حسن الهاشمي
السير الحثيث لبلوغ الهدف يتطلب منا المزيد من الجد والمثابرة لمرمة الطريق وتوفير المتطلبات الفاعلة في تسهيل المهمة المضنية التي تؤسس لحياة أفضل لما قبل الموت وما بعده، والحياة عبارة عن مكابدة ومكافحة لتخطي الصعاب والعيش الحر الكريم في بيئة آمنة وأجواء فارهة لمن يريد النجاة والعيش بمساحات بعيدة عن تداعيات البطر والتقاعس ولقمة الحرام، التي بدورها تنكد على الانسان حياته وتجعله في الآخرة من التائهين.
عادة الذي يسير في ظعن وقافلة ما يبتغي الفتح اذا كان محاربا، والربح اذا كان تاجرا، والترفيه اذا كان سائحا، والعلم اذا كان متعلما، والانفراج اذا كان مهموما، واكتساب التجارب اذا كان باحثا، ومعرفة العادات والتقاليد للشعوب اذا كان ناقدا، وكما قال الشاعر:
تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلَى وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد
ربما يحصل المرء على ما يريد من عطاء الدنيا المحدود بعمره المشوب بالمشاكل والأزمات وتقلبات الحياة المضطربة، ولكن الذي يبتغي الكمال المادي والمعنوي بما يؤمّن له بلوغ الدرجات العلى، بحاجة الى تزكية النفس ومراسها في اختبارات الهية لا يخرج منها الا الصابرون الذين امتحن الله قلبهم بالإيمان، وطلب العلى لا يتحقق الا بعد تحقق أمور ثلاثة وهي التي أشار اليها الامام الصادق عليه السلام حينما قال: (لا يظعن الرجل إلا في ثلاث: زاد لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم، ثم قال: من أحب الحياة ذل) الخصال للشيخ الصدوق ج1 ص120.
الرحلة السعيدة للمرء لا تكون الا في ظعن الخلود، وهو الظعن الذي يسير بالمرء وعثاء الطريق ويوصله الى مرفأ النجاة، وهذا لا يتأتى للإنسان اعتباطا وانما يتأتى من خلال بذل المهج وخوض اللجج في سبيل الاستقامة لتوفير الزاد المعنوي والمادي ولا يمكن توفير هذا الزاد الا من خلال التقوى، التي تحرّض الانسان المؤمن على الاتيان بالواجبات وترك المحرمات والابتعاد عن الشبهات، وان تهيئة الارضية المناسبة لتشذيب السلوك الانساني من أي شائبة وشائنة وتسويقها وفقا لما هو مطلوب منها ان تتعامل مع النوع وفقا لتعاليم عادلة لا تجلب الحيف لأحد، باتت هذه الأمور من ضروريات الفكر المستنير، والتزود بالتقوى هو بمثابة التزود بخير الدنيا والآخرة، ولهذا أشار القرآن الكريم: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ) البقرة: 197 والخيرية هاهنا تعم الدارين لما تضمن حياة حرة كريمة فيها من الخيرات والبركات في الدنيا والنعيم الأزلي الزاخر في الآخرة.
وخير طريق للوصول الى الهدف الاسمى من دون خسائر قاصمة ولا مطبات مهولة هو ان يجعل الانسان السوي الدنيا مزرعة للآخرة، يبذر هاهنا بذور الخير والصلاح ليحصد في دنياه السعادة المشوبة بالبركة والعفاف والكفاف وليحظى في آخرته السعادة الأبدية التي لا لغوب فيها ولا عناء، حينما تسعى للتزود بالتقوى انما تضمن حياة حرة كريمة، وعائلة نموذجية يفوح منها اريج التفاهم والتلاطف والتكامل، ومعيشة مقتصدة توفر لك ولعائلتك الحياة الكريمة وتبدد الفائض من أموالك بين الفقراء والمساكين لتوسيع دائرة الخير لتشمل أكبر قدر من الناس تعميما لمبدأ التكافل الاجتماعي.
ولا يزال الانسان يكدح لكي يحصل على لقمة الحلال التي فيها البركة والرحمة والغفران، هذا كله لم يأت اعتباطا وانما يأتي في ظل التقوى والاستقامة والصدق، والحياة الجرداء دونما مبدأ وعقيدة وجهاد انما هي جدباء قاحلة لا حراك فيها ولا نبض ولا حصاد، وخطر الوقوع في شراكها من دون نجاد التقوى هو بمثابة الضمآن الذي يجري وراء السراب ظنا منه أنه ماء، وسعادته ومضات معدودة لا تعدو كونها حلم عابر سرعانما يصحو بصخرة الواقع المرير، واذا هو يعيش بذل ورتابة مهابة السلطان، ويرتكس بمرارة وقساوة الخطايا والذنوب والعصيان، ويخضع لتقلبات الأحوال والأماكن والأزمان، وهو ايذان بسقوط مهين لا ندم ينفع حياله ولا أنين.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN