1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الجاهلي :

النثر الجاهلي

المؤلف:  د. علي الجندي

المصدر:  في تاريخ الأدب الجاهلي

الجزء والصفحة:  ص 257-259

23-03-2015

3998

تؤيد الطبيعة والعقل أن الجاهليين كان لهم نثر أدبي، فليس هناك مانع يجعل ذلك مستحيلًا أو معدومًا، وإذا كان لهم شعر، فلا بد أنه كان لهم نثر، يتحلل فيه القائل من قيود الشعر التي قد تقف أمام الأديب فلا يستطيع أن يلتزمها، والواقع أنه كان لهم نثر، وأنهم حتمًا كانوا يجيدون النثر الأدبي، بدليل نزول القرآن، وفهمهم له، ومجادلتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيما كان ينزل عليه، وما يتلوه عليهم، وبدليل تحدي القرآن لهم أن يأتوا بمثله أو بعضه، والقرآن الكريم ليس شعرًا، والتحدي لا يكون له معنى إلا إذا كان في الناحية التي يزعم المتحدي أن له فيها نبوغًا، ويدعي لنفسه عليها قوة واقتدارًا، ومن ثم لا بد أن الله قد أعجز أمة ذات قدرة فائقة على النثر.

ونثر الجاهليين لا شك أنه كان كثيرًا، يفوق في الكم ما كان لهم من شعر، وقد سبق أن وضحنا ذلك، ولكن سنة الكون دائما تجعل الشعر أوفر حظًّا من العناية والاهتمام، فيحفظ، ويتناقل، ويروى على مر الأجيال أكثر من الشعر. ولهذا نتوقع أن يكون ما حفظ لنا من نثر الجاهليين أقل بكثير مما حفظ لنا من شعرهم.

دواعي النثر الجاهلي:

وظروف الحياة التي كان يعيش فيها الجاهليون كانت تدعوهم إلى القول، ولا شك أن هذه الظروف نتج عنها نثر لهؤلاء الموهوبين في صناعة الكلام وليس لديهم موهبة الشعر، وهم ولا شك كانوا أكثر عددًا من الشعراء، بدليل ما نعلمه، وما نشاهده في الأمم القديمة والحديثة في العصور السالفة وعصرنا الحاضر.

لقد كان للعرب اجتماعات خاصة وعامة، وعلى نطاق ضيق وعلى نطاق واسع، وكانت بينهم منافسات وتسابق في المفاخر، والأمجاد، والأفعال، والعادات، وحدثت بينهم مشكلات، وخصومات، وعداوات، كما كانت لهم تجارب في الحياة، فتكونت لديهم خبرات، كانوا يحبون -بطبيعة الحال- أن يضعوها بين أيدي من يحبون، لكي يستفيدوا بها في حياتهم، كل هذه المناسبات كانت تستدعي القول، ولسنا نعني القول العادي، كهذا الذي يتحدث به الشخص لقضاء مصالحه العاجلة، وحاجاته اليومية، إنما نقصد ذلك القول المؤثر الذي يحفل به صاحبه، ويودع فيه من طاقات الإثارة كل ما يستطيع.

 

فالقبيلة في مجتمعها الخاص، وبخاصة حينما ينتهون من مشاغلهم اليومية، ويجتمعون بالليل في مجالس السمر، ولا شك أنهم كانوا يتجاذبون أطراف الحديث فيما يجري من شئونهم أو شئون غيرهم، أو يستمعون إلى من أوتي حظًّا أوفر من القدرة على الكلام الفصيح، ولا شك أن أحسن ما كان يشوقهم أن يستمعوا إليه أحاديث الآباء والأجداد، وما كان لهم من مفاخر وأمجاد، ومن ثم لا بد أنه كان هناك قصص طريف يحاول فيه القصاص أن يستعيد الحوادث، ويسردها للسامعين بأسلوب شيق أخاذ، ولا ريب أن هؤلاء القصاصين قد اتخذوا من الحوادث الجارية، والأحداث السابقة مادة لقصصهم، ومن هنا وجدت قصص الأيام التي تحكي تاريخ الحروب بين الجاهليين، وقد حفلت بها كتب كثيرة من أهمها شرح النقائض لأبي عبيدة، وغني عن البيان أن ما يحكيه أبو عبيدة وأمثاله عن الأيام وغيرها مما يتصل بالجاهليين، ليس من نثر الجاهليين ولا يمثل أسلوبهم، إلا ما يجيء في ثنايا كلام المؤلفين من محفوظات بنصوصها تنسب إلى قائلين فهذه جاهلية بالطبع، كذلك حفلت كتب التاريخ القديم بقصص الجاهليين عن ملوك المناذرة، والغساسنة، والحميريين, والفرس، وغيرهم، وبأخبار سادتهم، ورؤسائهم، وكهانهم، وعشاقهم، وشعرائهم، وما كان لهم من أساطير.

وهم في اتصالاتهم بعضهم ببعض، ومع غيرهم كانوا يتحدثون عن خبراتهم وتجاربهم في مختلف الاتجاهات، أو يتبارون في السيادة والشرف، أو في القوة والهيبة، أو في المكانة والاحترام، أو يتناقشون ويتبادلون الآراء لحل المشكلات وفض المنازعات، أو يتآلفون بالمحالفات أو المصاهرات، أو يزجون أوقات فراغهم بما يسر آذانهم ويمتع أفئدتهم، كل هذا هيأ فرصًا كثيرة لمن لديهم موهبة أدبية، وليست فيهم مقدرة شعرية لكي يمارسوا فنونًا أدبية نثرية متعددة. ومن ثم وردت لهم في كتب الأدب والتاريخ أنواع من النثر الأدبي، نجد منها: الحكم، والأمثال، والقصص، والمفاخرات، والمنافرات، والخطب، والوصايا، وسجع الكهان.

وقد أشرنا فيما سبق إلى أن النثر الجاهلي لم يلق من العناية والاهتمام مثل ما لقي الشعر، فما بقي منه ما زال مبعثرًا في بطون الكتب، وعند قراءته تبين أنه كان يوجد في جميع المناسبات ومختلف الظروف، ولكن إلى الآن لم نجد من اهتم بجمع هذا النثر وتحقيقه وتصنيفه ودراسته.

ولا شك أن هذا يحتاج إلى رغبة صادقة، وأناة، ومقدرة على البحث والدارسة، والقيام بذلك عمل عظيم يستحق أسمى التقدير. وفيما يلي عرض موجز لأهم ما ورد في كتب الأدب عن أنواع النثر الجاهلي بحسب طبيعة الكلام ومقصده.

    

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي