خطيب جمعة كربلاء يوصي المؤمنين بالتأمل والتفكر في احوال الانبياء ، ويعتبر البلاء امتحانا لايمان المؤمن وتمحيصا لصبره واستمراره على المنهج الرباني
اكد سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ( دام عزه ) خلال خطبته الدينية التي القاها في الصحن الحسيني الشريف يوم الجمعة 20/ربيع الاول/1437هـ الموافق 1/كانون الأول/2016م ، على ضرورة التأمل في تاريخ الامم الماضية وما مرّ به الأنبياء الله واتباعهم من مصائب ومحن ، ومحاولة فهم صبرهم وتحملهم لاستثمار ذلك في رفع درجة المرء منا عند الله بعد واجتياز الامتحان الالهي .
وفي مورد تعليقه عن رسالة امام الصادق عليه السلام الى شيعته ، تطرق الكربلائي الى سنة الله في عبادة بالاختبار والتمحيص سيما الأنبياء وأتباعهم من بعدهم .
وبخصوص اغراض الإبتلاء ، اكد سماحته بأنه ـ الإبتلاء ـ فرصة لإظهار حقيقة ايمان الانسان وتمييزه عن الكاذب فضلا عن تمييز الصابر من غير الصابر والمجاهد من غير المجاهد ، وتبيان مدى استحقاق الشخص من الثواب والعقاب ، ناهيك عن كونه ـ الإبتلاء ـ منبه وموقظ لمن غفل عن امره ، وأخيره هو مرحلة تأهيل وصقل وترسيخ الملكات الفاضلة .
كما تطرق سماحته الى ما يدفع به البلاء كالاستغفار والدعاء والصدقة ، مع تعريجه على الوان الابتلاء ومنه ابتلاء الشدة كالخوف والجوع ونقص الاموال والانفس والثمرات والابتلاء بالكفار والابتلاء بضيق المعيشة والفقر وقلة الرزق وابتلاء التأديب ناهيك عن ابتلاء الرخاء والخير والنعيم المادي والثروات والمال والسلطة وهو ما قد سكون اشد وطأة واصعب من الابتلاء بالشدّة لأنه قد ينسي الانسان خيرات الله تعالى عليه ونعمه ويلهيه عن واجباته وتكاليفه ويستخدمها في معاصيه ، ونفس الشيء ينسحب على الابتلاء بكثرة النعم والبركات والاموال والاولاد والقوة الجسدية وكثرة العدد والعدّة والتمكن من وسائل القوة والغلبة ، واخيرا الابتلاء بالنصر على الاعداء لكشف مدى شكرهم وابتعادهم عن الزهو والعجب والغرور وحفاظهم على مقومات النصر .
هذا وقد جاء فيها ما يلي :
ورد في رسالة الامام جعفر الصادق (عليه السلام) لشيعته :
(فتدبروا ما قصّ الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء ، والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم ...)
( فتدبروا ما قصّ الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ) ، وذلك بالتأمل والتفكر في احوال الانبياء عليهم السلام الماضين واتباعهم المؤمنين التي قصّها القرآن الكريم ، كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء وكانوا اثقل الخلائق عناء واجهدهم بلاء واضيقهم حالا ً واقلهم مالاً ، اتخذهم الفراعنة عبيداً وآذوهم شديدا وساموهم سوء العذاب فلم يجدوا وسيلة للدفاع ولا حيلة في امتناع .
وقد جرت سنة الله في عباده الصالحين بالاختبار والامتحان والتمحيص وما يلقاها الا الصابرون الفائزون وهم خير عاقبة عند الله تعالى في الدنيا والاخرة ، فلابد من التآسي بهم عند نزول البلاء .
ان من العوامل المؤدية الى النجاح في اختبارات البلاء والصبر عليها هو التأمل في تاريخ الامم الماضية وما مرّ بالأنبياء عليهم السلام واتباعهم من ضروب المحن والمصائب والمشاكل والتعذيب .
وإمعان النظر في مواقفهم من الاختبارات وكيف انهم صبروا وتحملوا ، فرفع الله درجتهم وهو عامل مؤثر لاجتياز الامتحان الالهي بنجاح .
فلو عرف الانسان بأن ما يمر به من مصائب وابتلاءات ليس حالة شاذة ، وانما هو قانون عام شامل لكل الافراد والجماعات ، فإنه سوف يهون الخطب عليه ولتفهم الحالة بوعي وقبول ولأجتاز المصاعب بثبات ومقاومة للمصاعب ، ولذلك يثبت الله تعالى قلب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين معه باستعراض تاريخ الماضين .
والامتحان يرافق المؤمنين في كل مراحل حياتهم ، واشد الناس بلاء هم الانبياء ثم الامثل فالأمثل ، قال الامام الكاظم عليه السلام: ( المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه ) .
ما هو الغرض من الابتلاء ...
1. ليظهر حقيقة الايمان والصفات لدى الانسان المؤمن ، اذ لا يكتفي الله تعالى بالادعاء باللسان من المؤمن انه مؤمن ، بل لابد من الاختبار ليظهر ان الايمان صادق ام مجرد دعوى ولتظهر الصفات التي ينال عليها الانسان الدرجات الرفيعة في الجنة من قبيل الجهاد والصبر والتوكل وغيرها ، وليتميز الصادق في ايمانه من الكاذب والصابر من غير الصابر وهكذا المجاهد من غير المجاهد .
وليظهر للمؤمن والمؤمنين الاخرين ان فلاناً يستحق الثواب وفلانا ً يستحق العقاب .
قال تعالى : (( ما كان الله ليذرَ المؤمنين على ما انتم عليه حتى تميزَ الخبيث من الطيب )) .
واشار الى هذا المعنى الامام الحسين (عليه السلام) : ( ان الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قلّ الديّانون ) .
2. التنبيه والايقاظ ، فقد يكون الانسان من غفلة من امره ، وهو بعيد عن الله تعالى او يرتكب اموراً وهي معصية وهو في غفلة عنها فيبتلى ، يعود الى رشده ويستيقظ .
3. الاعداد والتأهيل وصقل الملكات الفاضلة وترسيخها .
الوان البلاء ...
اولا ً : بلاء المؤمن .
يتعرض المؤمنون للبلاء ، لامتحان ايمانهم وصبرهم وشكرهم واستمرارهم على المنهج الرباني ، وللحصول على الاجر والثواب من اجل التوجيه والتقويم لتصقل نفوسهم وتمحّص ، ويكون البلاء بالشدة والرخاء .
وتتعدد مظاهر الابتلاء بالشدة من فرد الى آخر ومن مجتمع الى اخر حسب درجات الايمان وحسب طاقاتهم الكامنة بالصبر والتحمل .
1. الخوف والجوع ونقص الاموال والانفس والثمرات ، فالابتلاء بالشدة في هذه الامور لكي يلتجئ الانسان الى الله تعالى ويتضرع اليه لتتعمق العلاقة بينه وبين خالقه .
2. الابتلاء بالكفار ، يبتلي الله تعالى المؤمنين بالكفار وغيرهم من اعداء الاسلام واعداء المؤمنين مثل ابتلاءهم في الوقت الحاضر بعصابات " داعش" فيبتليهم بان يجدوا ان للكفار دولة قوية بما يملكون من قوة في المال والسلاح والاقتصاد والرجال ومن الوسائل التقنية الحديثة وان لهم مؤيدون واتباعاً النصر وتضييق الامور على المؤمنين .
3. ضيق المعيشة ، فالفقر وضيق المعيشة من اوجه الابتلاء للمؤمنين لاختبار صبرهم واختبار ايمانهم بقضاء الله وقدره ، والابتلاء بضيق المعيشة يتناسب طردياً مع درجة الايمان ، قال الامام الصادق عليه السلام : (( كلما ازداد العبد ايماناً ازداد ضيقاً في معيشة )) .
4. وان قلة الرزق وضيق المعيشة امتحان عسير لمعرفة درجة ارتباط الانسان بالله تعالى وهل انه يرضى بما قسم الله تعالى له من الرزق ام يسخط على قدر الله تعالى ، ومن الابتلاء الامراض والعلل والاسقام وقد يبتلى الانسان بزوجة سيئة الخلق او الزوجة بزوج سيء الخلق .
ابتلاء التأديب ، فعندما يبتعد المؤمن عن النهج الرباني ولا يكون سلوكه مطابقاً لما يؤمن به ويرتكب بعض المعاصي كبيرة او صغيرة يبتليه بعذاب تأديبي ليردعه عن المعاصي ولكي يعود للاستقامة ويتوب الى الله فعلى المؤمن حينما يتعرض لمثل هذا العذاب او العقوبة او امر يجعله في هم او غم فعليه ان يراجع ويبحث عن سلوكه وتصرفاته واقواله فربما ارتكب معصية وحينئذ عليه ان يتوب ويستغفر الله تعالى ومن مظاهره :
أ . نقص الثمرات وحبس البركات .
ب. تسليط الاشرار : وهو تأديب للمؤمنين التاركين لمسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
جـ. توالي الاضرار : ومن ذلك غلاء الاسعار وقصر الاعمار وخسران التجارة وحبس البركات والامراض وغيرها .
ابتلاء الرخاء ...
فالابتلاء بالرخاء والخير والنعيم المادي والثروات والمال والسلطة ابتلاء الهي للمؤمنين لامتحان قياسهم بواجب الشكر عليه والاحسان به للأخرين واستثماره في طرقه المشروعة، وقد يكون الابتلاء بالرخاء والخير اشد وطأة واصعب من الابتلاء بالشدّة لأنه غالباً ما ينسي الانسان خيرات الله تعالى عليه ونعمه ويلهيه عن واجباته وتكاليفه وقد يستخدمها في معاصيه او يقبل على الدنيا وملذاتها ...ويحصل لهم البطر والترف في المعيشة .
ومن ذلك الابتلاء بكثرة النعم والبركات والاموال والاولاد ويبتلي الله عباده بالقوة الجسدية وبكثرة العدد والعدّة والتمكن من وسائل القوة والغلبة كما ابتلى المسلمين في حنين بكثرة عددهم فاصابهم الغرور والتراخي وخسروا المعركة لانهم اعتمدوا على كثرتهم ولم يعتمدوا على الله سبحانه .
ويبتلي الله تعالى عباده بالنصر على الاعداء فهل يشكرون الله تعالى ويبتعدون عن الزهو والعجب والغرور بالنصر وهل يحافظون على مقومات النصر .
كيف يرفع البلاء ...
قال الامام الصادق عليه السلام : (( لن تكونوا مؤمنين حتى تعدّوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة )) .
فالبلاء نعمة لأنه ينبّه الانسان الى معاصيه ليتوب ويشد العقول والقلوب الى مصدر الرحمة ومصدر الحماية والعناية وهو الله تعالى اضافة الى انه يرفع منزلة الانسان ومقامه ويرسخ وينمي الملكات الحسنة من الصبر والتوكل وحسن الظن بالله تعالى .
فهو نعمة بهذا المنظار والرخاء مصيبة لأنه قد يؤدي الى الغرور والعجب والبطر والتكبر والاستعلاء والانكباب على الدنيا فهو مصيبة بهذا المنظار .
من الامور التي تدفع البلاء ...
1.الاستغفار : لان الانحراف والمعاصي والذنوب سبب للبلاء والعذاب فاذا تاب الانسان واستغفر فانه يتقي البلاء .
2.الدعاء : قال الامام علي عليه السلام : ( ادفعوا انواع البلاء بالدعاء، عليكم به قبل نزول البلاء ) .
3.الصدقة: فهي وان كانت تدفع البلاء الا انها بنفسها مظهر من مظاهر التراحم والتعاطف والتكافل بين المسلمين .
جزاء الصبر على البلاء ...
1.دخول الجنة بدرجاتها العالية : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ان في الجنة درجة لا ينالها الا اصحاب الهموم ) .
2.تمحيص الذنوب .
3.غفران الذنوب ومحو الخطايا .