بقلم : السيد غيث شبر
ينشغل بني البشر في حياته بأمور شتى، فترى أحدهم يسعى حثيثا لأجل مال أوجاه أو سلطان، ويقضي تلك السنين في كدحه نحو مبتغاه، فالحياة مضمار سريع متعب، لكنها لن تعطي في آخر المطاف أحدا منهم شيئا إلا سلبته منه، فهي كسراب يحسبه الظمآن ماء، فإن الخالق أمرها أن أتعبي من أرادك وأن أريحي من كشح بوجهه عنك، فهي بذلك مؤتمرة طائعة، والكل في غفلة عن هذا، فهم مبهورون بحجم الدنيا التي يرونها وما فيها من عجائب. فسواد الناس صغار أمامها، وهم لا يطيقون مرارتها. تراهم وإن أنعم الله عليهم ما أنعم؛ متذمرون سخطون طامعون، ما لبثت الحاجة والرغبات رفيقهم الدائم، لفقرهم ولو ملكوا كل ما تحت الغمام.
إلا أن هناك صنفا وفئة خاصة من بني آدم يفنون أيام العمر في طلب عين الحياة التي بحث عنها جلجامش في العصور الغابرة، غير أنهم وجدوها فأدمنوا شرابها، فتراهم لا يملون من نميرها العذب، بدون مزاحمة التجار والدهاقين وأصحاب الثروة والجبروت. فهؤلاء هم الكبار الذين صغرت الدنيا بعينهم، فأضحت لا تكاد تُرى، متصاغرة أمامهم تخدمهم وهم غير آبهين!
أن تقضي قرابة التسعة عقود في طلب العلم والحكمة، ليس أمرا سهل المنال، إلا على الرجال الكبار الذين نهجوا درب إمامهم، وهم في خضم الجد والاجتهاد يقضون أوقاتهم في لذة لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال أحد، فعين الحياة لم يذق طعمها غيرهم، ولم يشم عبقها سواهم، فهي من رحيق مختوم، ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
طاب ثراك سيدي من رجل كبير تضاءلت الدنيا أمامك، عشت سعيدا ومت سعيدا وحشرت مع أجدادك الطاهرين في السعداء.