لماذا لابُدَّ مِنْ تخليدِ حادثةِ عاشُوراءَ؟
لماذا نُحاولً إحياءَ حادثةٍ مَرَّ عليها ما يُناهِزُ ألفٌ وثلاثُمئةٍ وثمانون عاماً؟
فَهِيَ حادِثَةٌ تأريخيةٌ حُلوَةً كانتْ أم مُرّةً، فإنَّ آثارَها قد انتَهَتْ، فلماذا نُحييها بعدَ أربعةَ عشرَ قَرناً؟
الجوابُ على هذا السؤالِ ليسَ عَسيراً، مِنَ المُمكنِ أنْ نُبيّنَ أنَّ الحوادثَ الماضيةَ في كُلِّ مجتمعٍ يُمكِنُ أنْ تكونَ لها آثارٌ ضخمَةٌ في مَصيرِ المُجتَمَعِ ومُستَقبَلِهِ، وفي الواقعِ إحياءُ تلكَ الخواطرِ هِيَ إعادَةُ النظرِ والصِّياغَةِ الجديدةِ لتلكَ الحادثةِ ليتيَسَّرَ للناسِ الانتفاعُ مِنها..
فإنْ كانتْ هذهِ الحادثةُ نافعةً عندَ حدوثِها، وكانتْ منشأَ آثارٍ طيّبةٍ فإعادةُ النظرِ إليها يجعَلُنا نستفيدُ شيئاً مِنْ بَرَكَتِها.
إضافةً إلى ذلكَ، فقَد اعتادَتِ المجتمعاتُ البشريّةُ أنْ تقومَ بإحياءِ حوادثِ الماضي وتُكْبِرُها وتُضفي عليها لوناً مِنَ الاحترامِ والتقديرِ، سواءٌ كانتْ مُتعلّقةً بأشخاصٍ لهُم دورٌ مؤثرٌ في رُقيِّ مُجتمعاتِهم كالعُلماءَ والمُكتشفينَ، أمْ كانتْ متُعلقةً بأشخاصٍ تميّزوا بدورٍ حَسّاسٍ في تحريرِ أُمَمِهم سياسياً واجتماعياً فأصبَحُوا أبطالاً وَطَنيينَ.
جميعُ العُقلاءِ في العالمِ يُحيونَ ذكرياتِ الشخصياتِ البارزةِ، وهذا الأمرُ يتمُّ حَسبَ واحدةٍ مِنَ الرَّغباتِ الفطريّةِ التي أودَعَها اللهُ تعالى في أعماقِ جميعِ الناسِ، ويعبُّر عَنها بـ "حِسِّ الشُّكرِ والاعترافِ بحَقِّ الآخرَ"
فهُناكَ رَغبةٌ فطريّةٌ موجودةٌ في أعماقِ جميعِ النّاسِ تدفَعُهم للاعترافِ بحَقِّ مَن أَسدَى لَهُم خدمةً وشُكرِهِ عَليها.
لذا فعِندَما نعتَقِدُ أنَّ عاشوراءَ حادثةٌ عظيمةٌ في تأريخِ الإسلامِ ولهَا دورٌ مصيريٌّ في سَعادَةِ المُسلمينَ، وبيّنَتْ سبيلَ الهدايةِ للناسِ، لهذا تُصبحُ هذهِ الحادثةُ ذاتَ قيمةٍ عظيمةٍ، وإعادَةُ صياغَتِها وتَذَكُّرُها أمرٌ لا يُمكِنُ التفريطُ بهِ لأنَّ بركَتَها تشمُل العالمِ والمُجتمع.