1

تنزيه نبي الله يونس (عليه السلام) عن الظلم

نصّ الشبهة:

ما معنى قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]؟ وما معنى غضبه؟ وعلى مَن كان غضبه؟ وكيف ظنّ أنّ الله تعالى لا يقدر عليه وذلك ممّا لا يظنّه مثله؟ وكيف اعترف بأنّه من الظالمين والظلم قبيح؟

 

الجواب:

قلنا أمّا من يونس (عليه السلام) خرج مغاضبًا لربِّه من حيث لم ينزل بقومه العذاب، فقد خرج في الافتراء على الأنبياء (عليهم السلام) وسوء الظنّ بهم عن الحدّ، وليس يجوز أن يغاضب ربّه إلا من كان معاديًا له وجاهل بأنّ الحكمة في سائر أفعاله، وهذا لا يليق بأتباع الأنبياء (عليهم السلام) من المؤمنين فضلاً عمّن عصمه الله تعالى ورفع درجته، أقبح من ذلك ظنّ الجهال وإضافتهم إليه (عليه السلام) أنّه ظنّ أنّ ربّه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصحّ بها الفعل.

ويكاد يخرج عندنا من ظنّ بالأنبياء (عليهم السلام) مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف. وإنّما كان غضبه (عليه السلام) على قومه لبقائهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من إقلاعهم وتوبتهم، فخرج من بينهم خوفًا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم.

وأمّا قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾، فمعناه أن لا نضيّق عليه المسلك ونشدّد عليه المحنة والتكليف؛ لأنّ ذلك ممّا يجوز أن يظنّه النبي، ولا شبهة في أنّ قول القائل قدرت وقدّرت بالتخفيف والتشديد معناه التضييق.

قال الله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7].

وقال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26] أي يوسّع ويضيّق.

وقال تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: 16] أي ضيّق.

والتضييق الذي قدّره الله عليه هو ما لحقه من الحصول في بطن الحوت وما ناله في ذلك من المشقّة الشديدة إلى أنّ نجّاه الله تعالى منها.

وأمّا قوله تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخشوع له والخضوع بين يديه؛ لأنّه لمّا دعاه لكشف ما امتحنه به وسأله أن ينجيه من الظلمات التي هي ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل، فعل ما يفعله الخاضع الخاشع من الانقطاع والاعتراف بالتقصير، وليس لأحد أن يقول كيف يعترف بأنّه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم، وهل هذا إلا الكذب بعينه؟ وليس يجوز أن يكذب النبي (عليه السلام) في حال خضوع ولا غيره، وذلك أنّه يمكن أن يريد بقوله إنّي كنت من الظالمين، أي من الجنس الذي يقع منهم الظلم، فيكون صدقًا، وإن ورد على سبيل الخضوع والخشوع؛ لأنّ جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم.

فإن قيل: فأيّ فائدة في أن يضيف نفسه إلى الجنس الذي يقع منهم الظلم إذا كان الظلم منتفيًا عنه في نفسه؟! قلنا: الفائدة في ذلك التطامن لله تعالى والتخاضع ونفي التكبّر والتجبّر؛ لأنّ من كان مجتهدًا في رغبة إلى مالك قدير فلا بد من أن يتطأطأ ويجتهد في الخضوع بين يديه، ومن أكبر الخضوع أن يضيف نفسه إلى القبيل الذي يخطئون ويصيبون كما يقول الإنسان إذا أراد أن يكسر نفسه وينفي عنها دواعي الكبر والخيلاء: إنّما أنا من البشر ولست من الملائكة، وأنا ممّن يخطئ ويصيب. وهو لا يريد إضافة الخطأ إلى نفسه في الحال، بل يكون الفائدة ما ذكرناها.

ووجه آخر: وهو إنّا قد بيّنا في قصة آدم (عليه السلام) لمّا تأوّلنا قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] أنّ المراد بذلك أنّا نقصناها الثواب وبخسناها حظّها منه؛ لأنّ الظلم في أصل اللغة هو النقص والثلم، ومن ترك المندوب إليه وهو لو فعله لاستحق الثواب، يجوز أن يقال إنّه ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب، وليس يمتنع أن يكون يونس (عليه السلام) أراد هذا المعنى؛ لأنّه لا محالة قد ترك كثيرًا من المندوب، فإنّ استيفاء جميع الندب يتعذّر، وهذا أولى ممّا ذكره من جوّز الصغائر على الأنبياء (عليهم السلام)؛ لأنّهم يدّعون أنّ خروجه كان بغير إذن من الله تعالى له فكان قبيحًا صغيرًا، وليس ذلك بواجب على ما ظنّوه؛ لأنّ ظاهر القرآن لا يقتضيه، وإنّما أوقعهم في هذه الشبهة قوله:﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

وقد بيّنا وجه ذلك وأنّه ليس بواجب أن يكون خبرًا عن المعصية، وليس لهم أن يقولوا كيف يسمّى من ترك النفل بأنّه ظالم؟ وذلك أنّا قد بيّنا وجه هذه التسمية في اللغة وإن كان إطلاق اللفظة في العرف لا يقتضيه.

وعلى مَن سأل عن ذلك مثله إذا قيل له كيف يُسمّي كلّ من قبل معصية بأنّه ظالم؟ وإنّما الظلم المعروف هو الضرر المحض الموصل إلى الغير؟ فإذا قالوا إنّ في المعصية معنى الظلم وإن لم يكن ضررًا يوصل إلى الغير من حيث نقصت ثواب فاعلها. قلنا: وهذا المعنى يصحّ في الندب، على أن يجري ما يستحق من الثواب مجرى المستحق، وبعد فإنّ أبا علي الجبائي وكلّ من وافقه في الامتناع من القول بالموازنة في الاحباط لا يمكنه أن يجيب بهذا الجواب، فعلى أيّ وجه يا ليت شعري يجعل معصية يونس (عليه السلام) ظلمًا وليس فيها من معنى الظلم شيء.

وأمّا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] فليس على ما ظنّه الجهّال من أنّه (عليه السلام) ثقل عليه أعباء النبوة لضيق خلقه فقذفها، وإنّما الصحيح أنّ يونس (عليه السلام) لم يقوَ على الصبر على تلك المحنة التي ابتلاه الله تعالى بها وعرّضه لنزولها به لغاية الثواب فشكى إلى الله تعالى منها وسأله الفرج والخلاص، ولو صبر لكان أفضل. فأراد الله تعالى لنبيّه (صلّى الله عليه وآله) أفضل المنازل وأعلاها.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: تنزيه الأنبياء (عليهم السّلام) للسيّد المرتضى علم الهدى (رضوان الله تعالى عليه)، دار الأضواء: ص 141 ـ 144.

تنزيه نبي الله يونس (عليه السلام) عن الظلم

رأي شيخ المحدّثين الصدوق (رضوان الله عليه) حول سهو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

لماذا وقع التشابه في القرآن الكريم؟

لماذا تخصيص العشيرة بالدعوة؟!

الصلاة البتراء

حكم آل داود منسوخ فكيف يحكم المهدي به؟!

تنزيه نبي الله يعقوب (عليه السلام) عن الحزن المكروه

معنى: (إنّ الله خلق آدم على صورته)

ما المقصود من خزائن الله تعالى؟

المقصودُ من وداعِ شهرِ رمضانَ

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر

ما المانع من وجود آلهة یتعاونون على تسییر شؤون الکون؟

ما الفرق بين كتاب علي ومصحف علي؟ وما الفرق بين مصحف علي ومصحف فاطمة؟

ليلة الجهني

إمام البررة وقاصم الكفرة

متى تكون ليلة القدر؟

1

المزيد
EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي