1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : النثر :

ازدهار الخطابة

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الأدب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:405-410

8-4-2021

3175

 

  •  

ازدهار الخطابة

أسهمت عوامل كثيرة في ازدهار الخطابة لعصر بني أمية، إذ كانت لا تزال للعرب سلائقهم اللغوية ولم تفسد ألسنتهم بمجاورة الأمم الأجنبية والاختلاط بشعوبها، وكانوا من بلاغة المنطق وحسن البيان وجودة الإفصاح والإفهام بحيث يستطيع متكلمهم أن يبلغ ما يريد من استمالة الأسماع مع الديباجة الرائعة والرونق البديع.

وقد وقف الجاحظ طويلا في كتابه البيان والتبيين يشيد بقدرتهم الخطابية، وبلغ من إشادته بهذه القدرة أن رفعهم في الخطابة على جميع الأمم، حتي الفرس واليونان، وهو محق في تقديمه لهم على الفرس، أما اليونان فمن المعروف أن الخطابة بأنواعها السياسية والقضائية والحفلية نشطت عندهم نشاطا واسعا، وأنه اشتهر بينهم غير خطيب مثل ديموستين، وتوج هذا النشاط بكتاب الخطابة لأرسططاليس.

ويظهر أن الجاحظ لم يكن يعرف شيئا من ذلك، ومن ثم مضي يقدم الفرس على اليونان في الخطابة، ومما لا شك فيه أنهم يتخلفون عنهم وعن العرب جميعا في مضمار هذا الفن من فنون النثر القولي.

وعوامل مختلفة هيأت للخطابة العربية أن تبلغ في هذا العصر كل ما كان ينتظر لها من نشاط وازدهار، بالإضافة الى ما ذكرناه من مواهبهم البيانية، ومن الممكن أن نردها الى السياسة والمحافل والدين، فأما من حيث السياسة فإن هذا العصر امتاز بظهور معارضة حادة فيه للدولة الأموية، وهي معارضة كانت تدور كما مر بنا في غير هذا الموضع على الخلافة وهل تقصر على بني أمية أو

  1.  

 

 

 

  1.  

تكون حقا شائعا للمسلمين جميعا، أو ترد الى بني هاشم وأبناء على خاصة، أو تكون حقا للعرب، فلا تختص بها قريش.

وكان الأمويون وولاتهم من مثل زياد والحجاج لا يزالون يقررون أنها حق لهم وأن الله اصطفاهم ليقودوا العرب والمسلمين ويحكموهم بشريعته. وانبري لهم الخوارج يصيحون منذ خروجهم على علي بن أبي طالب بأن الخلافة حق عام للمسلمين، يتولاها خيرهم زهدا وتقوي وورعا، ولو كان غير قرشي، بل لو كان غير عربي. ومضوا يحاجون في أول الأمر عليا وابن عباس، ثم أخذوا يحاجون ابن الزبير، واختلفوا فيما بينهم وانقسموا فرقا وطرائق قددا، فكان منهم الأزارقة والنجدات والصفرية والإباضية، وأخذ كل فريق يحتج لرأيه مستعينا بدقة مداخله في حجته.

ومنذ قيام على بالكوفة ظهرت من حوله جماعة تري أنه هو وأبناءه أصحاب الحق الشرعي في الخلافة. ويتوفي علي، فيدعون للحسن، ويخيب ظنهم فيه حين يتنازل عن الخلافة لمعاوية. ولا تهدأ ثائرتهم، فيطلبهم زياد بن أبيه، وقصته مع حجر بن عدي مشهورة. ويتوفي معاوية، فتكتب شيعة الكوفة الى الحسين، ويتجه إليهم، ولكنه يقتل بكربلاء دون غايته. ويتوفي يزيد ابن معاوية، فتنشب حركة التوابين، يقودها سليمان بن صرد، وتبوء بالخذلان.

حينئذ يتولي قيادة الشيعة هناك المختار الثقفي، وما يزال يخطب ويدعو حتي يجتمع عليه خلق كثير، ويتجرد له مصعب بن الزبير، فيقضي عليه قضاء مبرما.

ونمضي الى القرن الثاني فيظهر زيد بن على بن الحسين، ويثور، وسرعان ما يقضي عليه.

ويتكون في هذه الأثناء حزب عبد الله بن الزبير، ويظل نحو ثماني سنوات، وكان هذا الحزب يدعو الى عودة الخلافة الى الحجاز وأن يتولاها أحد أبناء كبار الصحابة من قريش، لا هؤلاء الأمويون الذين حولوا الخلافة الى دمشق وأخذوا هناك يحكمون الناس مستندين الى القبائل اليمنية الشامية. وبذلك ضاع الحكم من قريش ومن الحجاز جميعا.

 

  1.  

وكان كثير من سادة العرب وأسرها النبيلة يري أن الخلافة ينبغي أن لا تقصر على قريش وأن ترد الى العرب قاطبة، وبلغ هذا الشعور قمته في الكوفة، فانبري عبد الرحمن بن الأشعث الكندي يعبر عنه في ثورته على الحجاج، تؤيده بلدته، ولكن ثورته باءت بالفشل. ولا نصل الى أوائل القرن الثاني حتي يثور نفس الثورة يزيد بن المهلب، وتدور عليه الدوائر.

ودائما تلقانا في صفوف هذه المعارضة خطابة كثيرة، إذ يمتشق الخطباء ألسنتهم في تصوير مذاهبهم السياسية، يدعون لها، كما يدعون للانتقاض على بني أمية. وكان يلقاهم أنصار الأمويين بخطابة ملتهبة، يصورون فيها خروجهم على الجماعة وشغبهم وأنهم يضلون الطريق. وكل ذلك هيأ في قوة لنشاط الخطابة السياسية، ومن الممكن أن نضيف الى هذا الجانب خطابة القواد في الجيوش الغازية شرقا وغربا، إذ قلما احتدمت معركة إلا احتدم معها الشعر والخطابة. ومن الممكن أيضا أن نضيف ما احتدم بين القبائل من خصومات قبلية جعلتهم يقتتلون كما جعلتهم يخطبون متوعدين منذرين على نحو ما مر بنا في خصومات قيس من جهة وتغلب والقبائل اليمنية من جهة ثانية سواء في الشام أو في الجزيرة، وكذلك خصومات تميم والأزد في البصرة، وما اندلع من ألسنة هذه الخصومات جميعا في خراسان. وهي-كما قدمنا-خصومات كانت تختلط فيها العصبيات القبلية بالسياسة وموقف القبائل من بني أمية ونصرتهم لهم أو انفضاضهم عنهم.

وإذا تركنا السياسة وأحزابها وأحداثها الى المحافل ووفودها وجدنا لذلك آثارا قديمة منذ الجاهلية، وقد أخذت هذه الوفود تكثر منذ حياة الرسول صلي الله عليه وسلم. وخاصة بعد فتح مكة. ولما فتحت الفتوح ومصرت الأمصار واستبحرت الدولة واتسعت كان يقدم على الخلفاء الراشدين من ينبئونهم بالفتح، ومن يذكرون لهم حاجة قومهم في المصر الجديد. وندخل في عصر بني أمية، فتتحول هذه الوفود الى سيول، تقصد قصور الخلفاء وقصور الولاة، متحدثة في شئون قومها. واشتهر معاوية باستقدامه الوفود من الأمصار حين تعن له فكرة سياسية كفكرة تولية ابنه يزيد الخلافة من بعده. وكانت هذه الوفود تنوب عن أقوامها

  1.  

 

في بيعة الخليفة الجديد وفي بث شكواها حين يلم بها ما يوجب الشكوى. وانبثقت في هذه الأثناء خطب التهنئة والتعزية. وكانوا يسمون محافل هذه الوفود باسم المقامات، وفي العادة كان ينوب عن القوم في هذه المقامات سيدهم الذي يصدرون عن رأيه. ويتصادف في بعض الأحيان أن تجتمع وفود مختلفة، حينئذ يتبارى خطباؤها، ويحاول كل منهم أن يكون له قصب السبق في البيان والفصاحة.

وبجانب المحافل والسياسة دفع الإسلام الى نشاط واسع في الخطابة، إذ جعلها جزءا لا يتجزأ من صلاة الجمعة والعيدين، فأيان ركز الإسلام أعلامه انتصبت المنابر في المساجد كي يعظ الخطباء الناس بالمواعظ الحسنة، يسهم في ذلك الخلفاء والولاة، وجمهور كبير من الخطباء. ولم تلبث جماعة أن عاشت حياتها تعظ الناس مستلهمة هدي القرآن الكريم وتعاليم الرسول صلي الله عليه وسلم، وكثر أفراد هذه الجماعة في كل مصر، وكثر بجانبهم جماعة من القصاص، كانوا يقصون على الناس مازجين قصصهم بتفسير آي الذكر الحكيم وبكثير من مخلفات أهل الكتب السماوية وتراثهم الديني. وكانوا يستهوون الناس بما يوردون عليهم من أخبار عجيبة، وكان نفر منهم يتزيد في هذه الأخبار تزيدا شديدا، مما جعل كثيرين من زهاد الأمة ونساكها ينفرون منهم، وخاصة حين رأوا معاوية وخلفاءه يستغلون بعضهم للدعوة لهم والإزراء على خصومهم (1)، فارضين لهم رواتب ومكافآت شهرية (2). ولعل من الطريف أن هؤلاء القصاص كانوا ينبثون في الجيوش لتحميس الجند على القتال، كما كان ينبث معهم جماعة من الوعاظ، وفي الطبري نصوص تدل على ذلك كثيرة، إذ نجد عتاب بن ورقاء حين نازل شبيبا الخارجي يقص على جنده محمسا لهم (3) كما نجد قتيبة بن مسلم في خراسان يسأل عن واعظ جنده محمد بن واسع الأزدي الناسك المشهور (4). ولم يكن ذلك قاصرا على جيوش الدولة، فقد كان الخوارج يذهبون نفس المذهب، ومن كبار قصاصهم صالح بن مسرح الصفري،

  1.  

 

وفي الطبري طرف من قصصه (5)، وكذلك كان يصنع أصحاب الثورات على نحو ما نعرف عن جهم بن صفوان وصنيعه في فتنة الحارث بن سريج بخراسان (6).

وفي هذه البيئة الدينية، بيئة الوعظ والقصص، أخذ يتضح رقي العقل العربي بما أصاب من كنوز الثقافات الأجنبية، فإذا جدل كثير ينشب في مسائل العقيدة، كمسألة ارتباط الإيمان بالعمل، وهل يعد المسلم مؤمنا وإن لم يؤد الفروض الدينية، ومثل مسألة حرية الإرادة وهل الإنسان مخير في الحياة أو مسير لا حول له ولا قوة. ومثل مسألة صفات الله، هل هي عين الذات الإلهية أو غيرها، وسرعان ما تكونت فرق الجبرية والمرجئة والقدرية والمعتزلة، مما عرضنا له في غير هذا الموضع.

والمهم أن هذه الفرق تجادلت جدالا طويلا في هذه المسائل العقيدية وهو جدال رشح لقيام مناظرات عنيفة بينها، وهي مناظرات حشدوا لها كل ما يمكن من أدلة نقلية عن الكتاب والسنة وأدلة عقلية مدارها على البرهان المنطقي.

ولم تكن هذه الفرق تتجادل فيما بينها فحسب، بل كانت تجادل أيضا طوائف من أصحاب الديانات السماوية وغير السماوية، وكانوا يرونهم في جدالهم يستعينون بالمنطق اليوناني وبشعب مختلفة من الفلسفة والثقافات الأجنبية، فطلبوا الوقوف على ذلك كله. وهم من هذه الناحية يعدون أسبق الطوائف العربية في معرفة شئون الفكر الأجنبي ودقائق احتجاجاته.

وعلي هذا النحو انبثق علم الكلام في عصر بني أمية، وانبثقت معه صور خطابية جدلية هي صور المناظرة والمحاورة، وهي صور جديدة ضمت الى صور الخطابة السياسية والحفلية والدينية، صور كانت تسعي الى نقض أدلة الخصوم وبيان أنهم مخدوعون فيما يذهبون إليه من آراء. وكان الناس يجتمعون من حول أصحاب هذه الصور في حلقات، يقف فيها المناظر ومعه أصحابه، فيعلن رأيه ويدعمه بكل دليل، ويتقدم خصمه بين أنصاره فيحاول أن يحطم له كل دليل قدمه، وأن يثبت رأيه هو بما يجمع له من براهين. وسنري مدي ما كان لهذه المناظرات من أثر في رقي الخطابة رقيا بعيدا.

 

  1.  

 

  •  

(1) انظر حاشية الولاة والقضاة للكندي ص 304 وخطط المقريزي (طبعة بولاق) 2/ 253

(2) الولاة والقضاة ص 317.

(3) طبري 5/ 89.

(4) البيان والتبيين 3/ 273.

(5) طبري 5/ 50.

(6) طبري 6/ 3 وما بعدها.

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي