1

وصايا الرسول (صلّى اللّه عليه واله) في ساعة الوداع

لما ثقل واشتد المرض برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وحضرته الوفاة ؛ أخذ أمير المؤمنين عليّ ( عليه السّلام ) رأسه الشريف فوضعه في حجره ، فأغمي على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وفاطمة ( عليها السّلام ) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ففتح رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عينيه وقال بصوت ضعيف : « بنيّة قولي : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 144] ».

فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنوّ منه ، فأسرّ إليها شيئا فتهلّل وجهها له .

فقيل لها ( عليها السّلام ) بعد وفاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : ما الذي أسرّ إليك رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته ؟ قالت : « إنّه أخبرني أنّني أول أهل بيته لحوقا به ، وأنّه لن تطول المدّة لي بعده حتى أدركه ، فسرى ذلك عنّي »[1].

وعن أنس قال : جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين ( عليهما السّلام ) إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) في المرض الذي قبض فيه فانكبّت عليه فاطمة وألصقت صدرها بصدره وجعلت تبكي ، فقال لها النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا فاطمة لا تبكي عليّ ولا تلطمي ولا تخمشي عليّ خدا ولا تجزّي عليّ شعرا ، ولا تدعي بالويل والثبور ، وتعزّي بعزاء اللّه ، ثم بكى وقال : اللهمّ أنت خليفتي في أهل بيتي ، اللهمّ هؤلاء وديعتي عندك وعند المؤمنين » .

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة أنّها قالت : أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشي النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) فقال النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) : « مرحبا بابنتي » ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ إليها حديثا فبكت ، فقلت : استخصّك رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) حديثه ثم تبكين ؟ ثم إنّه أسرّ لها حديثا فضحكت ، فقلت :

ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ! فسألتها عمّا قال : فقالت : « ما كنت لأفشي سرّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) » حتى إذا قبض النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) سألتها فقالت : « إنّه أسرّ إليّ فقال : « إنّ جبرئيل ( عليه السّلام ) كان يعارضني بالقرآن في كلّ عام مرّة وإنّه عارضني به هذا العام مرّتين ، ولا أراه إلّا قد حضر أجلي فبكيت ، ثم قال لي : إنّك أوّل أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة ؟ فضحكت »[2].

وعن موسى بن جعفر عن أبيه ( عليهم السّلام ) : « لمّا كانت الليلة التي قبض النبيّ في صبيحتها ، دعا عليّا وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السّلام ) وأغلق عليه وعليهم الباب وقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : يا فاطمة ! وأدناها منه فناجاها من الليل طويلا فلمّا طال ذلك خرج عليّ ومعه الحسن والحسين وأقاموا بالباب والناس خلف الباب ، ونساء النبيّ ينظرن إلى عليّ ( عليه السّلام ) ومعه إبناه » فقالت عائشة : لأمر ما أخرجك منه رسول اللّه وخلا بابنته عنك في هذه الساعة ؟ فقال لها عليّ ( عليه السّلام ) : « قد عرفت الذي خلا بها وأرادها له ، وهو بعض ما كنت فيه وأبوك وصاحباه فوجمت أن تردّ عليه كلمة » .

قال عليّ ( عليه السّلام ) : « فما لبثت أن نادتني فاطمة ( عليها السّلام ) فدخلت على النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو يجود بنفسه فقال لي : ما يبكيك يا عليّ ؟ ليس هذا أوان بكاء فقد حان الفراق بيني وبينك ، فأستودعك اللّه يا أخي ، فقد اختار لي ربّي ما عنده ، وإنّما بكائي وغمّي وحزني عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي ، فقد أجمع القوم على ظلمكم ، وقد استودعتكم اللّه وقبلكم مني وديعة ، إنّي قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فنفّذها فهي الصادقة الصدوقة » .

ثم ضمّها اليه وقبّل رأسها وقال : « فداك أبوك يا فاطمة » فعلا صوتها بالبكاء ثم ضمّها اليه وقال : « أما واللّه لينتقمنّ اللّه ربّي ، وليغضبنّ لغضبك ، فالويل ثم الويل للظالمين ، ثمّ بكى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) » .

قال عليّ ( عليه السّلام ) : « فو اللّه لقد حسبت قطعة منّي ذهبت لبكائه حتى هملت عيناه مثل المطر ، حتى بلت دموعه لحيته وملاءة كانت عليه ، وهو يلتزم فاطمة لا يفارقها ورأسه على صدري وأنا مسنده ، والحسن والحسين يقبلان ويبكيان بأعلى أصواتهما » قال عليّ ( عليه السّلام ) : « فلو قلت إنّ جبرئيل في البيت لصدقت لأنّي كنت أسمع بكاء نغمة لا أعرفها ، وكنت أعلم أنّها أصوات الملائكة لا شك فيها ، لأن جبرئيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ولقد رأيت بكاء من فاطمة أحسب أنّ السماوات والأرضين بكت لها » .

ثم قال ( صلّى اللّه عليه واله ) لها : « يا بنية ، اللّه خليفتي عليكم وهو خير خليفة ، والذي بعثني بالحقّ لقد بكى لبكائك عرش اللّه وما حوله من الملائكة والسماوات والأرضون وما بينهما ، يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ لقد حرمت الجنة على الخلائق حتى أدخلها ، وإنّك لأول خلق اللّه يدخلها بعدي ، كاسية حالية ناعمة ، يا فاطمة هنيئا لك ، والذي بعثني بالحقّ إنّ جهنّم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا صعق ، فينادى إليها أن يا جهنّم يقول لك الجبار اسكني بعزّي واستقري حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) إلى الجنان لا يغشاها فقر ولا ذلة ، والذي بعثني بالحقّ ليدخلن حسن وحسين ، حسن عن يمينك وحسين عن يسارك ، ولتشرفنّ من أعلى الجنان بين يدي اللّه في المقام الشريف ، ولواء الحمد مع علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ، والذي بعثني بالحقّ لأقومن بخصومة أعدائك ، وليندمنّ قوم أخذوا حقك وقطعوا مودّتك وكذبوا عليّ ، وليختلجنّ دوني فأقول : أمتي أمتي ، فيقال :

إنّهم بدّلوا بعدك وصاروا إلى السعير »[3].

 

 

[1] الكامل في التأريخ : 2 / 323 ، وطبقات ابن سعد : 2 / 39 ، ومسند أحمد 6 / 282 .

[2] مسند أحمد : 6 / 282 .

[3] بحار الأنوار : 22 / 490 ، وراجع : نصوص المقطع الأخير من الحديث في صحيح البخاري : كتاب الفتن ، الأحاديث ( 1 - 5 ) .

 

* المصدر: أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف، ج 3، ص107-110.

معنى (العِلم المصبوب)

تنزيه الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) عن الوزر

تنزيه نبي الله يونس (عليه السلام) عن الظلم

رأي شيخ المحدّثين الصدوق (رضوان الله عليه) حول سهو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

لماذا وقع التشابه في القرآن الكريم؟

لماذا تخصيص العشيرة بالدعوة؟!

الصلاة البتراء

حكم آل داود منسوخ فكيف يحكم المهدي به؟!

تنزيه نبي الله يعقوب (عليه السلام) عن الحزن المكروه

معنى: (إنّ الله خلق آدم على صورته)

ما المقصود من خزائن الله تعالى؟

المقصودُ من وداعِ شهرِ رمضانَ

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر

ما المانع من وجود آلهة یتعاونون على تسییر شؤون الکون؟

ما الفرق بين كتاب علي ومصحف علي؟ وما الفرق بين مصحف علي ومصحف فاطمة؟

ليلة الجهني

1

المزيد
EN