بقلم: إسلام سعدون النصراويّ
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ..
الحقُّ لهُ طريقٌ واحدٌ وهدفٌ واحدٌ وهوَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وأيُّ انحرافٍ بالمسارِ نتيجةَ هوى النَّفسِ يُؤدِّي إلى طريقٍ مُعاكِسٍ تمامًا.
أنبياءُ اللهِ (عليهم السلام) جميعُهُم سلكُوا مسارًا واحدًا؛ نتيجةً لانطباقِ أجسادِهِم معَ أرواحِهِم فالسرُّ والعَلَنُ واحدٌ..
قالَ عزَّ مِن قائِلٍ: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39]، وقالَ سبحانَهُ: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [فصلت: 14].
ولذلكَ نجدُ أنَّ كلمةَ الحقِّ التي أطلقَهَا الأنبياءُ (عليهم السلام) بوجْهِ طواغيتِهِم قد كلَّفَتْهُم نحورَهُم، فمنهم مَن نُشِرَ بالمناشيرِ ومنهم مَن سُلِخَتْ فروةَ رأسِهِ ووجهِهِ..
ألم يُهدَ رأسُ نبيِّ اللهِ يحيى (عليه السلام) إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيلَ بعدَ أن منعَ حرامًا قائمًا بينها وبينَ ذلكَ الملكِ الفاجرِ؟!
وهذا شعارُ الصَّالحينَ دائمًا: (موتٌ في طاعةِ اللهِ خيرٌ من حياةٍ في معصيتِهِ).
أمّا عبيدُ الأهواءِ الذينَ وصفَهُم ربِّ العِزَّةِ بقولِهِ سبحانَهُ وتعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14] ووصفَهُم أميرُ البلغاءِ (عليه السلام) بقوله: ((أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ)) فإنّك تجدُهُم يتكالبُونَ على الدنيا ويختلفُونَ فيما بينَهُم تسابقًا على فُتاتٍ زائلٍ وهم على علمٍ بذلك.
هذه المقابلَةُ نجدُهَا جليَّةً في يَومِ العاشرِ مِنَ المُحَرَّمِ، فإنَّ أصحابَ المسارِ الثانِي لم ينتظرُوا طويلاً حتَّى جرفَهُم مَوجُ الدنيا ليجدُوا أنفسَهُم على ساحلٍ أجردَ، فلم يحصلُوا على تلكَ المناصبِ بعدَ أن اجتمعُوا على قَتْلِ الحسينِ (صلواتُ اللهِ عليه) وقلوبُهُم شتَّى، وإنّما وجدُوا عقابًا حاضرًا وبأسًا شديدًا فأضاعُوا دينَهُم بدنياهُم.
ومثالُ ذلكَ عمرُ بنُ سعدٍ الذي غُرِّرَ بمُلكِ الرَّي مقابلَ رأسِ الحسينِ وهو يعلمُ مَن هوَ الحسينُ! قائلاً: أأتركُ مُلكَ الرَّي والرَّيُّ رغبتِي أم أرجعُ مذمومًا بقَتْلِ حسينٍ وفي قَتْلِهِ النَّارُ التي ليسَ دُونَهَا حجابٌ ومُلكُ الرَّيِّ قُرَّةُ عَينِي.
فلم يكن لَهُ (لعنَهُ اللهُ) غيرُ مَا أجابَهُ الإمامُ الحسين (عليه السلام): ((قَطَعَ اللَّهُ رَحِمَكَ، وَلاَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَمْرِكَ، وَسَلَّطَ عَلَيْكَ مَنْ يَذْبَحُكَ بَعْدِي عَلَى فِرَاشِكَ)) وكانَ ذلك حقًّا وصِدقًا.
أمَّا المسارُ الأوّلُ المباركُ فقد أكملَهُ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) وأهلُ بيتِهِ وأصحابُهُ يومَ العاشرِ مِنَ المُحَرَّمِ، حينَمَا أعلنُوا جميعًا أنَّ نحورَهُم قربانٌ لدينِ اللهِ، بالرَّغْمِ مِن أنَّ سَطْوَةَ الظالمينَ قائمةٌ، وكانَتْ مغرياتُهُم بلا حُدودٍ..
وكانَ الامتحانُ لأصاحبِ الحسينِ واقعًا عظيمًا وهم يقفُون بقِلَّتِهِم أمامَ جيشٍ لا يُرَى آخِرُهُ..
وكانَ الاختبارُ الأجلى مِنَ الحسينِ (عليه السلام) لأصحابِهِ: (هَذَا اَللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلاً) ليجدَ أنَّ انطباقَ ظاهرِهِم معَ باطنِهِم واحدٌ..
قولٌ واحدٌ وفعلٌ واحدٌ: لا حياةَ بعدَكَ يا بْنَ رسولِ اللهِ..
(لَمْ نفعلْ لِنَبقى بعدَكَ؟ لا أرانَا اللهُ ذلكَ أبدًا)..
ويقولُ آخَر: (أمَا واللهِ لا أفارقُكَ حتَّى أكسرَ في صدورِهِم رُمحِي وأضرِبَهُم بسيفِي ما ثبتَ قائِمُهُ في يَدِي ... حتَّى أموتَ مَعَكَ).
تضحياتُ الحسينِ (عليه السلام) وأصحابِهِ (عليهم السلام) كانَتْ من أجلِ استقامَةِ دِينِ اللهِ جرَّاءَ الاعوجاجِ المُمَنهَجِ الذي سلَكَهُ أعداءُ اللهِ.
وكانَ للحسينِ (صلوات الله عليه) ذَلِكَ حينَمَا قَدَّمَ الغالِيَ والنَّفِيسَ؛ لكي يَبقَى مسارُ الدِّينِ وِفْقَ المَنهَجِ الإلهيِّ القَويمِ.
إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ...