x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
حكومة الامام علي (عليه السلام): اقرار مباني العقلاء
المؤلف: السيد زهير الاعرجي
المصدر: السيرة الاجتماعية للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
الجزء والصفحة: 710-719.
5-4-2019
2560
لا يتّفق العقلاء على شيء، الا ولابدّ أن يكون مطابقاً لمنطق الاشياء الظاهرية وسجيتها في الحياة، فالعقلاء يتفقون على ان العدل والانصاف واحقاق الحق وابطال الباطل، من الامور التي تنسجم مع ضمير الانسان وتتناغم مع ايمانه بالوجود وبخالقه، وفي ضوء ذلك، اقرّ العقلاء صلاحية حكومة امير المؤمنين (عليه السلام)، ووضعوها في الدرجة الاعلى من سلّم الادارة المدنية للدولة، وفي ذلك نقاط نرتبها كما يلي:
أولاً: الرابطة بين الشرعية والقانون: يُفترض من خلال وجود القانون في المجتمع، ان القوة التي ترشد الحكومة هي نفس القوة التي مُنحت الصلاحية الشرعية، وقد ذكرنا سابقاً ان منح الصلاحية الشرعية لانسان في الحكم تعنياعطاءه الحق في ادارة امورالناس، والحق في ارشادهم وتوجيههم، ولا يعطى الحق الا لمن كان مؤهلاً لاداء المهمة بشكلها الكامل.
اذن تستبطن الصلاحية الشرعية الممنوحة للحاكم معنى مطلق الحق في الارشاد والادارة، وهذا يشمل: الحق في توزيع ثروة الامة، والحق في اصدار الاوامر، والحق في تطبيق حكم الله، ولا شك ان مصدر الصلاحية الشرعية في الدين هي: اما ارادة الهية مباشرة، واما ارادة الهية غير مباشرة كأن تكون بواسطة الرسول (صلى الله عليه واله) مثلاً.
هنا، وفيما نحن فيه، كانت الصلاحية الشرعية الممنوحة للامام امير المؤمنين (عليه السلام) من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله)، حقّاً من حقوقه (عليه السلام)، ولذلك كان (عليه السلام) كثيراً ما يكرر بعد أحداث السقيفة، بأن حقه في الخلافة قد اغتُصب، فالصلاحية الشرعية الممنوحة، هي حق بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
والصلاحية الشرعية هي الخطوة الاولى نحو دولة القانون، أي ان الدولة التي تفتقد لتلك الصلاحية التي يمنحها لها الدين، لا يمكن ان تكون دولة الزام وأخلاق ومُثل، فأي مُثل تلك التي تؤدي الى الغصب وانتهاك حقوق الآخرين؟! وأي مُثل تلك التي تحارب الحق والعدل؟!
ولو نأخذ حكومة معاوية مثلاً كمصداق على ما نقول، لرأينا بأن تلك الحكومة ليست قانونية، ذلك لانها لم تكن تتمتع بالصلاحية الشرعية، بينما نستطيع ان نجزم جزماً عقلياً قطعياً بقانونية دولة علي بن ابي طالب (عليه السلام)، لانها دولة استمدت جميع صلاحياتها الشرعية من رسول الله (صلى الله عليه واله) يوم تبوك والغدير وقبيل وفاته (صلى الله عليه واله).
لقد كان الامام (عليه السلام) يعطي العلّة الشرعية في اغلب تصرفاته كخليفة، وعندما كان الامر يلتبس على البعض من الناس، كان (عليه السلام) يستدلّ بآية قرآنية او بسيرة رسول الله (صلى الله عليه واله) او بمبنى العقلاء.
وفي ذلك الكثير من الامثلة:
فمن كلام له (عليه السلام) كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة، وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما: «..، وأمّا ما ذكرتما من أمر الاُسوةِ (أي التسوية في العطاء بين المسلمين) فانّ ذلك أمرٌ لَم أحكم أنا فيهِ برأيي، ولا ولّيتهُ هَوىً مني، بل وجدتُ أنا وأنتما ما جاء بهِ رسول الله (صلى الله عليه واله) قد فَرِغَ منهُ، فلم أحتجّ إليكما فيما قد فَرِغَ اللهُ من قَسمِهِ، وأمضى فيهِ حُكمهُ، فليس لكما واللهِ عندي ولا لِغيرِكما في هذا عُتبى...».
ومن كتاب له (عليه السلام) الى معاوية جواباً: «..، وذكرتَ أنّي قتلتُ طلحة والزبير، وشرّدتُ بعائشة، ونَزلتُ بينَ المصرين (الكوفة والبصرة)! وذلكَ أمرٌ غِبتَ عنهُ فلا عليكَ، ولا العذرُ فيهِ إليكَ».
ومن كلام له (عليه السلام) وقد استبطأ اصحابه اذنه لهم في القتال بصفين: «أمّا قولكُم: أكُلّ ذلكَ كراهيةَ الموتِ؟ فواللهِ ما اُبالي ؛ دخلتُ الى الموتِ أو خَرَجَ الموتُ اليَّ، وأمّا قولكُم شكّاً في أهل الشام! فواللهِ ما دفعتُ الحربَ يوماً الاّ وأنا أطمعُ أن تلحقَ بي طائفةٌ فتهتديَ بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلِكَ أحبُّ إليَّ من أن أقتُلها على ضلالها، وإن كانت تبوءُ بآثامها».
ومن كلام له (عليه السلام) وفيه يبيّن بعض احكام الدين، ويكشف للخوارج الشبهات وينقض حكم الحكمين: «..، وقد علمتُم أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) رَجَم الزانيَ المُحصنَ، ثمّ صلّى عليه، ثمّ ورّثهُ أهلهُ، وقَتَل القاتِلَ وورَّث ميراثَهُ أهلَهُ، وقطع السارقَ، وجلد الزانيّ غير المُحصنِ ثمّ قسَمَ عليهما من الفيءِ، ونكحا المُسلِماتِ، فأخذهُم رسول الله (صلى الله عليه واله) بذنوبِهم، وأقامَ حقَّ اللهِ فيهم، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام، ولم يُخرج أسمائهم من بين أهلِهِ»، وكان من زعم الخورج ان من أخطأ وأذنب فقد كفر، فأراد الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ان يقيم الحجة على بطلان زعمهم بما رواه عن رسول الله (صلى الله عليه واله).
وقال (عليه السلام) بعد الانتهاء من محاربة الخوارج: «أمّا بعد حمد اللهِ، والثناءِ عليهِ، أيُّها الناسُ، فإنّي فقأتُ عينَ الفتنةِ (يعني الخوارج)، ولَم يَكُن ليجترىءَ عليها أحدٌ غيري، بعد أن ماجَ غيهَبُها (أي ظلمتها)، واشتدّ كلَبُها».
وكل ذلك يعني ان الصلاحية الشرعية كانت تحمل بذور دولة القانون، ودولة القانون _ دائماً _ تربط العلّة بالمعلول، أي ان لكل حكم شرعي، ملاكاً قد يدركه الناس وقد لا يدركونه، ولكنهم يعملون به جميعاً، لانّ علته كانت ظاهرة بالعقل او بالوجدان، فالمقياس في المجتمع الاسلامي هو ان يكون الحكم _ أمراً كان او نهياً _ حكماً دينياً نابعاً من منبع شرعي صحيح.
فلا ريب ان تكون حكومة الامام (عليه السلام) فيما يتعلق بتنظيم المجتمع وادارته قويه للغاية، لان العلل الحُكمية المرتبطة بالمعلول (الموضوع) _ التي كانت تعرضها _ كانت عللاً يقبلها العقل، وفوق كل ذلك كانت عللاً سماوية مستمدة من القرآن والسنّة، بينما كانت علل مناوئية باطلة وغير صالحة للبقاء او الانتقال.
والانتقال من الصلاحية الشرعية الى حكم القانون، كان يتطلب ادراكاً بان الحاكم قادر على الاجابة عما يدور في اذهان الجماعة، فقد كانوا يسألونه وكان (عليه السلام) يجيبهم، وكان (عليه السلام) يقول: «يا معشر الناس سلوني قبل ان تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعابُ رسول الله (صلى الله عليه واله)، هذا ما زقني رسول الله، فاسألوني فان عندي علم الاولين والآخرين، واما والله لو ثنيت لي وسادة وجلست عليها لافتيت اهل التوراة بتوراتهم..، واهل الانجيل بانجيلهم..، واهل القرآن بقرآنهم...».
لقد ابتنى الامام امير المؤمنين (عليه السلام) حكمه على اساس احكام الشريعة وتعاليم السماء، ولذلك كانت حكومته حكومة قانون وعدالة وصلاحيات شرعية.
ثانياً: اتفاق العقلاء: اذا اصبحت قضية «الصلاحية الشرعية» جزءً من تفكير الامة، فان تأسيس دولة القانون تصبح قضية ممكنة، ولكن اذا غابت «الصلاحية الشرعية» عن ذهن الامة، فان السقيفة قد تتكرر في كل فترة زمنية، وبتعبير آخر، فان «الصلاحية الشرعية» الممنوحة للحاكم هي قضية عقلائية بالاضافة الى كونها قضية دينية، فاذا اتفق العقلاء على الرجوع الى الشريعة، كان ذلك عوناً للحاكم على تطبيق احكامها، وقد كان ذلك امراً واقعاً خلال حكم الامام (عليه السلام).
فقد كانت تحيط به (عليه السلام) مجموعة من اهل الرأي والعقل والتفكير، وكان منهم من السابقين المقربين من امير المؤمنين (عليه السلام): الاركان الاربعة: سلمان، والمقداد، وابوذر، وعمار، وكان هؤلاء من الصحابة.
ومن التابعين: اُويس بن أنيس القرني (الذي يشفع في قبيلة مثل ربيعة ومضر)، عمرو بن الحمق الخزاعي، رُشيد الهَجري، ميثم التمار، كميل بن زياد النخعي، قنبر مولى امير المؤمنين (عليه السلام)، محمّد بن ابي بكر، مزرع مولى امير المؤمنين (عليه السلام) (من اكمل رجالات الشيعة)، عبد الله بن يحيى (من شرطة الخميس)، جندب بن زهير العامري، وبنو عامر شيعة علي (عليه السلام) على وجه، حبيب بن مظهّر الاسدي، الحارث بن عبد الله الاعور الهمداني، مالك بن الحارث الاشتر العلم الازدي، ابو عبد الله الجدلي، وجويرية بن مسهر العبدي.
وقد قرأنا للتو ما قاله عمرو بن الحمق الخزاعي في امامه (عليه السلام)، فدعا له الامام (عليه السلام) بأن يملأ قلبه نوراً ويقيناً.
لقد كان خطاب الامام (عليه السلام) موجهاً الى العقلاء في المجتمع، فهو بتلك اللغة الادبية البديعة العالية، كان يصور معاني الدين بأبدع الصور، ولا شك انه لا يفهم تلك الصور البديعة الا العقلاء، وقد أشار الكتاب المجيد الى العقلاء في المجتمع بأفضل الاشارة، فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32] ، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، والعقلاء في المجتمع هم خلاصة العقل العام، فاذا كسبهم الحاكم، فان حكمه يكون مدعاةً، للاستقرار والثبات، وقد قال (عليه السلام) في رسالته الى الاشتر: «وأكثِر مُدارَسَةَ العلماءِ، ومُنافَثَةَ (أي مجالسة) الحكماءِ، في تَثبيتِ ما صَلَحَ عليهِ أمرُ بِلادِكَ، وإقامَةِ ما استَقامَ بهِ الناسُ قَبلَكَ».
ان الضمير العام الذي يؤمن بالحاكمية الشرعية، هو الذي يدرك _بعمق _ معنى الحرية تحت ظل القانون، أي ان الانسان _ في دولة القانون والدين_ يستطيع ان يعبر عن رأيه في الوقت الذي لا يخاف فيه على ماله ونفسه وعرضه من الانتهاك ، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل الخوارج يتمادون في مواجهتهم اللفظية مع الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، فقد كانوا في مأمن تام وطمأنينة بان الامام (عليه السلام) لا يودعهم السجن، ولا يعذبهم، ولا يقتلهم، بل عندما كانوا يسبّون الامام (عليه السلام) ويتوثب الناس لقتلهم، كان (عليه السلام) يقول للناس: «..، انما هو سبٌّ بسبٍّ، أو عفوٌ عن ذنب»، فيتركونهم وشأنهم.
ثالثاً: مقدار الانتقاد المسموح به: اذا بُنيت دولة القانون ورسخت اقدامها، فان مقداراً من النقد العقلائي لابد ان يسمح به، في قضايا الادارة، ونقصد بالنقد العقلائي: طريقة العقلاء في الاشارة الى الاخطاء في الامور التي يقوم الناس بأدائها، فقد يخطىء القاضي في حل النـزاع، وقد يفشل والي الاقليم في توزيع الثروة بين الناس، وقد يفشل جابي الخراج، فيكون نظر العقلاء الى تلك الاخطاء نظر الناقد الذي يوصل النقد الى الامام (عليه السلام).
قال الامام (عليه السلام) عن نفسه: «فلا تَكُفُّوا عن مَقالَةٍ بحقٍّ، أو مشورةٍ بعدلٍ، فإنّي لستُ بنفسي بفوقِ أن أُخطيء، ولا آمَنُ ذلكَ من فعلي، إلاّ أن يَكفيَ اللهُ من نفسي ما هُوَ أملكُ به مني، فانما انا وانتم عبيدٌ مملوكونَ لربٍّ لا ربَّ غيرُهُ، يملكُ منّا ما لا نملِكُ من أنفسنا، واخرجنا ممّا كنّا فيهِ الى ما صَلحنَا عليه، فأبدلنا بعدَ الضلالَةِ بالهُدى، واعطانا البصيرَةَ بعد العمى».
وهذا النص ظاهر في ان الله سبحانه وتعالى قد كفاه من نفسه ما هو املك به منه، فقد كفاه شرّ ارتكاب الاخطاء، ولم ينقل لنا التأريخ ولا حادثة واحدة أخطأ فيها الامام (عليه السلام)، فيما يتعلق بالاحكام الشرعية على الاقل، وهذا يثبت عصمته (عليه السلام)، بينما وقع الخلفاء في أخطاء شرعية عديدة تراها متناثرة في هذا الكتاب، وكان الاعداء يتربصون بالامام (عليه السلام) الدوائر، ويتمنون ان يقع في خطأ، حتى يشهّروا به، ولكن لم يقع ذلك منه ابداً.
ومع هذا المستوى السامي من الادراك الذهني والاداء الديني، الا انه (عليه السلام) كان يدعو العقلاء الى اسداء المشورة اليه، فيقول لهم: «فلا تكُفُّوا عن مقالةٍ بحقٍّ، أو مشورةٍ بعدلٍ»، فالمقياس في المشورة والنقد ان يكونا بحقٍّ وعدلٍ، وهذا هو نقد العقلاء في المجتمع.
ان مقدار النقد المسموح به يعتمد على مقدار العلم بتمحيص الحق من الباطل، والتمييز بين الخطأ والصواب، وقد انتقد المسلمون عهد الخليفة الثالث، وطريقة تبذير الاموال واهدارها بحيث ان العقلاء اتفقوا على بطلان حكمه، فحاربه العقلاء من امة محمّد (صلى الله عليه واله)، بينما اتفق العقلاء على صحة حكم الامام امير المؤمنين وكماله (عليه السلام) ، وحاربه الجهلة من الناس، والذين لا يرجون الا مطامع الدنيا وزخرفها.
وكان اهل المشورة في عهد الامام (عليه السلام) يمثلون مؤسسة لنقد الوضع الاجتماعي والاشارة على الامام (عليه السلام) لحل بعض المشاكل الموضوعية، وكان الامام (عليه السلام) يستمع اليهم، وكانت سياسته (عليه السلام): «لكَ أن تُشير عليَّ وارى، فان عصيتك فاطعني».
لقد كان موقف الخوارج موقف ضلال وزيغ عن الدين، ولم يكن موقف نقد عقلائي، ولكن الامام (عليه السلام) سمح لهم بالكلام والتجريح ولم يمسهم بسوء، الى ان استخدموا العنف والسلاح فحاربهم، وكان لسان حاله (عليه السلام) يقول: «لا تقتِلوا الخوارِجَ بعدي (يقصد ابناء الخوارج واحفادهم) فليسَ من طلبَ الحقَّ فأخطأهُ (يعني الخوارج) كمَن طَلَبَ الباطِلَ فادركَهُ (يعني معاوية واصحابه)...».
وكان موقف اهل الكوفة موقف تخاذل، فعنفهم وادانهم لفظياً، ولم يستخدم معهم العنف او السلاح، فمن كلام له (عليه السلام) قاله للاشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب عندما اعترضه: يا امير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض (عليه السلام) اليه بصره ثمّ قال: «وما يُدريكَ ما عليَّ ممّا لي؟ عليكَ لَعنَةُ اللهِ ولعنةُ اللاعنين! حائكٌ ابن حائك! منافقٌ ابنُ كافرٍ! والله لقد أسَرَكَ الكُفرُ مرةً والاسلامُ اخرى! فما فداكَ من واحدةٍ منهما مالُكَ ولا حسَبُكَ! وإنَّ امرءً دلَّ على قومهِ السيفَ، وساق اليهم الحتفَ، لحريٌّ ان يمقتَهُ الاقربُ ولا يأمنَهُ الابعدُ».
وكان الاشعث من اصحاب الامام (عليه السلام) _ ظاهراً _ ثمّ خرج عليه، ويريد (عليه السلام) أنه اُسر في الكفر مرة وفي الاسلام مرة، واما قوله (عليه السلام): «دلَّ على قومه السيف» فاراد به: حديثاً كان للاشعث مع خالد بن الوليد باليمامة، غرّ فيه قومه ومكَرَ بهم حتى اوقع بهم خالد، وكان قومه بعد ذلك يسمونه «عُرف النار» وهو اسم للغادر عندهم.
رابعاً: مقدار تحمّل الامام (عليه السلام): كان الامام (عليه السلام) صبوراً متجلداً الى ابعد حدود الصبر والتجلد، وقد تحمّل في عهده ما لم تكن الجبال قادرة على تحمله ؛ فقد حاربته عائشة وهي زوجة النبي (صلى الله عليه واله)، وحاربه امير احد الاقاليم وهو معاوية، ثم حاربته شريحة من جيشه وهم الخوارج، ثم تباطأ اهل الكوفة في الذهاب الى مصر بعد مقتل محمّد بن ابي بكر، وتلك هموم ليس من السهل تحملها، ولكن الامام (عليه السلام) تعلّم من رسول الله (صلى الله عليه واله) تحمّل المشاقّ العظام، فآثر ان يسير على خطاه وهديه.
وقد ادرك اصحاب الامام (صلى الله عليه واله) مقدار معاناته (عليه السلام) وتألمه من كل ذلك، ولذلك فانهم بقوا معه يدافعون عن الدين وعن امامهم وعن دولتهم حتى النهاية، فعمرو بن الحمق الخزاعي يقسم لو كلفوه نقل الجبال الرواسي، ونزع البحور الطوامي ابداً، ثم قاتل عدو امير المؤمنين (عليه السلام) ما ادى حقّه، وزيد بن صوحان يقسم لامامه (عليه السلام) وهو على شفا الموت في واقعة الجمل: «..، وانت يا مولاي يرحمك الله، فوالله ما عرفتك الا بالله عالماً وبآياته عارفاً، والله ما قاتلت معك من جهل...» ، وعمار بن ياسر كان يقول في معركة صفين: «والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وهم على الباطل..، والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم علىتنـزيله...».
ولا شك ان التغيير الاجتماعي الذي حصل خلال عقدين ونصف بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) _ من حيث توسع دولة المسلمين، ودخول اقوام مختلفة في الاسلام، وازدياد موارد بيت المال، وعصيان معاوية في الشام، واستفحال الخط الاموي _ اثقل حكومة الامام (عليه السلام) بمشاكل جديدة.
فحكومة الامام (عليه السلام) اصبحت تواجه مشكلتين، الاولى: انحلال السلطة الشرعية وضمورها في العهد الذي سبق خلافته (عليه السلام)، والثانية: استفحال الطبقية الظالمة في المجتمع، ولذلك قام الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بعملية توازن بين مفردتين هما: تثبيت السلطة الشرعية الحقيقية، وتحقيق العدالة الحقوقية بين الناس.
وهنا كان العقلاء في المجتمع الاسلامي الجديد متضافرون مع الامام (عليه السلام) تماماً، في دعم افكاره، والاقتداء بسلوكه الديني الشخصي والاجتماعي، ونصرة تصرفاته كحاكم اعلى للامة الاسلامية.