الحزب الوطني الحجازي ومبادئه في مكة
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 712- 719
12-12-2020
2251
الحزب الوطني الحجازي ومبادئه :
كان قد انبثق عن اجتماعات جدة حزب كونه المجتمعون قبيل مبايعة الامير علي واطلقوا عليه (الحزب الوطني) واستنوا له المبادىء الاتية :
١ ـ السعي بكل الوسائل لحفظ البلاد من الكارثة الساحقة المحدقة بها.
٢ ـ السعي لجعل البلاد دستورية اسلامية سالمة من شوائب الدسائس والنفوذ الاجنبي.
٣ ـ النزول على ما يرتئيه العالم الاسلامي لمصلحة البلاد والعباد وكيفية ادارة البلاد.
وتم تشكيل ادارة الحزب على النحو الآتي :
الشيخ محمد الطويل رئيسا.
محمد طاهر الدباغ سكرتيرا عاما.
قاسم زينل خازنا ، عبد الله رضا ، صالح شطا ، عبد الرؤوف الصبان ، الشريف شرف بن راجح ، سليمان القابل ، محمد نصيف ، محمد صالح نصيف ، محمود شلهوب ، ماجد كردي أعضاء
وورع الحزب على الامة :
بعد تأسيسه نشرة جاء فيها : (ان المأزف الحرج الذي وقعت فيه البلاد دفع الامة الى التفكير فيما يجب عمله لدرء الخطر الداهم وان تتولى أمر نفسها بنفسها وان تسعى بكل الوسائل لحفظ البلاد والعباد ولاجل ان تكون الاعمال في يد قادة صالحين للعمل مفكرين فيما يجب عليهم نحو وطنهم المحبوب. تشكل حزبنا الوطني الحجازي من ذوي الافكار السامية والنظر الثاقب وانتخبوا من بينهم ١٢ عضوا للقيام بالاعمال التي توجبها الحالة الحاضرة وقد باشروا ولله الحمد عملهم وسيسيرون على مبادىء الحزب القويمة التي يتفانون لاجلها وقد عاهدوا الله سبحانه وتعالى واقسموا بعظيم آياته أن لا يدعوا صغيرة ولا كبيرة من الاعمال العائدة لمصلحة البلاد الا فعلوها بقدر استطاعتهم وكل ما يرغبون من الامة الحجازية ان تتذرع بالصبر وان تضع ثقتها في الحزب ورجاله المخلصين).
وجاء في نشرة اخرى : (ان الحزب يقوم بالنيابة عن الامة في الوقت الحاضر والمستقبل.
بيان للعالم الاسلامي : وفي يوم البيعة ٥ ربيع الاول سنة ٤٣ و ٢٤ اكتوبر ١٩٢٤ أرسل الحزب الوطني الى صحف مصر بيانا وقعه السيد محمد طاهر الدباغ سكرتيره وقد جاء فيه :
«بما ان الشعب الحجازي بأجمعه الواقع الآن في الفوضى العامة من فناء الجيش المدافع وعجز الحكومة عن المحافظة على الارواح والاموال وبما ان الحرمين الشريفين خاصة وعموم البلاد الحجازية عامة مستهدفة لخطر ماحق. ومما ان الحجاز بلاد مقدسة يعني امرها عموم المسلمين لذلك فان الامة قررت نهائيا واجبرت الشريف حسينا على التنازل عن عرشه ولينسحب الى حيث يرغب من البلاد لاقامته وبالنسبة لما يخشى حدوثه من الاضطرابات الداخلية وهياج الرأي العام فقد رأت الامة ان تبايع صاحب الجلالة عليا الاول ملكا دستوريا على الحجاز فقط على شرط ان ينزل على رأي الامة الاسلامية في ما يؤول اليه صلاح هذا البلد الامين وقد ارسلت الامة خطابا الى الامام ابن السعود للمفاوضة وان الشعب الحجازي بعد هذا التبليغ والاجراء يلقي كل مسؤوليته على عاتق المسلمين اذا لم يسارعوا فى انقاذ البلاد بايقاف جيوش الامام ابن السعود لاتمام المفاوضة واتخاذ الاجراءات الفعالة لحفظ البلاد» (1)
الى ابن السعود : وكان الحزب قد ارسل في الوقت نفسه الى عظمة السلطان عبد العزيز بن سعود في الرياض : الكتاب الاتي :
بسم الله الرحمن الرحيم
الى حضرة صاحب العظمة السلطان عبد العزيز بن سعود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فاننا معاشر العرب أمة واحدة شرفنا الله بدين الاسلام وان البلاد الحجازية التي هي منبع النور الاسلامي هي البلاد المقدسة عند عموم الناس أجمعين وفيها حرمه الامين وقبلة المسلمين والمشاعر العظام وقد حدث بينكم وبين الشريف الحسين من النفور والمنازعات بأسباب عائدة لشخص الحسين وليس للامة والبلاد أدنى دخل في الامر لان السلطة المطلقة كانت في يده ولا يعمل الا بما يريده بل قد احتكر الكلام عن لسان أهلها بما لا يريدونه ونسب لهم ما لا يوافقون عليه واوجد العداء بينهم وبين الامم المجاورة بهم من سكان نجد وخلافها بلا سبب مع اتحادهم في الدين والمذهب حتى ادى الى سفك الدماء البريئة. فلما بلغ السيل الزبى هب الشعب الحجازي المجتمع في جدة من أهلها وأهل مكة والطائف والاشراف والاعيان والعربان من عموم الطوائف الاسلامية الموجودة في الحجاز وكلفوا الشريف حسينا بالتنازل عن ملكه لما ظهر من امتناعه ، عن تلافي هذا القتال بالطرق السياسية وبايعوا ابنه سمو الأمير عليا ملكا على الحجاز فقط بشرط أن ينزل على رأي الأمم الاسلامية فلبنان هذه الأمة وباسم الاسلام الذي قمتم لنصرته وأوقفتم حياتكم برفعة شأنه وعلو مكانته نخاطبكم ونرغب من شهامتكم العربية الأمر بايقاف الجيوش عند آخر نقطة وصلت اليها والموافقة على ارسال المندوبين من طرفنا للمفاوضة معكم فيما يجب عمله نحو هذه البلاد المقدسة لحفظ الأرواح والأموال وتأمين البلاد التي قال فيها سبحانه وتعالى (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) وقال فيه صلىاللهعليهوسلم «ان مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس وانما احلت لي ساعة من نهار فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر ان يسفك بها دما أو يعضد بها شجرة» الى آخر الحديث أو كما قال وقد قال صلىاللهعليهوسلم لعتاب بن أسيد حين ولاه مكة «أتدري على من وليتك؟ وليتك على أهل الله فاستوص بهم خيرا» ونحن نقرر بما تقرون به من الايمان والاسلام والتوحيد والتمسك بالكتاب والسنة ونشهد ان الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وقد رفعنا الامر الى جميع الامم الاسلامية واحتكمنا اليها فيما يتكون عليه حالة الحرمين الشريفين. هذا ونلتجىء الى الله تعالى ثم الى عدلكم وشهامتكم ان تأمورا باجابة رغائب الامة الحجازية المستعدة لقبول طلباتكم العادلة والله على ما نقول وكيل واننا نحمد الله أولا وآخرا والسلام».
وأبطأ وصول الجواب من السلطان فأبرق الحزب برقية بما حواه الكتاب فأرسل اليه السلطان يوم ٢٦ منه البرقية الآتية: ـ
وصل تلغرافكم العمومي أما رسالتكم الرسمية الخاصة المتعلقة بالصلح فلم تصل لا يمكن نشر روح السلام في الجزيرة مطلقا ما دام الحسين وأولاده حكام الحجاز لا نقصد الطمع في امتلاك الحجاز والتسلط عليه لهذا فهو متروك للعالم الاسلامي وهذا ما نراه من البداية بتلك البلاد المقدسة، وإذا أخرج الحسين وأولاده فأنتم آمنون في بلادكم ولقد أرسلنا التعليمات المتعلقة بذلك الى رؤساء جيشنا» (2)
الحسين يغادر الحجاز :
ما ان قبل الملك علي البيعة في جدة يوم ٥ ربيع الاول حتى أرسل يبلغ السلطان ابن السعود ما وقع ويطلب وقف القتال ثم عاد الى مكة في يوم ٧ منه فأقام بجوار والده حتى يوم ١٠ منه وفي يوم ١٠ غادر والده مكة قاصدا جدة فظل فيها أربعة أيام وفي يوم ١٤ منه غادرها بالباخرة (خريطة تبين موقع ميناء العقبة) الروضتين الى العقبة (3) تصحبه عائلته وخدمه وأمير الألاى عثمان بك التركي مدير الامن العام بعدما طلب الى نجله ترفيعه الى رتبة أمير لواء ففعل (4).
لا يستنجد بالانجليز :
وأعلن الحسين قبل سفره من جدة انه لم يستنجد بالانجليز ولم يطلب مساعدتهم في القتال الدائر بينه وبين ابن السعود ، وقال ان كل ما في الامر هو انه كلف وكيله في لندن أن يلفت نظر ولاة الامور البريطانيين الى أعمال ابن السعود ليقابلوها بما كانوا يقترحونه عليه من عدم ازعاجه أو مبادأته بالعدوان (5).
الملك على يجلو عن مكة :
وساءت الحالة بعد خروج الحسين من مكة وتواترت الاخبار بأن الجيش السعودي يتقدم اليها من طريق السيل وما كانت قوات الحكومة في مكة تزيد عن ٣٠٠ جندي نظامي يضاف اليها ٢٠٠ شرطي وقسم من بيشة وعقيل ولا تملك من العتاد الا ٤ مدافع جبلية و٥ رشاشات خفيفة و٣ رشاشات ثقيلة. ومع ان هذه القوة ما كانت تكفي لاي عمل عسكري فقد أرسلت بأمر الملك الجديد الى وادي فاطمة لضرب (الاشراف الحرث) وتأديبهم فأدت مهمتها وقتلت شقيق (الشريف علي الحارثي زعيمهم) كما قتلت أخا ثالثا له وقادته هو الى مكة.
وغادر اللواء صبري باشا وكيل الحربية مكة يوم ١٣ منه الى جدة للاشراف على الحالة فأجتمع اللواء الى رجال الحزب الوطني فأبلغوه انهم يرون الجلاء عن مكة فلا يسفك دم في منطقة الحرم ولما أبلغ هذا القرار الى الملك علي وافق عليه فغادر مكة يوم الاثنين ١٤ ربيع الاول فبلغ جدة ليلة ١٦ منه مع رجاله وفي يوم ١٧ منه (6) وصلت فرقة النصر المؤلفة في عمان بقيادة تحسين الفقير فانضمت الى القوى الموجودة في جدة وأخذت تعمل في اقامة خطوط الدفاع حول البلدة وتحيطها بالاسلاك الشائكة وتعد معدات القتال (7).
__________________
(1) الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ص ١٩٢ / ٣
(2) الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ص ١٩٤ / ٣
(3) المعروف ان العقبة كانت من أملاك الحجاز وقد رأى البريطانيون ان يستفيدوا من استراتيجيتها بعد الحرب العامة الاولى فوضعوا فيها بعض قواتهم فاحتج الحسين على ذلك ولما تأسست امارة شرقي الاردن تحت ادارة ابنه الامير عبد الله رأوا ان يستغلوا الموقف فأوعزوا الى ابنه أن يطلب الى والده ان يتنازل عنها لشرقي الاردن فأبى الحسين ذلك بحجة ان شرقى الاردن لم تستقل بعد عن الادارة البريطانية ولكن الامر تمادى وظلت باقية تحت اشراف الاردن باسم المفاوضات حتى هوجم الحجار وخرج منه الحسين ليستقر في العقبة ولينصرف بعدها الى حشد المتطوعين وارسالهم الى جدة لمساعدة ابنه فيها مما جعل البريطانيين يشعرون بالحرج فطلبوا اليه أن ينتقل الى قبرص بعيدا عن مواطن الاحراج فأبى واصر على أبائه ولكنه ما لبث ان رجع وقبل الانتقال بعد أن أقام في العقة خمسة أشهر. وقد عاش في قبرص نحو ست سنوات مرض بعدها مرضا شديدا ثم زاد فأثقل عليه المرض فنقله ابنه الامير عبد الله الى عمان حيث توفى فيها ثم نقل جثمانه الى بيت المقدس حيث دفن رحمهالله في مسجده وقبره معروف هناك.
(4) الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ٢٩٥ / ٣ راجع تاريخ نجد الحديث للاستاذ أمين الريحاني ٣٠٨
(5) الثورة العربية الكبرى ٢٩٥
(6) راجع تاريخ نجد الحديث ٣١٨
(7) الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ١٩٥
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة