x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

التاريخ : احوال العرب قبل الاسلام : مدن عربية قديمة : مكة :

الثورة العربية الكبرى

المؤلف:  احمد السباعي

المصدر:  تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع

الجزء والصفحة:  ج2، ص 671- 684

9-12-2020

1126

الثورة العربية الكبرى

نهضة الحسين بن علي

 

ان المطلع على قضية الترك والعرب يعرف أن الصلة الجامعة بينهما كانت هي الاسلام فقد خدمت شعوب من الاتراك قبل أتراك العثمانيين خلفاء الاسلام في قصورهم وجيوشهم وانتهوا الى الظفر بألوان من الثقة هيأتهم في كثير من أدوار التاريخ الاسلامي الى القيادة في كثير من عواصم الاسلام.

والمتتبع لما سردناه في أوائل هذا الجزء في فصل (عهد الترك العثمانيين) ما يعلم ان العثمانيين ما كادوا ينشئون دولتهم حتى فكروا في الانحدار الى الشرق غازين وقد فتحت أمامهم سائر العواصم العربية وهلل المسلمون بغزوهم في سبيل الاسلام فعقدت البيعة لسلطانهم كخليفة للمسلمين (١).

كما يعلم ان شريف مكة يومها بركات بن محمد ندب ابنه أبا نمي ليرحب بالجيش الفاتح بعد أن استتب له الامر في مصر عام ٩٢٣ ويضع في يده مقاليد الحرمين.

كما يعلم ان العلاقة دامت بين أمراء مكة والعثمانيين أكثر من أربعة قرون يتجاذبها المد والجزر على النحو الذي مر بنا في الفصول المتتابعة وكان من مميزاتها ان العثمانيين لم يحكموها حكما مباشرا كما فعلوا في سائر الاقطار التي كانت تدار ادارة شاهانية بحتة الا في فترات متقطعة استدعتها ظروف خاصة وقد ظل الامر على ذلك حتى انتهى الى ثورة الاتراك على خليفتهم ونجاحهم باسم الدستور العثماني في عام ١٣٢٩.

 

اذهان تتفتق :

لقد عاش العرب أول علاقتهم بالعثمانيين يدينون في شتى عواصمهم بالطاعة للسلطان كخليفة يحمي ذمار الاسلام ولكن الاذهان ما لبثت ان تفتقت على اثر احتكاكها بالامم الناهضة في العالم المتمدن فاستبان العرب مبلغ ضياع حقوقهم في ظل دولة لا تحفل الا بكيانها الخاص وعنصرها الحاكم وتسلط خليفتها المطلق.

وعندما قامت قيامة الدستوريين الاتراك على خليفتهم فكر بعض احرار العرب في ان يشاركوا في نجاح الدستور ليظفروا للعرب بما يؤيد كيانهم في الحكم الجديد ولكن الدستوريين ما لبثوا بعد فوزهم أن اعادوها طورانية اعتمدوا فيها فضل عنصرهم على سائر الشعوب التي كان يحكمها اجدادهم وبدأوا ينظرون الى العرب نظرتهم الى مستعمرات تابعة وتغالى بعضهم فرأى وجوب تتريكهم لتجتمع كلمتهم فى شعار تركي موحد.

 

جمعيات عربية :

استاءت العناصر العربية لهذا التحول فتجمع أحرارها المقيمون في الاستانة وساعدهم على التجمع بعض الموتورين من الحكم الجديد من الاتراك فكانت جمعية الاخاء العربي وقد تأسست لتدعوا الى المؤاخاة في الحكم الجديد فلم تنجح وتأسست على أنقاضها جمعيات اخرى في تركيا وبعض بلاد العرب لعل من أهمها حزب اللامركزية الذي ألفه في القاهرة بعض احرار السوريين وكان من اهم أغراضه أن تتولى كل ولاية في بلاد العرب اصلاحاتها دون ان ترجع الى مركز العثمانيين الرئيسي (2).

وعقد بعض المقيمين في باريس من أحرار العرب مؤتمرا بحثوا فيه حقوق العرب في المملكة العثمانية واتصلوا بحزب اللامركزية فى القاهرة فندب بعض رجاله لحضور المؤتمر فكانت قرارات استاء لها العثمانيون ولكنهم كانوا مشغولين بتناحرهم وما جرته عليهم حروب البلقان (3).

ثم ما لبث عقلاء الاتحاديين أن عادوا الى رشدهم وقرروا استمالة العرب فندبوا أحد رجالهم الى باريس ليفاوض المؤتمرين هناك وبذلك كاد أن يلتئم الشمل خصوصا وقد اصدر الاتحاديون منشورا وعدوا فيه العرب بكافة مطالبهم ولكن العرب لاحظوا اخيرا ان الايام تتمادى دون ان يحصلوا من مطالبهم الا التسويف والمطل (4).

 

مبعوثو الجمعيات العربية عند الحسين :

 واشتعلت نار الحرب العامة في هذه الاثناء عام ١٣٣٢ ه‍ (١٩١٤) وانضم رجال الاتحاد من الاتراك الى المانيا فرأى بعض الاتحاديين ان الوقت لا يتسع لمهادنة الجمعيات العربية أو بحث مطالبها فصدر الامر بالغاء ما تألف منها في بلاد العرب وتأسيس فرع لجمعية الاتحاد والترقي التركية في العواصم العربية لتعمل على خدمة مبادئهم ونشطت الصحف للدعوة ضد العرب واشتط بعضهم فألف أحد شيوخهم كتابا سماه (قوم جديد) قال فيه : (ما هذا الجهل وما هذه الغفلة التي استولت عليكم تعلقون اسماء خلفاء العرب في مساجدكم ولا تذكرون بالاحترام اسماء خلفاء الترك الذين قدستهم الاحاديث النبوية الكثيرة (5).

وتألف في مكة كما تألف في سائر بلاد العرب فرع الاتحاد والترقي وأنشئت لتتريك العرب فيها مدارس كانت تدرس العلوم العربية باللغة التركية.

وحملت اليهم عيونهم أن شريف مكة لا يخلص الود للاتحاديين وان حركاته باتت مريبة وانه يجتمع في قصره بكبار المعروفين في الحجاز أعدادا لأشياء تثير الشكوك وانه بات يضع أنفه في الاعمال الادارية الخاصة بالوالي التركي في الحجاز وان بعض مندوبي الهيئات والجماعات العربية يتوافدون الى مكة باسم الحج في مواسمه ليجتمعوا به.

وبذلك قرر الاتحاديون عمل شيء حاسم فندبوا احمد جمال باشا وزير البحرية العثمانية الى سوريا ليتولى ادارتها العسكرية ومنحوه صلاحية واسعة تشمل سوريا ولبنان والقدس وفلسطين وتمتد الى الحجاز واليمن اذا اقتضى الحال كما ندبوا احد الالبانيين الى مكة (وهيب بك) ليخضد شوكة الحسين ويحدد صلاحياته الادارية او يغتاله اذا لزم الامر ولكن الحسين فوت عليه الفرصة وأصر على طلب نقله من مكة بعد ان رفض بعناد جميع الاجراءات التي بلغه اياها كما رفض الاوامر العالية التي تقضي بان يفقد الحجاز أسلوب الحكم الشريفي المستقل بادارته ليصبح كغيره من المقاطعات التي يحكمها العثمانيون مباشرة (6)

أما جمال باشا فقد استطاع أن يفرض سلطته العاتية في سوريا ولبنان وان يتعقب احرار العرب فيقضي عليهم بالموت وقد نصبت لذلك المشانق في دمشق وبيروت وعلق على أعوادها العشرات بعد العشرات من رجالات العرب البارزين (7)

ورأت بعض الجمعيات العربية السرية في دمشق أن تتصل بالحسين في مكة فاوفدت اليه بعض مبعوثيها في ثياب حجاج لينفضوا أمامه ما يعانيه العرب ويؤكدوا له ان القوميين العرب في سوريا والعراق يؤيدون ثورة عربية ويودون أن يعرفوا ما اذا كان الحسين على استعداد لتزعمها فلم يقطع الحسين بشيء. ولكنه ما لبث أن ندب ابنه فيصل (ملك العراق فيما بعد) في زيارة الى سوريا واجتمع في سوريا بجمال باشا في اكثر من جلسة ودية حاول عبثا خلالها باسم والده ان يعالج غلو جمال في الفتك باحرار العرب واستطاع في أثنائها ان يتصل ببعض المتكلمين باسم الجمعيات التحررية وان ينقل بعودته الى مكة موافقتهم على تفويض الحسين ليكون الناطق باسم العرب في أيه مفاوضات تقوم بها مع بريطانبا بالنيابة عنهم للحصول على الشروط التي طلبوها (8)

ويبدو ان الحسين أراد ان يرمي من كنانته بأخر سهم يحدد علاقته بالاتحاديين فأبرق اليهم في الاستانة يعرض استعداده لتجنيد اولاده على رأس القبائل العربية لمؤازرة الدولة اذا قبلت الدولة اعطاء سوريا نظاما لا مركزيا واعلان العفو عن المتهمين السياسيين فيها وموافقتهم على بقاء امارة مكة في أولاده وقد تلقى جوابهم بأن المتهمين في سوريا لابد ان ينالوا عقوباتهم ولا بد للحجاز ان يظل شأنه شأن الممالك الشاهانية (9).

 

المفاوضات البريطانية :

ما كانت انكلترا غافلة عما يجري في محيط الامبراطورية العثمانية .. لقد كانت على عادتها حريصة على تتبع جميع الاحداث وكان يهمها بعد ان ترتفت علاقة الالمان بالاتحاديين في تركيا ان تتصيد الاسرار وان تستفيد لموقفها ضد هذا التحالف قبل ان تتلبد غيوم الحرب.

فما يمنعها ان تغازل الحسين وتتقرب الى احاسيسه ـ وهو الرجل الطماح ـ بسائر المغريات؟؟ ما يمنع اللورد كتشنر معتمد بريطانيا في مصر ان يغتنم فرصة مرور الامير عبد الله بن الحسين ـ ملك الاردن فيما بعد ـ بمصر في احدى رحلاته الى الاستانة في عام ١٣٣١ ه‍ ليتعرف اليه ويصافحه كصديق ويقدر فيه باسم بريطانيا العظمى عنايته بحجاج الهند لقد كان لقاء مهد للتعارف ثم تبعه لقاء اخر مهد للصداقة وكشف للامير الشاب مبلغ عطف البريطانيين على أماني العرب!! ولا أشك ان مثل هذه المجالس تنقل بحذافيرها وتعليقات الامير الشاب عليها وما يتسع لتعليقاته من احلام الى صاحب الرأي في مكة على أمل أن تدغدغ عواطفه.

ولكن الحسين يعرف انها بلد الخليفة وان خلافه مع الاتحاديين في الاستانة لا يبرر له الخيانة وان يصافح غير المسلمين وهو الرجل الذي عاش يباهي بتمسكه بأخلاق المحافظين.

وهي الى جانب ذلك مغامرة من الصعب ان يقدر مصيره فيها اذا فشلت ومع هذا فقد تدغدغت عواطفه وهيأ تصلب الاتحاديين الجو للامير عبد الله ليشجعه على المغامرة وبدأت رسل بريطانيا تفتح امامه ابواب الامل على سعتها لتظفر لنفسها بما يقلق راحة خصومها في برلين وتركيا.

في هذه الاثناء كان فيصل قد نقل اليه تفويض الجمعيات السرية في دمشق كما اسلفنا كما ان جمعيات عربية سرية في مصر وأوربا أرسلت تؤيده كما ان بعض مندوبي المفاوض البريطاني بدأوا يتوافدون على مكة في ثياب حجاج ليؤكدوا للحسين استعداد الحكومة البريطانية لمساعدة العرب كرد على خرق الاتراك تقاليد الصداقة العثمانية الانكليزية (10).

وكانت اوامر العثمانيين قد صدرت الى الحسين بتجنيد القبائل الحجازية للمساعدة فأظهر الموافقة وكتب في الوقت نفسه الى المندوب السامي في مصر بالشروط التي وضعها للتحالف مع بريطانيا وكانت في الحق شروطا رحبة واسعة شملت استقلال العرب في جميع ما يعرف الان بسوريا والاردن وفلسطين والعراق وجميع الجزيرة العربية باستثناء عدن التي كان البريطانيون يهيمنون عليها وهو يعني بالاستقلال طبعا الحرية تحت ظل السيادة الهاشمية.

لقد كان الانكليز يعلمون انه ليس من حقهم أن يوافقوا على طلبات الحسين وهم مرتبطون بعدة التزأمات فهم مرتبطون في جزيرة العرب بممالك ومقاطعات كانوا يعترفون باستقلالها وهم الى جانب ذلك مرتبطون بحليفتهم فرنسا وقد شرعت المفاوضات بينهما تنظر الى سوريا والعراق وفلسطين كتركة يجب ان يتوزعوها بينهم اذا نجحت الحرب (11).

كما انهم مرتبطون في الوقت نفسه لوزير خارجية بريطانيا بلفور بوعد يبيح لليهود ان يتخذوا من فلسطين وطنا قوميا لهم (12).

كانوا يعلمون هذا وفي ذلك أوضح برهان على ما بيتوه من غدر للحسين وحده ولكن لسائر الاماني في سائر بلاد العرب.

لقد بدا لهم ونار الحرب تستعر انهم لا يستطيعون الاستغناء عن الحسين كحليف فشخصيته الروحية وبلاده المقدسة ومركزه بين العائلات العربية خير معوان لهم على دحض الدعاية العثمانية التي باتت تستفز المسلمين باسم الجهاد المقدس (13).

اذن فما يمنعها لتكسب الفرصة ان تراوغ وان تبيت الغدر وان تترك اسلوبها يتسع لشتى المفاهيم والاحتمالات والحسين. الحسين نفسه لم يكن يومها في مركز يبيح له الرفض البات فقد انكشف أكثر أمره للعثمانيين ورأى نفسه رغم عناده وشدة حيطته مسوقا الى نسيان الحيطة .. واذا كان اكثر المعلقين يرون الحسين مغشوشا بثقته في البريطانيين الثقة التي اضلته عن أخذ الحذر الكافي فاني لا أرى رأيهم فالحسين في رأيي وان بدا لي اول علاقته بالبريطانيين شديد البأس فانه ما لبث ان شعر انه في اشد الحاجة الى ترك بعض الامور او اهمها الى تسويات المستقبل وان رغبته في الوصول الى اتفاق دفعته الى ان يستعجل اكثر الامور قبل ان يقع في فخ العثمانيين الذين كشفوه.

لقد كتبوا اليه أكثر من مرة فلم يجرأ على مجاراتهم ولكنه عندما شعر بدقة الموقف وجد نفسه يكتب اليهم ويعرض مطالبه الواسعة في تفصيلات طويلة وقد ظلت المكاتبات جارية بينهما نحو عشرة اشهر بدأت في ٢٨ رمضان عام ٣٣ وانتهت في جمادي الاولى عام ٣٤ وجاء في آخر خطاب ألقاه «ان حكومة جلالة ملك بريطانيا وافقت على جميع مطالبكم (14)» وهي موافقة اذا روعي فيها روح الفكرة المبثوثة بمعانيها الدقيقة أو شبه الدقيقة.

ويبدو هذا واضحا اذا علمنا ان الفرقاء المعنيين لم تسلمهم المكاتبات في نهايتها الى توقيع وثيقة او معاهدة وان اسلوب الجانب البريطاني في خطاباته كان يتسم بطابع الغموض ويتسع لمكثير من الوان التحفظات ولا غرابة اذا رأى القانونيون عدم صلاحية جميع ما جاء في الخطابات للعرض امام أي محكمة على وجه الأرض (15).

ومع هذا فقد كانت محاولات استطاع الفريقان ان ينفذا منهما الى اغراضهما فقد استخدمها البريطانيون لحملة دعائية صادرة من مكة ضد نداءات الاتراك باسم الاسلام ودعوة صارخة هزت احاسيس العرب الهواشم من ذؤابة قريش.

كما استطاع الحسين ان يتحصن بها ضد الاتراك الذين كانوا يتحسسون عصيانه ويستاؤون من تدخله في اعمال جمال في سوريا ودس أنفه في كثير من تصرفاته السياسية ومماطلته في تجنيد من طلبوا اليه تجنيدهم من الحجاز بسد بعض الثغرات وبالجملة فلا مفر له من استعجال الامر بعد ان تبين له انهم باتوا يرتابون في اخلاصه لهم ويعدون العدة للتخلص منه.

 

الاعداد للثورة في مكة :

وما كاد الحسين ينتهي من مباحثاته مع الجانب البريطاني في جمادي الاول عام ٣٤ ه‍ (مارس عام ١٦) بالصورة التي أسلفناها حتى كان نشاطه قد تضاعف في مكة. كانت اجتماعاته تغص بكبار الاهلين وأعيانهم ومشائخ الحارات والبارزين من رجال القبائل ـ «اننا يا اولادي ليس لنا مطمع الا ان نحافظ على ديننا وعروبتنا .. اننا آخر من يعصي أمر الخليفة بشرط أن لا ينال الاتحاديون من ديننا».

ويفيض الحسين في اعمال الاتحاديين التي احدثوها في الاسلام ويصورهم تصويرا دقيقا يثير النقد حتى استطاع بلباقة ان يصرف اذهانهم عن الهالة التي كانت تتألق على جبين خليفتهم وكانت مثل هذه المجالس لا تخفى على (غالب) والي الأتراك في مكة ولكن الغالب وقد رأى خزلان الولاة قبله كان أضعف من أن يتعرض بشيء حاسم.

وتلقى الحسين في هذه الأثناء أمر الاتحاديين بأن يعجل في تجهيز المتطوعيين من الحجاز وارسالهم للاشتراك في حملة القناة فاستطاع ان يستفيد من ذلك لنخليص فيصل الذي استبقاه جمال السفاح في دمشق ليأمن غائلة الشائعات حول الحسين.

استطاع الحسين ان يستفيد من ذلك فقد كلف بعض المتطوعين ان يبرقوا الى جمال بانهم تواقون الى القتال وانهم يرجون ان يكون فيصل على رأسهم فخلصت الحيلة الى جمال وأذن لفيصل ان يعجل في سفره ليزحف بالمتطوعين في الحجاز.

وانتهى فيصل الى المدينة في رجب عام ٣٤ ه‍ فاجتمع باخيه (علي) فيها وكان قائد الجيش التركي فخري باشا يساوره فيهما نفس الريب الذي يساور جمال في الشام ولكن الحيلة جازت عليه كما جازت على جمال فقد استأذناه ليسرعا بالمتطوعين الى القناة وفلسطين بحجة ان الاتحاديين في تركيا هددوا والدهما وان الوالد امرهم بالإسراع تلبية للأوامر الشاهانية.

وهكذا تركا المدينة في اوائل شعبان عام ٣٤ ه‍ على رأس فريق كبير من المتطوعين للقناة بعد ان تسلما من فخري مبلغا طيبا من المال وقسما لا يستهان به من الذخيرة (16) ومضيا بالمتطوعين في الطريق الشرقي الى غير بعيد ثم عادا في حركة التفاف الى (ابيار علي) فعسكرا هناك انتظارا لامر الثورة في مكة.

 

الرصاصة الاولى من مكة :

 وانطلقت رصاصة الحسين في فجر اليوم التاسع من شعبان عام ١٣٣٤ ه‍ اطلقها بيده من قصره في مكة فكانت ايذانا بالثورة بدأت معها مناوشات فيصل وعلي حول المدينة .. كما كانت انذارا لابنه عبد الله ليترك الطائف في قبائله الموالية ثم يحاصرها خارج السور .. كما كانت اذنا للمتطوعين في مكة ومن حاراتها وقبائلها ليبدأوا الهجوم على مراكز الاتراك المتفرقة وللمحتشدين في سهول جدة ليهاجموا حاميتها التركية.

وكانت حامية جدة أسبق الى التسليم لان ثلاثة من بوارج البريطانيين ساعدت المهاجمين على ضرب تحصيناتهم فاضطرتهم للتسليم بعد ثلاثة ايام من بدء الحصار.

اما مكة فقد بدأ الثوار بحصار الثكنة العسكرية فيها بجرول كما حاصروا قلعة اجياد ومركزي الحميدية والصفا وقد استسلم المركزان بعد مناوشات بسيطة ، اما الثكنة العسكرية فقد احس من فيها بالرصاص يتناثر حولهم في الصباح الباكر وكان جند الاتراك يقومون بتمريناتهم في ساحة الثكنة فأسرعوا الى دخول الثكنة وخاطب آمرهم الشريف الحسين تلفونيا يسأله عن الحادث فأجابه : ان العرب لا تريدكم حكاما عليهم ، فقال الآمر اننا مستعدون للتسليم اذا ندبتم من تختارون لذلك فندب الحسين لهم أحد الاشراف (شرف عبد المحسن البركاتي (17) فطلب اليه آمر الجند أن يدخل الثكنة لتجري أعمال التسليم فتقدم يخطو الى الباب وما كاد يفعل حتى نبهه أحد الضباط العرب فنجا بنفسه ودخل الجند فاستعدوا للدفاع وظلت المناوشات اياما ثم سلموا أنفسهم.

وسلم حصن القلعة بعدهم بنحو اسبوع بعد ان دافع الاتراك جهد استطاعتهم واستطاعوا ان يشعلوا النيران في جملة من بيوت مكة كانت تقع في اجياد خلف المستشفى الجديد كما اصابت بعض نيرانهم حجرا في الكعبة فسقط واندلعت النار في ثوبها ولكن الثوار خفوا لإخمادها وساعدهم الاتراك فلم يسددوا نيرانهم الا بعد ان خمدت النار وقد ثبت انهم لم يقصدوا اصابة الكعبة ولكنهم أخطأوا المرمى.

ولم يمض نصف شهر حتى كانت الثورة قد استخلصت مكة وجدة من الاتراك أما قوات الطائف فقد صابرت أكثر من ثلاثة أشهر ثم سلمت لعبد الله بن الحسين (ملك الأردن فيما بعد في ٢٣ القعدة ٣٤ ه‍.

وظلت المدينة محاصرة تطاول الثوار في قوة وبأس الى مدة يأتي بيانها.

وما كاد شعبان عام ١٣٣٤ ه‍ يفضي الى نهايته حتى كانت الامدادات الانكليزية قد وصلت مقدماتها الى جدة وكانت تتمثل في بطارية ميدان وبطارية مكسيم و٣ آلاف بندقية وفرقة من الجيش قوامها ٣٣٠ جنديا تصحبهم ٢٤٠ دابة (18).

ودوى صوت الثورة في العالم وأصدر الثائر في مكة منشورات يبرر فيها ثورته على الاتحاديين «الذين اهانوا خليفة المسلمين واستقلوا بالامر دونه وتلاعبوا باحكام الشرع» وبلغت الانباء مسامع الاتحاديين في تركيا والشام فأنذروا وتوعدوا وصرح يومها بعد قادة العسكريين الالمان باستيائه مما حدث فقال : «إننا لم نستمل الاتراك الا لأنهم موضع احترام المسلمين .. أما وقد أضاعوا أهم ميزتهم بخروأ أكبر زعيم وسليل أعظم بيوت الاسلام فيجب أن نعيد النظر» (19).

استاء جمال باشا السفاح واشتد غضبه وعرف انه كان مخدوعا عندما ترك فيصل بن الحسين يفلت من يده في الشام كما افلت من يد الحامية في المدينة بعد ان تسلم منها جزءا كبيرا من الذخيرة والمال بحجة العمل لنصرة العثمانيين.

________________

 (١) راجع العهد العثماني الاول في هذا الكتاب

(2) راجع الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ص ١٤ / ١

(3) المصدر نفسه ١٣

(4) جزيرة العرب في القرن العشرين لحافظ وهبة ١٥١

(5) الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ٥٩ ج ١

(6) الملوك الهاشميون لجيمس موريس ص ٢٦

(7) راجع الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ص ٦٠ وما بعدها ج ١ وص ٨٣

(8) الملوك الهاشميون لجيمس موريس ص ٣٥ والثورة العربية الكبرى ١٠٩ ج ١

(9) الملوك الهاشميون لجيمس موريس ص ٣٥ والثورة العربية الكبرى ١١٠ ج ١

(10) راجع الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ١٢٧ وما بعدها ج ١

(11) هي مفاوضات سايكس مندوب بريطانيا للشرق الادنى وبيكو قنصل فرنسا في بيروت وقد اجتمعا في القاهرة للمفاوضة وتم الاتفاق بينهما في مايو عام ١٩١٦ الموافق رجب عام ٣٤ أي بعد وعدهم الذى بذلوه للحسين بالموافقة على جميع مطالبه بعدة اسابيع وقد نص اتفاقهما على قبول رئاسة عربية في داخلية سورية وداخلية العراق على ان يكون لفرنسا حق الاشراف وتقديم المستشارين في الاولى ولبريطانيا في الثانية مثلها اما سواحل سوريا فللفرنسيين ان يديروها كما يشاؤون وللبريطانيين مثل ذلك في سواحل العراق وان تنشأ في فلسطين ادارة دولية وقد وضعت لذلك خرائط خاصة لونوها بالاحمر والازرق لتحديد الاقسام.

(12) نشرت جريدة المقطم المهرية وعد بلفور في عددها الصادر في ٩ نوفمبر عام ١٧ أي بعد اتفاقهم مع الحسين بأكثر من سنة ونصف وقد جاء فيه : ان بريطانيا تنظر بعين الرضا الى انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وتفرغ خير مساعيها لذلك وبلفور صاحب هذا الوعد كان يشغل يومها منصب وزير خارجية بريطانيا.

(13) الملوك الهاشميون لجيمس موريس ٣٧

(14) راجع نصوص الخطابات في ذيل الكتاب .. وهي منقولة من كتاب الثورة العربية الكبرى لأمين سعيد ص ١٤٢ ج ١

(15) الملوك الهاشميون لجيمس موريس ٤٠

(16) يقدر نسيب بك البكرى ب ١٨ ألف بندقية و ٢٠ الف ليرة عثمانية ذهبية. راجع كتاب الثورة لامين سعيد ج ١ ص ١١٨

(17) هر صاحب الرحلة اليمانية ، كان من المقربين الى الحسين (ع)

(18) الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ١٤٨ ج ١

(19) راجع الثورة العربية الكبرى لامين سعيد ص ١٤ ج ١