الفتوى في مكة واصلاحات المسجد الحرام
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 664- 668
8-12-2020
1557
وظيفة الفتوي :
وظلت رئاسة الفتوي في هذا العهد تتداولها بيوت العلماء في مكة في هذا العهد كما كان شأنها في العهد العثماني الاول وقد تولاها الشيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول في عام ١٢٢٨ ثم الشيخ عبد الحفيظ العجيمي ثم الشيخ عبد الله الميرغني في سنة ١٢٤٧ ثم السيد محمد الكتبي.
ولما كانت ولاية الشريف عبد المطلب في عام ١٢٦٧ أعاد الميرغني الى الفتوى مرة أخرى لان المراغنة من المقربين الى ذوي زيد وعندما عزل عبد المطلب وتولى محمد بن عون أمر مكة في عام ١٢٧٢ أقر الميرغني الى أن توفي ثم أعادها الى السيد الكتبي فظل فيها الى أن توفي عام ١٢٨٠.
وبوفاته تقلدها الشيخ جمال عمر ثم تقلدها في عام ١٢٨٤ الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله سراج بتخفيف الراء ـ ثم عزله عنها عبد المطلب لما أعيد الى الامارة في عام ١٢٩٧ وولى السيد احمد بن عبد الله المير غني ثم ما لبث أن أعيد عبد الرحمن سراج فبقي فيها الى أن استاء منه الشريف عون الرفيق فعزله وولى الشيخ صالح بن صديق كمال فظل الى ان استقال فولى عبد الله بن الشيخ عباس بن جعفر بن صديق ثم أعيد الشيخ عبد الرحمن سراج مرة ثالثة ثم عزل وأعيد الشيخ عبد الله الى الفتوى وظل بها الى أن توفي في عهد الشريف علي باشا في رحلته الى اليمن في عام ١٢٢٥ (١) وبوفاته تولى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن سراج بتخفيف الراء وقد قيل أن الشريف علي باشا طلبه من الاستانة وكان يقيم بها في قصر الحسين (ملك الحجاز فيما بعد) فلما حضر ولاه الفتوى (٢) وظل على ذلك الى ان تولى الحسين امارة مكة فأقره عليها لما كان يربطه به من صلة وثيقة ولما استقل الحسين بأمر الحجاز جعله رئيسا للقضاة وأضاف اليه الوكلاء (٣) وقد ظل في منصبه الى أن أجلى الحسين عن مكة فغادرها في رفقته ثم استقر في «شرق الاردن» وتولى فيه منصب رئاسة الوزارة الى أن توفي من سنوات وخلف ابنه حسين سراج وكان يعمل وزيرا مفوضا لحكومة الأردن في مصر. ومن الجلي أن رجال الفتوى الذين سردنا أسماءهم فيمن سردنا كانوا يشغلون المناصب الرئيسية في أمور الفتوى وكانوا يقلدون المذهب الحنفي وهو مذهب الدولة العثمانية أما المذهب الأخرى فقد كان يتقلد فتواها غيرهم من بيوت العلم في مكة وكانت وظائفهم تأتي في الدرجة الثانية بعد المركز الرئيسي لاصحاب الفتوى الذين ذكرناهم.
القضاة :
أما القضاء فكان يتولى منصبه في مكة علماء الاتراك الذين تندبهم الدولة التركية وكانت أحكامهم مرتبطة بمشيخة الاسلام في الآستانة فكان القاضي يمثل سلطة الاتراك الدينية ويرأس الحفلات التي يتنصب فيها أمراء مكة ويعقد المراسيم الخاصة بذلك ويتولى تقديم الخلع السلطانية الى الامير.
ولسنا في صدد ذكر أسمائهم لاننا نؤرخ هنا لبيوت العلم في مكة (4).
الاصلاحات في المسجد الحرام :
وعني العثمانيون في هذا العهد بشؤون المسجد فأهدت والدة السلطان عبد الحميد في عام ألف ومائتين ونيف وخمسين للمسجد ستة أعمدة في رأس كل عمود نخلة من معدن أصفر تناط بفروعها المدلاة ستة قناديل وقد وزعت في أنحاء المسجد وأنشأ العثمانيون بين الاساطين الامامية للاروقة عوارض من حديد تناط بها القناديل وقد أحصى الشيخ حسين بإسلامه في كتابه عمارة المسجد قناديل المسجد في عموم أروقته وصحنه وأبوابه فكان مجموعها ١٤٢٢ قنديلا عدا ما جعل في المنائر صورة القناديل التى كانت تضيء المسجد في هذا العهد وقد ألغيث بدخول الكهرباء وكانت القناديل كناية عن آنية من الزجاج مشبوكة من ثلاث جهات في سلسلة تعلق منها وفي جوف الآنية كأس يجعلون فيه الزيت والماء في وسطه ذبالة رفيعة يضيئها الموكلون بمشاعل يمسون بها الذبالة.
