها، فإن الدنيا دار فناء، ولا سبيل الى بقائها، ولا بد من لقاء الله عز وجل، فأحذركم الله الذي حذركم نفسه، وأوصيكم بتعجيل ما أخرته العجزة، قبل أن تصيروا الى الدار التي صاروا إليها، فلا تقدروا فيها على توبة، وليست لكم منها أوبة».

وواضح ما في هذه الموعظة من حسن التقسيم ودقة التفكير وسلامة المنطق والقدرة على الإقناع بالحجة، وحقا ما قاله عنه بعض معاصريه، وقد استمع إليه في بعض خطبه، من أنه أوتي حسن البيان وبراعة الخطاب.

 

 

  •  

(1) انظر في ترجمة زياد وتحقيق نسبته طبقات ابن سعد ج 7 ق 1 ص 70 وأسد الغابة 2/ 215 والمعارف لابن قتيبة (طبعة جوتنجن) ص 176 وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 259 والأغاني (طبعة الساسي) 16/ 3 وما بعدها وابن عساكر 5/ 406 والعقد الفريد 5/ 4 (راجع الفهرس) ومروج الذهب للمسعودي (طبعة مصر) 2/ 55 والطبري في مواضع متفرقة وكتاب تاريخ الدولة العربية لقلهوزن ص 113 وما بعدها.

(2) البيان والتبيين 1/ 260.

(3) طبري 4/ 106.

(4) طبري 4/ 105.

(5) البيان والتبيين 2/ 65.

(6) انظرها في البيان والتبيين 2/ 62 وعيون الأخبار 1/ 241 والعقد الفريد 4/ 110.

(7) البيان والتبيين 2/ 6 وانظر 2/ 62.

(8) الجهلاء: وصف مؤكد كما تقول ليلة ليلاء.

(9) ينحاش: ينفر.

(10) السرمد: الدائم.

(11) طرف عينه: أصابها بشئ فدمعت.

(12) المواخير: جمع ماخور، وهو بيت الريبة.

(13) الدلج: السير في الليل.

(14) الولي: السيد، المولي: العبد.

(15) دعوي الجاهلية: قولهم يالتميم مثلا، إثارة من الشخص لقومه.

(16) إحن: جمع إحنة، وهي الحقد والضغينة.

(17) دبر: خلف. كناية عن أنه لا يهتم بها.

(18) أبدي صفحته: جاهر بعداوته.

(19) أرعوا: أبقوا وارفقوا.

(20) الفئ هنا: الخراج وغنائم الحروب.

(21) اذلاله: وجوهه.

(22) البيان والتبيين 1/ 387.

 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+