بقلم : السيد ليث الموسوي
يوم أمس ـ قال صديقي ـ كنت أتابع تقريرا عن حجم صادرات الدول الصناعية ونسبة مدخولاتها السنوية جراء ذلك، عندها جال بصري نحو موجودات بيتي فكانت الصدمة!
ممن ـ قلت له ـ!
فبادرني: وجدت أن كل شيء (كل شيء) في بيتي كان مستوردا!
وبقيت أتمتم مع نفسي علّني أجد هنا أو هناك شيئا مما صنعته أيادي أبناء بلدي، كبلاطات الجدران مثلا، ولكن حتى تلك وجدتها أجنبية المنشأ!
وأنا غارق في دهشتي نودي عليّ لتناول الطعام.
فهرعت مسرعا لعلّي أواسي نفسي بما سأجده على المائدة من خيرات بلدي فما كانت إلا كالصاعقة على أم رأسي، ما هذا، مالذي يجري؟!!
ثلاثة أطباق من أصل أربعة استوردها تُجّارنا من خلف الحدود!
حينها أدركت أن كل شيء في بلدي مستورد، إلا أمواله فهي للتصدير!
أيعقل هذا؟!
قالها صديقي وعيناه جاحظتان كأنهما سيغادران رأسه.
فأردت أن أخفف عنه بشيء من الدعابة قائلا: لا عليك يا أخي فنحن نمتلك ثروات طبيعية جمة فلا حاجة لنا بالصناعة ومتاعبها.
ولكن أصدقك القول: بأن كل ذلك سيهون إن توقف نزيف استيراد أمور أهم مما ذكرت فازدادت علامات الدهشة على محيا صديقي، وتسارعت أنفاسه وتلجلجت حروف كلماته، يريد السؤال عن تلك الأمور فبادرته: ربما سيهون الخطب علينا إن توقف استيراد الثقافة المشوهة التي باتت تنخر جسد مجتمعنا
وأنت تعلم بأن منظومتنا الفكرية أيضا داهمتها أفكار معلبة ونتنة من شدة فسادها فتعرّق جبين صديقي وتمتم بألم: إذن فهو الانهيار، ولا خلاص لنا دع عنك التشاؤم ـ قلت له ـ فيمكن أن ننهض من جديد.
ففي الواقع أن ما ذكرته ليس هو نهاية المطاف، بل يمكن أن نبدأ.
وإن سألتني عن السبيل إلى ذلك؟
سأجيبك بأن طبيعة المجتمع المتخلف فكريا وثقافيا أن يكون مستهلكا غير منتج، فيستحوذ عليه الاتكال على ما ينتجه الآخرون.
فالولع بالمستورد والإقبال عليه مطرد مع ثقافة الاستهلاك العشوائي وهذا ما يراد لنا أن نكون عليه.
ولكن إن التزامنا بفكرنا، وحافظنا على ثقافتنا كانت بداية خلاصنا من استعمار الاستيراد.
وبالتالي سنعتمد بالضرورة على ما تنتجه أيادينا.