وكانوا يضيئون المقامات الأربعة بالشمع يجعلونه في (شمعدانات) من المعدن الأصفر علاوة على ما أنيط بسقفها من قناديل كما كانوا يضيئون باب الكعبة (بشمعدانات) من معدن أبيض.
وفي عام ١٢٦٦ أمر العثمانيون بأجراء اصلاحات عامة في المسجد ورصفوا الردهة الداخلية لباب السلام بالمرمر.
وفي عام ١٢٧٦ أرسل السلطان ميزابا للكعبة من صنع القسطنطينية مصفحا بنحو خمسين رطلا من الذهب وهو الميزاب الموجود الى اليوم وقد حمل القديم الى القسطنطينية.
ولما اقتحم المسجد في عام ١٢٧٨ سيل عظيم ارتفع مستواه الى قفل باب الكعبة وأصيب المسجد بأضرار بالعة وغرق فيه خلق كثير داخل المسجد وخارجه. نشط العثمانيون لاصلاح الضرر باشراف أمير مكة عبد الله بن محمد بن عون وشيخ الحرم أحمد عزت وقد دامت عملية الاصلاح نحو ستة أشهر.
وفي سنة ١٣٠١ استأنفوا اصلاح بعض مرافق المسجد وأزالوا بناء سقاية العباس وبيت المحفوظات اللذين كانا قائمين بجوار زمزم ونقلوا الكتب الى مكانها اليوم في باب السليمانية (5) ثم أزالوا الفاصل الذي كان يحجز النساء في صلاتهن بالمسجد ويسمونه «القفص».
وأصيب المسجد بأضرار أكثر عندما اقتحمه السيل الذي سموه سيل الخديوي في عام ١٣٢٧ فقد أخل بنحو ٢٢ أسطوانة عدا وجوه الخراب الأخرى فأمر السلطان محمد رشاد في عام ١٣٣٤ بعمارة عمومية شملت كثيرا من أجزاء المسجد وأراد ابدال الاسطوانات بغيرها ولكنه تعذر ذلك عليهم لان الحرب العامة كانت قد نشبت وقطعت كثيرا من طرق المواصلات فلم يغيروا الا اسطوانة واحدة وعدلوا نحو عشرة ثم كانت نهضة الحسين فتوفف العمل ثم استونف بعد النهضة.
وأمر رشاد في عام ١٣٣١ فغير الطوق الفضي المحلى به الحجر الاسود بطوق جديد وظل باقيا الى اليوم.
_______________
(١) كان قد ندب الى اليمن على راس وفد من العلماء والاعيان هم الشيخ محمد سعيد بابصيل والشيخ صالح كمال والشيخ محمد خياط والشيخ عبد الله المفتي واحد تجار مكة والشيخ عبد القادر قطب في مهمة رسمية لنصح امام اليمن عن الخروج على الدولة العثمانية كما ذكرنا ذلك.
(٢) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(٣) مجلس الوكلاء في عهد الحسين يمثل مجلس الوزراء ولعله كان يعتبر اعضاءه وكلاء عنه او يعتبرهم وكلاء عن وزراء لم يعينوا بعد.
(4) كان اهل مكة يتولون القضاء فيها قبل هذا العهد وظل الامر كذلك بعض الوقت في العهد العثماني ولكن الاتراك ما لبثوا ان شعروا انهم العنصر الحاكم فشرعوا يندبون القضاة منهم ابتداء من عام ٩٤٣ وظل الامر على ذلك حتى استقل الحسين بأمر الحجاز.
(5) ونقلت هذه المكتبة في عهد السعوديين عند توسعه المسجد الحرام وهم يخططون لبناء عمارة لها مكان القبان بجوار المدعى. واخيرا شيدت للمكتبة عمارة فخمة شامخة بجوار المسجد الحرام بالغرب من باب الملك عبد العزيز.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة